الجزيرة:
2025-10-27@00:22:34 GMT

خوف دائم في إسرائيل ونتائج 7 أكتوبر

تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT

خوف دائم في إسرائيل ونتائج 7 أكتوبر

هناك أحداث لا تقاس بمدتها الزمنية، بل بقدرتها على إحداث تغيير لا يمكن التراجع عنه. لحظات قصيرة في ظاهرها، لكنها تعيد ترتيب الوعي الإنساني وتحول مجرى التاريخ. السابع من أكتوبر/تشرين الأول واحد من تلك الأحداث القليلة التي تجاوز تأثيرها الميدان إلى عمق إدراكنا للعالم.

في ذلك اليوم، بدت غزة المحاصرة بالجغرافيا كأنها مركز الكون كله، وما تلاه من أحداث شكل لحظة تجلٍ مزقت القناع الذي ظل يغطي وجه العالم طويلا، وكشف الحقيقة العارية للغرب ونظامه الدولي ومنظومة القيم التي أُسس عليها بعد الحرب العالمية الثانية.

فالسابع من أكتوبر/تشرين الأول لم يبدل الوقائع فحسب، بل قلب المعاني، وفتح زمنا جديدا بالكامل سيبقى أثره ممتدا لسنوات طويلة، وستنشأ أجيال جديدة في عالم ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عالم فقد يقينه بكل المسلمات المهيمنة على نظم التفكير، ومرجعيات القيم، وبدأ يبحث عن معنى آخر لها.

لم يكن السابع من أكتوبر/تشرين الأول فعلا عسكريا بقدر ما كان لحظة وعي تاريخي. فالشعب الفلسطيني الذي اقتُلع من أرضه في نكبة 1948، واستُبدلت ذاكرته بذاكرة مصطنعة لشعب مستعار من التاريخ الأوروبي، لم يخرج في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ليبدأ تاريخا جديدا، بل ليعيد التاريخ إلى مساره.

لقد كان الفلسطيني طوال قرن من الزمن يعيش في نص مكتوب له من الخارج. من وعد بلفور إلى أبراهام، جرى تحويل الفلسطيني من ذات فاعلة إلى موضوع في سردية الآخر؛ يعرف بصفته أزمة معقدة أو ملفا مؤجلا أو بندا تفاوضيا.

في تلك اللحظة لم ينتظر الفلسطيني اعترافا، ولم يطلب وسيطا، بل مزق النص، وقرر أن يصنع روايته الخاصة بدمه. ومن هنا بدأت الهزة، ليس في إسرائيل فحسب، بل في العالم كله.

الغرب أمام مرآته

خرج الفلسطيني من تحت الركام ليقدم إلى البشرية مرآتها السوداء؛ رآها الجميع، ورأى فيها كل وجهه الحقيقي. لم تكن صرخة محلية في وجه الاحتلال، بل إعلان سقوط شامل لمشروع حضاري بكامله. ذلك أن العالم الحديث الذي روج لنفسه كـ"نهاية التاريخ"، وجد نفسه فجأة أمام ما لم يستطع فهمه؛ كيف يمكن لشعب محاصر وأعزل تقريبا، أن يربك أعقد منظومات القوة في العالم، وأن يهز وجدان الإنسانية بأكملها؟

إعلان

ارتبك العقل الغربي؛ لأن الفلسطيني لم يتصرف وفق القواعد التي وضعها له؛ لم يقبل أن يظل داخل المعادلة الأخلاقية المزيفة التي تقسم البشر إلى "ضحايا مستحقين" و"ضحايا منزوع عنهم الإنسانية".

لأول مرة، وجد الغرب نفسه عاجزا عن تبرير ازدواجيته؛ لأن الصورة لم تعد تحتمل التأويل. فمشاهد الإبادة نقلت على الهواء مباشرة، العالم كله رآها، لكن النظام الغربي نظر في الاتجاه الآخر. هنا انكشفت الحقيقة؛ أن المنظومة الغربية لا ترى في الآخر إنسانا، وأن الحضارة التي ملأت الدنيا بشعارات الإنسانية والحرية والكرامة، لا تؤمن بشيء منها إلا حين يخدم مصالحها.

لقد كشف هذا الحدث كيف يتهاوى الوعي العالمي حين يواجه اختبارا أخلاقيا حقيقيا. انتهى زمن الخداع الذي كان يبرر الوحشية بلغة القانون.

لم تعد الأمم المتحدة قادرة على الإقناع بأنها منصة للسلام، ولا المحاكم الدولية قادرة على الادعاء بأنها تحاكم الجميع بالمعيار ذاته، حيث بدت كأدوات انتقائية، ينحصر نطاق اشتغالها داخل "العالم الثالث"، بينما يتم تعطيلها أمام مجازر ترتكبها إسرائيل، ببساطة لأن من صنعها لم يقصد بها سوى حماية مركزه في منظومة السيطرة.

والصحف والقنوات الإعلامية الغربية، التي لطالما تغنّت بالموضوعية وبالرسالة الإنسانية وبتقديس الحقيقة، والتي ما فتئت تتباكى على ضحايا الحرب في أوكرانيا وإسرائيل من أصحاب السحن الشقراء، صمتت أمام آلاف الأطفال تحت ركام غزة، وبررت للعواصم الغربية، التي تتبجح بـ"حقوق الإنسان" و"محاربة الإرهاب"، وهي تمد الكيان بالقنابل الذكية والغبية لتسقط على رؤوس المدنيين في غزة. إنها ازدواجية لم تعد قابلة للتجميل؛ لأن العالم كله رآها بعيونه، ولأن تكنولوجيا الصورة كسرت احتكار الرواية.

