كيف يقدم المتحف المصري الكبير تجربة فريدة للزوار؟
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
القاهرة – في لحظة طال انتظارها، تستعد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير رسميا بعد غد السبت 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في حدث يلفت أنظار العالم إلى سفح الأهرامات، ويعيد الحياة من جديد إلى قلب محافظة الجيزة، ليس فقط في أروقة المتحف الذي يعد الأضخم من نوعه عالميا، بل في كامل المحيط الذي يشهد حراكا غير مسبوق استعدادا لهذا الحدث الثقافي والتاريخي الاستثنائي.
ورغم أن المتحف يعد صرحا أثريا وسياحيا فريدا، إلا أنه يمثل في الوقت ذاته نقطة تحول إستراتيجية على المستويين الاقتصادي والسياحي، إذ يتوقع أن يحدث انتعاشة كبرى في معدلات الإشغال الفندقي بمختلف فئاته، مع تدفق الزائرين من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن حالة التأهب والاستعداد التي تعيشها المنطقة من مقاهي ومطاعم ومتاجر في محيط المتحف.
رؤية عصريةتقدم مصر من خلال المتحف الكبير تجربة استثنائية تسعى من خلالها إلى إحياء الحضارة الفرعونية برؤية عصرية، حيث يتاح للزائرين أن يسيروا وسط رموز آلهة الفراعنة وتماثيلهم الخالدة بعد آلاف السنين، في استحضار حي لعظمة التاريخ المصري القديم.
ويقام المتحف على بعد خطوات من المعجزة الهندسية التي بُنيت قبل أربعة آلاف عام في صحراء الجيزة، قرب ضفاف نهر النيل، ليصبح اليوم مقرا لأضخم متحف مغطى في العالم، يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، وتقدر تكلفة إنشائه بمليار دولار، فيما تمتد مساحته إلى 500 ألف متر مربع.
وقد حرصت الدولة المصرية على الإعداد الدقيق لحفل الافتتاح، وتشرف عليه رئاسة الجمهورية مباشرة، حيث يتوقع أن يشهد عرضا بصريا مبهرا، يعكس عظمة الحضارة المصرية، في أجواء تماثل أجواء الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة، وسط دعوة لقادة دول وشخصيات بارزة من مختلف أنحاء العالم.
تطوير شاملولم تقتصر الاستعدادات على المتحف ذاته، بل شهدت محافظة الجيزة، وكذلك أجزاء من العاصمة القاهرة، عملية تطوير واسعة النطاق، طالت الهوية البصرية للمنطقة، والبنية التحتية والطرق والمحاور المؤدية إلى المتحف، والمناطق المحيطة به، بهدف تقديم تجربة سياحية متكاملة تحاكي عبق التاريخ الفرعوني من اللحظة الأولى.
كما شملت الأعمال تشجير الشوارع، وتزيين العقارات بجداريات تُجسد ملوك وملكات الفراعنة، فضلا عن إنشاء مساحات خضراء ومجسمات لرموز الحضارة المصرية، انتشرت على طول الطرق المؤدية إلى المتحف، من الطريق الدائري إلى ميدان الرماية، مرورًا بطريق مصر-الإسكندرية الصحراوي.
إعلانوتم رفع كفاءة محوري المريوطية والمنصورية، وإنشاء ساحات انتظار للسيارات ومواقف للنقل العام، إلى جانب مطاعم وبازارات سياحية، كما تم افتتاح بوابتين جديدتين للدخول إلى منطقة الأهرامات من جهة الواحات، لتسهيل وصول الزوار من مدن 6 أكتوبر والشيخ زايد والفيوم، بالإضافة إلى البوابتين التقليديتين عند فندق مينا هاوس ومنطقة أبو الهول.
