من غزة إلى عيتا الشعب.. حين يتحول الألم إلى مسرح
تاريخ النشر: 7th, November 2025 GMT
بيروت – على خشبة "مسرح مونو" في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، يوم الاثنين الماضي، خيم صمت مهيب قبل أن تتقد الإضاءة على مشهد يحبس الأنفاس. لم يكن الجمهور أمام عرض مسرحي تقليدي بل أمام شهادة حية على حربين متوازيتين في الوجع والذاكرة.
من غزة إلى عيتا الشعب، امتدت خيوط الألم الإنساني لتتشابك في عمل فني قدمته منظمة "أطباء بلا حدود" بعنوان "غزة – عيتا الشعب – غزة".
المخرجة اللبنانية لينا أبيض قدمت العمل كلوحة متوازية الحكايات، تٌروى فيها تجربتان لامرأتين تفصلهما الجغرافيا وتوحدهما المعاناة.
الأولى نور من غزة، الشابة التي تعمل في مجال التواصل لدى المنظمة، وتجسّدها الممثلة ميرا صيداوي، تسابق الموت لأداء واجبها الإنساني وسط القصف وانقطاع الاتصالات. على خشبة "مسرح مونو" في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، يوم الاثنين، خيم صمت مهيب قبل أن تتقد الإضاءة على مشهد يحبس الأنفاس. لم يكن الجمهور أمام عرض مسرحي تقليدي بل أمام شهادة حية على حربين متوازيتين في الوجع والذاكرة.
والثانية نهلة من عيتا الشعب، أدّت دورها دارين شمس الدين، سيدةٌ لبنانية هجّرتها الحرب من بلدتها الجنوبية، تحمل ذاكرتها كأرض لا تباع ولا تنسى.
تلتقي القصتان على الخشبة في مشهد واحد، حيث تصير الذاكرة بطلة ثالثة، ترافقهما موسيقى كارول أوهير وغناء كوزيت شديد، بينما تتسلل إضاءة طارق مجذوب بين الظلال كأنها تحاور الوجع بالضوء وتستحضر الحياة من بين الركام.
أُدّي العرض باللغة العربية مع ترجمة إلى الإنجليزية، أمام جمهور لبناني وفلسطيني ووجوه من المشهد الفني والثقافي والإنساني، في أمسية تحول فيها المسرح إلى مرآة للألم ومنبر للشهادة.
إعلانيحمل عنوان المسرحية رمزية تتجاوز المكان؛ فـ"غزة – عيتا الشعب – غزة" ليست فقط مسارا جغرافيا، بل رحلة في ذاكرة مشتركة تتقاطع فيها الحروب وتتوحد فيها الأصوات. خلال التحضير للعمل، واجه الفريق صعوبات جمّة، إذ كانت الاتصالات مع غزة تنقطع مرارا، في حين كانت النساء اللواتي يروين قصصهن تحت القصف غير واثقات إن كن سيبقين على قيد الحياة حتى موعد العرض.
وفي الجنوب اللبناني، استمعت أبيض إلى حكايات نساء حملن وجع النزوح والخسارة، فامتزجت أصوات غزة بذاكرة الجنوب، لتولد مسرحية تجمع بين التوثيق والفن، وتعيد إلى الذاكرة صوتها الإنساني في زمن يضج بالخراب.
ورغم قسوة الحكايات، بدا المسرح في هذا العمل مساحة للشفاء بقدر ما هو ساحة للمقاومة. فبين الجدران السوداء والأضواء الخافتة تحولت الشهادة الفردية إلى فعل جماعي يستعيد إنسانية تحاصرها الحروب والنسيان. بهذا المعنى، لم يكن العرض مجرد توثيق للمأساة بل محاولة لإعادة امتلاك السرد، وللتأكيد على أن الصوت الإنساني، حين يُروى على الخشبة، يصبح فعل مقاومة في وجه الصمت.
وفي بداية الأمسية، قال المدير التنفيذي لمنظمة "أطباء بلا حدود" في لبنان، سيباستيان غيه: "الفن ليس ترفا بل أداة أساسية لتوثيق التجارب الإنسانية".
كان يتحدث وكأن المسرح نفسه يتحول إلى عيادة من نوع آخر، تُداوى فيها الجراح بالكلمة والصورة، فبالنسبة إلى "أطباء بلا حدود"، كما أوضح غيه، لا تقتصر الإنسانية على تضميد الجراح الجسدية بل تمتد إلى مداواة الذاكرة من النسيان، لأن "الشهادة على الألم جزء من علاجه".