والخطاب الأميركي نفسه، انكشف في تناقضاته الداخلية؛ فواشنطن التي لطالما رفعت راية "القيادة الأخلاقية" للعالم، وقدمت نفسها بصورة حامي الحقوق والحريات وراعي السلم والأمن الدوليين، بدت عارية من كل معنى؛ فحين أعلنت عن دعمها المطلق لحرب الإبادة الإسرائيلية، وأرسلت السلاح ومنعت الإدانة، أو حتى الإشارة إلى وقف إطلاق النار، لم يكن ذلك تناقضا في السياسة، بل اتساقا في الجوهر، لأن جوهر النظام الدولي الذي تقوده أميركا قائم على احتكار تعريف العدل والإنسانية، واحتكار الحق في العنف.

وبينما خرج بعض ساسة واشنطن ونخبها ليبرروا دعم حرب الإبادة بحجة أن الدفاع عن إسرائيل واجب ديني قبل أن يكون سياسيا؛ في مشهد يكشف كيف يدار العالم الحديث بخليط من الأيديولوجيا والمصالح، كان هول بشاعة الصورة القادمة من غزة أكبر من أن يغطيه الغِربال؛ إذ ارتفعت في أميركا أصوات سياسيين ومثقفين وفنانين وناشطين لم تلوثهم الدعاية الصهيونية، نقدا لهذه الحرب المجنونة، فاهتز السرد الرسمي، لم تعد أميركا تدير الحرب من الخارج بل من داخل ضميرها المنقسم، وهو صدى لموجة أوسع من مناوأة هذه الازدواجية الفاضحة في عواصم الغرب.

وهنا تجلى الانكشاف الكامل. الإمبراطورية التي ظنت نفسها حارسة النظام العالمي وجدت نفسها موضع سؤال، لا عن سياستها فحسب بل عن ذاتها.

إعلان

فقد كشف السابع من أكتوبر/تشرين الأول حدود القوة الأميركية وقدرتها على إقناع العالم بشرعيتها الأخلاقية؛ بدت كإمبراطورية عجوز، تخلط بين الغطرسة والارتباك، وتتعامل مع العالم بمنطق "من ليس معنا فهو ضدنا"، دون أن تدرك أن هذا المنطق لم يعد يقنع أحدا.

لقد أدركت الشعوب الغربية- لأول مرة منذ عقود – أن النظام العالمي الحديث ليس سوى استمرارية استعمارية بأدوات جديدة. ففي اللحظة التي حاولت فيها الأنظمة الغربية طمس قضية فلسطين، كانت الشعوب الغربية تستعيدها كرمز لكل المقموعين، وتعود بها إلى البدايات، إلى أصل الصراع، حيث النكبة والاقتلاع وإحلال لفيف من الأجناس والأعراق مكان شعب ضاربة جذوره في أطناب الجغرافيا والتاريخ.

المظاهرات التي خرجت في العواصم الغربية، كانت إعلانا صارخا عن انهيار السرديات السائدة. لقد انهارت سردية "الحرب على الإرهاب" التي طالما وظفت لتبرير قتل العرب والمسلمين، وانهارت معها أسطورة الوصاية الأخلاقية التي غذت الوعي الغربي منذ الحرب العالمية الثانية.

إسرائيل: انكشاف الصورة وحدود القوة والوظيفة

تحت ثقل المشهد وبشاعته، تحطمت صورة "الضحية الإسرائيلية" في وعي الشعوب الغربية؛ أخطر جبهة تستمد منها قوتها. لم يعد ممكنا إقناع العالم بأن من يملك أقوى الجيوش هو من يحتاج الحماية، فإسرائيل التي قدمت نفسها لعقود على أنها " الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" و"ضحية الإرهاب"، ظهرت فجأة على حقيقتها ككيان استعماري إحلالي قائم على الاقتلاع والإبادة والتطهير العرقي، يمارس حربه على المدنيين في بث حي على الهواء، ويستند إلى دعم أعمى من المنظومة الغربية التي لا ترى في الفلسطيني إلا مادة للفناء.

لقد انكشف للعالم هوية إسرائيل المشوهة؛ فاشية حديثة متجسدة في مجتمع يعيش متلازمة الاضطهاد والاصطفاء في آن واحد، بين عقدة "الشعب المهدد بالزوال" وعقيدة "الشعب المختار" الذي لا يدان.

وبات العالم أكثر وعيا بجوهر الكيان الصهيوني، بوصفه نموذجا مضادا للإنسانية، متلبسا بازدواجية مرضيّة تتغذى على الخوف والكراهية، وعلى أيديولوجيا استئصالية تنزع الإنسانية عن الآخر وتبرر قتله باسم الخلاص.

لقد انكشف للجميع أن هذا الكيان لا يعرف كيف يعيش من دون عدو، ولا يستطيع أن يرى العالم إلا من خلال الحروب؛ أي أن وجوده يتغذى من العنف الذي يبرره.

