من التعاطف إلى الإعجاب ثم السخط العالمي، السودانيون مسار يزداد تعسّراً
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
من التعاطف إلى الإعجاب ثم السخط العالمي، السودانيون مسار يزداد تعسّراً
خالد فضل
تزيين القول وتجميل الوجه مسحة لا تدوم طويلاً، عندما تحين ساعة الحقيقة ينكشف القناع، يصبح السقوط من حالق فيندق العنق، مثل الذين حرضّوا على الحرب، واشعلوها، ثم ظلوا يزيدونها ضراماً بخطاب الكراهية والكذب والتضليل، ويمارسون الانتهاكات البشعة بزعم الكرامة، ثم يعطلون أي مسعى انساني لوقف النزيف، ويرفضون أي مبادرة للجم الانتهاكات والدمار المعنوي والمادي الذي أحدثه القتال الأهلي.
في الواقع ظل العالم كله يرقب ويتابع ويحلل، فهناك وكالات بحثية واستخباراتية ومراكز بحوث متقدمة واعلام استقصائي بارع، ومنظمات وهيئات متخصصة في كل نشاط بشري، وخبرات بشرية مهولة انتجت وسائل تقانية متطورة يتم استخدامها بكفاءة عالية في التحليل والرصد والمقاربات والاستنتاجات. لذلك لا يبدو غريباً البتة أن اتفقت الدول المعنية بقضية الحرب الراهنة والمنخرطة فيها بشكل مباشر فيما يعرف بالرباعية، اتفقت على تحديد مركز المأساة وسمته بالاسم، الجماعات العنفية المرتبطة بالحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني. ففي حين كان عناصر ذلك التنظيم الذين يسيطرون على القيادة في المؤسسات الأمنية والعسكرية يتحدثون ويطالبون بتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة ارهابية، جاءت العقوبات الأمريكية ضد وزير المالية د. جبريل ابراهيم مسببة بتورطه في تأجيج الصراع مثله مثل مليشيات البراؤون. سقط قناع التضليل، الذي يبثه هؤلاء الناس ويجد آذاناً صاغية لدى جمهرة غير قليلة العدد في المناطق التي ظلت تحت سيطرة الجيش ومليشياته أو تلك التي أعاد السيطرة عليها بعد انسحاب الدعم السريع منها، وبعودة السيطرة انفتحت جراح تغور كل يوم في الجسد السوداني وتفتته فعلياً.
لقد ظلت الحالة السودانية حاضرة في الساحة الدولية على مدى ثلاثة العقود الماضية على الأقل، منذ استيلاء جماعة الاسلام السياسي على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في 1989م، وتحول الحرب الأهلية المشتعلة فيه من حرب ذات طبيعة سياسية إلى حرب دينية بدعوى الجهاد الاسلامي. كان التعاطف يسود الأوساط الدولية، وهم يتابعون ويرصدون الممارسات الوحشية في أتون تلك الحرب، وكيف أنها تمددت لتشمل الاقليم الجنوبي وجبال النوبة والنيل الأزرق وحتى الشرق القصي وصولاً إلى مدينة كسلا. ملايين الضحايا من المدنيين ما بين قتيل وجريح ونازح ولاجئ، ملايين الأطنان من المساعدات الانسانية والاغاثية، وتتفاقم المأساة، وتبلغ حدود كوارث المجاعات وانتشار الأوبئة، يستيقظ الضمير العالمي وتستمر المناشدات والدعوات وتصدر القرارات من مجلس الأمن الدولي والحال يستمر. وبعد لأي ونتيجة لتكثيف الضغوط الدولية لاحت بارقة أمل، وكان اتفاق نيفاشا الشهير 2005م واضعاً نهاية لأطول حرب أهلية افريقية. لتندلع الحرب أشد وطأة في اقليم دارفور، ويهب الضمير الانساني مفجوعاً من هول ما يجري من ابادات وتطهير على أسس اثنية وقبلية، وما يرتكب من فظاعات تم تصنيفها قانونياً بجرائم الحرب. كل ذلك يحدث تحت سيطرة وحكم تلك الجماعة العنفية التي حولت مؤسسات الحكم إلى أدوات حزبية منحازة لوجهة نظر أحادية وفقدت بالتالي قيمتها كمؤسسات دولة وطنية بصفة