الجامعة التنموية في عصر الذكاء الاصطناعي: عقل الأمة ومحرك مستقبلها
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
#الجامعة_التنموية في #عصر_الذكاء_الاصطناعي: عقل الأمة ومحرك مستقبلها
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
نحن نعيش في زمن السرعة والتكنولوجيا، ففي الوقت الذي تتسابق فيه الأفكار كما الضوء، وتتبدّل فيه مفاهيم التعليم والعمل تحت ضغط ثورة الذكاء الاصطناعي، لم تعد الجامعة مجرد منبرٍ للعلم، بل أصبحت عقلَ الأمة وضميرَها الحي.
وقد عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني عن جوهر هذا التحوّل حين قال: “لا يمكن للأمم أن تتقدم إلا إذا استثمرت في عقول شبابها، فهم الثروة الحقيقية والضمانة للمستقبل.” فالمستقبل اليوم لا يُبنى بالحجارة بل بالمعرفة، ولا يُقاس بارتفاع الأبراج بل بعمق الفكر. والجامعة التنموية هي التي تدرك أن التنمية ليست في الجدران، بل في الإنسان، وأن الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للعقل البشري بل شريكًا في توسيع آفاقه.
وهاهي الثورة الصناعية الرابعة قد شارفت على الأفول لتبدأ الثورة التقنية الخامسة، حيث تتبدل أدوار الجامعات من مراكز تلقينٍ إلى منصات إبداعٍ، ومن مؤسسات شهاداتٍ إلى مصانع أفكارٍ. من هنا تتجلى رؤية سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني الذي قال: “التكنولوجيا إن لم تكن وسيلة لخدمة الإنسان، فهي عبء عليه.” إنها دعوة عميقة لأنسنة المعرفة، بحيث تبقى الجامعة خادمةً للإنسان لا عبداً للتقنية، وأن يكون التقدم الرقمي جسرًا إلى الوعي لا جدارًا يعزله.
مقالات ذات صلة الانزياح المفهومي..وعيال جوردن) 2025/11/08ولا بد من الإشارة بأن التحديات أمام هذا النموذج الجامعي كثيرة، تبدأ بفجوة رقمية تتسع بين الأجيال، وتمر بجمود بعض المناهج أمام زحف الحداثة، ولا تنتهي عند ضعف الصلة بين التعليم وسوق العمل. ومع ذلك، فإن الرؤية الهاشمية لطالما أكدت أن النهضة لا تتحقق إلا حين تتناغم مخرجات التعليم مع احتياجات التنمية. وكما قال جلالة الملك: “لا نريد جامعات تُخرّج عاطلين عن العمل، بل نريد جامعات تصنع فرصًا وتنتج حلولًا.” إنها رسالة بليغة تختصر فلسفة الجامعة التنموية التي يجب أن تكون بيتًا للحلول لا مصنعا للشهادات.
أما الأمير الحسن بن طلال، فكان دائم التأكيد على أن الجامعة يجب أن تكون “ضمير الأمة وعقلها المتقد”. فليست الجامعة بناياتٍ ومختبراتٍ فحسب، بل فضاءٌ روحيٌّ وفكريٌّ يجمع بين البحث والتأمل، بين الإبداع والمسؤولية، وبين العلم والقيم. إنها منصة تُعيد تعريف التنمية لا كمفهومٍ اقتصادي ضيق، بل كحالةٍ إنسانيةٍ متكاملة تنهض بالإنسان والبيئة والاقتصاد في منظومةٍ واحدةٍ متناسقة.
ولكي تكون الجامعة التنموية نموذجية في أدائها، لا بد أن تقوم على أسسٍ ثلاث: أولها شراكةٌ حقيقية مع المجتمع والقطاعين العام والخاص لإنتاج المعرفة وتطبيقها؛ وثانيها دعم البحث العلمي التطبيقي الذي يخدم احتياجات الوطن قبل سباق التصنيفات العالمية؛ وثالثها تمكين الشباب وتحرير طاقاتهم عبر بيئةٍ جامعيةٍ مرنةٍ ومفتوحةٍ، تُحفّز الإبداع وتربط الفكر بالإنتاج.
ولعلّ كلمات سمو ولي العهد الأمير الحسين تختصر جوهر هذا التحول حين قال: “جيلنا ليس أمامه خيار سوى أن يكون صانعًا للتغيير، لا متفرجًا عليه.” تلك هي روح الجامعة التنموية التي تبث في طلبتها ثقافة المبادرة، وتزرع فيهم شغف الإسهام في بناء الوطن، مؤمنةً بأن المستقبل لا يُنتظر بل يُصنع بالإرادة والعلم والعمل.
وهكذا، في عالمٍ تتغير فيه الخوارزميات أسرع من المناهج، وتتحول فيه الأفكار إلى ثروات، تظل الجامعة التنموية حصنَ العقل ورافعةَ الأمة. إنها جسرٌ بين الحلم والواقع، بين الفكر والفعل، بين الإنسان وما يمكن أن يكون عليه إن أُتيح له أن يفكر بحرية ويبدع بمسؤولية. ففي قاعاتها تُكتب فصول المستقبل، وعلى مقاعدها يجلس صُنّاع الغد الذين سيُعيدون للوطن مجده، وللعلم رسالته، وللإنسان مكانته في عالمٍ يقوده الذكاء… لكن يضيئه الضمير.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: عصر الذكاء الاصطناعي الجامعة التنمویة الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
جوجل تخطط لنقل الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء
في خطوة تُعيد رسم ملامح مستقبل الحوسبة والذكاء الاصطناعي، كشفت شركة جوجل عن مشروعها الجديد المثير للجدل الذي يحمل اسم "صن كاتشر" (Suncatcher)، والذي يهدف إلى وضع مراكز بيانات متطورة في الفضاء لتعمل بالطاقة الشمسية، في محاولة للحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استهلاك الطاقة الضخم لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
فبينما يتخوف البعض من فكرة "ذكاء اصطناعي في المدار"، ترى جوجل في هذا المشروع ثورة جديدة نحو حوسبة نظيفة ومستدامة تتجاوز حدود الكوكب.