وبالمقابل اكتشفت إسرائيل حدود قوتها، وأن الردع لم يعد ممكنا في مواجهة إرادة مؤمنة بتحقيق العدالة، فبعد عامين من الحرب، لم تستطع كسر غزة ولا إخضاع مقاومتها، واضطرت في نهاية المطاف للتفاوض مع من أقسمت على القضاء عليه.

وحين انكشفت إسرائيل كقوة فقدت قدرتها على الردع، صار سؤال الوجود والوظيفة ملحا أكثر من أي وقت مضى. فإسرائيل، التي نشأت كوظيفة استعمارية وذراع متقدمة للمركز الغربي في الشرق، تحولت من قوة تحمي الغرب إلى كيان يحتاج الحماية منه، من رأس حربة إلى عبء أمني وسياسي يجر حلفاءه إلى الحروب والأزمات السياسية والأخلاقية والدبلوماسية.

لقد بدت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول منظومة مترهلة مثقلة بالغرور والعجز البنيوي، ليس فقط في الميدان، بل في العقل الذي يدير الميدان؛ إذ تحول "الأمن" إلى عقيدة خائفة تعيش داخل هوس وجودي دائم، وترى في التهديدات حالة تسلسلية تبدأ في غزة ولا تنتهي في الإقليم.

وبذلك، كشف السابع من أكتوبر/تشرين الأول أن "القلعة الأمنية" التي طالما قدستها إسرائيل هي في حقيقتها وهم مؤسس على الخوف لا على القوة، وأن بنية الدولة التي بنيت حول "جيش لا يقهر" تخفي تحتها مجتمعا هشا، منقسما، متوترا، مأزوما في هويته وذاكرته.

بهذا المعنى، دخلت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول مرحلة القلق الوجودي، لا من بوابة الهاجس الأمني فحسب، بل من عمق الأسئلة التي باغتتها؛ ماذا بعد؟ كيف يمكن لكيان يقوم على الخوف أن يطمئن؟ وكيف يمكن لمجتمع يعيش على الحرب أن ينعم بالاستقرار؟ إنها أسئلة تتجاوز الأمن إلى معنى الاستمرار والوظيفة.

إعلان

إن مستقبل إسرائيل لم يعد وعدا بالتفوق كما كانت تروج، بل اختبارا قاسيا للبقاء في ظل تآكل القدرة على إقناع العالم بجدوى وجودها كـ"قلعة" للغرب في الشرق، في زمن تتهاوى فيه القلاع من داخلها.

ومع ذلك، لا يعني هذا التحول أن إسرائيل ستتراجع عن مشروعها العدواني؛ بل على العكس، فإسرائيل الخائفة أكثر خطرا على المنطقة والإقليم بل وعلى العالم، لأن كيانا يعيش على الخوف لا يتورع عن إشعال الحروب كلما واجه سؤال الوجود والبقاء.

انكشاف الحضارة الغربية ومركزيتها

بالعودة إلى الغرب، لا يمكن حصر تداعيات السابع من أكتوبر/تشرين الأول في انكشاف السرديات السياسية والإعلامية، إذ بدأ الغرب يكتشف هشاشة الأفكار المؤسسة لمشروعه الحضاري. فالغرب عاش لعقود في وهم الرسالة الأخلاقية؛ أنه مركز الحضارة، وأن تدخله في شؤون الآخرين يتم باسم حقوق الإنسان. وقدم الغرب نفسه للعالم باعتباره حامل مشعل التقدم، واعتبر أن مهمته تمدين الآخرين.

لكن غزة كشفت أن هذه الرسالة لم تكن سوى غطاء لامتياز القوة. فالذي يقصف مستشفى لا يمدّن أحدا، والذي يمنع الماء والدواء عن أطفال محاصرين لا يحرر أحدا، والذي يبرر كل ذلك باسم الدفاع عن النفس لا يدافع إلا عن وحشيته.

والطلاب الذين خرجوا في جامعات أميركا وأوروبا يهتفون لفلسطين لم يكونوا مجرد متعاطفين، بل كانوا يعلنون- من حيث لا يدرون – موت السردية الغربية.

هكذا، تحول "الوعي الغربي" ذاته إلى ساحة معركة؛ فالسابع من أكتوبر/تشرين الأول لم يسقط الأقنعة فقط، بل عرى البنية الفلسفية التي تستبطن مركزية الذات الغربية التي تقود النظام العالمي وتهيمن عليه.

فهذه الذات لا تمارس العدالة إلا من داخل منطق السيطرة، أي من موقع القوي الذي يمنحها حين يشاء ويحجبها حين يشاء. فقد ظهرت الإنسانية الغربية كما هي، إنسانية مشروطة بلون الدم وجغرافيا الهوية وتوازن القوى؛ أو كما عبر عنها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد؛ إنسانية انتقائية تعري شعارات التنوير والحرية الغربية، باعتبار أن إطار اشتغالها محصور داخل المعسكر الغربي، بينما يَستثني منها الشعوب المستعمرة.

كما أن الضمير الغربي بدأ يخرج من أَسر السردية التوراتية التي غذته لعقود؛ فمنذ الحرب العالمية الثانية، رُسمت في الغرب معادلة أخلاقية تقول إن اليهود هم الضحية المطلقة، وإن أي نقد لإسرائيل هو إنكار للمحرقة وعداء للسامية. لكن مشاهد غزة نسفت هذه المعادلة من جذورها؛ فحين ترى الضحية تمارس دور الجلاد، لا يعود التاريخ قابلا للاستعمال كسلاح.

