بوابة الوفد:
2025-10-31@02:15:35 GMT

كيف قالها ديستويفسكي؟

تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"

كيف تُقال جملة: "هل تقبلين الزواج مني؟
أو كما تُكتب بالإنجليزية: Will you marry me?
وبالروسية: Ты выйдешь за меня замуж?

عبارة يعرفها الجميع، لكني كثيرًا ما تساءلت:
كيف يقولها المبدع لمحبوبته؟
بحثت طويلًا عن إجابة، فكانت أجمل القصص التي وجدتها هي قصة الكاتب العظيم فيودور ديستويفسكي، أحد أعظم أدباء الإنسانية في كل العصور.

 

ديستويفسكي وآنا غريغوريفنا

هل تصدق أن ديستويفسكي كان يرهن أثاث بيته ليؤمّن طعام يومه؟
تلك التفاصيل ترويها زوجته آنا غريغوريفنا في كتابها «ديستويفسكي في مذكرات زوجته» (ترجمة: هاشم حمادي).
تصف آنا بدقة انفعالات فيودور الإنسان والكاتب، طقوسه في الكتابة، معاناته منذ الطفولة، وصراعه لنشر أعماله.

من أروع ما ورد في المذكرات:

"لن تتخيل أبدًا أنه كان يكتب وقت وفاة ابنته ليؤمّن لهما قوت يومهما."
"ولن تصدق أنه أصيب بالبرد الشديد أكثر من مرة، لأنه اضطر لرهن معطفه ليوفر المال، فلا طعام ولا أثاث، فقط ديون."

 


كيف قالها؟

حين أحب ديستويفسكي "آنا"، منعه خجله وقلقه من أن يطلب يدها مباشرة.
ولأنه كان إنسانًا حقيقيًا، رأى أنه من الإنصاف أن يمنحها فرصة للرفض من غير حرج، فابتكر طريقة عبقرية تتناسب مع طبيعته الحساسة.

سألها عن رأيها في نهاية روايته الجديدة التي لم يجد لها ختامًا.
كانت الرواية تحكي عن فنان فقير، مريض، يده مصابة بالشلل، طيب القلب، لكنه لا يجيد التعبير عن مشاعره.
قال لها:

"إنه رجل لم يعد شابًا، في مثل عمري، يلتقي فتاة في عمرك تقريبًا، ولنسمّها آنا، إنه اسم جميل، أليس كذلك؟"

 

لعبة عبقرية تليق بعقل ديستويفسكي.


حوار الحب المستتر

تقول آنا:

> "نسيت تمامًا أن اسمي آنا. ظننت أنه يتحدث عن خطيبته القديمة (آنا فاسيليڤنا) التي استلم منها رسالة مؤخرًا."

 

واستمر الحوار، فسألها:

> "ماذا يستطيع رجل عجوز، مريض، غارق في الديون أن يمنح فتاة شابة ومرحة؟
ألن يكون حبها له تضحية قاسية؟ ألن تندم يومًا على ربط مصيرها به؟
هل يعقل أن تحبه رغم الفقر والمرض؟"

 

ثم قال بلطف:

"هذا ما أريد أن أعرفه منك يا آنا غريغوريفنا، ما رأيك؟"

 

أجابت آنا بصراحة:

"ولماذا لا؟ إذا كانت الفتاة ذات قلب طيب، فلن يهمها فقره أو مرضه.
إن كانت تحبه، فستكون سعيدة ولن تعرف الندم أبدًا."

 

عندها حسم ديستويفسكي الموقف وسألها بصوت مرتجف:

"تخيّلي نفسك مكانها... وتخيّلي أن هذا الفنان هو أنا...
وأنني صارحتك بحبي وطلبت يدك... فماذا ستقولين؟"

 

تقول آنا:

"أدركت أنه لم يعد حديثًا أدبيًا عابرًا. نظرت إلى وجهه المرتبك وقلت:
إذن لأجبتك بأنني أحبك... وسأحبك مدى حياتي."

