لجريدة عمان:
2025-11-10@18:42:04 GMT

التقنيات الناشئة .. أوسع من الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT

غلب على الخطاب التقني في الآونة الأخيرة صوت الذكاء الاصطناعي، والذي بات الجمع ينزله منزلة الأصل في كل حديث عن المستقبل، حتى صار أيقونة التكنولوجيا واختصارها وعنوان يختزل كل فكرة رقمية، وبمثابة مقياس للمعرفة في كل نقاش حول التحول والابتكار؛ وكأن بظهوره ألغى ما قبله من تقنيات ناضجة أو في مرحلة النضج أو في طور التشكيل.

الحقيقة، ورغم أهمية الذكاء الاصطناعي وطغيانه على المستوى العالمي كصوت وتقنية محركة لغيرها من التقنيات ومسرعة للتطوير والبحث العلمي، إلا أن الاختزال يعد قصورًا في الرؤية؛ لأنه مهما اتسعت تطبيقاته، وتشعبت مجالاته، وأضفى مظلته على العقول والأعمال وحتى الميزانيات للمؤسسات والدول، إلا أنه يبقى فرعًا من منظومة مترابطة ومتفاعلة قائمة على تقنيات أخرى لا تقل في الأثر والتأثير، وفي رسم ملامح الغد بتطوير الخدمات، وإيجاد الحلول على كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات.

ما وراء الذكاء الاصطناعي

عالم التقنيات الناشئة تغير كثيرًا عما قيل فيه ورسمه رواد المجال، حتى أن مفاهيمه لم تعد كتلًا وإنما تحولت إلى جزئيات استقل بعضها لحظيًا، والآخر يتكامل مع غيره وينمو معاً؛ أي أن التقنيات الناشئة تتكامل أدوارها، وتتآزر في تطورها وفائدتها والقيمة التي تقدمها، ولا تهيمن فيه إحداها على أخرى، وإن بدأ ذلك للعامة؛ ولكن هناك من هو مؤمن بأن بعضها يغذي الآخر في دورة لا تنقطع بين المعرفة والتطبيق في المختبرات والمساحات الضيقة والتي لاحقاً تحتل المنصات.

المتتبع لشركة جارتنر التي تعد من أكبر شركات الأبحاث والاستشارات التقنية في العالم وتحديداً لمنتجها البحثي (Hype Cycle) أو الإطار التحليلي المتتبع لنضج التقنيات يلحظ بأن ميزان القوى لا يقاس بالذكاء الاصطناعي وحده، وإنما بالانتباه للتقنيات الأخرى وتبنيها في مرحلة البذرة في الابتكار، أو التقاطها في أي مرحلة تالية من دورة حياتها وجعلها ميزة تنافسية بالابتكار فيها.

فعندما نتحدث عن التقنيات الناشئة لا ينبغي أن يكون حديثنا مبنيًا على الهبة العالمية، وإنما ينبع من حاجة مؤسساتنا ونضجها وتوافق تلك التقنيات مع الاستراتيجية والأهداف الحالية أو في تلك الفترة من الزمن، وفي ذلك توصي شركة (IDC) الأمريكية في تقريرها IDC MarketScape: Worldwide Artificial Intelligence Services 2025 Vendor Assessment بضرورة تقييم النضج والحاجة وتحديد الجاهزية من حيث البيانات والمواهب والتقنيات قبل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لمجرد أنه شائع.

في خضم التنافس العالمي علينا أن ندرك بأن مشكلاتنا وميزاتنا التنافسية لا بالذكاء الاصطناعي وحده تحل أو تتحقق، فلربما ما نعتقد بأنه حل يمكن أن يصبح مشكلة معقدة تتراكم عليها تبعات وتخلق فجوة لا تسد بنفس العوامل والعناصر التي كانت يمكن أن تسدها في السابق.