 لم يكن الفلسطيني بحاجة إلى نظريات ليثبت ذلك؛ فقد فعله بدمه. حين وقف العالم مترددا أمام مشاهد الإبادة، أدرك الكثير أن منظومة القيم التي بنيت عليها الحضارة الغربية ليست سوى واجهة زجاجية تخفي ماكينة القهر القديمة ذاتها.

لقد أعاد السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعريف المفردات الكبرى: المقاومة، الإرهاب، الاستعمار، الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، القانون، السياسة، الأخلاق، والإنسان نفسه. وأعاد السؤال إلى جذره الأول: ما معنى أن تكون إنسانا في عالم لا يرى فيك إلا أداة أو تهديدا؟

ما بعد الخداع الحضاري

لقد فرض السابع من أكتوبر/تشرين الأول على العالم أن يرى نفسه من جديد، وأن يواجه السؤال الذي تهرب منه قرنا كاملا؛ هل يمكن بناء حضارة بلا ضمير؟

وهو سؤال يقودنا إلى محاكمة الحداثة ذاتها؛ فالإنسان الغربي الذي بنى حضارته على فكرة العقلانية والحرية اكتشف أنه يعيش داخل بنية "العقل الأداتي"؛ كما عبرت عنه المدرسة النقدية (فرانكفورت)، ذلك النمط من التفكير الذي يلفق حلولا مباشرة للمشاكل دون تساؤل عن مضمون هذه الحلول وغاياتها، وما إذا كانت إنسانية أو معادية للإنسان، إنها بتعبير طه عبدالرحمن آفة اللاعقلانية واللاأخلاقية التي تلبّست العقل الغربي، الذي ينتج الأدوات لا المعاني، ويقيس كل شيء بالمنفعة بمعزل عن القيمة.

لقد فضح السابع من أكتوبر/تشرين الأول مفارقة الحداثة الكبرى؛ أنها بلغت أقصى درجات العلم وأدنى درجات الحكمة، فالحضارة التي تستثمر بالذكاء الاصطناعي وتفقد قدرتها على حماية الإنسان الحقيقي لا مبرر لوجودها، والحضارة التي تمتلك كل أدوات التقنية، لكنها تفقد بوصلتها الأخلاقية هي شكل آخر من البربرية والنازية.

لذلك لم يكن غريبا أن تتحول القيم إلى شعارات وأن تختزل الإنسانية في خطاب دبلوماسي فارغ. فالحداثة التي ادعت تحرير الإنسان من الأسطورة خلقت أسطورتها الخاصة؛ أسطورة التقدم الذي يبرر كل شيء، والنتيجة أن العالم صار يملك قدرة غير مسبوقة على التدمير، لكنه فقد القدرة على الإحساس بالذنب.

إعلان

وبهذا المعنى فقد بدا واضحا أن أزمة الغرب ليست سياسية ولا اقتصادية، بل أزمة روحية؛ فقد فيها الغرب علاقته بالإنسان بوصفه كائنا تدور حوله الغايات، لا بوصفه وظيفة أو أداة مسخّرة لخدمة مصالح من يمتلك القوة.

ومع هذا الانكشاف، بدأت مرحلة ما بعد الخداع الحضاري؛ لم يعد أحد يثق في حياد القيم التي بنى عليها الغرب حضارته، ولم يعد أحد يثق في نزاهة المنظومة الدولية وأدواتها المتحكمة بالعالم الحديث، بل أصبحت جدوى وجود "النظام الليبرالي العالمي" ذاته موضع تساؤل.

العالم صار أكثر وعيا، نعم، لكنه أيضا أكثر وحشية؛ لأن سقوط القناع لا يعني بالضرورة صحوة الضمير، بل أحيانا انكشاف الغريزة. ومن هنا تأتي خطورة المرحلة المقبلة؛ أن ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد يكون بداية انقسام كوني جديد، لا بين الشرق والغرب فقط، بل بين الإنسان وصورته عن نفسه.

درس من فلسطين

حين نقرأ التاريخ من جديد بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ندرك أن هذا الحدث لم يكن خروجا عن المسار، بل عودة إلى جوهر الصراع الإنساني الأزلي بين الحق والباطل، وبين الحرية والهيمنة، فالفلسطيني علمنا – من تحت الركام – درسا في الكرامة لم تدرّسه أرقى الجامعات؛ علمنا أن الضعف لا يعني الاستسلام، وأن المقاومة ليست فعلا عسكريا فقط، بل فعلا وجوديا ضد العدم، وأن من يملك الإرادة ويتسلح بقضية عادلة لا يهزم، حتى لو خسر كل شيء.

ربما لهذا تبدو فلسطين اليوم كمسرح رمزي للصراع بين إنسان يعيش المعنى في كفاحه اليومي، وإنسان يختبئ خلف تقنيته ليبرر غيابه الأخلاقي. الأول يقاتل لأنه لا يملك إلا أن يكون صادقا مع ذاته، والثاني يقاتل لأنه لا يحتمل أن يرى المرآة. الطوفان بهذا المعنى ليس معركة على الأرض فقط، بل معركة على الحقيقة ذاتها؛ وعلى الحق في تعريف الإنسان.

