مفتي الجمهورية: غياب الفهم الصحيح للإسلام والاعتماد على القراءات الانتقائية سبب نشأة الإسلاموفوبيا
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الدعوة الإسلامية تواجه في العصر الحديث تحديات فكرية جسيمة تتنوع بين الفكر الاستشراقي المتعصب الذي يسعى إلى تشويه صورة الإسلام والفكر اللاديني الذي يدفع إلى الإلحاد والطعن في الوحي والرسالات فضلًا عن الفكر المتطرف الذي أفرز جماعات العنف والإرهاب، فأساء إلى الدين وشوه صورته أمام العالم.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن هذه التحديات أفرزت ظواهر سلبية مؤلمة من أبرزها تصاعد موجات الإسلاموفوبيا وخطابات الكراهية والعنف العنصري بما يهدد قيم العيش المشترك والأمن الإنساني العالمي ويجعل من الضروري اتخاذ موقف علمي راسخ يقوم على بيان الحقائق وكشف الزيف وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في المحافل الدولية
جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في الندوة العلمية التي نظمتها كلية أصول الدين بجامعة الأزهر تحت عنوان "منهجية عرض صحيح الإسلام في المحافل الدولية – تجربة ذاتية".
وأوضح مفتي الجمهورية أن المؤسسات الدينية الرسمية مطالبة بأن يكون لها حضور فاعل ومؤثر في المؤتمرات والمنتديات العالمية لتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام ومواجهة ما يُلصق بالأمة من تهم باطلة، مؤكدا أن المنهجية التي تتبعها المؤسسات الدينية في هذا الإطار ترتكز على مجموعة من الأسس الفكرية والعلمية يأتي في مقدمتها ترسيخ ثقافة الحوار الديني والثقافي باعتبارها الأساس الحقيقي لبناء الحضارات الإنساني.
وفي سياق متصل تناول المفتي أهمية الحوار الديني في عصرنا الراهن، مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وجعل من الحوار وسيلة للعمران والبنيان والتفاهم بين الناس، إلا أن الواقع المعاصر يشهد تراجعًا واضحًا في ممارسة الحوار النزيه القائم على البحث عن الحق، بعدما صار حكرًا على فئة قليلة تنتمي إلى توجهات فكرية أو خلفيات أيديولوجية محددة، فاختفى بذلك الحوار الذي يُعبَّر من خلاله عن الحقيقة بروح الإنصاف والاحترام المتبادل، موضحًا أن التاريخ أثبت أن الحوار الصحيح كان ولا يزال هو البيئة العلمية الحقيقية التي تنضج فيها العقول وتتلاقى فيها الرؤى للوصول إلى الصواب،
وأكد أن الأديان في جوهرها لم تكن يومًا سببًا للفرقة بل قوة للوحدة الإنسانية لأنها تلتقي جميعًا على قيم العدل والرحمة والصدق موضحًا أن الحوار ليس ترفًا فكريًا وإنما ضرورة وجودية لضمان بقاء الإنسانية وتحقيق السلام العالمي وأن تعزيز قيم التفاهم والتعايش هو السبيل لتصحيح الصورة المشوهة عن الأديان في مواجهة حملات التشويه المغرضة التي تسعى إلى بث الفرقة والكراهية كما نبه إلى أن التحديات التي تواجه الحوار جسيمة تبدأ من التطرف والغلو وتمتد إلى إساءة استخدام التقنية وقطع الصلة بين الأجيال ومحاولات إعادة تشكيل المجتمعات على أسس مادية بحتة تخلو من الروابط الروحية والإنسانية.
