في غرفة العناية المركزة بمستشفى الصفوة بمدينة تعز، يقف الصحفي عبدالستار بجاش مع أفراد أسرته منذ أيام على أمل أن يسمع من جديد صوت طفلته "وئام" وهي تناديه ببراءتها المعهودة. أصيبت الصغيرة بانتكاسة مفاجئة أدخلتها في غيبوبة طويلة بعد رحلة علاج شاقة، كانت بدايتها خطأً طبياً بسيطاً — كما يقول والدها — لكنه تحول إلى مأساة مؤلمة هزّت قلوب اليمنيين وأعادت تسليط الضوء على واقع الخدمات الصحية المتدهور في البلاد.

منذ أيام، يكتب بجاش على صفحته تفاصيل موجعة عن "رحلة الألم" التي تعيشها ابنته ذات السنوات القليلة، والتي تحوّلت من مراجعة روتينية لأحد المستشفيات إلى معاناة مستمرة بين غرف الغسيل الكلوي وأجهزة الإنعاش.

يقول الأب بحسرة: "فلذة كبدي وئام تمر بمحنة جديدة بعد صراع مع بكتيريا في الكلى وجلسات غسيل مؤلمة خلال الأسبوع الماضي أرهقت جسدها، وتسببت بمضاعفات خطيرة لها."

صراع مع الألم والأمل

ويروي بجاش تفاصيل تلك اللحظة التي ظنّها بداية الشفاء: "مساء الخميس وصلت إلى تعز بالتزامن مع خروجها من العناية المركزة إلى قسم الرقود، عشنا لحظة أمل لن أنساها بتحسنها النسبي، حين احتضنتها ومدّت يديها لتبادلني الحضن مع قبلة خرجت من قلبها المتعب."

لكن صباح الجمعة كان مختلفًا — إذ تغير كل شيء فجأة: "كانت تنظر إليّ بعيون حزينة ومنكسرة، ثم تعرضت لتشنج ودخلت في غيبوبة مستمرة حتى الآن." التقرير الطبي، كما يؤكد والدها، أشار إلى إصابتها بالتهابات في الدماغ ناجمة عن مضاعفات متسلسلة من علاج غير دقيق، لتبدأ بعدها رحلة سباق مع الزمن لإنقاذ حياتها.

يقضي بجاش ساعات طويلة أمام باب العناية المركزة، ينتظر بارقة أمل في أن تفتح ابنته عينيها من جديد. يقول في إحدى تدويناته: "يارب لا تفجعنا، أريد أن أسمع صوتها وهي تنطق حرف الطاء والتاء وكلمة (ماء) كما كانت تفعل قبل أيام من مرضها. هي بحاجة لدعائكم أن يعافيها الله من كل سوء وأن يخرجها سالمة معافاة."

ويضيف بحرقة: "لم أكن أتخيل يوماً أن خطأ طبياً بسيطاً يمكن أن يدخلنا هذا النفق الطويل من المعاناة، أنظر إلى صور ابنتي الصغيرة وجسدها المتورم جالسة على كرسي المستشفى متصلة بأنابيب تسحب دمها وتعيده إليها بعد أن يُنقّى من السموم، وملامح وجهها الهادئة تخفي ألماً كبيراً وتبدو شجاعة رغم التعب في عينيها."

مأساة تتجاوز الوجع 

القصة المؤلمة لوئام لم تعد حالة فردية، بل نموذجاً صارخاً لما يعانيه آلاف المرضى في اليمن نتيجة غياب الرقابة الطبية وتدهور البنية الصحية وازدياد الأخطاء الناجمة عن الإهمال ونقص الكوادر المؤهلة.

ويقول أطباء يمنيين ومختصين في الجانب الصحي في تعليقات على منشورات الصحفي عبدالستار إن الحادثة تعكس واقعاً مؤلماً لمؤسسات صحية تعمل في ظروف الحرب دون معايير مهنية واضحة، ما يجعل المرضى — وخصوصاً الأطفال — أكثر عرضة للأخطاء الكارثية.

الصحفي بجاش أشار لاحقاً إلى أن التقارير الطبية كشفت عن جلطتين في الدماغ لدى ابنته أدتا إلى توقف الجانب الأيمن من جسدها، إلى جانب ارتفاع كريات الكلى إلى مستوى 6، في مؤشر خطير على تدهور حالتها الصحية.

