ما حدث في غزة قد يكون أسوأ مما نتصور
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
قد يميل كثير من الأمريكيين إلى ألا يصدقوا جسامة ما حدث في غزة؛ لأنه في نهاية المطاف كارثة موَّلتها أموالنا، وتيسر ارتكابها بأسلحتنا، وتغاضت عنها حكومتنا، ونفذتها حليفة من أقرب حلفائنا. فلا عجب في أن يهوِّن البعض حجم الأضرار.
وهم في دفاعهم هذا يشككون في الأرقام؛ فيمضي دفاعهم شبيها بالنحو التالي: حصيلة الموتى، ومصدرها هو وزارة الصحة التابعة لإدارة حماس، لا بد أن تكون منطوية على مبالغة ترمي إلى إثارة الغضب الدولي.
ولكننا الآن في وقت الحساب؛ فبعد سنتين من العنف المستمر، استقر وقف هش لإطلاق النار في غزة، تبعته مشاهد بهيجة لعودة الأسرى الإسرائيليين إلى أهلهم والأسرى الفلسطينيين إلى وطنهم بعد سنين من الحبس. لكن لا بد من النظر إلى ذلك على خلفية واقع كارثي يواجهه الناجون: أي الدمار التام والخسارة الرهيبة. واليوم ثمة فرصة، لو أننا راغبون، في اكتشاف التكلفة الحقيقية لهذه الحرب. وقد يتبين لنا أنها أفدح مما كنا نتصور.
لنتكلم، أولا، عن الأرقام. في غزة، تم إحصاء الموتى ـ وهم على الأقل 68229 شخصا وفقا لآخر إحصاء ـ على يد وزارة الصحة التي تديرها حماس شأن بقية الجهات الحكومية في القطاع. وقد أثار هذا شكوكا، في أقل تقدير. ولكن خبراء في إحصاء موتى الحروب قالوا لي إن إحصاء الوزارة تحرى الدقة على نحو غير معتاد. فهو لا يحتوي فقط أسماء الأفراد الذين ثبتت وفاتهم بسبب الحرب وإنما العمر والجنس ورقم الهوية الذي يسهل التحقق منه. قال لي مايكل سباجات، الأستاذ في جامعة رويال هولواي بلندن، والذي درس حصيلة الحروب لعقود إن «وزارة الصحة، كما نعلم، ولأسباب عدة، متحفظة فعلا في إدراج الأسماء في القائمة» وقال إن في الأمر مستوى لافتا من الشفافية «فالمعلومات أفضل من أي شيء عرفناه في صراعات حديثة في تيجاري والسودان وجنوب السودان».
وفي الواقع، برغم جدارة الإحصاء بالثقة، يشك كثير من الخبراء في أنه يقلل كثيرا من عدد الضحايا. فقد أجرى سباجات ومجموعة من الباحثين دراسة مسحية على ألفي أسرة في غزة أشارت إلى أن الأرقام الرسمية على الأرجح تقلل من عدد القتلى في الحرب بنسبة 39%.
غير أن أرقام الموتى لا تميز بين المقاتلين والمدنيين. وهذا يطرح زعمًا آخر هو أن أغلب القتلى مقاتلون في حماس ومن ثم فهم أهداف مشروعة. ولكن دراسة سباجات المسحية تؤكد جانبا آخر في أرقام الموتى وهو أن أغلبية القتلى ـ أو 56% منهم تقريبا ـ نساء وأطفال وشيوخ.
وقال لي سباجات إنه «في الصراع التقليدي، يكون عدد الذكور في سن القتال أكبر مما نرى هنا. نسبة النساء والأطفال والشيوخ مرتفعة بشكل غير معهود». وحسبُ المرء أن ينظر إلى أنقاض غزة ليعرف أن القصف الإسرائيلي بالقنابل والصواريخ كان بعيدا أشد البعد عن الاستهداف الدقيق للمقاتلين، بل إنه كان يقع على الصغار والكبار، والرجال والنساء، بالتساوي.
