لماذا يرغب الناس في التشارك بأفكارهم؟
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
لماذا يرغب الناس في التشارك بأفكارهم؟
د. #أيوب_أبو_دية
منذ بدايات #التاريخ، كان #الإنسان كائناً
يتحدث ويتواصل ويترك أثراً. لم تكن #اللغة فقط أداةً للبقاء، بل كانت مرآةً داخلية للدوافع والمشاعر والأفكار. وفي كل حضارة، ظهرت طرق متعددة للتعبير: الإشارة، الكلام، الكتابة، الرسم، الموسيقى، المسرح… كلها كانت إجابات مختلفة لسؤال واحد: لماذا نشارك أفكارنا؟
أولاً، الحاجة إلى الفهم وتأكيد المعنى.
ثانياً، الرغبة في التواصل وبناء العلاقات: الإنسان ليس مستقلاً في وجوده، بل كائن اجتماعي بطبيعته. ومشاركة الأفكار هي بمثابة جسر نحو الآخر؛ كلمة صادقة أو قصيدة أو مقالة أو أغنية قادرة على فتح باب علاقة جديدة، أو التقريب بين فردين اختلفا في الرأي. فالتواصل الفكري يصنع تقارباً عاطفياً، ويخلق مساحة مشتركة يتداخل فيها العالم الداخلي مع عالم الخارج.
مقالات ذات صلة موقف عمومي 2025/11/12ثالثاً، التأثير في العالم وصناعة أثر: كثير من الناس يكتبون أو يتحدثون أو يبدعون فناً لأنهم يؤمنون بأن أفكارهم يمكن أن تغيّر شيئاً: شخصاً، أو موقفاً، أو وعياً مجتمعياً. البعض يشعر أن لديه ما يستحق أن يُقال، أو يخشى أن تضيع الفكرة إن لم تُشارك، ففي المشاركة وعدٌ ضمني بالخلود: “ها أنا كنت هنا في زمن ما”. وفي هذا تجاوز للموت الذي أرّق الإنسان منذ الأزل.
رابعاً، التنفيس العاطفي والتحرر النفسي. أحياناً، لا يريد الإنسان جمهوراً يهتف له أو اعترافاً بالتميز، بل يريد أن يخفف ثقل الفكرة في داخله. فالكتابة تشبه العلاج النفسي؛ والفن مساحة لتمرير الألم أو الفرح دون قيود. والتعبير هنا ليس تسويقاً للفكرة، بل تحرراً منها.
أخيراً، البحث عن التقدير أو الاعتراف. فقد يفصح الإنسان عن أفكاره بحثاً عن تصفيق، أو تعليق، أو نظرة إعجاب. وهذا ليس نقصاً، بل جزءاً طبيعياً من حاجتنا البشرية للشعور بأننا مرئيون ومعترف بنا. نحن نشارك لأننا نريد أن نترك أثراً في ذاكرة أحدهم، أو في الذاكرة الجمعية كي يصبح للحياة معنى.
وهكذا، فإن الرغبة في التشارك بالأفكار ليست نزوة عابرة، بل ممارسة إنسانية عميقة الجذور. إنها امتداد لحاجتنا إلى الفهم، والتواصل، والتأثير، والتغيير، والتحرر، والاعتراف. في كل كلمة تُقال، وفي كل نص يُكتب، وفي كل لوحة تتشكل، يعلن الإنسان شيئاً بسيطاً ولكن عالي القيمة في الوقت نفسه، فقد يكون ابداعا نحن في أمس الحاجة له.