علينا النظر إلى التقنيات الناشئة أو نأتي بتقنيات لتنشئ لنا ميزات تنافسية في أبعاد: السرعة والثقة والأمان والاستدامة والسيادة الرقمية. وهذه الأبعاد يمكن إيجادها في تقنيات مثل: البلوكتشين الذي يعيد تعريف الثقة في الاقتصاد والمعاملات، وإنترنت القيمة الذي يوسع مفهوم الاتصال من تبادل المعلومات إلى تبادل الأصول، وإنترنت الأشياء الصناعي والإنساني الذي يربط الآلة بالإنسان في منظومة متداخلة من الفهم والاستجابة، والحوسبة عند الحافة لتقريب القوة الحسابية من مصدر البيانات على مستوى الشبكات والاتصال، والعملات الرقمية للبنوك المركزية التي تعيد صياغة أنظمة النقد والتمويل.

والدرع الحصين والذي يعد سور التقنيات هو الأمن السيبراني التنبؤي السابق للخطر قبل أن يقع، ويتبع ويشغل كل ما سبق تقنيات الاستدامة والطاقة الذكية التي تجعل من التقدم العلمي التزاما أخلاقيا تجاه الإنسان والبيئة، فتمزج بين الابتكار والمسؤولية، وبين التقدم والضمير اللذين يجعلان الإنسان أولا.

الهاكاثونات.. ومسابقات الفكر

تعد الهاكاثونات ومسابقات الفكر مختبرات للعقل الجماعي أو التشاركي فهي توقظ روح التحدي، وتحرر الأفكار من أسر التنظير إلى ميدان التطبيق. ولكن اختزالها في الذكاء الاصطناعي وحده يعد قصورًا وتوجيهًا متحيزًا يؤطر الفكر ويتغافل عن كثير من الفرص التي يمكن أن تحل المشكلات، وتقدم ميزات تنافسية لها قيمتها في الساحة العالمية.

إذا أريد للهاكاثونات والمناشط الموازية لها أن تكون بيئات حقيقية للفكر والابتكار، وجب على القائمين عليها من مؤسسات داعمة وأخرى مشغلة أن تفتح أبوابها لكل التقنيات الناشئة وتوجه نحوها وتسلط الضوء على حقيقتها لتغرس في العقول اتساع النظر وشمول الفكر، ولتعرف الناشئة ذات العقول النشطة بأن الإبداع لا ينبت في الأطر، وإنما في المساحات الواسعة المتسمة بالحرية في الانتقال بين التجربة والخطأ والاكتشاف.

بنك المشكلات والأفكار.. من الفكرة إلى المنظومة

تخرج الأفكار من رحم الحاجة، ولعل أنضجها ـ على الأقل في رأي الكاتب ـ والتي تستحق أن تتحول إلى مشروع وطني دائم، هي فكرة إنشاء مستودع مفتوح للتحديات والمشكلات الواقعية التي تواجه المجتمع بمؤسساته وأفراده في مختلف القطاعات، والذي يمكن أن نطلق على هذا المستودع «بنك المشكلات والأفكار» وليس للاسم قدر بقدر أهمية الفكرة وفائدتها وجودتها والحاجة لها، وإن كانت الأسماء تسهم فيمكن أن يكون «المنظومة الوطنية للميزة التنافسية الرقمية» وكفى.

إن مثل هذه المستودعات إذا أنشئت على أسس واضحة ومنظمة وفق منهجية تبني وتوزيع وتنظير وتطبيق فعالة يمكن أن تكون جسرا متينا بين الفكر والممارسة؛ يضع أمام المبدعين والمبتكرين مشكلات حقيقية لا تصاغ في قاعات المؤتمرات، بل تستمد من الميدان نفسه. كما أن مخرجاتها تكون أكثر قبولاً للتبني من المؤسسات لأنها تلامس واقعها، وتحقق فوائد لها مكانة على الأرض. إن نجاح هذه الفكرة/المستودع مرتبط بالممارسة ومنهجيتها، والإيمان بها يمكن أن يحول الأفكار إلى مشاريع ومن ثم إلى شركات ناشئة والتي حتماً لن تكون جميعها تقنية صرفة فبعضها سيلتقط فكرة الاستشارات وأخرى التدريب وغيرها التسويق؛ والأكيد أن جميعها سوف تسهم في بناء اقتصاد وطني يتفرد بالمعرفة لا التقليد والإبداع لا الاستهلاك.