قومية، ازداد التعاطف مع الضحايا الجدد في دوامة حروب السودانيين المستمرة، وفقدت السلطة هيبتها ومكانتها وقيمتها فعلياً عندما قررت الأمم المتحدة وضع البلد تحت البند السابع وضمنه التدخل العسكري للجم عنف الحكومة ضد شعبها. وكانت قوات الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور، لم تك تلك القوات وفوداً من السُّياح جاءوا ليستمتعوا بجمال الطبيعة الخلابة في جبل مرّة أو حظيرة الردوم، إنّما قوات حماية للمدنيين من ويلات وانتهاكات مؤسستهم الوطنية المعنية بالحماية والأمن، وكان من دلائل انهيار تلك المؤسسات تكوينها لمليشيات آيدولوجية وقبلية وعرقية وجهوية تساعدها في حملاتها للتطهير العرقي والابادة الجماعية، وآلة التضليل الكاذبة تتحدث عن السيادة الوطنية والكرامة، ويصدقها نفر غير قليل من الناس.
عاد الأمل هذه المرة على ايقاع الثورة الشبابية النسائية بسمتها السلمي وأفقها الوطني وشعاراتها الموضوعية تنشد اعادة تأسيس بلد حديث على قيم الحرية، والسلام، والعدالة، حاز الشباب السوداني والنساء السودانيات على الإعجاب العالمي، بدا كما لو أنّ نوراً شعّ وسط العتمة. وكان التنظيم اللئيم بالمرصاد، أطفأ السراج لتدخل البلاد مرة أخرى في نفق الظلام بانقلاب 25 أكتوبر 2021م، وباشعال كارثة حرب 15 أبريل 2023م. لقد كان العالم متعاطفاً مع الضحايا باستمرار، وحاز الدارفوريون من الاثنيات التي تعرضت للتنكيل على الشق الأكبر من ذلك التعاطف، كان ينظر إليهم كضحايا أبرياء يواجهون سلطة لا تمت للانسانية بصلة، ولا ترعى قيداً أخلاقياً أو فكرياً يعصمها عن الولوغ في المجازر.
الآن، تبدو الصورة أكثر تعقيداً، بات هناك تململ واضح من تطاول أمد المآسي السودانية، لكأنما العالم شعوباً وحكومات بدأوا يعيدون النظر في جدوى التعاطف أو الإعجاب بهؤلاء البشر من السودانيين. أذكر أنّ محللاً سياسياً سعودياً استضافته إحدى القنوات العربية في الأيام الأولى لاندلاع الحرب قال بضجر واضح ما مفاده: «حتى متى يظل السودانيون يشعلون الحريق في بلدهم ويدمرونها بهذه الصورة العبثية ويأملون باستمرار أن يساعدهم الآخرون، وحتى هذه المساعدة يضعون لها شروط وعراقيل». بالفعل يمكن ترجمة بعض مظاهر ذلك التبرم الدولي من الحالة السودانية عبر عدة محطات: هناك عدم اعتراف بشرعية أي سلطة قائمة حتى الآن، تعقيدات وصعوبات واجهت طالبي التأشيرات للدول العربية، ضآلة التمويل لما تطلبه الهيئات الدولية الانسانية لأغراض الاغاثة، بما في ذلك تقليص وكالة المساعدات الأمريكية باعتبارها أكبر ممول لعمليات برنامج الغذاء العالمي. أما على المستوى الاقليمي فهناك حالة رفض متنامية لوجود اللاجئين السودانيين في عدد من البلدان، ووقعت أحداث عنف ومظاهرات ضدهم كما في ليبيا وجنوب السودان، وتعرضهم لاعتداءات في اثيوبيا وافريقيا الوسطى وتشاد. بل الأخطر من ذلك تنامي النزاعات العنيفة والانقسامات الحادة بين اللاجئين السودانيين أنفسهم في بعض البلدان كما حدث في المغرب قبل يومين، وهناك بعض السلوك العنيف وغير المتحضر كما حدث في بريطانيا ابان زيارة وفد من تنسيقية تقدم، وغيرها من سلوكيات تلفت النظر وتجعل العالم يعيد النظر في وضعية التعاطف السابقة مع الضحايا وتحولهم التدريجي إلى جناة ومثيرين للشغب والعنف في بلدان اللجوء، وربط كل ذلك باثر الآيدولوجيا العنفية لجماعات الاسلام السياسي التي تغذي مثل هذه التصرفات وتهلل لها وتعتبرها جهاداً.