لقد صار واضحا أن فلسطين ليست مجرد قضيةٍ إنسانية أو ملفٍ سياسي، بل البؤرة التي تتقاطع عندها الأسئلة الوجودية الكبرى؛ سؤال العدالة، سؤال الحقيقة، سؤال الإنسان. من هذه الزاوية، يمكن القول إن طوفان الأقصى لم يغير العالم لأنه انتصر عسكريا، بل لأنه جعل العالم يرى نفسه كما هو: بلا زينة، بلا أقنعة، بلا أوهام.

ويبقى السؤال: كيف يرى العالم العربي والإسلامي نفسه بعد السابع أكتوبر/تشرين الأول ؟ تلك قصة أخرى ورواية يجب أن تحكى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات على الخوف لم یعد لم تعد لم یکن ما بعد

إقرأ أيضاً:

الشهادة التي تهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب في إسرائيل

#سواليف

تحدث #ماتي_توشفيلد، الصحافي والمعلق السياسي الإسرائيلي البارز، عن شهادة نائب مفوض الشرطة المتقاعد تساحي حافكين أمام المحكمة في #قضايا #الفساد المتعلقة برئيس الوزراء بنيامين #نتنياهو.

وفي مقال نشره موقع “واللاه” العبري عن الشهادة التي “تُهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب”، اعتبر ماتي توشفيلد أنه: “في أي دولة طبيعية، كانت الأمور التي تم الكشف عنها هذا الأسبوع في #المحكمة_المركزية بالقدس ستُحدث إعصارا سيطيح ويدمر كل شيء وكل شخص يقترب منه. ولن يترك أي متورط يقف في مكانه. الإقالات، الاستدعاء للتحقيق، وحتى الاعتقالات، ناهيك عن العناوين الرئيسية وفتح نشرات الأخبار في كل مكان – هكذا كان ينبغي أن يبدو الأسبوع حقا في ضوء الكشوفات التي قدمها نائب المفوض المتقاعد تساحي حافكين في شهادته أمام المحكمة في إطار ملفات نتنياهو”.

وحسب توشفيلد ، “تطلب الأمر شجاعة كبيرة من مسؤول الشرطة البارز في وحدة التحقيق 433 ليأتي إلى المحكمة ويقول ما قاله. ضد نفسه، كونه كان متورطا في تحقيقات بنيامين نتنياهو، وضد رؤسائه، وضد أصدقائه المقربين. كان يمكن لحافكين أن يظل تحت أمر حظر النشر الذي حمى الكشف عن اسمه حتى الآن. وحتى بعد موافقته على العمل كشاهد دفاع، كان يمكنه، كما فعل أسلافه – محققو الشرطة والضباط المسؤولون – التقليل من شأن الأحداث وتصغيرها. لكنه اختار غير ذلك”.

مقالات ذات صلة خطاب الجنون و خطاب العقل .. هل نحن في حالة ضياع كبير ؟ 2025/10/25

وأكمل الصحافي الإسرائيلي المعروف: “بتفصيل وبكلمات بسيطة، وصف حافكين تسلسل الأحداث الجنائية التي ارتكبها محققو الشرطة المتورطون في ملفات نتنياهو. وروى كيف قام، في الوقت الفعلي، بالتوجه إلى زملائه وحذرهم من أن أفعالهم، ربما بسبب الحماس المفرط الذي أظهروه، قد توقعهم في مشاكل – لأنها غير صحيحة. لكن أيا منهم لم يستمع إليه، واستمرت الأفعال نفسها. وبعد أن اضطر للتوجه إلى رؤسائه، اكتشف أنه لم يكن هناك أيضا من يهتم. ولكم ازداد ذهوله عندما تلقت المستويات المسؤولة عن تحقيقات الشرطة، أي “ماحاش” (النيابة العامة لمكافحة فساد الشرطة)، كبحا كبيرا ووقحا من جانب رؤسائهم، أي النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة، بعدم التحقيق في الأمر”.

ووفقا للمعلق السياسي البارز، فمن شهادة حافكين “يتضح أنه تم ارتكاب تجاوزات غير مقبولة في التحقيق منذ البداية، عندما قرر المحققون، وهو من بينهم، من تلقاء أنفسهم أن المستشار القضائي للحكومة أفيخاي ماندلبليت منح تفويضا محدودا للغاية للتحقيق في التفاصيل التي تم تجميعها في النهاية في الملف 1000، ولذلك قاموا بتوسيع التحقيق، دون إذن، ليشمل العديد من الأمور الإضافية”. وواصل حافكين تفصيل المخالفات، على حد قوله، التي ارتكبت خلال التحقيقات، ضد نتنياهو وضد مستجوبين آخرين. على سبيل المثال، اعترف لأول مرة بأن امرأة مرتبطة بنير حيفيتس (مساعد سابق لنتنياهو تم اعتقاله وأصبح شاهد دولة) تم إحضارها للاعتقال بهدف إخراج حيفيتس من توازنه عندما يراها. لم تأتِ تلك المرأة بملء إرادتها، بل اعتُقلت. ووفقا لشهادة حافكين، فإن هذا يعتبر اعتقالا كاذبا بكل معنى الكلمة – لم يكن هناك أي شيء أو نصف شيء للتحقيق معها بشأنه، ولم تكن مشتبها بها في أي شيء”.