ومن لبنان إلى فلسطين، يرى غيه أن المسافات لا تلغي وحدة الوجع، فـ"الخوف والنزوح والفقدان" باتت لغة مشتركة بين سكان الجنوب اللبناني وأهالي غزة، حيث تتحول الحياة اليومية إلى مواجهة مفتوحة مع المجهول.
ومن خلف كواليس العمل الميداني، خرجت الفكرة إلى النور، تقول مديرة المكتب الإعلامي الإقليمي للمنظمة في بيروت جنان سعد "إن المسرحية وُلدت من رحم التجربة، من أصواتٍ وثّقتها فرق المنظمة في غزة ولبنان، من وجعٍ حقيقي لا يشبه الخيال".
تروي سعد خلال كلمة لها: "كنا نسمع قصصا مؤلمة من زملاء وناجين ومرضى، لكن شهادة واحدة كتبتها زميلتنا أنسام من غزة كانت الشرارة الأولى، كتبت لتواجه وجعها بالكلمة، وسألت: كيف يمكن أن ننقل هذه القصة بصدق لا يمرّ مرور الكرام؟".
وتتابع: "هكذا، تحولت الأسئلة إلى خشبة مسرح، وتحولت الحكايات إلى وجوه تنطق بالوجع والرجاء في آنٍ واحد، فالمسرح هنا ليس ترفيها بل مساحة للبوح يلتقي فيها الطب بالذاكرة، والإنسان بالمأساة التي تحاول أن تُروى كي لا تنسى".
رسالة أملوتتحدث الممثلة دارين شمس الدين للجزيرة نت عن دورها في المسرحية قائلة: "أجسد شخصية نهلة في مسرحية غزة – عيتا الشعب – غزة، نهلة امرأة جنوبية عاشت منذ طفولتها في قلب الحروب والتهجير، كرست عمرها لبناء بيتها في الجنوب وللاعتناء بأرضها، لكنها فقدت كل شيء… الأرض والبيت، كما كثيرين من أبناء الجنوب".
إعلانوتوضح شمس الدين أن اختيار شخصية نهلة جاء بعد سلسلة مقابلات مع نازحين وسكان من الجنوب اللبناني، "لأن نهلة تمثل كل هؤلاء الناس الذين، رغم الخسارات، ما زالوا يتمسكون بالأمل، هي امرأة بسيطة، أحلامها متواضعة، لكن طموحها كبير كإصرارها على العودة إلى أرضها".
وتتابع: "النص تطور على مراحل انطلاقا من شهادات واقعية، وتناول قضايا النزوح والوحدة والأمل والأرض والزيتون، كان التحدي أن نقدم الشخصية بعيدا عن الصورة الدرامية التقليدية، وأن نُظهرها كما هي، بصدقها وبروحها الخفيفة".
وتختم شمس الدين حديثها بالقول: "حاولنا أن نوصل هذه الرسالة، لأننا نحتاج أن نؤمن بأن الضوء سيعود في نهاية هذا النفق، تعبنا من الحروب.. وحان الوقت لنرى سلاما يلوح في الأفق".
تقول الفنانة كوزيت شديد للجزيرة نت: "قدّمنا اليوم عرضا مسرحيا يروي حكايات نساء من الجنوب اللبناني ومن غزة عن معاناتهن خلال الحرب وفترات الإبادة".
وتوضح: "كنت أوصل أصواتهن بالغناء، وأنقل مشاعرهن بالموسيقى، من خلال أغنيات تجسد تجاربهن ومواقفهن الإنسانية".
وتضيف شديد: "أؤمن بأن الموسيقى في مثل هذه الظروف ليست ترفا بل ضرورة، فهي توسع أفق الوجع وتُثبّت المشاعر التي تعيشها الشعوب، وهذا كان دورنا أن نحمل صوتهنّ ونعبّر عن وجعهنّ بالفن".
من جانبها، تقول نهلة سرور، وهي من بلدة عيتا الشعب الجنوبية، وإحدى النساء اللواتي جُسّدت قصصهن في العرض المسرحي، إن رسالتها هي أن يعرف الناس معاناة أهالي عيتا الشعب وسائر القرى الأمامية التي تعيش ظروفا قاسية بسبب الحرب.
