أرواح نلتقي بها بين الصدفة والاختيار
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
صالح بن سعيد الحمداني
نمضي بين ضجيج الأيام ومُفاجآت القدر في دروب الحياة المزدحمة بالمتغيرات والمتقلبات والتسارع الذي يسابق الزمن، ويجعل القدر لنا لقاءات بأرواح لم نكن نعلم بأنها ستكون من حكايتنا جزءًا وذكرى، يمر بنا بعضهم مرور الكرام، والبعض الآخر يترك في القلب أثرًا لا يُمحى وكأن مروره ذلك كان مخططًا له بعناية فائقة والقدر ساقه لم يترك مجالًا للصدف فيه، وقد تأتي تلك اللقاءات عفوية بدون سابق إنذار إننا من يكتُب بيده بقية القصة، لأننا من يمنح الأشخاص تلك المكانة في أرواحنا ونسكنهم قصور العاج في أعماقنا، وللمساحات الداخلية نسمح لهم بالعبور فإما بوعي أو باندفاع عاطفي نحسبهم جزءًا منَّا.
صدفة نلتقي بأرواح جميلة وقد يكون ذلك على حين غفلة منّا أشخاص لم نبحث عنهم والقدر أظهرهم فجأة كأنهم مرسلون من القدر ليرسموا لنا دربًا أو يكونوا لنا دواءً أو حتى عزاءً وربما يجعلهم لنا ضوءًا في وقتٍ انطفأت فيه الأنوار من حولنا، وهناك من نختارهم بعناية فائقة وببطء نتقرب إليهم، نبني معهم علاقة نراها قوية ومبنية على الانجذاب الروحي والتفاهم أو المصلحة، ولكن في الحالتين لا يمكننا أبدًا أن نعرف صدق وحقيقة من أمامنا منهم جميعًا، إلّا حين نغرسهم في عمق تربة القلب.
لا يمكن لنا أن نقرأ ملامح وتفاصيل الإنسان من حديثه الأول معنا أو من شكله؛ فالكلمات تخدع بمعسول الحديث والمظاهر قد تضللك لأن أولئك الذين يدخلون حياتنا يشبهون البذور لا نعرف نوعها أو ماذا سوف تُثمر لنا التجارب هي التي ستميّز بين من سوف يزهر وردًا وريحانا في أرواحنا والأيام كفيلة بأن تكشف معادن النَّاس ويتحول إلى شوكٍ يُمزق ثقتنا ويُفسد لنا نقاءنا الداخلي.
الأرواح النقية هي تلك التي تُزهر في قلوبنا كالورد الناعم فهي لا تتكلف ولا تفرض في حياتنا حضورها بقوة كما إنها لا تحتاج للمجاملات فهي تدخل حياتنا بكل سكينة وهدوء وتسكن الأعماق بلطف وتزهر فينا بلا أذى، هؤلاء الأشخاص يعلمون كيف يمكنهم أن يرمموننا حين نتصدع ويعرفون متى يكون الصمت احترامًا ومتى يكون الكلام دعمًا يعلمون أنهم لو بقوا شعرنا بأنَّ الحياة معهم أجمل لما يفعلوه لأجلنا وإن غابوا لا يتركون إلا رائحة طيبة خلفهم لا تزول.
أما الأرواح الأخرى فهي كالشوك تسرّعنا في احتضانهم وخدعتنا مظاهرهم، وأغرَتنا تلك الكلمات المعسولة منهم، أو ربما احتجنا لهم بلحظة ضعف منا، فجعلنا لهم في القلب مكانًا وأسكناهم فيه ظنًّا أنهم ورود ثم كانت المفاجئة أنهم شوكٌ سام ينمو في وجداننا ويؤلمنا كثيرًا كلما حاولنا تقريبه واقتلاعهم مؤلم كوجودهم، إنهم سرقوا منَّا طمأنينتنا ويهدمون ما بنيناه بالسنين في أنفسنا من ثقة وخلفهم لا يتركون لنا إلا دروسًا مؤلمة لا يمكن نسيانها تعلمناها بثمنٍ باهظ.
وحتى نستطيع أن نميز بين الورد والشوك يجب علينا أن نزرع ونراقب لأنه لا يمكن لنا أن نعيش في هذه الحياة دون تلك التجارب ونتجرع الألم لأننا جزء من مجتمع لا أحد فيه معصوم من الخطأ في تقييم الأشخاص ومع هذه التجارب والدروس نصبح أكثر وعيًا وبحذر كبير نتعلم فن إتقان فن الزراعة في القلب ونعرف كيف نكون أكثر قدرة على فلترة الأرواح وندرك تمامًا لتلك الإشارات التي لم نكن نعلمها وكنَّا نجهلها.
أجمل الأرواح تكون جميلة وتأتي إليك وأنت لا تنتظر أحدًا، روح عادية المظهر، ولكن في أعماقها جمالًا روحيًا هادئًا بحديثها تنعشك وتوحي بوجودها أنك إنسانٌ أفضل، الأرواح هذه لا تود منك شيئًا إذا فقط تكون وتسعى لتجعلك أنت أيضًا على طبيعتك، حين تغيب تشعر بأن هناك شيئًا لم يعد كما كان.
الحياة دائما وستبقى عبارة عن سلسلة من التجارب سواء حلوة أو مرة نأخذ منها العبر سلسلة متصلة من اللقاءات والوداعات.
لا يمكننا أن نمنع الصدف في متغيرات الحياة ولا يمكننا أن نتحكم في حياتنا بمن نحب أو من نكره، ولكننا يمكن لنا أن نختار من نُبقيه في قلوبنا ومن يغادرها بلا رجعة ونُقصيه عنها، المساحة التي نمنحها للناس نحن المسؤولين عنها، وكذلك عن ذلك الأثر الذي نسمح بإرادتنا لهم أن يتركوه فينا.
فازرع وبحذر في قلبك الأشخاص، لكن راقب النبتة بعناية وحذر، واسقِ فقط من ترى فيه الخير وإنه وردًا لقلبك، ولا تتردد ولو للحظة وتخشَ أن تقتلع الشوك الذي يؤذيك ولا تبقي له باقية، فالقلب حقلك الوحيد.. والزهر فيه قرارك.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
6 حقوق يتمتع بها الأشخاص ذوي الإعاقة.. وعقوبات وغرامات على المخالفين
مسقط- الرؤية
نشرت الجريدة الرسمية اليوم تفاصيل المرسوم السلطاني رقم 92/2025 بإصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.