الإفتاء توضح حكم الشرع فى إقامة المتاحف ووضع التماثيل داخلها
تاريخ النشر: 4th, November 2025 GMT
ما حكم إقامة المتاحف والمعابد التي تقوم بعرض التماثيل؟.. وما حكم استخدم التماثيل للتَّعلُّم أو للتاريخ أو للزينة أو لأيّ منفعة أخرى؟.. وهل يجب تكسير هذه التماثيل كما يفعل بعض المتشددين؟.. سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية.
لترد دار الإفتاء موضحة: ان التماثيل فى عصرنا لا يُقصد بها مضاهاة خلق الله
يجوز شرعًا إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها؛ لأن التماثيل في عصرنا لا يُقصد بها مضاهاة خلق الله، ولا يُقصد بها العبادة والتقديس، ولا تُصْنَع لغرضٍ محرَّم، فإنْ قُصِد بها غرض صحيح: من تَعلُّمٍ، أو تأريخٍ، أو زينةٍ، أو غيرها من الأغراض المباحة في الشريعة فالقول بجوازها أولى، سواء كانت كاملة أو غير كاملة، على الحجم الطبيعي للإنسان أو لا، قُصد بها اللعب والتربية للأطفال وغيرهم أو لا، ويجوز أن تُستخدم، وأن تُباع، وأن تُشترى؛ ولا يجوز تكسيرها كما يفعله بعض الجهَّال والمنحرفين.
يسأل عنها كثير من الناس ويشغل بالهم هذا السؤال، فقد يظن الكثير أن صناعة التماثيل والمحافظة على الآثار الفرعونية حرام شرعا كما يزعم أتباع الجماعات المتطرفة الذين يسعون لهدم هذه التماثيل التي ترد أمامهم ولا يعلمون أن الإسلام حث على المحافظة على هذه الآثار.
عن هذا الأمر، أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، أنه يجوز أن تُصنع التماثيل، وأن تُستخدم، وَفق الضوابط الصادرة من الدولة خاصة أنها قد انتفى عنها مضاهاة خلق الله؛ لأنه من المقرر أن الأحكام تدور مع العلل وجودًا وعدمًا بشرط ألا يقصد بها العبادة والتقديس، ولا تصنع لغرض محرم، ولا سيما إن قصد بها غرض صحيح: من تَعلُّمٍ، أو تأريخٍ، أو زينةٍ، أو غيرها من الأغراض المباحة في الشريعة، سواء أكانت كاملة أم غير كاملة، على الحجم الطبيعي للإنسان أو لا، قصد بها اللعب والتربية للأطفال وغيرهم أم لا، وعليه فلا تحرم إقامة المتاحف ووضع هذه التماثيل فيها للأغراض السابقة أو غيرها.
وأوضح مفتي الجمهورية السابق أن جماعةً من الفقهاء المحققين أجازوا اتخاذَ التماثيل إذا لم يُقصَد بها العبادة، ونصوا على أن تحريم التماثيل الوارد في الشرع إنما جاء سدًّا لذريعة عبادتها، وحسمًا لمادة تقديسها، فأما المجسمات على صور الحيوانات والبشر التي لا تُتَّخَذُ للعبادة فلا تحرم، فالنهي عن اتخاذ التصاوير والتماثيل التي على هيئة ذوات الروح وعن صناعتها، لم يكن لكونها محرمة في ذاتها؛ بل لما ارتبط بها في الجاهلية من العبادة، فإذا زالت عنها تلك العلة جاز اتخاذها، وكذلك إذا أمن الناس من مظنة عبادتها، وغدت مجرد زينة أو حلية، ولم تُوضَع مَوْضعَ قداسةٍ لصورتها: فقد زالت علةُ تحريمها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توضع الصورة في بيته بحيث تشغله عن الصلاة، أو في موضع يوحي بمظنة تقديسها، ولم ينه عن وضعها إذا زالت هذه العلل عنها، وأباحها للمصلحة.
وأضاف : ومما يدل أيضًا على تخصيص عموم النصوص الواردة في حرمة الأصنام ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم، في قوله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: 13]، فهذه الآية وإن وردت في حق نبي الله سليمان عليه السلام، إلا أن الله تعالى لم يعقب هذه الآية بما يدل على التحريم، بل أكد الحق سبحانه وتعالى بعدها مباشرة على أنها من نعمه سبحانه وتعالى على آل داود عليه السلام؛ حيث طلب منهم الشكر عليها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، ومن المعلوم أن شرع مَن قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ولم يرد ما ينسخه؛ مما يدل على أنه إذا لم تكن الغاية والعلة في التماثيل محرمة كاتخاذها للعبادة ونحوها فلا تحرم.
أهمية علم الآثاروأضاف، مفتي الجمهورية، أن الآثار وسيلة لدراسة تاريخ الأمم السابقة التي ملأت جنبات الأرض علمًا وصناعة وعمرانًا، وقد لجئوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وحربيًّا نقوشًا ورسومًا ونحتًا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرًا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع".
كما أن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم إنما تكون للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ منها قوله سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الروم: 9].
فضل الآثار في القرآنوذكر مفي الجمهورية، أن القرآن الكريم في كثير من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار، وكانت الدراسة الجادة لهذا التاريخ لا تكتمل إلا بالاحتفاظ بآثارهم وجمعها واستقرائها؛ إذ منها تعرف لغتهم وعاداتهم ومعارفهم في الطب والحرب والزراعة والتجارة والصناعة، وما قصة حجر رشيد ببعيد حيث كان العثور عليه وفك رموزه وطلاسمه فاتحة التعرف علميًّا على التاريخ القديم لمصر.
تعامل الصحابة مع الآثار
وأكد مفتي الجمهورية السابق، أنه بعد الرجوع لفعل الصحابة وتصرفهم تجاه الآثار بعدما انطلقوا للأمصار بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم نجد ما يشير لقيام الصحابة بهدم الآثار التي وجدوها ولا مجرد محاولات منهم، أما القول بأن كل الآثار والتماثيل وقتهم كانت مطمورة بالرمال فهذا بعيد للغاية وغير متوافق مع التاريخ، وهذا الفهم بلا شك أخذوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم هدم الآثار
وأكد مفتي الجمهورية السابق أن هدم الآثار جريمة في حق التراث الإنساني، خلافًا للاحتفاظ بها؛ سواء أكانت تماثيل أم رسومًا أم نقوشًا في متحف للدراسات التاريخية، فهو ضرورة من الضرورات الدراسية والتعليمية لا يحرمها الإسلام؛ لأنها لا تنافيه، بل إنها تخدم غرضًا علميًّا وعقائديًّا إيمانيًّا حث عليه القرآن.
حكم اقتناء التماثيل
وكشف مفتي الجمهورية السابق عن أن النصوص الشرعية قد وردت بجواز اتخاذ التماثيل إذا خلت عن علة العبادة أو التقديس، وكان في اتخاذها منفعة ولو يسيرة، كالتسلية عن الأطفال باتخاذها لعبًا وعرائس لهم، لإدخال السرور عليهم، وتدريبهم على تربية أولادهم فيما بعد، والحكم بالحرمة إنما هو خاص ويكون إذا عزم صانعه على أن يضاهي بما يصنعه خلق الله تعالى، أو إذا اتُّخذت للعبادة ونحوها مما لا شك في حرمته.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الوعيد على تحريم التصوير خاص بمن كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان، وأما الآن فلا، والتحقيق أن الأصل في الوعيد على التصوير قسمان؛ أحدهما: لا يتحقق إلا بالقصد، وهو مضاهاة خلق الله.
وثانيهما: لا يُشترط فيه قصد علة الحصر، وهو كما يؤخذ من حديث كنيسة الحبشة، ومما صرح به المحققون من المتقدمين والمتأخرين في شرحه وشرح غيره، وهو سد ذريعة عبادة صور الأنبياء والصالحين وغيرهم.
متى تكون صناعة التماثيل حرام؟وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن التماثيل التي تم صنعها قبل الإسلام هي تراث تاريخي لا يعبده أحد الآن، وقد اتفق العلماء على حرمة التماثيل إذا كانت تصنع من أجل العبادة والتعظيم والتقديس من دون الله.
هل تحطمت التماثيل في عهد الإسلام ؟وأكد أنه لا مانع شرعًا من الإبقاء على التماثيل الأثرية، فهذه الآثار الموجودة منذ العصور السابقة على دخول الإسلام استمرت ولم يحطمها أحد من الحكام المسلمين؛ لأنهم لم يروا فيها ضررًا على عقيدة المسلمين، وإنما هي مجرد آثار تاريخية ومزارات فقط.
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أن الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، ومشاهدتها أمر مشروع ولا يحرِّمه الدين، بل شجَّع عليه وأمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم.
حكم بيع الآثاروشدد المفتي، على أن تدمير التراث الحضاري أمر محرم شرعًا، ومرفوض جملة وتفصيلًا، وكذلك التعامل بالتهريب والبيع والشراء للآثار؛ فإن "الآثار من القيم التاريخية والإنسانية التي ينبغي عدم مسها بسوء، وهي إرث إنساني يجب الحفاظ عليه، ولا يجوز الاقتراب منه أبدًا".
وأكد المفتي أنه لا يخفى علينا مدى أهمية الحفاظ على الآثار؛ إذ يعكس ذلك المستوى الحضاري للشعوب، وهي تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع؛ لأنها تعبر عن تراثها وتاريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هدم آطام المدينة؛ أي حصونها.
وأشار المفتي إلى أن كل التماثيل الأثرية مجرد تسجيل للتاريخ، وليس لها أي تأثير سلبي على عقيدة المسلمين؛ ولهذا فإن الإبقاء على الآثار الفرعونية ليس محرمًا، خصوصًا أنها تدر مصالح اقتصادية للبلاد من خلال تنشيط السياحة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتی الجمهوریة السابق صلى الله علیه وسلم التماثیل فی على الآثار على أن
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يبحث تعزيز التعاون العلمي والإفتائي مع جامعة دار الهدى الإسلامية بالهند
استقبل أ.د. نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، اليوم الثلاثاء، الأستاذ الدكتور، بهاء الدين محمد الندوي، نائب رئيس جامعة دار الهدى الإسلامية بالهند، والوفد المرافق له؛ لبحث أوجه التعاون في المجالات العلمية بين دار الإفتاء المصرية والجامعة، وتعزيز الشراكة في مجالات إعداد وتأهيل الكوادر العلمية والإفتائية الهندية.
وخلال اللقاء، رحب فضيلة مفتي الجمهورية بالوفد الهندي، مؤكدًا عمق العلاقات التاريخية والعلمية التي تربط بين مصر والهند، وخاصة المؤسسات الإسلامية العريقة في البلدين، وفي مقدمتها دار الإفتاء المصرية وجامعة دار الهدى الإسلامية، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يأتي امتدادًا للعلاقات العلمية والروحية التي جمعت العلماء في البلدين على مر التاريخ.
وأوضح فضيلته أن دار الإفتاء المصرية تولي اهتمامًا خاصًا ببناء وتطوير القدرات العلمية للمفتين والباحثين في مجال الفتوى، من خلال مركز التدريب بدار الإفتاء الذي يقدم برامج نوعية في تأهيل المفتين، لا تقتصر على العلوم الشرعية فحسب، بل تمتد إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تعين المفتي على الإدراك الواعي للواقع وفهم متغيراته، ما يسهم في تكوين المفتي تكوينًا متكاملًا علميًا وواقعيًا.
كما استعرض فضيلة المفتي خلال اللقاء الإدارات المختلفة بالدار وطبيعة عملها، مشيرًا إلى ما تشهده من تطور مستمر في مجالات التحول الرقمي وخدمة الفتوى الإلكترونية، إلى جانب جهودها في نشر الفكر الوسطي ومواجهة الفكر المتطرف عبر أدوات التواصل الحديثة.
وتناول فضيلته الحديث عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تضم في عضويتها 111 هيئة ومؤسسة إفتائية من مختلف دول العالم، ولها عدد من المكاتب التمثيلية، وتسعى إلى التوسع في إنشاء مكاتب جديدة بما يحقق تبادل الخبرات وتنظيم المؤتمرات والفعاليات العلمية المشتركة، مؤكدًا استعداد دار الإفتاء المصرية الكامل لتقديم كافة أشكال الدعم العلمي والشرعي والتدريبي لجامعة دار الهدى الإسلامية، و ترحيب الدار بتدريب الطلبة والعلماء من الهند على مهارات الإفتاء وأدواته المعاصرة من خلال البرامج المعتمدة بمركز التدريب التابع للدار، وبما يسهم في تأهيل جيل من العلماء القادرين على التواصل مع الواقع ومواكبة قضاياه.
من جانبه، عبر الدكتور بهاء الدين محمد الندوي، نائب رئيس جامعة دار الهدى الإسلامية بالهند، عن تقديره العميق لدار الإفتاء المصرية وللجهود التي تبذلها في خدمة الإسلام ونشر الفكر الوسطي في العالم، مشيدًا بدور فضيلة المفتي في قيادة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بما يعزز التعاون بين المؤسسات الإفتائية في مختلف الدول.
وقال الدكتور الندوي: "إننا نرى في دار الإفتاء المصرية أنموذجًا رائدًا في الاجتهاد المؤسسي وضبط الفتوى ومواكبة قضايا العصر بروح علمية منفتحة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، ونحرص على تعزيز الشراكة العلمية والتدريبية معها بما يخدم طلاب العلم في الهند والعالم الإسلامي".
وفي ختام اللقاء، أعرب الجانبان عن تطلعهما إلى مزيد من التعاون والتنسيق في تنفيذ البرامج التدريبية والمشروعات البحثية المشتركة والترجمة إلى اللغة الأردية، بما يرسخ قيم الاعتدال والتعايش الإنساني، ويعزز دور المؤسسات الدينية في نشر صحيح الدين، ومواجهة الفكر المتطرف ونشر ثقافة السلام في العالم.