تكنولوجيا متقدمةداخل المتحف، تبدأ الرحلة من ساحة العرض المفتوحة، حيث يستقبل الزوار تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني، قبل أن ينتقلوا إلى صالات العرض المصممة بعناية لتسرد التاريخ المصري عبر تسلسل زمني، في تجربة مدعومة بتكنولوجيا حديثة وشاشات تفاعلية، تضفي بعدا جديدا على فهم الحضارة.
وسيتم، ولأول مرة، عرض المجموعة الكاملة للملك توت غنخ آمون – أشهر ملوك مصر القديمة – في قاعة خاصة ضمن المتحف، مما يشكل نقطة جذب فريدة للمهتمين بالآثار المصرية.
كما يضم المتحف متحفا للأطفال، مركزا تعليميا، قاعات للعرض المؤقت، سينما، مركز مؤتمرات، إلى جانب عدد كبير من المتاجر والمطاعم والمقاهي، وحدائق مفتوحة للزوار.
الممشى الذهبيومن أبرز المشروعات الملحقة بالمتحف "الممشى الذهبي"، الذي يمتد بطول كيلومترين، ويربط المتحف الكبير بمنطقة الأهرامات، ويتخلله مقاه واستراحات ونقاط مشاهدة بانورامية تطل على الأهرامات، بالإضافة إلى أكثر من 600 متجر لبيع الهدايا التذكارية والمُنتجات المستوحاة من التراث الفرعوني.
وقد أصبحت المنطقة المحيطة بالمتحف الكبير وجهة فندقية راقية، تضم عددا من المؤسسات الفندقية الفاخرة، بعضها يطل مباشرة على الأهرامات والمتحف.
كما يجري العمل على إنشاء فنادق عالمية كبرى لتوسيع الطاقة الفندقية بالمنطقة. وتبدأ الأسعار المحلية من نحو 2000 جنيه لليلة (42 دولار)، فيما تتراوح أسعار السائحين الأجانب بين 30 و70 دولارا لليلة.
استقطاب استثماراتولا يمثل المتحف فقط صرحا حضاريا وسياحيا، بل تحول إلى منصة استثمارية عالمية، مع عروض متعددة لمشروعات كبرى، بينها مشروع إماراتي ياباني لإنشاء مدينة ترفيهية على غرار "ديزني لاند"، وفندق ياباني مستوحى من تصاميم الحضارة الفرعونية.
وتأمل الحكومة في جذب نحو 5 ملايين زائر سنويا، مع معدل يومي للزوار يقدر بـ 5 آلاف زائر، مع توقعات بارتفاع نوعية السائحين القادمين، إذ يراهن على السائح المثقف المهتم بالتاريخ، والذي يعرف عنه ارتفاع إنفاقه مقارنة بالسياح العاديين.
وسائل الوصول
أولت السلطات اهتماما كبيرا بتوفير وسائل النقل المتنوعة للمتحف، وتطوير البنية التحتية، حيث يمكن الوصول إلى المتحف عبر:
حافلات النقل العام من مناطق مثل ميدان الجيزة، رمسيس، ميدان التحرير، شبرا الخيمة ومدينة 6 أكتوبر. موقف الرماية الجديد (موقف 28) الذي يخدم معظم محافظات الوجهين البحري والقبلي. محطة مترو قيد الإنشاء أمام المتحف ستربط بين 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة. مشروع الأتوبيس الترددي "BRT" عند تقاطع طريقي الفيوم والواحات. السيارات الخاصة عبر طرق فيصل، الهرم، الدائري، مصر-إسكندرية الصحراوي، وطريق الواحات. كما تم تطوير مطار سفنكس الدولي ليكون بوابة جوية رئيسية للمتحف، حيث يبعد عنه 20 دقيقة فقط عن هذا الصرح، في خطوة تستهدف تسهيل تنقل السائحين وتشجيع حركة الطيران المباشر.تخطط مصر لربط المتحف بخط مترو الأنفاق الرابع، الذي ينقل الزوار إلى المتحف القومي للحضارة، وبحيرة عين الصيرة، وحديقة تلال الفسطاط، لاستكمال التجربة السياحية، إلى جانب مشروع التلفريك الذي سيوفر تجربة مشاهدة بانورامية للقاهرة التاريخية.
