الطائرة سي 919 الصينية منافس جديد في عالم الطيران
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
في عرض جوي لافت، ظهرت طائرة "سي 919" التابعة لشركة الطائرات التجارية الصينية "كوماك" في معرض دبي للطيران، في خطوة تستهدف تعزيز حضور الصين داخل سوق الطيران العالمي الذي يعاني من تأخر تسليمات الشركات الغربية.
العرض، وفق ما نقلته وكالة "رويترز"، كان رمزيا لكنه محمّل بدلالة إستراتيجية، إذ سعت بكين من خلاله إلى إبراز أول طائرة نفاثة محلية مكتملة التطوير بعد 17 عاما من الإعلان عن المشروع، في وقت تسعى فيه "كوماك" لمنافسة الشركات العملاقة مثل "إيرباص" و"بوينغ".
وجاءت الطائرة بطلاء أبيض مع خطوط زرقاء وخضراء، وظهرت عبارة "حين يلتقي إعجاز بآخر" على اللوحات الدعائية المرافقة لها.
وقد امتنعت الوفود الصينية عن الإجابة عن أسئلة تتعلق بإيجاد أول مشترٍ للطائرة خارج شرق آسيا، إلا أن الإقبال الجماهيري كان واضحا، حيث اصطف عشرات الزوار لمشاهدة الطائرة والاستماع إلى الطيار وهو يتحدث عن تجربته في قيادتها.
وأصبحت بروناي الشهر الماضي أحدث دولة تسمح لشركات الطيران التابعة لها بتشغيل طائرات صينية الصنع.
وطلبت شركة "جالوب إير" الناشئة في بروناي 15 طائرة من طراز "سي 909" و15 طائرة من طراز "سي 919" في عام 2023. ورغم ذلك، لم يفز أي من الطرازين بعميل عالمي رئيسي.
طرازات جديدة تنافس الممر الواحد لدى الشركات الكبرى
وسلّطت "كوماك" الضوء في دبي على خط تصنيع جديد يشمل نسخة مطوّلة من "سي 919″، والمخطط لها أن تتسع لنحو 210 ركاب.
ووفق تقرير رويترز، فإن هذه النسخة تستهدف مباشرة طرازات "إيرباص" (إيه 321 نيو) و"بوينغ" (737 ماكس 10)، وهي الفئة الأكثر تنافسية في سوق الطائرات ذات الممر الواحد.
كما عرضت الشركة طراز "سي 909″، الذي يُعد أول طائرة صينية بمحركات نفاثة تصل إلى الإنتاج التجاري منذ العام 2016، وتشغّله بالفعل عدد من شركات الطيران الإقليمية.
ترحيب غربي حذر وموقع صيني يتشكل تدريجياكما نقلت رويترز تصريحات مسؤولي الشركتين الغربيتين، حيث قالت الرئيسة التنفيذية لطائرات الركاب في بوينغ "إن المنافسة أمر جيد للصناعة.. إنها تجعلنا جميعا أفضل".
إعلانفي حين قال المسؤول التجاري في إيرباص "إنها ليست تهديدا، إنها منافس، إنها واقع". ومع ذلك، يعتقد محللون -بحسب رويترز- أن الصين لن تحصل في المدى القريب على حصة كبيرة من السوق العالمي باستثناء الدول الداعمة، لكن وجودها في معارض كبرى مثل دبي يعكس رغبتها في دخول آخر معاقل الصناعة الغربية.
اعتماد كبير على الموردين الغربيين وتأثير التوترات التجاريةورغم تأكيد كوماك أن الملكية الفكرية للتقنيات محفوظة داخل الصين، فإن كتيبات الطائرة -وفق رويترز- كشفت عن اعتمادها على 18 موردا غربيا يزودونها بالمحركات وأنظمة الهبوط وغيرها.
وقد برز تأثير التوترات التجارية بين بكين وواشنطن حين علّقت أميركا تراخيص تصدير المحركات خلال العام الجاري.
وفي بيان نقلته الوكالة، قالت الشركة إنها "تبقى ملتزمة بالتعاون المفتوح، وتتطلع إلى علاقات أقوى وأعمق مع العملاء والشركاء حول العالم".
اهتمام خليجي متزايد رغم تأخر التسليماتوأشارت رويترز إلى أن الصين تتمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع دول الخليج، مما يفتح الباب أمام فرص حقيقية للطائرة في المنطقة، رغم أن كوماك لم تحقق أهداف التسليم المعلنة لطراز "سي 919" خلال هذا العام.
كما عرضت الشركة في دبي مواد تعريفية حول الطائرة العريضة البدن "سي 929″، التي كانت في الأصل مشروعا مشتركا مع روسيا قبل أن تصبح بقيادة صينية كاملة، لكن دون توفر تفاصيل تقنية كافية عنها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
انتصار بلا منافس
خالد بن حمد الرواحي
في مشهدٍ يتكرّر كل عام، يصعد أحد المسؤولين إلى المنصّة، يبتسم بثقةٍ ويبدأ حديثه بعبارةٍ مألوفة: "لقد حققنا أهدافنا بنسبة تجاوزت 100% وتفوّقنا على التحديات"، يصفّق الحاضرون، وتُعرض على الشاشة صور الإنجازات، فيما تكتمل اللوحة بالابتسامات العريضة التي تملأ القاعة.
لكن ما إن يُطرح السؤال البسيط: "من كان المنافس؟"، حتى يسود الصمت، لأنَّ البطولة لم يكن فيها أحدٌ سواه!