مقولات كثيرة هزّت العالم لأنها لم تكن مجرد بضع كلمات، بل إعلان وجود ورغبة في الفهم والتغيير. عندما قال مارتن لوثر كينغ: “لدي حلم” لم يكن يصف حلماً فحسب، بل أعاد تشكيل معنى العدالة والحقوق المدنية في أميركا والعالم. وعندما كتب غاندي: “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم” تحولت الجملة إلى منهج حياة للملايين الساعين للسلام واللاعنف. أما روزا باركس، فبكلمتها البسيطة “لا” عندما رفضت ترك مقعدها في الباص، أعلنت ثورة ضد التمييز العنصري. وفي مجال العلوم، قال ألبرت آينشتاين: “الخيال أهم من المعرفة” ففتح باب الابتكار أمام أجيال كاملة. هذه العبارات لم تغيّر التاريخ لأنها ذكية فقط، بل لأنها عبّرت عن حاجة إنسانية عميقة للتواصل والتأثير والتغيير والتحرر.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: التاريخ الإنسان اللغة
إقرأ أيضاً:
العين الموحدة لأوروبا.. وحدة استخبارات جديدة لحماية دول التكتل من المخاطر والتحرر من التبعية الأمريكية
في عالم تقاس فيه قوة الأمم بقدرتها على الرؤية قبل الآخرين، بدأت المفوضية الأوروبية في إنشاء وحدة استخبارات جديدة تحت إشراف رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، في محاولة لإعادة رسم ملامح الأمن القاري من جهة، وتعزيز قدرات الاتحاد في مواجهة التهديدات العالمية المتصاعدة من جهة أخرى.
العين الموحدة لأوروباالوحدة الجديدة، التي وصفت بأنها العين الموحدة لأوروبا، ستكلف بجمع وتحليل المعلومات الأمنية والعسكرية والسيبرانية من جميع الدول الأعضاء، مع إنشاء مركز عمليات متقدم في بروكسل ينسق بين أجهزة الأمن الوطنية والدفاعية، كما ستعمل على تعزيز تبادل المعلومات بين دول الاتحاد، ووضع استراتيجيات استباقية لمكافحة الإرهاب، والهجمات الإلكترونية، والتدخلات الأجنبية في الشؤون الأوروبية.
الخطوة التي وُصفت بأنها الأكثر جرأة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، تأتي في لحظة حرجة، تتكثف فيها التهديدات من كل اتجاه في أوروبا، حرب تشتعل على حدود القارة الشرقية، وهجمات سيبرانية تضرب عمق البنية التحتية الأوروبية، وتنام لنفوذ القوى الكبرى، وفي ظل هذه التحديات المتشابكة، تسعى رئيسة المفوضية الأوروبية إلى انتزاع زمام المبادرة، وتوحيد القدرات الاستخباراتية المبعثرة داخل الاتحاد عبر الوحدة الجديدة.
ولكن، يبدو أن إنشاء هذه الوحدة لن تكون بالخطوة السهلة، إذ قالت مصادر أوروبية مطلعة، أنه من المتوقع أن تقاوم عواصم الاتحاد الأوروبي تحركات المفوضية، في ظل مخاوف بشأن فعالية مركز الاستخبارات الداخلية، لا سيما مع استجابة أوروبا للحرب الهجينة الروسية.
ولطالما كان تبادل المعلومات الاستخباراتية موضوعاً حساسا للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة بين الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا اللتان تتمتعان بقدرات تجسس واسعة، وأن مشاركة المعلومات في ظل وجود حكومات موالية لروسيا داخل دول الاتحاد مثل المجر، ربما سيشكل خطرا على أمن دول الاتحاد.
التحرر من التبعية الاستخباراتية الأمريكية
وفسر بعض المحللين بأن الخطوة الأوروبية تأتي في سعي دول التكتل إلى التحرر من التبعية الاستخباراتية للولايات المتحدة وبناء منظومة أمنية ذات طابع سيادي مستقل، عبر تحسين استخدام المعلومات التي تجمعها وكالات التجسس الوطنية بالتكتل عبر الجهاز الذي سيشكل داخل الأمانة العامة للمفوضية.
خلاف بين بروكسل والعواصم الأوروبية
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل تحولًا جذريًا في الفكر الأمني الأوروبي، إذ تضع المفوضية في موقع القيادة المباشرة للأمن والاستخبارات، بعد عقود كانت فيها هذه الملفات حكرا على الدول الأعضاء، بينما يعتبر آخرون أن تركيز السلطة بيد فون دير لاين قد يثير جدلًا واسعا داخل الاتحاد، ويعيد النقاش حول حدود الصلاحيات بين بروكسل والعواصم الأوروبية.
بهذا القرار الجريء، تفتح أورسولا فون دير لاين فصلا جديدا في تاريخ الاتحاد الأوروبي، تسعى من خلاله بأن تكون أوروبا مُراقبة لا مراقَبة، وصانعة للمعلومات لا متلقية لها .. عقل استخباراتي جديد.. ربما يغير من المعادلة الدولية.