وأوضح المفتي أن المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية حريصة على دعم كل المبادرات التي تهدف إلى بناء الجسور الحضارية بين الشعوب والثقافات وإحياء القيم الأخلاقية والروحية التي شكلت جوهر الحضارات عبر التاريخ مشيرًا إلى أن من أهم مرتكزات عرض صحيح الإسلام في المحافل الدولية التأكيد على القيم الإنسانية في الرسالة المحمدية التي تجلت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا مصداقًا لقوله تعالى ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ حيث كانت بعثته رحمة عامة للبشرية ورأفة بالمؤمنين وقد قامت شريعته على الصدق والعدل كما قال تعالى ﴿وتمت كلمت ربك صدقًا وعدلًا﴾ لتكون مقاصدها قائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد وصيانة الضروريات الخمس التي تحفظ للإنسان حياته وكرامته واستقراره.
ولفت فضيلته إلى أن عرض صحيح الإسلام في المحافل الدولية لا يتحقق إلا برؤية علمية واعية ومنهج يقوم على الرحمة والحوار والتعايش الإنساني واحترام التنوع الثقافي والديني بما يسهم في بناء عالم أكثر عدلًا وإنصافًا يحقق مقاصد الشرع في عمارة الأرض وخدمة الإنسان، مؤكدًا أن الإسلام جاء حاملًا منظومة متكاملة من القيم التي تحفظ للإنسان كرامته وتصون للمجتمع استقراره وتضمن للعالم أمنه وسلامه، وأن من بين هذه القيم الإنسانية العظمى التي جاء بها الإسلام وأكد عليها نبينا صلى الله عليه وسلم "قيمة المساواة" بين الناس جميعًا، فقد روى سعد رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾». كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: لا يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟»، ثم قام فاختطب، فقال: «إنما أهلك الذين قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». بل صرح صلى الله عليه وسلم بأن الفضل لا يقاس بالأنساب ولا بالألوان ولا بالأجناس، وإنما يقاس بالتقوى والعمل الصالح، فقال: «إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى
وأوضح فضيلة المفتي أن الإسلام دين عدل ورحمة ومساواة وأخوة، جاء ليقيم الميزان بين الناس جميعًا، ويرسخ دعائم التعايش والسلام، ويبطل كل أشكال التمييز والتفريق إلا بالتقوى والعمل الصالح، وما أحوج الإنسانية اليوم إلى استلهام هذه المعاني الراقية لتسود روح المحبة والوئام وتسقط جدران الفرقة والانقسام، مشيرًا إلى أهمية تعزيز التعارف الإنساني والحضاري الذي يعد من أهم المبادئ الدينية والقيم الحضارية في الإسلام، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾. وقد ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». والأصل الذي ينبني عليه مبدأ التعارف الإنساني في الإسلام هو الخلق من نفس واحدة، كما قال تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة﴾، مضيفًا أن التأصيل لمبدأ التعارف قد كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة، بما يستدعي تجاوزه من التنظير إلى التفعيل الواقعي من أجل وقف الحروب والصراعات ودعم مسارات الاستقرار والتنمية. وأكد أن من أهم التحديات التي تواجه هذا المبدأ حروب الإبادة التي تمارسها بعض الكيانات بحق الضعفاء، متجاهلة الأصوات الرشيدة المنادية برفع المظالم، وهو ما يمثل عارًا في جبين الإنسانية، وقد سبقت هذه الحروب نظريات عنصرية ومعارف متطرفة كرست لصدام الحضارات وحتمية المواجهة بين الأديان، وضرورة الصراع بين الشرق والغرب، وفرض الهيمنة الفكرية والسياسية والاقتصادية، مؤكدًا أن رائد هذه النظريات في الغرب "هنتنجتون" يتشابه في فكره مع الجماعات الإرهابية في الشرق، فكلاهما يرفض مبدأ التعارف الإنساني، ويكرس لثقافة العنف والإقصاء لأن ذلك يتعارض مع مصالحه وأطماعه. كما أن كلا الطرفين يفهم النصوص الدينية فهمًا مغلوطًا يعزز توجهاته المتطرفة وأعماله الإجرامية، وقد أصبحت هذه الأفكار المنحرفة وقودًا للحروب التي لا تتوقف بين الشعوب، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين﴾.