وتضيف للجزيرة نت: "ناس خسروا بيوتهم وصوتهم لا يصل إلى أحد، أتمنى أن يسمعنا الناس أكثر، وأن يزوروا القرى ليروا ما نعيشه فعلا، ويشاهدوا حجم الألم والصمود في آن واحد".
وتتابع سرور: "الناس تتوق إلى العودة إلى بيوتها وإعمار أرضها وبيوتها وحماية ترابها، نحن بحاجة إلى من يحمينا، وأن تقف الدولة إلى جانبنا حتى نشعر أنها حاضرة معنا في هذه المحنة".
تقول المواطنة اللبنانية مريم البسّام للجزيرة نت، إن العرض المستوحى من "غزّة وعيتا الشعب" شدّها بعمق لما حمله من توثيق إنساني لمعاناة النساء في الحرب، وتضيف: "كان لافتا كيف تحولت معاناة النساء إلى حكايات تُروى على الخشبة، اختار العمل أن يُنصت لأصواتهن، لنساء عشن وجع الحرب بكل تفاصيله".
من جهتها، ترى البسّام أن المسرحية نجحت في أرشفة الألم المشترك بين غزة وجنوب لبنان، وتقول: "أكثر ما أثّر فيّ أن الفتاة من غزة كانت تروي قصتها، فتُكملها السيدة من عيتا الشعب، وكأن الوجع نفسه يعبر الحدود ليجمعهما في شهادة إنسانية واحدة".
أما الصحفي الفلسطيني من القدس علي عبيدات، فيرى أن العرض وصل إليه كصوت صادق للضحايا، قائلا للجزيرة نت: "المسرحية استطاعت أن تنقل جزءا بسيطا من المعاناة التي تعيشها النساء، سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، خلال عامين من حرب الإبادة".
ويضيف: "منظمة أطباء بلا حدود أدّت دورا إنسانيا عظيما خلال هذه السنوات، وقدم أفراد طواقمها وزملاؤهم حياتهم ثمنا لواجبهم الإنساني".
ويختم عبيدات بالقول: "اليوم جاء دور الفنانين والمثقفين والممثلين والصحفيين لإيصال صوت الضحايا في غزة وجنوب لبنان إلى العالم، فبعد عامين من الصمت تحت وطأة المجازر وبشاعة الإبادة، آن الأوان لأن يُسمع هذا الصوت في كل مكان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الجنوب اللبنانی أطباء بلا حدود عیتا الشعب للجزیرة نت شمس الدین من غزة
إقرأ أيضاً:
غدًا... الفرقة الموسيقية الكشفية تشارك في العرض الموسيقي عُمان والعالم بدار الأوبرا السلطان
تشارك الفرقة الموسيقية الكشفية بوزارة التربية والتعليم اليوم "الخميس" في العرض الموسيقي الكبير "عُمان والعالم" الذي تنظمه دار الأوبرا السلطانية – مسقط خلال الفترة من 6 إلى 8 نوفمبر الجاري، بمشاركة الفرق الموسيقية العسكرية العُمانية، وبحضور الفرقة الموسيقية العسكرية البلجيكية كضيف شرف للفعالية.
وتأتي مشاركة الفرقة الموسيقية الكشفية في إطار حرص المديرية العامة للكشافة والمرشدات على تعزيز حضورها الثقافي والفني في المحافل الوطنية والدولية، وإبراز القدرات الموسيقية للعازفين الكشفيين العُمانيين في أداء المقطوعات الوطنية والعالمية بأسلوب احترافي يعكس الهوية الموسيقية العُمانية.
وستقدّم الفرقة خلال الفعالية مجموعة من المقطوعات الوطنية والعالمية المشتركة التي تجسّد روح الانتماء والاعتزاز بالوطن، وتُبرز التناغم الفني بين الفرق الموسيقية المشاركة، من خلال لوحات موسيقية واستعراضية تجمع بين الأصالة والتنوّع الثقافي الموسيقي بين الشعوب.
وتعدّ هذه المشاركة فرصة لتعزيز التكامل الفني والتعاون الموسيقي بين الفرق الموسيقية العسكرية، وتجسيد رسالة الموسيقى كجسرٍ للتواصل والتفاهم بين الثقافات، بما يسهم في ترسيخ مكانة السلطنة كوجهةٍ رائدةٍ في احتضان الفنون الراقية.