نقول تأكيدا إن الأفكار حين تجد مشكلاتها تتولد الحلول، وحين تجد بيئاتها تصنع مستقبلها.

في ختام هذا السرد، نقول إنه من باب الاتزان على الأقل ينبغي أن يكون حديثنا عن التكنولوجيا لا عن تقنية واحدة. وأن هذا المجال يجب ألا يدار بعين واحدة ترى ولا تبصر. الحاضر والمستقبل لا يصنعان من الذكاء الاصطناعي وحده، بل من وعي إنساني متقد ديناميكي الرؤية والالتقاط في المشهد كله. وعليه فإن تبني فكرة بنك المشكلات والأفكار ليس ترفا في المنصات ولا المنظومات، وإنما هو تجسيد للتنظيم الذي يخدم «رؤية عمان 2040» في محور الإنسان والمجتمع بتمكين الأفراد على الإبداع والمبادرة، وفي محور الاقتصاد والتنمية في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وفي محور البيئة والاستدامة بتحويل التحديات إلى فرص ابتكارية تخدم الاستقرار في مختلف المجالات المستهدفة.

سعيد بن محمد الكلباني باحث ومدرب في الذكاء الاصطناعي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التقنیات الناشئة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

جوجل تخطط لنقل الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء

في خطوة تُعيد رسم ملامح مستقبل الحوسبة والذكاء الاصطناعي، كشفت شركة جوجل عن مشروعها الجديد المثير للجدل الذي يحمل اسم "صن كاتشر" (Suncatcher)، والذي يهدف إلى وضع مراكز بيانات متطورة في الفضاء لتعمل بالطاقة الشمسية، في محاولة للحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استهلاك الطاقة الضخم لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
فبينما يتخوف البعض من فكرة "ذكاء اصطناعي في المدار"، ترى جوجل في هذا المشروع ثورة جديدة نحو حوسبة نظيفة ومستدامة تتجاوز حدود الكوكب.

تقوم فكرة "صن كاتشر" على إرسال رقائق معالجة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والمعروفة باسم وحدات معالجة Tensor أو TPUs، إلى مدارات فضائية على متن أقمار صناعية مجهزة بألواح شمسية ضخمة. هذه المراكز المدارية ستعمل كمحطات بيانات تعتمد على الطاقة الشمسية المتاحة بشكل مستمر خارج الغلاف الجوي، مما يوفر مصدرًا ثابتًا ونظيفًا للطاقة، بعيدًا عن القيود الأرضية وتذبذب مصادر الطاقة التقليدية.

وقال ترافيس بيلز، المدير الأول في جوجل، في تدوينة رسمية: "في المستقبل، قد يكون الفضاء هو المكان الأمثل لتوسيع نطاق حوسبة الذكاء الاصطناعي". 

وأوضح أن الألواح الشمسية في المدار يمكن أن تكون أكثر إنتاجية بما يصل إلى ثمانية أضعاف مقارنة بتلك الموجودة على الأرض، نظرًا لتعرضها الدائم لأشعة الشمس دون انقطاع ليلي أو ظروف مناخية معيقة.

وأضاف بيلز أن هذا النموذج سيُقلل الحاجة إلى البطاريات التي تُعد أحد التحديات الكبرى في تشغيل مراكز البيانات المستدامة، إذ ستتيح الطاقة الشمسية الفضائية تشغيل وحدات الذكاء الاصطناعي على مدار الساعة، مما يُحدث نقلة نوعية في كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.