 

قدسية الكلمات

تكتب آنا:

"لن أنقل تلك الكلمات المفعمة بالحب التي قالها لي فيودور 
فهي مقدسة بالنسبة لي."

 

جمال روحها يتجلى هنا. لم تذكر ما قاله لأنها شعرت بقدسيته.
فالقداسة لا تُمنح، بل تنبع من صدق اللحظة وعمقها.
ربما كانت تلك اللحظة خلاصة إنسانية ديستويفسكي، الرجل الذي كتب عن العذاب والضعف والكرامة، وعاشها كلها.

 

الماسة التي وجدها أخيرًا

تروي آنا أن الحوار بينهما امتد ساعة كاملة، وفي نهايته قال مبتسمًا وهو يودّعها عند الباب:

> "أعرف الآن مكان الماسة."
قالت ضاحكة: "هل تذكرت الحلم؟"
فأجاب: "كلا، لكنني وجدتها أخيرًا، وأنوي الحفاظ عليها مدى الحياة."
فقالت له مازحة: "بل عثرت على حجر عادي."
فرد بثقة: "كلا، هذه المرة أنا متأكد أنني لست مخطئًا."


مذكرات آنا ديستويفسكي ليست مجرد سيرة زوجة، بل شهادة إنسانية نادرة عن كاتب قال عنه فرويد:

"لم يترك اضطرابًا نفسيًا إلا وعبّر عنه في رواياته."

 

لكن ما يجب أن نقرّ به دون جدال هو أن أهم ما ميز ديستويفسكي كان إنسانيته.
إنسان كتب عن الألم لأنه عاشه، وعن الفقر لأنه عرف قسوته، وعن الحب لأنه أدرك عمقه الحقيقي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: إبداعات الشباب

إقرأ أيضاً:

المصرى القديم للعالم: لوْلَاىَ ما كانت الموسيقى

كان المصرى القديم أول من عزف على الآلات الموسيقية التى كان أول من اخترعها أيضاً وقدمها للعالم، كان يتعبد بالموسيقى إلى الله، وكذلك يفرح بها فى أفراح حياته، ويقدمها واجب عزاء فى جنازاته، وكان كذلك يجلس بجوار زرعه ينتظر حصاده بينما يحول هذا الانتظار إلى انتظار موسيقى وغنائى، وكان قد اخترع آلاته الموسيقية من حصاد زرعه كالناى وآلات النفخ، و كذلك الآلات الوترية من أخشاب شجره وأوتارها من أمعاء حيواناته، لم يكتف بذلك بل اخترع الآلات الإيقاعية، فرقص على دروبها، فاخترع المقامات الموسيقية، والموازين الإيقاعية، وجعل الغناء سجلاً لحياته اليومية، من نبضات الفرح وآهات الأحزان والتفكر فى الخالق والوجود، ورحلة الحياة والموت، اخترع المصرى القديم أكثر من خمسين آلة موسيقية، منها آلات العزف الغنائية كالعود والهارب والقانون.. ومنها الكثير من الآلات الموسيقية الإيقاعية، وهو الذى اكتشف السلم الخماسى، ثم لحقه باكتشاف السلم السباعى، الذى هو الأساس الأول لكل المقامات الموسيقية بكافة درجاتها، وقد تأثرت كافة الأديان، وسائر من فى الوجود بهذه الموسيقى، لقد وصف أفلاطون الموسيقى المصرية قائلاً: «هى أرقى موسيقى فى العالم.. فهى الموسيقى الملائمة لتكون لحن الجمهورية الفاضلة، وما أحوجنا فى ظل ألوان الموسيقى المتنوعة،. ما علا منها وما انخفض أن نقدم للعالم موسيقانا نحن وآلاتنا الموسيقية الأولى. باللغة المصرية القديمة، لا أن نجعل الأمر صراع لغات وحضارات فلا ننتصر لثوب هويتنا الأول، إذا كان المصرى وقتها مؤمناً يعلم العالم، وقد عمل الكهنة فى مصر القديمة فى مجالات الموسيقى والغناء ليعمومها للشعب وقد شغل الكاهن «خسور» وظيفة ولقب «مدرب المغنيين».