كما شهد حافكين بأنه هو وزملاؤه “عدلوا” محاضر التحقيق، وأدخلوا وحذفوا كلمات لمستجوبين مختلفين لتعزيز الملفات. وهي أفعال ترقى إلى مستوى التزوير والأفعال الجنائية الصريحة. وكشف أيضا أن المحققين كانوا يعلمون في الوقت الفعلي أن اجتماع التوجيه بين نتنياهو ومومو فيلبر ( مسؤول حكومي إسرائيلي سابق شغل مناصب رفيعة قبل أن يصبح شاهد دولة رئيسيا في قضية فساد ضد نتنياهو) – وهو الاجتماع الذي يمثل جوهر الملف 4000 – لم يحدث على الإطلاق، لكنهم تعاونوا مع إدراجه في لائحة الاتهام من قبل النيابة وبموافقة المستشار القضائي للحكومة آنذاك.

لكن الأفعال المفصلة للمحققين وقادة الوحدة وكبار ضباط الشرطة بشكل عام ليست سوى النصف الأول من القصة. النصف الثاني يتحدث عن “ماحاش”، الخاضعة للنيابة العامة. أغلقت “ماحاش” الواحدة تلو الأخرى جميع الشكاوى والشهادات التي قُدمت إليها. وحتى عندما طلب محقق نيابة عنها فحص الأمور، مثل موشيه سعاده – عضو الكنيست الحالي في الليكود – لم يحصل على إذن بذلك من رئيس “ماحاش”، وتم حفظ الشكاوى دون أي فحص.

وكما ذُكر، كان يكفي الكشف عن هذه الأمور لتبدأ موجة اعتقالات وتحقيقات ضد المتورطين بمجرد الانتهاء من سماع الشهادة. لكن، وفقا للمقال، هذا يحدث في مكان طبيعي، وهو ما لا يمكن قوله في هذه الحالة. إن الحماس الذي أظهره نظام إنفاذ القانون ضد نتنياهو آنذاك هو بالضبط نفس الحماس الذي يظهره نظام إنفاذ القانون اليوم. ولهذا السبب كان يمكن لأفيخاي ماندلبليت وشاي نيتسان ورئيس “ماحاش” آنذاك وقادة وحدة “لاهاف 433” ومحققي الملفات أن يواصلوا النوم بهدوء. لن يتم التحقيق مع أحد، ولن يأمر أحد بإجراء فحص. سيتجاهل معظم وسائل الإعلام الأمر. وسيستمر العالم في طريقه المعتاد.

وورد غب المقال أن قضية العفو تشغل نتنياهو بشكل كبير. لا يوجد شيء يرغب فيه أكثر من التخلص من هذا الإزعاج الذي يشغل باله لأيام طويلة، بشهادة لا تنتهي، تستهلك وقته وتُهين مكانته. رئيس الوزراء يؤمن إيمانا كاملا بأنه لم يرتكب أي خطأ، وخاصة خطأ جنائيا، في أفعاله – لا في الملف 1000، ولا في الملف 2000، وبالتأكيد لا في الملف 4000، وهو الأخطر بينها، والذي قال فيه القضاة كلمتهم أصلا.

القضية 4000 (ملف بيزك/واللا): التهمة الأخطر: الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو بمنح مزايا تنظيمية ضخمة لشركة الاتصالات الإسرائيلية “بيزك” (Bezeq)، مقابل حصوله هو وزوجته سارة على تغطية إيجابية ومحاباة على موقع “واللا” (Walla) الإخباري الذي كان يملكه رئيس الشركة السابق.

القضية 1000 (ملف الهدايا/الرشوة): التهمة: الاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو وزوجته بتلقي هدايا ثمينة ومستمرة بشكل غير قانوني، بما في ذلك السيغار الفاخر والشمبانيا والمجوهرات، بقيمة مئات الآلاف من الدولارات من رجال أعمال أثرياء (مثل المنتج الهوليوودي أرنون ميلشان والملياردير جيمس باكر)، مقابل تقديم خدمات أو تسهيلات لهم.

القضية 2000 (ملف يديعوت أحرونوت): التهمة: الاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو بالتفاوض على صفقة مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أرنون موزيس، تقضي بتقديم تغطية إيجابية لنتنياهو في الصحيفة مقابل سن تشريع لإضعاف صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة.

وليس لديه أدنى شك في أن “الدوافع وراء تحقيقاته ومحاكمته هي دوافع سياسية واضطهاد من قبل النظام، بدعم من وسائل الإعلام ضده، وليس أكثر”. إنه يعلم أنهم “لا يبحثون عن العدالة بل عن رأسه – والدليل: لو كان مستعدا للتوقيع على الانسحاب من منصب رئيس الوزراء، لكان الجميع، دون استثناء، سيوقعون، دون تفكير لثانية، على إلغاء جميع التهم بالكامل”.

من هذا المنطلق، يمكن أن يكون العفو مناسبا له تماما. ستختفي المحاكمة، بينما يستمر هو في منصبه. لهذا السبب لم يستطع نتنياهو إخفاء ارتياحه عندما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتصوغ العفو عنه، مقللا من شأن جميع التهم ضده وملخصا إياها باستخدام المصطلح العامي الأمريكي: “من يهتم” (Who cares). ولذلك شعر نتنياهو بالسرور، وشجع وزراء الليكود من وراء الكواليس الذين وقعوا على طلب مماثل.