لكن رغم الطموح الهائل، فإن تنفيذ هذا المشروع يواجه عقبات تقنية معقدة، أبرزها مشكلة الإشعاع الفضائي الذي قد يُلحق ضررًا بالمكونات الإلكترونية الحساسة لوحدات المعالجة. غير أن جوجل أكدت أنها اختبرت رقائقها بالفعل لتحمل مستويات مرتفعة من الإشعاع، مشيرة إلى أنها قادرة على العمل لمدة تصل إلى خمس سنوات دون أعطال دائمة، وهو ما يُعد إنجازًا هندسيًا مهمًا في بيئة قاسية كهذه.

ومن أبرز التحديات الأخرى التي تواجه المشروع أيضًا نقل البيانات بين الأقمار الصناعية بسرعات هائلة تصل إلى عشرات التيرابت في الثانية مع الحفاظ على زمن وصول منخفض. وهي مهمة معقدة بسبب المسافات الطويلة والتداخل الإشعاعي في الفضاء. لذلك، تُفكر جوجل في وضع الأقمار الصناعية في تشكيلات قريبة جدًا من بعضها البعض، لا تتجاوز المسافة بينها بضعة كيلومترات، لتقليل الحاجة إلى المناورات المستمرة وضمان استقرار الروابط البصرية التي ستعتمد عليها الشبكة الفضائية الجديدة.

وفي الوقت الذي قد تبدو فيه هذه الفكرة خيالية أو مكلفة للغاية، تُشير تقديرات جوجل إلى أن تشغيل مراكز بيانات في الفضاء قد يُصبح قريبًا من حيث الكفاءة الاقتصادية لمراكز البيانات الأرضية بحلول منتصف ثلاثينيات هذا القرن، خصوصًا مع التطور السريع في تقنيات الإطلاق وإنتاج الطاقة الشمسية.

ورغم أن المشروع لا يزال في مراحله البحثية المبكرة، تخطط جوجل لإجراء تجارب أولية بحلول عام 2027، حيث ستُطلق نموذجين أوليين من الأقمار الصناعية بالتعاون مع شركة Planet ضمن مهمة تجريبية لتقييم أداء رقائق TPU في بيئة الفضاء. وذكرت الشركة أن هذه التجارب ستختبر إمكانية تشغيل مهام تعلم آلي موزعة بين الأقمار الصناعية باستخدام الروابط البصرية، وهي خطوة تُمهّد لولادة أول "سحابة فضائية" في العالم.

ويرى مراقبون أن مشروع "صن كاتشر" قد يُشكل بداية عصر جديد من حوسبة الذكاء الاصطناعي خارج الأرض، إذ تسعى شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل إلى إيجاد حلول بيئية مستدامة تُواكب النمو الهائل في الطلب على قدرات الذكاء الاصطناعي. وفي حال نجاح هذا المشروع، فقد يتحول الفضاء إلى موطن الجيل القادم من مراكز البيانات، لتصبح الشمس مصدر الطاقة الدائم لعقول رقمية تدور حول الأرض بلا توقف.

بهذا، تواصل جوجل ترسيخ مكانتها كإحدى أكثر الشركات جرأة في تبني الأفكار المستقبلية، من الإنترنت الكوني إلى الذكاء الاصطناعي الفضائي، لتُثبت مجددًا أن حدود الابتكار لم تعد على سطح الكوكب فحسب، بل تمتد إلى مداراته أيضًا.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي في طريقه إلى ما يفوق الذكاء
  • ناشرون: الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الإبداع الروائي
  • الخشت يحذر من غرف صدى خوارزميات الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يخلق 16 وظيفة جديدة في سوق العمل
  • الجامعة التنموية في عصر الذكاء الاصطناعي: عقل الأمة ومحرك مستقبلها
  • طارق نور: الذكاء الاصطناعي أذكى من الإنسان
  • الذكاء الاصطناعي يُنجب Zozan C.. أول مطربة كوردية رقمية
  • ترامب يقلل من مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي
  • جوجل تخطط لنقل الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء