جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-26@19:28:32 GMT

الصياد والفريسة وحدود لا تُخترق

تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT

الصياد والفريسة وحدود لا تُخترق

 

 

 

د. هبة محمد العطار

 

في حياة البشر، تتحرك النفوس؛ ما بين صيَّاد وفريسة، وقوة وضعف، بين طموح وانقياد؛ فلكل إنسان الحق أن يكون صيادًا، وأن يخطط، وأن يسعى، وأن يصنع فرصه بنفسه، وأن يختار الطريق الذي يراه صحيحًا في عالم معقد يزدحم بالخيارات والمغريات. لكن في الوقت ذاته، كل واحد منا معرض لأن يصبح فريسة، وأن يُخدَع، وأن يُستغَل، وأن يُستَدْرَج إلى لُعبة لا يريدها، حيث تتقاطع المصالح، وتتبدل الولاءات، ويصبح الإنسان أحيانًا ضحية لجهل الآخرين أو لمكرهم.

ولكن الأخطر من الفريسة، هو أن يتحول الفرد إلى كائن يلهث وراء الفريسة التي أسقطها الصياد، ليأتي له بها بين يديه، فيبيع كرامته، ويخضع للإملاءات، ويصبح أداة بلا روح، وبلا ضمير، وبلا جوهر. هذا السلوك ليس مجرد خيانة للآخرين؛ بل خيانة للذات؛ إذ تُمحى الحدود بين الإنسان وما يفعل، ويصبح كل فعل خاضع للإلحاح أو الطمع، بلا وعي ولا قيم. والإنسان حين يقدّم نفسه كأداةٍ، يبيع حريته، وينقض مبادئه، ويصبح أسير لعبة لا يملك فيها اختيارًا حقيقيًا.

وأخلاق البشر لا تُقاس بالذكاء أو بالقوة فقط؛ بل بقدرتهم على الصمود أمام الفخاخ، وعلى الحفاظ على شرف النفس، وعلى رفض أن تتحول الحرية إلى عبودية، والكرامة إلى سلعة تُباع وتُشترى. فالانقياد الأعمى، والتنازل عن المبادئ، لا يضعف الآخرين فقط؛ بل يدمّر الداخل الإنساني، ويحوّل الشخص إلى نسخة باهتة من ذاته، خالية من الصدق والوعي.

الحياة لا تعاقب الصياد ولا الفريسة؛ بل تعاقب الكائن الذي يلهث، وكل من يُفَرِّغ نفسه من روحه ليصبح أداة في لعبة الآخرين، من يختار الخضوع بدلًا من المواجهة، ومن يُقدِّم كرامته مقابل وهم مؤقت. الصياد والفريسة جزء من دورة الحياة، أما الكائن الذي يلهث ليأتي بالفريسة فهو من يُفرّغ روحه ويخسر جوهره. وكل مرة يختار الإنسان أن يكون هو نفسه، يبني حدودًا يحمي بها ذاته ويصون قيمه، يثبت أنه قادر على مواجهة الاختبارات الكبرى، وأن وجوده ليس عرضًا أو أداة، بل فعل واعٍ ومختار.

الاحترام، والمبادئ، والشجاعة في رفض الانقياد، والصدق مع النفس، والوعي بالحق والباطل، هي ما يصنع الإنسان الحقيقي. والإنسان الذي يبقى كاملًا، متماسكًا، عميقًا في وعيه للحق والباطل، قادرٌ أن يعيش حُرًا، وصيادًا أو فريسة، لكنه أبدًا لن يكون هذا الكائن الذي يلهث وراء الفريسة؛ فالحرية والكرامة لا تُمنَح؛ بل تُصان، والوعي بالنفس هو ما يجعل لكل إنسان وجوده الحقيقي، وهويته العميقة، ومعناه في هذا العالم.

والحقيقة الأعمق هي أن الحياة تمنحنا الفرص لنكون شبه كاملين؛ لنواجه أنفسنا قبل الآخرين، لنختار بين أن نكون أداة أو أن نكون فاعلين، بين أن نخسر جوهرنا أو أن نحميه.

والوعي بهذه الخيارات، والقدرة على المقاومة، هما ما يصنعان الإنسان الذي لا يخضع للظروف، ويبنيان الإنسان الذي يظل حُرًا في قراراته، ويُساندان الإنسان الذي يحافظ على كرامته مهما تبدلت الأدوار، ومهما تقلبت الظروف، ومهما تغيرت قواعد اللعبة من حوله.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بوعمامة يؤكد أن الإعلام الوطني أداة لتعزيز صورة الجزائر محليًا وقاريًا ودوليًا

أبرز وزير الاتصال, زهير بوعمامة, اليوم الخميس بالجزائر العاصمة, جهود الدولة الرامية الى ضمان انتشار رسالة الاعلام الوطني قاريا ودوليا.
وفي رده خلال جلسة علنية بالمجلس الشعبي الوطني خصصت للأسئلة الشفوية, أوضح بوعمامة أن جهود توسيع وانتشار رسالة الاعلام الوطني “لا تقتصر على وسيلة اعلام دون أخرى, بل هو جهد شامل تسعى الدولة الى تجسيده وتعميمه”.
و يهدف هذا المسعى - مثلما أوضح الوزير- الى “تحسين صورة الدولة التي تسعى دوائر وجهات عدائيه عبثا النيل منها” عبر “مكافحه ظاهرة التضليل الاعلامي والاخبار المزيفة وحملات التشويه التي تستهدف بلادنا من قبل أطراف معروفة”.
وفي السياق نفسه، ذكر الوزير أن “انشاء محطات وقنوات ذات بعد اقليمي ودولي تندرج في هذا الاطار”.
من جانب آخر، افاد الوزير أنه تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون , سيتم عقد اجتماع وزاري مشترك بين دائرته الوزارية، وزير السكن والعمران والمدينة ووزير المالية, تحت اشراف الوزير الأول, لفتح ملف مشروع انجاز “دزاير ميديا سيتي” بغرض متابعة تجسيده.
كما شدد أيضا على “أهمية التكوين وفتح المجال لإعلاميين جزائريين أصبحت أسماءهم مرتبطة بكبريات القنوات الإخبارية من أجل تنظيم دورات تكوينية لفائدة الصحفيين العاملين في وسائل اعلام وطنية”.
وفي سؤال آخر متعلق باقتراح استحداث مديريات ولائية للاتصال, قال السيد بوعمامة أن وزارة الاتصال “شكلت فوج عمل للتفكير في تقديم تصور لهذا الاقتراح لتعزيز العمل الإعلامي الجواري”، مضيفا أن الحكومة “تتجه نحو اعتماد استراتيجية وطنيه للارتقاء بالاتصال المؤسساتي” وأن “مرحلة اعداد الوثيقة المتعلقة بها بلغت 90 بالمائة, على أن تعرض قريبا” على الحكومة.
أما بخصوص مرافقة جهود الدولة في إطار مكافحة المخدرات والوقاية منها, أكد وزير الاتصال أنه تم تسخير وسائل الاعلام لهذا الغرض وتدعيم القدرات المهنية في هذا المجال, مشيرا الى أنه سيم تنظيم دورات تكوينية لفائدة الإعلاميين حول كيفية تقديم محتوى إعلامي ذي جودة في المجال.
وذكر بهذا الخصوص أن وكالة الانباء الجزائرية نشرت العام الماضي 713 برقية حول الموضوع, كما عالج التلفزيون العمومي, خلال السداسي الأول من العام الجاري، 452 موضوعا بحجم ساعي بلغ 13 ساعة و30 دقيقة, بالإضافة الى المقالات التي تنشرها الصحف الوطنية والمواقع الإخبارية، حسب الوزير الذي أكد أن مكافحة آفة المخدرات واجب وطني ومسؤولية مشتركة يجب الالتفاف حولها لإفشال مخططات أعداء الجزائر.

مقالات مشابهة

  • الجبهة الإعلامية اليمنية.. ميدان صمود ووعي في مواجهة الحملات التضليلية
  • هل يطبق صلاح ما يعظ به الآخرين؟
  • الأمم المتحدة تفتح باب التوقيع على أول اتفاقية عالمية لمكافحة الجريمة السيبرانية
  • السيسي: لم نظلم ولم نتعد على حقوق الآخرين (شاهد)
  • الرئيس السيسي: اتخاذ القرار مسئولية وقضيتنا عادلة ومصر لا تتعدى على حقوق الآخرين
  • فلسطين والوعي المهدَّد
  • الإفتاء توضح حكم إخفاء أغراض الآخرين وعمل مقالب على سبيل المزاح
  • عقدة الأنا..والتقليل من الآخرين!
  • بوعمامة يؤكد أن الإعلام الوطني أداة لتعزيز صورة الجزائر محليًا وقاريًا ودوليًا