لجريدة عمان:
2025-11-08@20:41:49 GMT

الذكاء الاصطناعي وتلاشي الأدوار الاجتماعية

تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT

في سبتمبر الماضي نشر موقع (Futurism.com) قصة الرجل الإيرلندي الذي كان يعاني من أعراض في الحلق، فلجأ إلى طرح تساؤلات عن حالته والأعراض التي يعاني منها على نموذج الذكاء الاصطناعي ChatGPT في محاولة منه لفهم ما يحدث، فكان النموذج يطمئنه بين السؤال والآخر أن الحالة ليست بتلك الخطورة، ثم مع تفاقم الأعراض بعد أشهر زار طبيبًا متخصصًا ليكتشف حقيقة أن ما يعانيه «سرطان المريء من المرحلة الرابعة»، وأن فرص بقائه لفترة أطول على قيد الحياة باتت محدودة.

وفي محيطنا الاجتماعي نعرف الكثير من الأشخاص الذي أصبحوا يلجأون إلى مثل هذه المنصات، ليس فقط للتساؤل عن حقيقة وطبيعة أعراضٍ معينة ومآلاتها، بل في طلب اقتراح الأدوية المناسبة التي يمكن لهم تناولها وتعاطيها للتخفيف من تلك الأعراض أو الحالة ـ بحسب الوصف الذي يتم تقديمه للنموذج ـ ؛ هذا لا يغفل أن كثيرًا من نماذج الصحة الرقمية صارت تعتمد اليوم على الذكاء الاصطناعي في تشخيص العديد من الأمراض والحالات، ولكن تلك النماذج والأجهزة مصممة ومدربة بشكل دقيق لفهم وتدبير الحقل الذي تتعامل معه، وليست النماذج العامة المتاحة لعموم المستخدمين.

يقودنا هذا في الواقع إلى الوقوف على ميل شريحة واسعة من المجتمع إلى البحث عن ما يُمكن أن نسميه الطمأنة الرقمية Digital reassurance، وهي فكرة البحث عن معلومة أو تحليل يساعدنا على إراحة الذات حين مواجهة مشكلة أو تحد معين، حتى وإن استلزم ذلك تخفيف الحقائق، أو طمس بعض الأعراض التي نعاني منها، وعدم الإفصاح الكامل عن أبعاد المشكلة؛ وعليه، يكون التشخيص «أهون» رقميًا، بدلًا من المواجهة الفعلية والواقعية.

هذا يذكرنا بقصة أخرى حدثت في أبريل الفائت للولد المراهق من كاليفورنيا ذي الـ16 عامًا، والذي بحسب صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل بدأ علاقته مع الذكاء الاصطناعي للمساعدة في أداء الواجبات المنزلية وتخطيط المسار المهني، ليصبح بعدها النموذج ملازمًا له في تفاصيل حياته وأفكاره التي تدور في عقله، بما في ذلك أفكار العزلة والانسحاب الاجتماعي، وصل بعدها الولد إلى مناقشة فكرة الانتحار؛ حتى أن آخر محادثة بينه وبين النموذج كانت تتضمن صورة للطريقة التي يراها مناسبة للانتحار، لينتحر بعد ذلك محدثًا ضجة قضائية وإعلامية بين عائلة الولد والشركة المالكة للنموذج.

هذا ما كان يسميه عالم الاجتماع أولريش بيك «أمراض المجتمع الحديث»، والتي يرى أنها ثلاثة: «الألفة التكنولوجية، والفردية السريعة، وتآكل التضامن التقليدي». والواقع أن السرديات والمرويات التي نسمعها يوميًا عن التحول العميق الذي تحدثه التقنيات الحديثة بما في ذلك نماذج الذكاء الاصطناعي تعبر بشكل واضح عن بداية مرحلة جديدة من التآكل في الأدوار والعلاقات الاجتماعية والأسرية على وجه التحديد.