لكن الإحصاء الدقيق للموتى لا يكشف إلا جزءا من تكلفة الحرب الإنسانية. ففي صراعات كثيرة حديثة ـ في دارفور وتيجاري والكونغو واليمن ـ يموت عدد مماثل أو أكبر بسبب الجوع والمرض كما بسبب العنف. ويطلق على هذه وفيات غير مباشرة، وكثيرا ما تحصى بقياس معدلات الوفيات قبل القتال وبعده. وقد قال لي خبراء إن إدراج هذه الوفيات مهم، لإن إغفالها يخفي تكلفة الحرب الحقيقية.
ولقد رأيت هذا بعيني في دارفور في أواسط العقد الأول من القرن الحالي، حيث لم تكن هجمات ميلشيات الجنجويد المميتة إلا محض بداية للشقاء.
فقد تحتم على أهل القرى الهرب من بيتوهم والتكدس في مخيمات مؤقتة بائسة. وكانت المساعدات تستغرق أسابيع بل شهورا للوصول إليهم. وكان الأطفال دون سن الخامسة والحوامل والمعاقون والشيوخ من أوائل الموتى، لا بسبب الرصاص أو القنابل وإنما من أوضاع ناجمة عن العنف.
وفي الكونغو 2006، قضيت أياما عديدة في مستشفى بالقسم الشرقي من البلد أوثق التداعيات غير المباشرة للحرب على الأطفال. رأيت طفلا صغيرا اسمه عموري يلفظ أنفاسه الأخيرة مستسلما للحصبة وهو مرض تسهل الوقاية منه بالتطعيم الروتيني والطب الحديث. ولم يكن هذا إلا واحدا من أطفال كثيرين رأيتهم في ذلك الأسبوع يموتون بأمراض كان يمكن الوقاية منها.
تشيع معدلات الوفاة العالية هذه في المناطق النائية من البلاد الشاسعة الفقيرة حيث تنتشر الكثافة السكانية على نطاق واسع فيصعب وصول المساعدات إليهم. لكن غزة مختلفة. فهي صغيرة ـ توشك أن تماثل ديترويت في الحجم ـ ويسهل الوصول إليها عن طريق البر. وقبل الحرب كانت غزة تحظى بأحد أعلى معدلات المساعدات الإنسانية لكل نسمة في العالم، وكان أهلها في المتوسط أفضل صحة بكثير من السكان في مناطق صراع أخرى. وكانت معدلات تطعيم الأطفال المرتفعة تحمي الصغار من الأمراض المعدية من قبيل شلل الأطفال.
كان يفترض أن يعني هذا تضاؤل نسبة الوفيات غير المباشرة من الإجمالي مقارنة بالحروب الأخرى. ولفترة طويلة من الصراع، كان الحال كذلك. لكن قرار إسرائيل بالحد الكبير وفي بعض الأحيان الحد الكامل لوصول المساعدات إلى غزة قد دفع القطاع إلى مجاعة هذا العام. وتحطمت البنية الأساسية الصحية فيه واضطر أغلب سكانه البالغ عددهم مليونين إلى النزوح، ولمرات كثيرة في الغالب، والحياة في أوضاع غير صحية أو آمنة. وليس بوسعنا أن نعرف بعد حجم الضرر الذي تسبب ذلك فيه.
الرجاء الآن هو أن يتيح وقف إطلاق النار تحسن الأوضاع. غير أن هذه الفترة المضطربة، من أوجه معينة، قد تكون مميتة للناس في غزة. ففي ظل الخراب الكبير، لن يجد كثير ممن يعودون إلى وطنهم غير الركام. وثمة أسباب وجيهة لأن نتوقع من إسرائيل أن تسعى إلى استعمال تدفق المساعدات الإنسانية ـ من غذاء ومياه وكهرباء وإمدادات طبية وعمالة ـ للضغط في المفاوضات المعقدة بشأن مستقبل غزة.
بموجب شروط وقف إطلاق النار، الذي تعرض بالفعل لاختبارات قاسية، كان ينبغي أن تدخل ستمائة شاحنة مساعدات إلى غزة يوميا. لكن منذ أن توقف القتال، وبحسب الأمم المتحدة، لم يصل غير أقل من مائة شاحنة في المتوسط يوميا. وأهل غزة في منتهى الحرمان. وقد قال لي أليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس وأحد أبرز الخبراء العالميين في مجال المجاعة «إنني سوف أندهش كثيرا إذا كان عدد الوفيات غير الناجمة عن الصدمات أقل من خمسين ألفا».
لو صدق وال في تقديره، فسوف يكون هذا الصراع قد أدى إلى مقتل 7.5% من سكان غزة قبل الحرب في غضون عامين. وهو بالفعل، ومن حيث النسبة، كان أشد هلاكا من الحروب التي شهدتها اليمن وسوريا والسودان وأوكرانيا. وسوف يكون من المستحيل إخفاء الحقيقة، إذ سيحول دون ذلك صغر حجم غزة وسهولة الوصول إليها وما فيها من بنية أساسية للمساعدات. وبالمقارنة مع صراعات أخرى، يمكن أن تتحدد حصيلة الوفيات ـ المباشرة وغير المباشرة ـ بدقة غير معهودة.
لذلك سيكون التهوين والإنكار لما حدث أصعب، لكنه لن يستحيل. ففي لقاء مع برنامج (ستون دقيقة) يوم الأحد، وصف جاريد كوشنر أطلال غزة بعد زيارة أخيرة برفقة الجيش الإسرائيلي فقال «إنها بدت وكأن قنبلة نووية قد سقطت عليها». ولما سئل عما لو أن ما جرى إبادة جماعية، رد على الفور «لا». وتدخل شريكه التفاوضي ستيف ويتكوف «لا، لا، إنما كانت حربا تخاض».
فالركام يحكي قصة، والذين أحدثوا الركام يحكون قصة أخرى. والمحاسبة تبدأ بأن نختار أي القصتين نصدق.
ليديا بولجرين من كتاب الرأي في نيويورك تايمز
الترجمة عن ذي نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
أسطورة مانشستر يونايتد يهاجم محمد صلاح: «أسوأ أفضل لاعب في العالم»
وجه بول سكولز، أسطورة مانشستر يونايتد الإنجليزي، انتقادات قوية للنجم المصري محمد صلاح، لاعب ليفربول، على خلفية تراجع مستواه وابتعاده عن التسجيل في الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا.
وقال سكولز في تصريحات نقلتها صحيفة «ليفربول إيكو»: «على الرغم من غزارة أهداف محمد صلاح مع ليفربول على مر السنوات، إلا أنني أراه في بعض الأحيان يقدم أداءً فنيًا متراجعًا، فكثيرًا ما ترتد الكرة من قدميه، كما يقوم أحيانًا بتصرفات لا تليق بمهاجم بهذا المستوى.»
وأضاف نجم اليونايتد السابق:«إذا استمر صلاح في التوقف عن التسجيل، فسيكون على المدرب أرني سلوت التفكير جديًا في استبعاده من التشكيلة الأساسية، لأنه لا يقدم في الوقت الحالي ما يؤهله للبقاء فيها، لقد ابتعد كثيرًا عن الصورة التي جعلته يُوصف ذات يوم بأنه أحد أفضل لاعبي العالم، إنه ببساطة يبدو أسوأ أفضل لاعب في العالم.»
يُذكر أن محمد صلاح غاب عن التشكيلة الأساسية في مباراة ليفربول الأخيرة أمام آينتراخت فرانكفورت ضمن الجولة الثالثة من دوري أبطال أوروبا، وشارك كبديل في الدقيقة 74، دون أن يتمكن من هز الشباك.