لا يظن الناس أنّ الصورة في الأذهان ستظل ثابتة، فبقدر ما نقدم أنفسنا للعالم نجد الاستجابة، العالم والبشرية كلها منشغلة بقضايا تطوير أوجه حياتها، الحكومات الراشدة تقود بلدانها نحو آفاق المستقبل والمواكبة، وآبي أحمد في اثيوبيا يقود النهضة عبر المشروعات العملاقة وتوزع الحكومة الاثيوبية البيوت للفقراء في الريف فيما تتقافز المسيرات، والبراميل المفخخة تنهمر على رؤوس المواطنين السودانيين بزعم استئصال مجتمعات التمرد لتحقيق الكرامة الوطنية لرئيس وزراء يحمل درجة في القانون الدولي وهو يهتف في شوارع أسمرا «عاش عاش الرئيس أسياس عاش عاش يحيا البطل».
أتمنى أن يكون هذا هو الشكل الصحيح الذي كنت تبحث عنه. هل تود خيارات عناوين لهذا المقال؟
الوسومالإعجاب التعاطف الحالة السودانية السخط العالمي السودانيون خالد فضل مسار يزداد تعسّراًالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإعجاب التعاطف الحالة السودانية السودانيون خالد فضل
إقرأ أيضاً:
“ناتشو” سفيرًا في مبادرة اليوم العالمي لشلل الأطفال
البلاد (جدة)
أعلن نادي القادسية عن مشاركة لاعبه الإسباني ناتشو سفيرًا في مبادرة اليوم العالمي لشلل الأطفال، التي ينفذها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ضمن جهوده المستمرة في دعم المبادرات الصحية والإنسانية على مستوى العالم.
تأتي هذه المشاركة تأكيدًا على الدور المجتمعي والإنساني الذي يحرص عليه نادي القادسية في مختلف برامجه، وانسجامًا مع رؤية المملكة العربية السعودية في تعزيز المسؤولية الاجتماعية وتكريس القيم الإنسانية من خلال الرياضة.
وأعرب اللاعب ناتشو عن سعادته بهذه المشاركة، قائلاً: “بصفتي سفيرًا لهذه المبادرة، شاهدت بنفسي كيف تقود المملكة العربية السعودية العالم نحو مستقبل خالٍ من شلل الأطفال. إن العمل الذي يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة يبعث على الإعجاب، ويعكس التزام المملكة الراسخ بخدمة الإنسانية في كل مكان”.وأكد النادي أن هذه المبادرة تأتي امتدادًا للشراكة المجتمعية بين القطاع الرياضي والجهات الوطنية الرائدة في العمل الإنساني، مشيرًا إلى أن نادي القادسية يفخر بأن يكون جزءًا من الجهود التي تسهم في نشر الوعي ودعم الحملات العالمية للقضاء على الأمراض والأوبئة.
ويثمن نادي القادسية الدور الكبير الذي يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في مكافحة شلل الأطفال، وجهوده الرائدة في إيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى مختلف دول العالم، تجسيدًا لرسالة المملكة في دعم الإنسان أيًّا كان موقعه.