في مجتمعاتنا، رغم أنه يمكنني تصنيف أننا مازلنا في المرحلة الأولى من إدماج الذكاء الاصطناعي في الواقع الاجتماعي، فإن ما يحدث أمر ينبغي استباقه، ووضع المحكات اللازمة لاحتوائه؛ فهذه النماذج أصبحت تنتزع أدوارًا اجتماعية أصيلة؛ الشخص الذي كان يبوح بما يعانيه سواء صحيًا أو دراسيًا أو مهنيًا أو نفسيًا لأسرة تضمن له «الألفة الاجتماعية»، أو محيط من الأقران يضمن له «الدعم الاجتماعي»، أصبح اليوم يعيش في سياقات متخيلة من «الألفة التكنولوجية»، والتي يصفها علماء الاجتماع بأنها «تُستبدل الاجتماعي بالمُحاكي، والعلائقي بالخوارزمي». وأرباب الأسر الذين كانوا يؤدون أدوارًا بنيوية في تشكيل مسار تشكل الأسرة ونموها من التربية إلى الإعالة الاقتصادية والمادية وصولًا إلى التعليم والتثقيف، مرورًا ببناء الشخصية الاجتماعية، والتكوين الهوياتي للأبناء، أصبحت أدوارهم اليوم أقرب إلى ما يُعرف بـ«المدير التقني» حسب تعبير بعض الدراسات، في إشارة إلى أن بعض المربين يعتقد أن مهمته اليوم مراقبة أوقات الاستخدام، ونوعية المواقع التي يلج إليها الأبناء على الشبكات الرقمية.

وفي الواقع أن ما قد يحدث أكثر خطورة؛ فهناك اليوم ما يُعرف بـ«الرفقاء الاصطناعيون»، والتي تعني استئناس الفرد بمشاركة أفكاره ومشاعره وبوحه مع نماذج افتراضية، وخلق عوالم متخيلة في العلاقة معها.

إن السياق الراهن يشير إلى ثلاثة تداعيات خطيرة وملحة للعمل عليها: استبدال الوظيفة العاطفية والتعاطفية للأسرة، وغياب أي معنى تضامني للحاجة إلى المجتمع والمجموعة الاجتماعية في صيغتها الواقعية، إضافة خلق عوالم متخيلة قد تكون بعيدة عن حقائق الواقع، مما يشي بالانفصال والعزلة واضطرابات الهوية الاجتماعية.

بدأ يظهر مؤخرًا إلى التحليل النفسي ـ الاجتماعي ما يُعرف بظاهرة «ذهان الذكاء الاصطناعي» ومفادها أن بعض روبوتات المحادثة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في تفاعلها المكثف مع المستخدم وفهم منطقه تصل إلى مرحلة يقول عنها بعض الأطباء النفسيين في تحقيق لمجلة Time «تُعيد صياغة كلام المستخدم وتُحرّفه أحيانا بما يتماهى مع توقعاته، وهو ما يُغذي أفكارا مشوّهة أو يُثبت أشكالا من الإنكار أو التوهّمات».

إن الرهان اليوم على أمرين مهمين؛ كيف نستطيع اليوم حشد السياسات التي تجعل الأسرة قائمة على الترابط والتضامن بشكل مستمر، تلك السياسات التي لا تقتصر فقط على البعد الاجتماعي، بل تضمن تضافر الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لخدمة المكون الأسري وفق منظومة تضامنية. والأمر الآخر كيف نعزز التفكير الناقد الذي ينبغي أن يكون اليوم ليس مهارة علمية تُكسبها مؤسسات التعليم لمنتسبيها فحسب، بل يتحول لمشروع محوري يمكن الأفراد من التعامل بفطنة ودراية مع الموجات الجديدة من التقنية، وما قد تحمله من خلق عوالم محاكية، وما قد تفرزه من أفكار دخيلة، وما قد تنسجه من اتجاهات تدفع بتآكل العلاقات والأدوار المجتمعية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع، والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

إنفيديا ملكة رقائق الذكاء الاصطناعي.. هل يمكنها الحفاظ على عرشها؟

منذ أن بدأ الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصدر العناوين الإعلامية في عام 2022، بدأ المستثمرون بضخ الأموال في شركة "إنفيديا" Nvidia، مقتنعين بأن موقعها الريادي في مجال الأجهزة المخصصة للذكاء الاصطناعي سيمكنها من جني أرباح ضخمة.