لكن هناك عقبة. في إجراءات العفو، هناك عقبة واحدة يرفض نتنياهو تجاوزها: الطلب. بموجب القانون، لا يمكن لأحد سوى صاحب الشأن نفسه أو قريب له من الدرجة الأولى أن يطلب العفو من الرئيس لإحالة الموضوع للمناقشة في القسم المختص في مكتب الرئيس وفي قمة وزارة العدل. ليس في مكتب الوزير، بل في القسم الآخر من الوزارة، التابع للمستشارة القضائية للحكومة والنائب العام للدولة.

لسنوات، ادعى نتنياهو أنه سيخرج بريئا من المحاكمة، ووفقا لسير الأمور، هناك احتمال جيد لحدوث ذلك في غضون سنوات قليلة – في حين أن طلب العفو سيعكس بالضبط الرسالة المعاكسة. رسالة الخوف من سلطة القانون. رسالة تصرف من هو متأكد من ذنبه. رسالة من هو متأكد من أنه لا يملك فرصة قانونية، ولذلك يلجأ إلى حل التفافي، من المفترض أن يأخذ في الاعتبار ليس المسألة القانونية البحتة، بل حقوقه الأخرى والظروف الخاصة للمتقدم بالطلب. نتنياهو غير مستعد لذلك. لو كان سيعتزل الحياة السياسية، لكان الأمر مقبولا. لكنه ليس كذلك.

كما ان الأجواء المتفائلة التي أحاطت بنتنياهو ومحيطه حتى الأسبوع الماضي تحولت هذا الأسبوع بسرعة إلى تشاؤم، على حافة القلق. كان رئيس الوزراء متأكدا من أنه سيفتتح الدورة الشتوية باعتباره الفائز الأكبر في الموسم. الشخص الذي أعاد الأسرى من غزة، وشدد رباط العلاقة مع الولايات المتحدة كما لم يحدث من قبل، ومع أفق اتفاقيات سلام وسط تهديد دائم لحماس في القطاع وحزب الله في الشمال وإيران في الشرق، دون أيادٍ مقيدة وبدعم أمريكي ساحق، حسب المقال.

كل هذا كان من المفترض، في رأيه، أن يُترجم إلى استقرار سياسي، والنجاح في عبور الدورة الشتوية، وتمرير قانون التجنيد والميزانية، واقتراب حقيقي من إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها. لكن الخطة صمدت لدقائق قليلة. دخل نتنياهو كمنتصر. شاهد بمتعة مشاحنات زملائه مع المعارضة ورئيس المحكمة العليا، وفي الخلفية إعلان رئيس لجنة الخارجية والأمن بوعاز بيسموت عن صياغة مقبولة، قابلة للمرور سياسيا، لقانون التجنيد، وإعلانه هو عن أنه سيمرر ميزانية دولة إضافية خلال الدورة، مما يضمن عدم سقوط الحكومة في مارس كما ينص القانون.

كما ذُكر، لم تدم حالة النشوة سوى ساعات قليلة. خلال اليوم نفسه، أعلن بيسموت أن الصياغة أُحيلت إلى المستشارة القانونية للجنة، وإلى أن يُسمع رأيها – لن تُعقد المناقشات المقررة الأسبوع المقبل. في محادثة مع بيسموت، أدرك نتنياهو أن الفترة الزمنية المقدرة حاليا لا تقل عن شهر.

في اليوم نفسه، أعلنت الجماعات الحريدية المتشددة أنها ستواصل مقاطعة الائتلاف التي بدأتها في الدورة السابقة، وكأن شيئا لم يحدث. وكأن إقالة يولي إدلشتاين ومسودة القانون المقبولة لديهم التي قُدمت، لم تحدث. غضب نتنياهو بشدة، لكن قادة الفصائل الحريدية لم يتزحزحوا عن موقفهم. ثم جاء يوم الأربعاء. اضطر الائتلاف إلى سحب جميع القوانين الائتلافية لعدم وجود أغلبية، بل وخسر بفشل ذريع ومدوّ، عندما وافق الكنيست بأغلبية ضئيلة على مشاريع قوانين فرض السيادة في الضفة الغربية المقدمة من عضو الكنيست آفي ماعوز، وفي معاليه أدوميم – المقدمة من عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان.

أُحرج نتنياهو مرتين: من الخسارة في التصويت بحد ذاتها وعدم السيطرة الذي أظهره، وأيضا من محتوى القانون نفسه، الذي يدعمه جميع ناخبي اليمين، بما في ذلك حزب “الليكود”. فيما كانت جميع تفسيرات رجال نتنياهو بأن هذا القانون إعلاني وعديم الأهمية الحقيقية، وأن الحل الحقيقي في الضفة الغربية هو البناء على نطاق واسع، وهو ما تروج له الحكومة الحالية بالفعل أكثر من أي حكومة سابقة في العقود الأخيرة، هي تفسيرات واهية، إن لم تكن بعيدة عن الواقع.