ويختم بقلب مثقل بالألم: "يا رب، جسدها لم يعد يحتمل.. يا رب صبّرنا وامنحها شفاءً لا يغادر سقماً."

ورغم قسوة اللحظات التي يعيشها، لم يفقد بجاش إيمانه بأن الشفاء ممكن. يكتب على صفحته في ختام أحد منشوراته: "ما زلت أتمسك بالأمل، أرفع يدي إلى السماء وأقول: اللهم اشفها وعافها، وأنصفنا ممن كان سبباً فيما أصابها. وئام ليست مجرد ابنتي، إنها رمز لكل وجع أبٍ يراقب ألمه في صمت."

مأساة الطفلة وئام فجّرت موجة تعاطف شعبي واسع على منصات التواصل، فيما طالب صحفيون وناشطون بفتح تحقيق عاجل في الحادثة ومحاسبة المتسببين، مؤكدين أن مثل هذه الأخطاء لا يمكن تبريرها أو تجاهلها.

ويرى مراقبون أن استمرار صمت الجهات الطبية والرقابية في تعز يضاعف الشعور بانعدام العدالة، ويشجع على التهاون في أرواح الأبرياء، مشيرين إلى أن قضية وئام يجب أن تكون منعطفاً لمراجعة شاملة لقطاع الصحة في المدينة التي أنهكتها الحرب والفوضى.

إحصائيات صعبة وأوجاع لا تُحصى

من الصعب — إن لم يكن المستحيل — الحصول على إحصائية دقيقة لعدد ضحايا الأخطاء الطبية في اليمن، إذ لا توجد جهة مستقلة توثق الحالات بشكل منهجي، فيما تظل المئات من القصص المروعة تتناقلها منصات التواصل الاجتماعي كدليلٍ مؤلم على عمق الكارثة. ففي ظل غياب الرقابة وضعف البنية الصحية، تحوّلت المستشفيات— الحكومية منها والخاصة— إلى ساحة مفتوحة للأخطاء القاتلة، حيث يدخل المريض بحثًا عن العلاج ليخرج جثة هامدة أو محمّلاً بعاهة دائمة.

خلال سنوات الحرب، تزايدت معدلات الوفيات الناتجة عن الأخطاء الطبية بشكل ملحوظ، في وقتٍ تضاعفت فيه شكاوى المواطنين من غياب الكفاءات الطبية والمهنية، وتردي مستوى الخدمات المقدمة، وعدم التزام كثير من المستشفيات بمعايير السلامة أو بروتوكولات العلاج الحديثة. ووفق شهادات متداولة، فإن أبرز أسباب هذه الأخطاء تتمثل في نقص الخبرة لدى الأطباء والممرضين، وسوء التشخيص، وسوء استخدام الأدوية والمعدات الطبية، إلى جانب انعدام الرقابة والمساءلة القانونية.

ويشير تقرير صادر عن المجلس الطبي الأعلى في صنعاء عام 2020 إلى تلقي نحو 200 شكوى رسمية من مواطنين حول أخطاء طبية ارتكبت في مستشفيات حكومية وخاصة، لكن هذا الرقم لا يعكس الواقع الفعلي، إذ إن معظم الحالات لا يتم الإبلاغ عنها بسبب جهل المواطنين بالإجراءات القانونية، أو خوفهم من نفوذ المؤسسات الطبية، أو قناعتهم بعدم جدوى الشكوى. وبحسب مختصين، فإن العدد الحقيقي قد يكون أضعاف المعلن، خصوصًا في المحافظات البعيدة عن مراكز السلطة أو في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.

ويؤكد مراقبون أن استمرار هذا الوضع يعكس فوضى عارمة في النظام الصحي اليمني، حيث تتراجع المعايير المهنية أمام غياب المساءلة، وتُهدر الأرواح بصمتٍ في بلدٍ أنهكته الحرب والفساد وانهيار المؤسسات. وبينما تتواصل الحكايات المأساوية لأسرٍ فقدت أبناءها نتيجة "أخطاء يمكن تفاديها"، يبقى الأمل معلقًا على إصلاح جذري يعيد للطب هيبته ويضع حدًا لهذا النزيف الإنساني المستمر.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

«الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول للجنة إعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي

عقدت الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، الاجتماع الأول للجنة المشتركة لإعداد أول إصدار من معايير اعتماد مكاتب الصحة ومعايير الحجر الصحي، وذلك بمقر الهيئة بالعاصمة الإدارية الجديدة، في إطار الجهود الوطنية لتعزيز منظومة الوقاية وحماية الأمن الصحي القومي.