هكذا يُعلن الانتصار قبل أن تبدأ المسابقة، وتُمنح الجوائز قبل أن يُفتح باب التقييم. لقد أبدعت بعض مؤسساتنا في فنّ القياس الذاتي للتميّز؛ حيث يصبح المسؤول هو الحكم واللاعب والمشجع في آنٍ واحد، وكل نتيجةٍ- مهما كانت- تُفسَّر بأنها نجاح ساحق يستحق التصفيق. إنه مشهدٌ يختصر مأساة الإنجاز حين يتحوّل إلى عرضٍ فرديٍّ لا منافس فيه سوى الوهم.
في بيئتنا الإدارية، لا يحتاج بعض المسؤولين إلى منافسين ليعلنوا فوزهم؛ فالمعيار هو الرضا عن الذات، والمقارنة تُعقد مع العام الماضي لا مع الأفضل في الميدان. وهكذا تتحوّل المؤشرات من أدوات قياس إلى شهادات امتياز تُمنح ذاتيًا، ويصبح تحقيقها غايةً بحد ذاته لا وسيلةً للتطوير.
فحين يقول المسؤول: "حققنا جميع مؤشراتنا!" لا يوضّح إنْ كانت تلك المؤشرات تعكس خصوصية الجهة التي يديرها، أم أنها مجرد أرقام عامة وضعتها المؤسسة الأم لجميع وحداتها دون تمييز. وبين المؤشر الحقيقي والمُجمّل تضيع الحقيقة، لأن المهم ليس التطوير بل إثبات النجاح مسبقًا. وهكذا تتحوّل التقارير السنوية إلى مسرحٍ لعرض البطولات، لا مرآةً لمستوى الأداء الفعلي.
تبدأ السنة المالية الجديدة، ولم تُحدَّد بعد الخطط ولا المؤشرات، لكن الاحتفالات بالإنجازات جاهزة، والعروض المرئية أُعدّت مسبقًا. في بعض المؤسسات، يُعلَن الفوز قبل أن تُرفع صافرة البداية، ويُكرَّم الموظفون على جهودٍ لم تُبذل بعد، وتُعلَّق اللافتات التي تقول: "واصلنا التميّز!" وكأن العام الجديد مجرد نسخة مكرّرة من الأعوام السابقة.
لا أحد يسأل: ماذا تغيّر؟ أو ما الجديد في الأهداف؟ بل تُستدعى إنجازات العام الماضي لتُباع مرة أخرى في عبوةٍ جديدة. وهكذا تتحول ثقافة التطوير إلى تسويقٍ للذات، والمنافسة إلى عرضٍ احتفاليٍّ دائم، لا تُقاس فيه الكفاءة بما أُنجز فعلاً، بل بما يُقال إنه أُنجز.
إن رؤية «عُمان 2040» لم تُبنَ على الأرقام التجميلية ولا على التصفيق الذاتي، بل على مبدأ القياس الحقيقي للأثر؛ فالتقدّم في مؤشرات الأداء الوطني لا يتحقق بإعلان الانتصارات؛ بل بتقويم السياسات وتصحيح المسارات. إنها رؤية تؤمن بأن التطوير لا يقاس بالتصريحات، بل بما يُحدثه الأداء من تغييرٍ ملموس في حياة الناس.
المؤسسات التي تكتفي بتكرار إنجازاتها الماضية تُعلّق نفسها في زمنٍ إداريٍّ ثابت، بينما تتقدّم الدول بقياس جودة خدماتها من زاوية المستفيد لا من منصة المسؤول. فالقيمة الحقيقية لأي مؤشر ليست في تحقيقه، بل في قدرته على كشف مواطن الضعف وتحفيز التحسين المستمر. ومن دون هذا الفهم، ستظل بعض الجهات ترفع شعار التميّز وهي تكرر أخطاءها بهدوءٍ منمّق، وتعيش نشوة الفوز في سباقٍ لم يشارك فيه أحد.
غير أن السؤال الأهم يبقى: من يتحقّق من صدق تلك المؤشرات التي تعلنها الجهات الحكومية؟ فغالبًا ما تصدر المؤشرات عن الجهة نفسها، وهي التي تتحدّث عنها وتحتفي بها، لكن قلّما نرى جهةً محايدةً تراجعها أو تتحقق من مدى عدالتها وموضوعيتها.
وهنا يبرز الدور المحوري للجهات الرقابية، التي يقع على عاتقها تقييم الأداء والتحقق من مصداقية البيانات والمعايير التي بُنيت عليها تلك المؤشرات. والمساءلة ليست تشكيكًا في الجهود؛ بل ضمانٌ لأن يُعبّر النجاح عن حقيقةٍ ملموسة، لا عن تقريرٍ مصاغ بعنايةٍ لغوية. وعندما تعمل أجهزة الرقابة والتدقيق في شراكةٍ شفافة مع المؤسسات التنفيذية، يتحوّل القياس من رقمٍ يُقال إلى قيمةٍ تُثبتها النتائج.
في النهاية، لا يُقاس النجاح بما نرويه عن أنفسنا؛ بل بما يراه الناس في أثرنا. فالإنجاز الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان، ولا يُقاس بالتصفيق أو الصور الرسمية، بل بقدرة المؤسسة على أن تغيّر حياة من تخدمهم. وما أجمل أن يأتي يومٌ يصبح فيه الفوز مؤكدًا لأن النتائج تتكلم، لا لأن الخطب تروي الحكاية. إذ إن «الانتصار بلا منافس» ليس مجدًا؛ بل مرآةً تُذكّرنا بأن من يقيس ذاته بذاته، سيبقى يدور حول نفسه مهما ظنّ أنه يتقدّم.
رابط مختصر