وفي محادثات مغلقة هذا الأسبوع، أعرب نتنياهو عن إحباط كبير من أداء شركائه – من الجماعات الحريدية إلى الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين انتهكوا الانضباط الائتلافي، بينما يُسمع تهديد الانتخابات بوضوح. لم يقرر نتنياهو بعد أن كل شيء قد انتهى وأن مصير الكنيست هو الحل، ولكن إذا لم يتحسن الوضع في غضون أسابيع قليلة، فإنه سيفضل الشروع في خطوة بنفسه بدلا من التعرض للإحراج أسبوعا بعد أسبوع في الهيئة العامة.

برأي ماتي توشفيلد، “إلى جانب العصا، يحمل نتنياهو أيضاً جزرة كبيرة: إذا تم تمرير قانون التجنيد ونجح الائتلاف في تجاوز المقاطعة الحريدية بحلول ذلك الوقت، كما يقول نتنياهو، فإن الخطط التي يمكن للحكومة المضي فيها حتى الانتخابات ستكون ضخمة. بدءا من اتفاقيات سلام جديدة، مرورا بإكمال العمل في غزة، بما في ذلك تفكيك حماس ونزع السلاح بالكامل من القطاع، والسيطرة الكاملة على الجهات التي من المفترض أن تحكم القطاع في اليوم التالي، وتحديد وتيرة وطريقة انسحاب الجيش الإسرائيلي إن ومتى حدث ذلك”.

ويقدر نتنياهو أنه إذا تم تمرير قانون التجنيد، يمكن تمرير الميزانية بسهولة، وتقديم “بشرى اقتصادية” مهمة للجمهور، ستُلمس نتائجها حتى قبل الانتخابات. بدءا من إعلانات عن مزايا كبيرة للجمهور، ولأفراد الاحتياط، مرورا برفع التصنيف الائتماني للشركات الرائدة درجتين، وحتى إنشاء حاسوب عملاق (Supercomputer) آخر، بتكلفة مئات الملايين من الشواكل، على الأرجح في المنطقة الجنوبية – مما سيضمن استثمارات هائلة وبشرى توظيف مهمة للمنطقة. يوجد في العالم بضع مئات فقط من هذه الحواسيب، وعدد قليل منها فقط يمتلك قدرات الحاسوب العملاق المخطط له، والذي بدأت المناقشات الأولية لإنشائه بالفعل، بما في ذلك مناقشة حول الموضوع هذا الأسبوع في الكنيست. وفقا للخطة، سيكون هذا هو “الحاسوب الأكثر تقدما في العالم” من حيث قدرات الذكاء الاصطناعي (AI) التي سيتمتع بها، وستكون كمية البنية التحتية والطاقة اللازمة لإنشائه بحجم مدينة صغيرة سيتم بناؤها تحت الأرض.

ولكن قبل أن تبدأ الجرافات في مهمة حفر المدينة، سيتعين على نتنياهو بناء وإعادة تأهيل مكتبه، الذي يظهر علامات تفكك متقدمة منذ بعض الوقت: المستشار الكبير يوناتان أوريتش ممنوع من الحضور للعمل بسبب وضعه القانوني، ومنصب رئيس جهاز الإعلام لم يُشغل منذ سنوات، ورئيس الأركان عُين سفيرا في لندن، والمستشار السياسي عُين هذا الأسبوع مديرا عاما لليكود. وينضم أيضا وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي سيغادر قريبا، إلى باقي المغادرين – أي المُغادرين قسرا.

ويشمل ذلك أيضا مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي اتسعت الفجوة بينه وبين نتنياهو في الأشهر الأخيرة حتى وصلت إلى نقطة اللاعودة. من غير الواضح ما إذا كان السبب هو تحقيق الشرطة أو أزمة شخصية أخرى، لكن هنغبي بدأ مؤخرا يسير في مسار كانت نهايته معروفة له مسبقا، حتى تلقى إشعارا بإنهاء عمله فورا.

وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي تصريحات نُسبت إليه في محادثات مغلقة حول “الدعم المطلق لصفقة استسلام لحماس من أجل إطلاق سراح الرهائن”، بما في ذلك منع التوغل العسكري في غزة، بنصوص تذكر نصوص المتظاهرين في “كابلان” ورجال المعارضة. ليس لدى نتنياهو مشكلة في أن يقول هنغبي ما يفكر فيه في المنتديات المغلقة، فهذا هو الغرض منها، لكنه أعرب عن غضب شديد بشأن التسريب الذي يتهم فيه هنغبي نفسه. إن هنغبي، السياسي المخضرم والمتمرس في المعارك، يعرف جيدا “نفسية العميل” – في هذه الحالة، رئيسه – ومع ذلك اختار السير في الطريق الذي اختاره.

مقالات مشابهة

  • حظك اليوم الثلاثاء 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025‎‎‎‎
  • الأمم المتحدة: “إسرائيل” قتلت 40 طفلاً في الضفة الغربية منذ بداية العام
  • المنتخب الوطني يلتقي تونس ومالي تشرين الثاني
  • حظك اليوم الإثنين 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2025‎‎‎
  • الشهادة التي تهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب في إسرائيل
  • حظك اليوم الأحد 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2025‎‎‎
  • محمد موسى: المهندس مصطفى مجاهد نموذج للوطني الذي يخدم بلا مصالح
  • الجزائر تحذّر من العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.. دعت إلى عملية سلام جدّية
  • حظك اليوم السبت 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2025‎‎‎