وقد أثبتت الرهانات صحتها بشكل كبير، فقد وصلت شركة إنفيديا إلى تقييم يقدر بـ5 تريليونات دولار في أواخر أكتوبر الماضي، وهي على المسار الصحيح لتحقيق أرباح صافية هذا العام تفوق ما ستجنيه منافساتها الرئيسيات في مبيعاتها مجتمعة.

الصين تلاحق رقائق الذكاء الاصطناعي.. شرائح إنفيديا في مرمى القيودتحولات في سوق الذكاء الاصطناعي: سهم إنفيديا يتأرجح بعد صفقة AMD مع OpenAI

كما تشير الاستثمارات الضخمة في مراكز البيانات في الأشهر الأخيرة إلى أن "سباق الذهب في الذكاء الاصطناعي" لا يزال يتسارع.

ولكن الارتفاع الضخم في أسعار الأسهم، بالإضافة إلى طبيعة بعض الصفقات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، أثار تساؤلات في الأوساط الصناعية حول ما إذا كان كل هذا يحدث بسرعة كبيرة. 

إنفيدياموقف الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"

جاء رد الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، جينسن هوانج، على تلك المخاوف قاطعا، حيث رفض فكرة أن الذكاء الاصطناعي يمثل فقاعة ستنفجر في النهاية. 

وعوضا عن ذلك، قام بجولة حول العالم لطمأنة السياسيين الذين لا يزالون متشككين في هذه التقنية، ودعا إلى رفع القيود الأمنية الوطنية التي تمنع "إنفيديا" من بيع رقائقها الأكثر قوة وربحية في الصين، أكبر سوق في العالم للشرائح الإلكترونية.

ما هي أشهر رقائق الذكاء الاصطناعي لدى “إنفيديا”؟

يعد المنتج الأكثر ربحا لشركة "إنفيديا" حاليا هو مجموعة "بلاكويل" Blackwell الخاصة بمعجلات الذكاء الاصطناعي، والتي سميت على اسم الرياضي الأمريكي ديفيد بلاكويل، أول باحث من أصل إفريقي ينتخب إلى الأكاديمية الوطنية للعلوم. 

وقد تم تكييف "بلاكويل" من وحدات معالجة الرسوميات GPUs، التي كانت تستخدم في الألعاب الإلكترونية، وتتوفر الرقائق في عدة أشكال، بدءا من البطاقات الفردية إلى الشبكات الكبيرة من الحواسيب.

تتضمن كل من "هوبر" و"بلاكويل" تقنية تحول تجمعات من الحواسيب المزودة برقائق "إنفيديا" إلى وحدات واحدة قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات وإجراء العمليات الحسابية بسرعات عالية. 

وهذه التقنية تجعلها مثالية لتدريب الشبكات العصبية التي تدعم الجيل الأخير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كما طورت "إنفيديا" تقنيتها لتتناسب مع "الاستدلال"، حيث تقوم منصة الذكاء الاصطناعي بتحديد الأشياء بناء على خصائصها المشتركة.

يشهد الطلب على هذه الميزة ارتفاعا كبيرا حيث يزداد استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المهام.

ما الذي يجعل رقائق "إنفيديا" الخاصة بالذكاء الاصطناعي مميزة؟
 

تأسست "إنفيديا" في عام 1993، وكانت بالفعل رائدة في مجال رقائق معالجة الرسوميات GPUs، وهي المكونات التي تنتج الصور التي تظهر على شاشة الكمبيوتر. 

وتعتبر أقوى هذه الرقاقات مبنية باستخدام الآلاف من الأنوية المعالجة التي تقوم بتنفيذ مهام متعددة في وقت واحد، مما يسمح لها بإنتاج الرسومات ثلاثية الأبعاد المعقدة مثل الظلال والانعكاسات التي تميز الألعاب السريعة.

في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، أدرك مهندسو "إنفيديا" أنهم يمكنهم إعادة تصميم هذه المكونات لتناسب تطبيقات أخرى، في ذات الوقت، اكتشف الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي أن استخدام هذه النوعية من الرقائق يمكن أن يجعل أعمالهم أكثر فعالية وقابلية للتطبيق.