وشهد الاجتماع حضور الدكتور أحمد طه، رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، والدكتور عمرو قنديل، نائب وزير الصحة والسكان لشؤون الطب الوقائي، لمناقشة وضع الأسس والمعايير المنظمة لعمل هذه المنشآت الحيوية، بما يضمن توحيد آليات العمل ورفع كفاءة الخدمات الوقائية المقدمة لحماية صحة المواطنين ودعم منظومة الأمن الصحي القومي.

وأكد رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية، أنً تشكيل اللجنة يأتي في إطار استراتيجية الدولة المصرية للارتقاء بجودة الخدمات الصحية والوقائية، وتأكيدًا على أن الوقاية تعد حجر الأساس في منظومة الجودة والإصلاح الصحي الشامل.

جانب من الاجتماع

وأضاف، أن اللجنة تهدف إلى إعداد معايير وطنية متكاملة لمكاتب الصحة ووحدات الحجر الصحي استنادًا إلى أفضل الممارسات الدولية واللوائح الصحية العالمية «IHR 2005»، وبما يتماشى مع معايير «جهار» المعترف بها دوليًا من الهيئة الدولية لجودة الرعاية الصحية «ISQua-EEA».

وأوضح الدكتور أحمد طه، أن مكاتب الصحة تعد ركيزة أساسية في بنية النظام الصحي، إذ تضطلع بأدوار جوهرية تشمل تسجيل المواليد والوفيات، وتنفيذ برامج التطعيمات، ورصد الأمراض المعدية، وإصدار الشهادات الصحية للمواطنين والعاملين، مشيرا إلى أن وضع معايير لاعتمادها يأتي كخطوة لضمان دقة البيانات الوطنية، ورفع كفاءة الخدمات الوقائية، وتحسين تجربة المواطن في التعامل مع هذه المكاتب الحيوية.

جانب من الاجتماع

وأكّد الدكتور أحمد طه، رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، أن جائحة كوفيد-19 كشفت بوضوح أن جاهزية وحدات الحجر الصحي تمثل خط الدفاع الأول لحماية الدولة من الأوبئة العابرة للحدود، مشيرًا إلى أن التجربة أكدت أهمية وجود معايير دقيقة ومنظمة تضمن سرعة الاستجابة وفعالية الأداء في مواجهة التحديات الصحية الطارئة.

ولفت إلى أن مبادرة «جهار» لإعداد معايير وطنية متخصصة للحجر الصحي تأتي استكمالًا لدورها في دعم المنظومة الوقائية وتعزيز الأمن الصحي القومي، موضحًا أن هذه المعايير تراعي متطلبات الاستجابة السريعة والالتزام باللوائح الصحية الدولية، بما يضمن تحقيق أعلى درجات السلامة في المنافذ البرية والبحرية والجوية.

جانب من الاجتماع

وأكد الدكتور أحمد طه، أن الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية «GAHAR» تُعد أول جهة اعتماد في المنطقة تتجه لوضع معايير وطنية متكاملة لمكاتب الصحة والحجر الصحي، في خطوة تُجسد ريادتها في تطوير مفاهيم الجودة الوقائية، وتُبرز قدرتها على سد فجوة عالمية في هذا النوع من المعايير التي لم تتوافر حتى الآن لدى أي من هيئات الاعتماد الدولية.

وأوضح رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، أن بفضل دعم القيادة السياسية ورؤية الدولة المصرية، تمضي «جهار» نحو توسيع نطاق الاعتماد ليشمل كل ما يمس صحة المواطن من الوقاية حتى الرعاية، مؤكدًا أن الوقاية مسؤولية وجودة قبل أن تكون استجابة، بما يعكس التوجّه الوطني نحو ترسيخ مفاهيم الجودة في جميع مراحل منظومة الصحة.

جانب من الاجتماع

ومن جانبه، أشاد عمرو قنديل، بالتعاون المثمر بين الهيئة وقطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة والسكان، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل نموذجًا للتكامل المؤسسي الذي يعزز استعداد الدولة لأي طارئ صحي ويرسخ مفهوم جودة الوقاية.