وتساءل فضيلته عن أسباب نجاح نظريات الصدام في جر الشعوب إلى الدمار مقابل تعثر دعوات التعارف الإنساني رغم وضوحها ونبل مقاصدها، مبينًا أننا توقفنا في كثير من الجهود عند مبدأ "التعارف الديني" ولم نتجاوزه إلى "التعارف الحضاري"، وأن ما تحقق من إنجازات نوعية في مسار التقارب الديني كوثيقة الأخوة الإنسانية بين الأزهر الشريف والكنيسة الكاثوليكية لا يزال بحاجة إلى ترجمة حضارية وميدانية تؤكد براءة الأديان من الحروب والصراعات، داعيًا إلى أن تكون فكرة "التعارف الحضاري" بين الشعوب والأمم محورًا أساسيًا في فكر المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية لتضطلع بدورها في إيقاف الصراعات وتعزيز السلم الإنساني العالمي.
وفي إطار حديثه عن مكانة المرأة في الإسلام أوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن قضية المرأة كانت ولا تزال من القضايا التي يُعاد تناولها في كل عصر، تارة بالحق وتارة بالباطل، مؤكدًا أن التاريخ الإسلامي زاخر بالنماذج المضيئة التي جسدت التقدير العملي لدور المرأة في المجتمع، أمً كانت أو بنتًا أو زوجةً أو عالمةً أو مربيةً للأجيال، مشيرًا إلى أن الوصية الأخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته كانت: «استوصوا بالنساء خيرًا»، وهو توجيه نبوي جامع يبرز مكانتها وحقوقها، ويؤكد أن الإسلام منحها تكريمًا لم تعرفه حضارة أخرى. وأضاف أن المرأة في الرؤية الإسلامية شريكة الرجل في البناء والعطاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال»، وهو تعبير بليغ عن المساواة في الكرامة الإنسانية والتكامل في الوظيفة والمسؤولية موضحا أن من المحاور المحورية التي تتطلب معالجة فورية هو تصحيح المفاهيم المغلوطة حول موقف الإسلام من المرأة مؤكداً أن الشريعة قد سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة إلا في بعض الأمور اليسيرة التي تتناسب واختصاصات طبيعية وأن الإسلام أعاد للمرأة كرامتها ومنحها حقوقها الإنسانية واستقلاليتها حين كانت في حضيض الانحطاط في الجاهلية فكرست بذلك كفاءة شرعية لا تنقص عن كفاءة الرجل في الأمور المدنية واعتبر المفتي أن قوامة الرجل في الإسلام ليست طريقًا لاستعباد المرأة بل تكليفًا بمسؤولية ورعاية تحفظ كرامتها وتضمن لها إنسانيتها وأكد أن أي فكر ينتقص من هذه المساواة أو يختزلها في شكل صوري هو فكر دخيل على الإسلام وأن من واجبنا أن نذيع هذا المعنى الراشد بين الناس لنهيئ أرضية صحيحة لصورة الإسلام الحقيقية في العالم.
وأكّد فضيلة المفتي أن الغلو والتطرف في فهم النصوص الدينية يعدان من أخطر الآفات التي ابتلي بها العصر الحديث، موضحًا أن جماعات عدة خرجت على إجماع الأمة ومؤسساتها الدينية الوسطية، فانحرفت عن المنهج القويم وجنحت نحو العنف والتكفير والإرهاب، وهي نتيجة حتمية لسوء الفهم والابتعاد عن مقاصد الشريعة السمحة. وأشار فضيلته إلى أن خطابات الكراهية التي تبثها هذه الجماعات المتطرفة لا تمت إلى التدين الصحيح بصلة، فهي قرينة التعصب والجهل وليست قرينة الإيمان أو الإسلام، لافتًا إلى أن هناك نوعًا آخر من خطابات الكراهية لا يقل خطرًا عن خطاب الجماعات الإرهابية، يتمثل في الحملات العدائية ضد الإسلام التي تتبناها بعض التيارات اليمينية والأصولية في الغرب وتساندها أحيانًا مؤسسات استشراقية معادية، إذ تعمل على تصوير المسلمين بأنهم متعصبون أو عنيفون أو معادون للمرأة والطفل، وهي صورة مشوهة أدت إلى تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا وارتفاع معدلات العنف والجرائم ضد المسلمين في أنحاء متفرقة من العالم.