ويظهر فى الصور على ردهات المعابد، وهو يعلم العزف بـ«السيستروم» والتصفيق بالأيدى، ومن ألمع الأسماء التى عملت بالموسيقى «حمرع» وكان موسيقياً ورئيساً بالبلاط الملكى فى عصر الملك خوفو.

وكان الموسيقيون والمغنون فى عصر مصر القديمة يتمتعون بالمرتبة العالية فى المجتمع آنذاك، وهو الأمر الذى ساعد على نهوض الموسيقى فى هذا العصر، وجعل العالم يتعرف على عالم الموسيقى والغناء من خلال الموهوب المصرى الذى وجد من يدعمه، ومن هذه الأسماء «كافو عنخ» وشغل وظيفة مشرف غناء فى العصر الملكى لمدة اقتربت - من النصف قرن، وظهرت الثنائيات الغنائية ومن أشهرها «حنكو» عازف الهارب والمغنية «آتى» فحظي الاثنان بشرف التخليد على مقبرة أحد أفراد العائلة المالكة من الأسرة الخامسة.

وقد قال الحكيم «آنى» فى تلخيص دور الموسيقى فى حياة المصرى القديم فى إحدى بردياته: «إن الغناء والرقص والبخور هى طعام الآلهة».

فما أبهر تاريخنا المصرى القديم حين نقدمه للعالم بشكله وآلاته وشعره وموسيقاه فى هذا العهد الأول، وقت أن كان العالم يرسخ فى جهالته وبداوته، وفقره. وقد نجح عراب الموسيقى الفرعونية د. خيرى الملط، الأستاذ بكلية التربية الموسيقية فى أن يستخرج صور الآلات الموسيقية فى عهد مصر القديمة من على جدران المعابد، وينسج آلات موسيقية جديدة على غرار نفس شكل ومقاسات الآلات القديمة، وقد تجاوز عدد الآلات الموسيقية المستنسخ أكثر من خمسين آلة موسيقية الفرعونية التى ما تزال المتاحف فى مصر والعالم محتفظة بها، مكون فرقة موسيقية جديدة قديمة على نفس غرار الفرق الموسيقية فى عهد مصر القديمة، ويلبس العازفون بهذه الفرقة الجديدة نفس الزى الذى كان يرتديه العازفون فى العصر القديم، ويعزفون نفس الألحان سألته متعجباً كيف تعرفون وتعزفون الألحان.. وهو لم تسجل ولم تكتب «نوتة» موسيقية فأجابنى: من شكل العازف حين يؤدى هذا المقطع أو هذه الجملة.. فحين ترجع رأسه للوراء تكون الجملة الغنائية والموسيقية من منطقة «الجواب» وكذلك من قدرات الآلات الموسيقية ذاتها المتقدمة فى هذه الفرق ومن طبيعة النص الغنائى الذى كان يغنى، والذى مازلنا نحتفظ به، نحن فى احتفالات المتحف المصرى الكبير لولانا ما كان الغناء ولا الموسيقى.

مقالات مشابهة

  • الشوفان.. وجبة إفطار صحية لمناعة قوية ومزاج متوازن
  • المصرى القديم للعالم: لوْلَاىَ ما كانت الموسيقى
  • بشير التابعي: الأهلي يحتاج 7 صفقات في يناير وزيزو لا يمكن استبداله
  • بشير التابعي: الأهلي يحتاج 7 صفقات في يناير
  • حسان: شغلنا الشاغل هو الاقتصاد الوطني ومصلحة الوطن قبل كل شيء
  • تفاعل على جملة قالها بنزيما بعد انتصار الاتحاد على النصر
  • العقوبات على بيترو.. هل هي أمريكية أم انتقام صهيوني؟
  • محمد سامي: كنت أتمنى أكون مساعد مخرج لطارق العريان لأنه مصدر إلهامي
  • بارزاني: حملات الابادة الجماعية للكورد بدأت بالفيليين وآخرها كانت ضد الإيزيديين