تقوم فكرة "صن كاتشر" على إرسال رقائق معالجة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والمعروفة باسم وحدات معالجة Tensor أو TPUs، إلى مدارات فضائية على متن أقمار صناعية مجهزة بألواح شمسية ضخمة. هذه المراكز المدارية ستعمل كمحطات بيانات تعتمد على الطاقة الشمسية المتاحة بشكل مستمر خارج الغلاف الجوي، مما يوفر مصدرًا ثابتًا ونظيفًا للطاقة، بعيدًا عن القيود الأرضية وتذبذب مصادر الطاقة التقليدية.
وقال ترافيس بيلز، المدير الأول في جوجل، في تدوينة رسمية: "في المستقبل، قد يكون الفضاء هو المكان الأمثل لتوسيع نطاق حوسبة الذكاء الاصطناعي".
وأوضح أن الألواح الشمسية في المدار يمكن أن تكون أكثر إنتاجية بما يصل إلى ثمانية أضعاف مقارنة بتلك الموجودة على الأرض، نظرًا لتعرضها الدائم لأشعة الشمس دون انقطاع ليلي أو ظروف مناخية معيقة.
وأضاف بيلز أن هذا النموذج سيُقلل الحاجة إلى البطاريات التي تُعد أحد التحديات الكبرى في تشغيل مراكز البيانات المستدامة، إذ ستتيح الطاقة الشمسية الفضائية تشغيل وحدات الذكاء الاصطناعي على مدار الساعة، مما يُحدث نقلة نوعية في كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.
لكن رغم الطموح الهائل، فإن تنفيذ هذا المشروع يواجه عقبات تقنية معقدة، أبرزها مشكلة الإشعاع الفضائي الذي قد يُلحق ضررًا بالمكونات الإلكترونية الحساسة لوحدات المعالجة. غير أن جوجل أكدت أنها اختبرت رقائقها بالفعل لتحمل مستويات مرتفعة من الإشعاع، مشيرة إلى أنها قادرة على العمل لمدة تصل إلى خمس سنوات دون أعطال دائمة، وهو ما يُعد إنجازًا هندسيًا مهمًا في بيئة قاسية كهذه.
ومن أبرز التحديات الأخرى التي تواجه المشروع أيضًا نقل البيانات بين الأقمار الصناعية بسرعات هائلة تصل إلى عشرات التيرابت في الثانية مع الحفاظ على زمن وصول منخفض. وهي مهمة معقدة بسبب المسافات الطويلة والتداخل الإشعاعي في الفضاء. لذلك، تُفكر جوجل في وضع الأقمار الصناعية في تشكيلات قريبة جدًا من بعضها البعض، لا تتجاوز المسافة بينها بضعة كيلومترات، لتقليل الحاجة إلى المناورات المستمرة وضمان استقرار الروابط البصرية التي ستعتمد عليها الشبكة الفضائية الجديدة.
وفي الوقت الذي قد تبدو فيه هذه الفكرة خيالية أو مكلفة للغاية، تُشير تقديرات جوجل إلى أن تشغيل مراكز بيانات في الفضاء قد يُصبح قريبًا من حيث الكفاءة الاقتصادية لمراكز البيانات الأرضية بحلول منتصف ثلاثينيات هذا القرن، خصوصًا مع التطور السريع في تقنيات الإطلاق وإنتاج الطاقة الشمسية.
ورغم أن المشروع لا يزال في مراحله البحثية المبكرة، تخطط جوجل لإجراء تجارب أولية بحلول عام 2027، حيث ستُطلق نموذجين أوليين من الأقمار الصناعية بالتعاون مع شركة Planet ضمن مهمة تجريبية لتقييم أداء رقائق TPU في بيئة الفضاء. وذكرت الشركة أن هذه التجارب ستختبر إمكانية تشغيل مهام تعلم آلي موزعة بين الأقمار الصناعية باستخدام الروابط البصرية، وهي خطوة تُمهّد لولادة أول "سحابة فضائية" في العالم.
ويرى مراقبون أن مشروع "صن كاتشر" قد يُشكل بداية عصر جديد من حوسبة الذكاء الاصطناعي خارج الأرض، إذ تسعى شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل إلى إيجاد حلول بيئية مستدامة تُواكب النمو الهائل في الطلب على قدرات الذكاء الاصطناعي. وفي حال نجاح هذا المشروع، فقد يتحول الفضاء إلى موطن الجيل القادم من مراكز البيانات، لتصبح الشمس مصدر الطاقة الدائم لعقول رقمية تدور حول الأرض بلا توقف.
بهذا، تواصل جوجل ترسيخ مكانتها كإحدى أكثر الشركات جرأة في تبني الأفكار المستقبلية، من الإنترنت الكوني إلى الذكاء الاصطناعي الفضائي، لتُثبت مجددًا أن حدود الابتكار لم تعد على سطح الكوكب فحسب، بل تمتد إلى مداراته أيضًا.