وفي إطار تناوله لتلك الظاهرة بيّن فضيلته أن هذا المصطلح يعد من المفاهيم القديمة الجديدة، إذ لم يخلُ عصر من العصور من محاولات بعض التيارات زرع الخوف من الإسلام في النفوس، سواء من قبل غير المسلمين أو حتى من بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن فهموا النصوص على غير وجهها الصحيح، فابتعدوا عن روحها ومقاصدها العليا، موضحًا أن غياب الحوار الحضاري كان أحد الأسباب الرئيسة في تنامي هذه الظاهرة. وأضاف أن المسلمين الأوائل عندما احتكوا بالحضارات الأخرى لم ينغلقوا عليها، بل تعاملوا معها بروح منفتحة فانتقوا ما فيها من خير ونموه، ونبذوا ما فيها من فساد، فكانت النتيجة حضارة إنسانية راقية أسهمت في نشر قيم العدل والتسامح والمعرفة
وفي هذا السياق أوضح فضيلته أن مواجهة هذه الظاهرة لا يمكن أن تتحقق من خلال جهد فردي أو مؤسسي واحد، بل تحتاج إلى تكامل عدة محاور متوازية، منها المحور العلمي الذي يتطلب عرضًا موضوعيًّا للإسلام وردًّا علميًّا على الشبهات المثارة حوله، والمحور التقني الذي يقتضي توظيف أدوات التواصل الحديثة لمخاطبة العالم بلغته المعاصرة، إلى جانب المحور التربوي الذي تقوم عليه الأسرة، والمحور التعبدي الذي تنهض به المؤسسات الدينية والمساجد، وكذلك المحور الثقافي الذي تتولاه الوزارات والهيئات الثقافية والتعليمية. وشدد فضيلته على أن التكامل بين هذه المحاور يمثل السبيل الأمثل للقضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام في المحافل الدولية
وفي معرض حديثه أكد مفتي الجمهورية أن الحضارة الإسلامية قامت على مبدأ الأخذ والعطاء، فحيثما وجد الخير عمّموه، وحيثما وجدوا الخلل أصلحوه أو نبّهوا عليه، فالحضارة الإسلامية لم تكن حضارة صدام بل حضارة تواصل وإنسانية، استطاعت أن تدمج بين العقل والوحي، والمادة والروح، والعلم والإيمان، في نسق متكامل يحقق التوازن بين احتياجات الإنسان المادية وقيمه الأخلاقية والروحية. وبيّن فضيلته أن انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العصر الحديث يرتبط بطبيعة المرحلة الراهنة التي تغلب عليها لغة المصالح والمنافع، فأصبحت بعض المؤسسات العالمية تؤسس لمفاهيم مادية بحتة وتنسبها إلى الإسلام، متجاهلة الجانب القيمي والروحي الذي يشكّل جوهر الرسالة
وأوضح فضيلته أن هذه الخطابات العدائية، سواء التي تصدر عن المتطرفين من داخل المجتمعات الإسلامية أو تلك التي تُوجَّه من الخارج ضد الإسلام، تمثل وجهين لعملة واحدة، فكلٌّ منهما يسهم في تهديد الأمن الإنساني وزعزعة استقرار المجتمعات وإشعال الصراعات الثقافية والدينية، مؤكدًا أن الإسلام بريء من كل فكر يدعو إلى الكراهية أو الإقصاء، وأن رسالته في جوهرها رسالة سلام ورحمة وتعارف بين البشر.
وانطلاقًا من هذا السياق الفكري العام، أوضح فضيلة المفتي أن العالم اليوم يعيش حالة من الاضطراب والتناقض، تتعدد فيه الاتجاهات والرؤى، وتختلط فيه الحقائق بالأوهام، حتى غدت النظرة إلى الإسلام نظرة جائرة في كثير من الأحيان، مردّها الأساس الجهل بحقيقة هذا الدين العظيم، وسوء الفهم لمقاصده العليا، بل وأحيانًا الانطلاق من خلفيات فكرية ضيقة تحكمها النزعة الأيديولوجية لا الرؤية الموضوعية الشاملة، مشيرًا إلى أن من أبرز أسباب هذا التشويه هو عرض الدين عرضًا مبتورًا وانتقائيًا لا يعكس شموليته واتزانه وعدله، مؤكدًا أن العالم بحاجة ماسة إلى تقديم الإسلام في صورته الكاملة التي تتسع للإنسان أيًا كان دينه أو لونه أو ثقافته، مشيرًا إلى أن الدعوة إلى الله لا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال تعالى: ﴿ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾، فالإسلام في جوهره رسالة رحمة وعدل لا تعرف الإقصاء ولا تعرف العنف.
وفي إطار عرضه للتحديات الواقعية، أضاف فضيلته أن مقتضى الحال يستوجب تجديد أساليب الدعوة وتطوير لغة التواصل مع المدعوين، فلكل زمان خطابه ولكل مجتمع وسائله. واستشهد بتجربة من كينيا، حيث أوضحت إحدى أستاذات اللاهوت أن الخطاب الديني الإسلامي لم يصل إلى مجتمعاتهم بصورته الصحيحة، وإن وصل فإنه يأتي أحيانًا محمّلًا بخلفيات ثقافية متشددة أو فوق مستوى إدراك الجمهور، مؤكدًا أن الدعوة في الإسلام يجب أن تراعي التنوّع بين العلماء والعامة، وبين المثقفين والبسطاء، بحيث تُقدَّم الرسالة بأسلوب يناسب كل فئة. واستشهد بقوله تعالى: ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت﴾ للدلالة على وجوب النظر العقلي في الأسباب والمسببات الظاهرة، وقوله تعالى: ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾ للدلالة على التأملفي البراهين الخفية التي تدل على قدرة الله ووحدانيته، مؤكدًا أن ديننا لا يحمل ما يُخجل، وإن وُجد من يشوّهه فمرده إلى سوء الفهم وسوء العرض لا إلى جوهر الدين ذاته.
شهدت الندوة حضور الأستاذ الدكتور محمود حسين عميد الكلية، والأستاذ الدكتور حسن صلاح الصغير رئيس أكاديمية الأزهر الشريف للتدريب، والأستاذ الدكتور محمد الجندي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والأستاذ الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين الأسبق، والأستاذ الدكتور محمد مهنا، الأستاذ بجامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة الإسلامية الأسبق، إلى جانب عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، وعدد كبير من طلاب وطلبة الجامعة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد الإفتاء الدعوة الإسلامية المفتي الإسلام نشأة الإسلاموفوبيا رسول الله صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم المؤسسات الدینیة والأستاذ الدکتور مفتی الجمهوریة فی الإسلام أن الإسلام مشیر ا إلى فضیلته أن المفتی أن بین الناس مؤکد ا أن موضح ا أن ا إلى أن کما قال الذی ی
إقرأ أيضاً:
موعد صلاة الجمعة .. اعرف التوقيت الشتوي الصحيح للصلوات الخمس
مع بدء تطبيق التوقيت الشتوى اليوم وتغيير الساعة، يبحث الكثير عن موعد صلاة الجمعة، وسوف نذكر لكم مواعيد الصلوات اليوم بعد تطبيق التوقيت الشتوى.
موعد صلاة الجمعة سيتم تأخيره إلى الساعة 11 و39 دقيقة صباحاً.
مواقيت الصلاة فى القاهرة
موعد صلاة الظهر:
11:39 صباحًا
صلاة العَصر
٢:٤٦ م
صلاة المَغرب
٥:٠٩ م
صلاة العشاء
٦:٢٧ م
موضوع خطبة الجمعة اليوم
حدَّدت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم 31 من أكتوبر 2025م، الموافق 9 من جمادى الأولى 1447هـ، بعنوان: "مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ".
وأوضحت أن الهدف من هذه الخطبة هو التوعية بمخاطر الفكر المتشدد وأثره في إنهاك وفساد المجتمعات، علما بأن الخطبة الثانية ستكون تحت عنوان: (التعامل اللائق مع السياح).
وزير الأوقاف ينعى نجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمدوزير الأوقاف ينعى نجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
عالم بالأوقاف يثبت بالدليل القرآني أن الإسلام بريء من التشدد والغلوعالم بالأوقاف يثبت بالدليل القرآني أن الإسلام بريء من التشدد والغلو
ضمن مبادرة صحح مفاهيمك.. أوقاف المنيا تنظم زيارة ميدانية للمناطق الأثرية بتل العمارنةضمن مبادرة صحح مفاهيمك.. أوقاف المنيا تنظم زيارة ميدانية للمناطق الأثرية بتل العمارنة
الأوقاف تعلن موعد وشروط مقابلات المتقدمين للعمل بمساجد النذور من الأئمة ومقيمي الشعائر والعمالالأوقاف تعلن موعد وشروط مقابلات المتقدمين للعمل بمساجد النذور من الأئمة ومقيمي الشعائر والعمال
وجاء نص خطبة الجمعة اليوم كالتالي:
الأولى: "مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ"
الحمد لله حمدا يليق بعظمة جلاله وجمال كماله، نحمده على كل نعمة ظاهرة وباطنة، وأجلها إنزاله الكتاب المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وأشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدا عبده ورسوله، الذي اصطفاه لحمل رسالة القرآن، فكان خلقه القرآن، وكان نوره من نور القرآن، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، وبعد،،،
فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي أسراره، فهو أصل السعادة والهناء، ومفتاح الطمأنينة في القلوب، ودليل اليسر في الأحكام، ومنبع التفاؤل في الحياة، فكلما غاصت الروح في بحر آياته، خرجت بلآلئ السكينة، وبفيوضات الرحمة، التي تلامس القلوب العطشى، وتروي الأرواح الظمأى، فالقرآن لم ينزل ليكون قيدا يثقل حياة البشر، أو سوطا يجلد النفوس، أو حملا تنقطع به الأنفاس، بل هو روح الحياة، وحياة الأرواح، ومنبع اليسر والسماحة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقىٰ﴾.
أيها الأكارم، أليس المنهج القرآني الفريد هو الذي يحول المحنة إلى منحة، والخوف إلى أمن، والضياع إلى اهتداء؟ أليست اللحظة التي ترتفع فيها أصوات القراء بالقرآن، هي اللحظة التي تسكن الجوارح وتطمئن القلوب؟ فلم حولته جماعة التطرف إلى شقاء على العباد؟ فبأي قلب قرؤوه، وبأي عقل تدبروه، حتى حولوه من خطاب للتعايش إلى خطاب للتشدد، ومن دعوة التعارف إلى فتاوى الإقصاء والتكفير؟ فما بال هذه الجماعات تقف عند حدود الحرف كأنه صنم، وتقتل روح النص كأنه عدو، وتحمل العام على الخاص ليصبح كل الناس ضالين؟! ألم يؤثر فيهم هذا البيان الإلهي: ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا﴾.
سادتي الكرام، إن الإساءة للقرآن لا تكمن في الإعراض عنه فحسب، بل في سوء فهمه وتأويله على غير مراد الله، إن بعض العقول التي ركبت مركب التشدد والتطرف، حولت التيسير إلى تعسير، والرحمة إلى قسوة، والوسطية إلى تطرف، فاجتزأت الكلمات من سياقها، وانتزعت الآيات من أسباب نزولها، وبنت على هذا التشويه أحكاما تزهق الأرواح وتفسد الأوطان، في إطار فكر منغلق يتستر بعباءة النص ليشرعن العنف والجهل، فيرى في النصوص سيفا مسلطا لا رحمة واسعة، هذا الفهم المغلوط للفكر المتطرف هو الذي يصور الإسلام على أنه دين يعادي الحياة، ويجعل من الالتزام طريقا للتشدد والتنطع، وهذا أبعد ما يكون عن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، فالحق أن القرآن نور، والتطرف ظلام، والجمع بينهما لا يستقيم.
عباد الله، إن العلاج الناجح لهذا الانحراف هو العودة إلى منهج الاعتدال والوسطية، فالفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم هو أن نأخذ بظاهرها دون جمود، وأن ندرك مقاصدها دون إفراط أو تفريط، فالتشدد يغلق أبواب الرحمة، وينفر الناس من الجمال، بينما الاعتدال يفتح آفاق اليسر، ويجعل للعبادة لذة، ويحول الشريعة إلى منهج حياة يزدهر بالحب والرحمة، لتكن قاعدتنا في الفتيا وفي التعامل وفي التربية هي اليسر ورفع الحرج، لا تشددوا على أنفسكم ولا على أهلكم وجيرانكم، ولا تجعلوا الدين عائقا أمام الإبداع والعمل والكسب الحلال، تذكروا دائما أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، فاجعلوا القرآن مصدر سكينة، وآياته البينات منهج يسر، فهو لقلوبنا سلوى، ولأرواحنا مأوى، فلن يتسرب الشقاء إلى قلب تعلق بحبل القرآن المتين، ولن تستوطن الهموم روحا استظلت بظلال آياته الوارفة، ألا يكفيكم هذا الوعد الإلهي: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾.
الخطبة الثانية: (التعامل اللائق مع السياح)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وبعد،،،
فمعاملة السائح باللطف وحسن الضيافة ليست مجرد سلوك اجتماعي مستحب، بل هي قيمة إيمانية وخلق إسلامي أصيل يعبر عن جوهر ديننا الحنيف، فحسن استقبال السياح معلم من معالم «إكرام الضيف» المأمور بها شرعا، أيا كانت ديانة هذا السائح، أو جنسيته، حتى يشعر الضيف أنه في موطن يكرمه ويقدره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
سادتي الكرام، السائح مستأمن، فيجب علينا أن نؤدي حقه من الإكرام، وتأمين الحاجة، وتقديم العون والمساعدة، وهذا لا يقتصر على الاستقبال بابتسامة صادقة، بل يتعداه إلى حفظ حقوقه وممتلكاته، وإرشاده إلى الخير، وتجنب كل ما يسيء إليه أو ينغص عليه رحلته، فقد شدد ديننا الحنيف على أهمية إعطاء كل ذي حق حقه، فالسائح له حق العبور الآمن والتعامل النزيه، مما يعني الابتعاد عن السلوكيات المشينة، والتعامل الجيد، فالجناب المعظم عرف المسلم بقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وهذا المبدأ ينطبق على كل البشر، بمن فيهم الزوار والسياح، فكيف إذا كانوا في ديار المسلمين ومستأمنين؟.
أيها السادة، إن التعامل اللائق مع السائح عبارة عن رسالة دعوية صامتة ومؤثرة، فكل فرد منا يمثل بسلوكه الحسن دينه وبلده، فعندما يجد السائح الأمن والصدق في المعاملة، وحفاوة الاستقبال، ونظافة المكان، فإن هذه التجربة الإيجابية هي أبلغ رد على أي صورة نمطية سلبية قد تكون عالقة في ذهنه، فالابتسامة المشرقة، والكلمة الطيبة، والمساعدة الخالصة لوجه الله، كلها تترك أثرا بليغا لا يمحوه الزمان، وتحول السائح إلى شاهد على روعة هذا الدين وسماحته ورؤيته الخالدة التي عنوانها: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».