إعلانمواعيد العمل الرسمية للمتحف: طيلة الأسبوع عدا السبت والأربعاء وذلك وفق التفصيل التالي:
مجمع المتحف: من الثامنة والنصف صباحا حتى السابعة مساء قاعات العرض: من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء آخر موعد لشراء التذاكر: الخامسة مساء يومي السبت والأربعاء:في أجواء مفعمة بالفخر والاعتزاز بالحضارة المصرية القديمة، تتزين شوارع محافظة الجيزة بالأضواء والألوان، وتُضيء الأشجار في الطريق المؤدي إلى المتحف الكبير بخيوط من الليزر، استعدادا لحفل الافتتاح.
وعملت الجهات المعنية على تطوير الصورة البصرية على الطرق، وذلك عبر تتزين مداخل الأحياء والطريق الدائري إلى الطرق الرئيسية المؤدية لمقر المتحف بلوحات فنية لملوك مصر القدماء، وفي مقدمتهم أخناتون، وتوت عنخ آمون وحتشبسوت.
ولم تقتصر عمليات التطوير على ذلك فقط، بل تم تحسين كفاءة واجهات العقارات المطلة على جانبي الطريق، وطلائها بألوان موحدة، بجانب إضافة الأشجار والإضاءات التي أضافت بُعدًا جماليًا وعززت المظهر الحضاري ليُليق بزوار المتحف المصري الكبير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات المتحف المصری الکبیر المتحف الکبیر إلى المتحف
إقرأ أيضاً:
التابوت الذهبي الذي جمع مصر واليابان.. مصر تكرم ساكوجي يوشيمورا بدعوة فريدة لافتتاح المتحف الكبير ما القصة؟
أثار مقطع مصور نشره عالم المصريات الياباني الشهير الدكتور ساكوجي يوشيمورا تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما كشف من خلاله عن تلقيه دعوة لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، جاءت في تصميم مميز على شكل تابوت ذهبي اللون.
وعبر يوشيمورا عبر حسابه الرسمي على إنستجرام عن سعادته الغامرة بهذه الدعوة الفريدة، مؤكدًا أنها تمثل له رمزًا للتقدير المتبادل بين مصر واليابان، لاسيما بعد سنوات طويلة من التعاون العلمي والبحثي المشترك، ومشاركته في مشروعات كبرى بمنطقة الأهرامات، من بينها أعمال التنقيب وترميم مراكب خوفو وعدد من الحفائر المهمة التي وثقت عمق العلاقات الأثرية بين البلدين.
بداية الحلم من طوكيو إلى القاهرةولد يوشيمورا عام 1943 في طوكيو، وتخرج في جامعة واسيدا اليابانية، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة قبل أن تأسره الحضارة المصرية القديمة.
في عام 1966، وطأت قدماه أرض مصر لأول مرة ضمن بعثة علمية من جامعته، ليبدأ رحلته الطويلة في دراسة أسرار الفراعنة.
كانت تلك أول بعثة يابانية تعمل في مجال الآثار المصرية، ومنذ ذلك التاريخ ارتبط اسم يوشيمورا ارتباطًا وثيقًا بمواقع الحفريات في سقارة ودهشور والأقصر.
يقول في أحد تصريحاته:
“حين زرت مصر لأول مرة شعرت أنني وجدت بيتي الثاني… كان حلمي أن أجعل اليابان تفهم مصر كما أفهمها أنا.”
خطوة فارقة في مسيرته الأثرية
في عام 1974، حقق فريق جامعة واسيدا بقيادة يوشيمورا أحد أهم اكتشافاته الميدانية في منطقة كوم السَّمَك بمدينة مالقطة القريبة من الأقصر، حيث عثر على سلم ملون وبقايا منشآت طينية تعود إلى عهد الملك أمنحتب الثالث.
وقد ساعد هذا الاكتشاف على إلقاء الضوء على الطابع المعماري والاحتفالي لعصر أمنحتب الثالث، واعتبر إنجازًا علميًا كبيرًا رسخ مكانة يوشيمورا وفريقه في علم المصريات، رغم أن المقبرة الملكية نفسها كانت قد عرفت منذ القرن الثامن عشر.
رائد علم المصريات في اليابانأسس يوشيمورا معهد الدراسات المصرية بجامعة واسيدا، ليصبح أول مركز بحثي ياباني متخصص في علم المصريات.
ومن خلاله، أشرف على عشرات البعثات البحثية التي عملت جنبًا إلى جنب مع علماء الآثار المصريين، في تعاون فريد من نوعه بين الشرقين.
كما ساهم في تدريب جيل جديد من الباحثين اليابانيين المهتمين بالحضارة المصرية، وجعل من مصر محطة دائمة للأبحاث والدراسات الأكاديمية في طوكيو.
كسفينة خوفو الثانية.. إنجاز أثري بتوقيع مصري ياباني
في أوائل التسعينيات، وبالتحديد بدءًا من موسم 1992، قاد العالم الياباني ساكوجي يوشيمورا وفريقه من جامعة واسيدا مشروعًا أثريًا مشتركًا مع مصر لاستخراج وترميم سفينة الملك خوفو الثانية، التي كانت مدفونة في بئر بجوار السفينة الأولى عند قاعدة الهرم الأكبر بالجيزة.
استخدم الفريق في عمله تقنيات حديثة غير مسبوقة وقتها، من بينها الرادار المخترق للأرض والمسح الكهرومغناطيسي، لتحديد مواضع الأجزاء الخشبية الهشة داخل البئر دون المساس بها.
وقد اعتبر هذا المشروع خطوة فارقة في مجال الآثار التطبيقية، إذ مثل مزيجًا فريدًا بين الخبرة المصرية والتكنولوجيا اليابانية في الحفاظ على التراث الفرعوني.
ومن المقرر أن تعرض السفينة بعد اكتمال أعمال الترميم في المتحف المصري الكبير، لتكون شاهدًا على تعاون علمي وإنساني استثنائي بين البلدين.
تكريم دولي ومحليحصل العالم الياباني على العديد من الجوائز والتكريمات، أبرزها شهادة تقدير من وزارة الخارجية اليابانية عام 2023 تقديرًا لدوره في تعزيز الصداقة المصرية اليابانية.
كما كرمته السفارة اليابانية بالقاهرة أكثر من مرة، واحتفت به وزارة السياحة والآثار المصرية باعتباره أحد أهم أصدقاء مصر من العلماء الأجانب.
لم يقتصر دور يوشيمورا على العمل الأكاديمي، بل ساهم في تعريف الشعب الياباني بالحضارة المصرية من خلال ظهوره في برامج وثائقية وتلفزيونية، وكان يقول دائمًا إن: “علم المصريات ليس دراسة للماضي فحسب، بل هو حوار بين الحضارات.”
إرث باقٍ للأجيال القادمةاليوم، وبعد أكثر من ستة عقود من العمل المتواصل في المواقع الأثرية المصرية، يعتبر الدكتور ساكوجي يوشيمورا رمزًا للتعاون الثقافي بين مصر واليابان، وشخصية استثنائية أثبتت أن عشق الحضارة المصرية لا يعرف حدودًا جغرافية
تحمل “رسالة المومياء” التي وصلت إلى العالم الياباني ساكوجي يوشيمورا دلالات أعمق من مجرد دعوة لحضور حفل الافتتاح؛ فهي رسالة تقدير وإنسانية تعبر عن الامتنان لمسيرة تعاون امتدت لعقود بين مصر وأصدقائها من علماء الآثار حول العالم