تتعلم منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ترجمة النصوص، وتلخيص التقارير، ودمج الصور عن طريق استيعاب كميات ضخمة من المواد الموجودة مسبقا. 

وكلما زاد ما تم استيعابه، تحسنت قدراتها، تتطور هذه الأنظمة عبر المحاولة والخطأ، حيث تقوم بإجراء مليارات المحاولات لتحسين أدائها، مما يستهلك كميات ضخمة من الطاقة الحاسوبية.

كيف تتفوق "إنفيديا" على منافسيها؟

تسعى شركات مثل "إيه إم دي" AMD و"إنتل" Intel لمواكبة قدرات رقائق الذكاء الاصطناعي من “إنفيديا”، لكن في الوقت الحالي، تسيطر "إنفيديا" على حوالي 90% من سوق وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بمراكز البيانات، وفقا لشركة أبحاث السوق "IDC". 

يمثل هذا النقص في المنافسة  قلقا لعملاء "إنفيديا" في مجال الحوسبة السحابية مثل "أمازون" و"جوجل" و"مايكروسوفت"، الذين يردون على هذا الوضع بمحاولة تطوير رقائقهم الخاصة.

على الرغم من ذلك، لا تزال "إنفيديا" تسجل تقدما ملحوظا بفضل التحديثات السنوية المستمرة على منتجاتها، بما في ذلك الدعم البرمجي القوي والبنية التحتية التي تساعد العملاء في شراء رقائقهم بكميات كبيرة وتوزيعها بسرعة. 

هل يستمر الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي؟

تؤكد "إنفيديا" أن لديها طلبات أكثر مما يمكنها تلبية حتى من الطرز القديمة، ففي أواخر أكتوبر، توقعت "إنفيديا" إيرادات تصل إلى حوالي 500 مليار دولار من وحدة مراكز البيانات خلال الربعين المقبلين، ما دفع المحللين إلى رفع تقديراتهم للربحية. 

كما أعلنت شركات مثل "مايكروسوفت" و"أمازون" و"ميتا" و"جوجل" عن خطط لإنفاق مئات المليارات على الذكاء الاصطناعي والمراكز التي تدعمه، في وقت يستمر فيه "سباق بناء الذكاء الاصطناعي".

كيف تتفوق "إنفيديا" على "إيه إم دي" و"إنتل" في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي؟

أعلنت "إيه إم دي" عن إصدار جديد من رقائقها في 2023 لمنافسة "نفيديا" في السوق، بينما تتعاون "إنتل" مع "إنفيديا" في بعض الأسواق بدلا من منافستها، مما يفتح أسواقًا جديدة أمام منتجات "إنفيديا".

وواجهت "إنفيديا" أيضا تأثيرات سياسية من الحكومات الأمريكية والصينية، حيث فرضت الولايات المتحدة قيودا على تصدير بعض من منتجاتها إلى الصين، مما أثر في إيراداتها، ولكن "إنفيديا" تعمل على الضغط لتحسين وضعها من خلال العلاقات السياسية.

طباعة شارك إنفيديا Nvidia رقائق الذكاء الاصطناعي رقائق إنفيديا

مقالات مشابهة

  • طارق نور: الذكاء الاصطناعي يُجيد التفكير.. وممكن يودينا في حتة تانية
  • طارق نور: الذكاء الاصطناعي يُجيد التفكير وممكن يودينا في حتة تانية
  • طارق نور: الذكاء الاصطناعي أذكى من الإنسان
  • الذكاء الاصطناعي يُنجب Zozan C.. أول مطربة كوردية رقمية
  • ترامب يقلل من مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي
  • جوجل تخطط لنقل الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء
  • وزيرة التضامن الاجتماعي تناقش المبادرات الدولية والإقليمية الرائدة في مجال الحماية الاجتماعية مع وزراء دول قطر والبرازيل وإسبانيا
  • "سيري".. نسخة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي من "غوغل"
  • إنفيديا ملكة رقائق الذكاء الاصطناعي.. هل يمكنها الحفاظ على عرشها؟