وأوضح نائب وزير الصحة والسكان، أن الشق الوقائي يعد أحد أهم ركائز المنظومة الصحية، إذ يمثل حائط الصد الأول أمام المشكلات الصحية، والمسؤول عن رصد أي مؤشرات قد تؤثر على الصحة العامة، بما يتيح سرعة تحديد أسبابها والتعامل معها قبل تطورها إلى أوبئة.

وأضاف، أن المرحلة الحالية تتطلب وضع منهجية واضحة وإطار منظم لضبط الأداء بمكاتب الصحة والحجر الصحي، بما يضمن تنفيذ المهام بأعلى درجات الكفاءة والفاعلية، مشيرًا إلى أن القطاع الوقائي المصري يُعد من أقوى القطاعات على المستويين الإقليمي والأفريقي، ومؤكدا أن اعتماد «جهار» يعد حافزًا للعاملين في هذا القطاع للاستمرار في التطوير والتحسين والحفاظ على الاعتماد كمؤشر للجودة والتميز.

وقد تناول الاجتماع مناقشة الإطار العام للمعايير المقترحة، وأولويات العمل خلال المرحلة المقبلة، على أن تقوم اللجنة بإعداد وثيقتين أساسيتين، تتضمنان:الأولى معايير اعتماد مكاتب الصحة التي تهدف إلى ضمان جودة الخدمات الوقائية والإحصائية المقدمة للمواطنين، والثانية معايير اعتماد الحجر الصحي التي تستهدف تعزيز جاهزية الدولة لمواجهة الأوبئة والالتزام باللوائح الصحية الدولية.

شارك بحضور الاجتماع من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية كل من: الدكتورة ولاء عبد اللطيف رئيس اللجنة، الدكتورة ميهي التحيوي، الدكتور وائل الدرندلي، الدكتورة إيمان الشحات، أعضاء مجلس الإدارة، الدكتور محمد السايس، القائم بأعمال المدير التنفيذي للهيئة، الدكتورة ولاء أبو العلا، مدير إدارة ابحاث وتطوير المعايير، الدكتور محمد الطحاوى، مدير المتابعة والاتصال السياسي، الدكتورة هند سعيد، عضو ادارة ابحاث وتطوير المعايير، ومن جانب وزارة الصحة والسكان: الدكتور راضي حماد، رئيس قطاع الطب الوقائي والأمراض المتوطنة، الدكتور حازم حسين، مدير عام الإدارة العامة للحجر الصحي، الدكتور هشام مجدي، رئيس الإدارة المركزية للصحة العامة، الدكتورة مروة نبيل، مدير عام الإدارة العامة للأمراض المعدية الدكتور مروي خريص، مسئول مكاتب الصحة بالقطاع الوقائي، الدكتورة ريهام مجد الدين جمعة، عضو المكتب الفني لرئيس القطاع الوقائي، الدكتور موسى الصغير، والدكتورة رشا محمد إبراهيم، أعضاء بالإدارة العامة للحجر الصحي.

اقرأ أيضاًوزير الصحة يلتقي محافظ قنا لبحث إنشاء مستشفى للأورام في أبوتشت

تحت رعاية الرئيس السيسي.. وزير الصحة يتابع اللمسات النهائية للمؤتمر العالمي للسكان

نائب وزير الصحة تعلن عن المحافظات الأكثر انتشارا لـ ظاهرة زواج الأطفال

مقالات مشابهة

  • «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول للجنة إعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي
  • الطفلة ريتاج التي جلست بجوار الرئيس السيسي: أتمنى الاستمرار في مصر.. وإنهاء الحرب على أهلي في فلسطين
  • الطفلة ريـتـاج.. الفلسطينية التي جلست بجوار الرئيس السيسي تحمل وجع غزة
  • بعد غياب 5 سنوات.. الليلة ياسر فرج يكشف أصعب مأساة عاشها في «واحد من الناس»|صور
  • انتهاء أعمال القافلة الطبية بوحدة الأمل الصحية في رأس غارب
  • مدير الإغاثة الطبية بغزة: تعثر الخدمات الصحية مستمر ونأمل بإدخال ما يلزم
  • الإغاثة الطبية بغزة : الخدمات الصحية لا تزال متعثرة بسبب شح الإمكانيات
  • الإغاثة الطبية بغزة: الخدمات الصحية لا تزال متعثرة
  • توسع ميداني لتغطية مدن وقرى أسوان بالخدمات الطبية للتأمين الصحي الشامل