شهد السودان خلال الأيام الماضية سقوط واحدة من أكثر المدن استراتيجيَّةً بيد قوات الدعم السريع، في الحرب الدائرة منذ أعوام، وهي مدينة الفاشر، الجزء الأكبر من إقليم دارفور، مما يُمكن أن يؤثر على مسار هذه الحرب، وقد تبع هذا السقوط عمليات قتل وتعذيب ممنهجة قامت بها الميليشيا لتنفيذ أجندتها وإطباق السيطرة الكاملة على المدينة.
                
      
				
مع ما يبدو أنه مشهد بعيد، إلا أنه في حقيقته قريبٌ جدًا؛ لأنه مؤثر بشكل مباشر على الأفراد حتى في مجتمع قد يبدو بعيدًا جغرافيًّا مثل عمان، لكن الناظر إلى التاريخ في المنطقة يدرك تمامًا أن لا شيء في الحقيقة بعيد، بل هو مؤثر على الحياة الشخصية الفردية والمجتمعية ثم السياسية والاقتصادية، ولذلك لا بد أن يفكر المرء بسؤاله الداخلي عن واجبه الأخلاقي والإنساني تجاه ما يحدث في أي قضية في المنطقة، وفي هذه الحالة، أن يفكر في واجبه اتجاه ما يحدث في السودان.
إن ما يحدث في السودان ليس مشهدًا محليًّا معزولاً، يُراقب في الشاشات من بعد، وليس صراعًا بين جنرالين كما يتم الترويج إليه، بل الأمر أعمق من ذلك بقياس التدخلات الخارجية، ومراقبة الحدث باعتباره انعكاسًا للأزمات التي تعيشها المنطقة من حيث هشاشة الدولة وتفككها وصراع القوى والتدخلات الخارجية؛ وعلى هذا فهو يعكس صورة أكبر مما يوحي بها الظاهر، ولذلك فإن من واجبات دراسة المنطقة النظر إلى أن استقرار السودان، مثل استقرار فلسطين أو ليبيا أو اليمن أو غيرها، يعني استقرار المنطقة، ولا يتم هذا الاستقرار الأكبر إلا باستقرار أجزائه؛ وبالتالي فإن الجسر الذي يبدو متوهّمًا عند البعض، يفرض نفسه واقعًا وحقيقةً، لأن تأثير الدومينو (Domino Effect) لابد أن يظهر للعيان، وما حدث في الربيع العربي وفي أحداث غزة، لا سيما الأخيرة، دلائل يُمكن فهم هذا التأثير من خلالها.
بالنسبة للعمانيين، فالأمر قد يتخذ منحىً أكثر عمقًا، إذا ما تم استحضار التاريخ والقرب الجغرافي، فإن الصلات العمانية-الإفريقية غائرة في القدم، وذات تأثير على المجتمع العماني باعتبار أن كثيرًا من الأفراد الذين يعيشون في المجتمعات العمانية المختلفة اليوم جاؤوا نتيجةً لهذه العلاقات بين الطرفين، فضلا عن القرب الثقافي والجغرافي.
ولذلك تصبح هنا الصورة أكثر تعقيدًا في طرف، وأكثر تجسيرًا في طرف آخر، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار الداخلي المتعلق بالأبعاد المجتمعية والإنسانية، والاستقرار الخارجي المتعلق بالأبعاد السياسية والاقتصادية.
مع قياس كل هذه العوامل، يحتم الواجب الأخلاقي والإنساني على المرء أن يكون واعيًا بالقضايا التي يهدر فيها دم إنسان آخر وكرامته وحقه في الحياة، فضلا عن أن هذه القضايا تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر، إذ الأمر لا يحتاج إلى إثبات عقلي أو خارجي للوصول إلى نتيجة ضرورة التضامن مع هذه القضايا.
وفي الجانب الآخر، فإن الواجب لا يقتصر على الإغاثة المادية فحسب لإرضاء الضمير الداخلي أو الذات، بل يمتد للوعي والبحث في الأسباب التي أدت إلى هذه القضية، ومحاولة نشر هذا الوعي للآخرين وتذكيرهم بواجباتهم الأخلاقية والإنسانية، من حيث إن إنسانًا يقتل ويشرّد.
على العمانيين في هذه اللحظة واجبات تحتمها عليهم الضمائر الإنسانية والأخلاقية، والصلات التاريخية والحاضرة، الثقافية والمجتمعية، وموقعهم باعتبارهم جزءًا من نسيج المنطقة لا يُمكن الانفكاك منه، ويُمكن تقسيم هذه الواجبات ـ ولن يتم التطرق هنا للمساعدات المالية إذ لا تحتاج لذكر باعتبارها بديهة ـ إلى شعبية وإعلامية وثقافية.
أما الشعبية فإنها تتعدد أشكالها وتختلف، منها البحث والتنقيب لزيادة الوعي بالقضية ومعرفة جوانبها المختلفة، للوصول إلى الوعي الجمعي في مستوى يكون قادرًا على أن يكون دافعًا للمساهمة المستدامة، ومنها مساعدة السودانيين سواء الموجودين في عمان أو خارجها فيما يحتاجون إليه. وأما الإعلامية، فإن وسائل الإعلامية لديها مسؤولية مهمة في الاهتمام بالقضية وتقديمها بصورتها الإنسانية والسياسية غير المؤدلجة، والوصول بها إلى أذهان الناس عمومًا لإلقاء الضوء على القضية من منظور أكثر وعيًا.
وأما الثقافية، فإن الساحة الثقافية لديها القدرة على الاهتمام بالأحداث السودانية على مستويات متعددة، منها إقامة الجلسات الثقافية والكتابات وتمسك المثقفين بدورهم في المجتمع من حيث قدرتهم التأثيرية على إبقاء القضية حية في الذهن الواعي للناس.
من خلال تحمل مسؤولية الواجبات هذه، يُمكن تقليل الانعكاسات لهذه القضية، سواء الاقتصادية والسياسية، أو الاجتماعية والثقافية، من خلال الوصول إلى وعي جماعي استباقي يكون قادرًا على التأثير المستدام؛ فيتحول الموقف المطلوب في اللحظة الراهنة إلى موقف قيمي وإنساني لا موقف عابر يرضي الضمير فقط، بل هو مرتبط ارتباطًا عميقًا بما عليه الإنسان وما يقع عليه، وإدراك أن كل فرد هو جزء من مجتمع الذي هو جزء من المنطقة، فما يجري على أي مجتمع فيها يجري بالضرورة عليه ويتأثر به بشكل مستمر.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تصرف من كونسيساو تجاه جمهور الاتحاد بعد التعادل مع الخليج يثير تفاعلاً
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تعادل الاتحاد مع نظيره الخليج بنتيجة 4/4، على أرض ملعب الأخير، السبت، ضمن مباريات الجولة السابعة من دوري "روشن" السعودي.
وأحرز فريق المضيف، الخليج، أهدافه أولاً عبر يوشوا كينغ (ثنائية) وكوستاس فورتونيس (ثنائية)، في الدقائق 14 18 و37 و47.
فيما سجّل فريق "النمور" أهداف التعادل عبر موسى ديابي (ثنائية) وماريو ميتاي وفيصل الغامدي، عند الدقائق 51 و86 و90+ و90+.
عقب صافرة النهاية، وجهت جماهير الاتحاد التحية للمدير الفني سيرجيو كونسيساو، كما رددت هُتافات خاصة به.
حينها، بادل كونسيساو أنصار فريق "النمور" التحية، وبدا أنه اعتذر منهم بعد التعادل مع الخليج وعلى الرغم من تحقيق "ريمونتادا" ورفض الهزيمة.
السعوديةالدوري السعودينادي الاتحاد السعودينشر السبت، 01 نوفمبر / تشرين الثاني 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.