نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لسفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية، مايكل راتني، قال فيه إن من البديهيات في هوليوود أن أي سيناريو جيد يجب أن يخضع لتحول: من التهور إلى الحكمة، ومن الضعف إلى القوة، ومن السيئ إلى الجيد، وأحيانا من السيئ إلى السيئ للغاية، وقال راتني، لقد بدت السنوات السبع التي انقضت منذ زيارة ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي، محمد بن سلمان، لأمريكا لأول مرة أشبه بسيناريو، دراما موسعة ومكلفة مليئة بالسحر والرؤى العظيمة، والمؤامرات والعنف، متسائلا: "هل كان هناك تحول"؟.



وأضاف أنه عندما زار ولي العهد السعودية الولايات المتحدة عام 2018، عرفت فترة حكمه القصيرة في الولايات المتحدة بشكل رئيسي بسلطويته ومغامراته الخارجية: سجن المئات من رجال الأعمال السعوديين وأفراد العائلة المالكة في فندق ريتز كارلتون بالرياض، وتصعيد الحرب ضد قوات الحوثيين في اليمن، ما أسفر عن أعداد مروعة من الضحايا المدنيين، وإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة، وبعد زيارته بوقت قصير، حدثت جريمة القتل المروعة للصحفي السعودي المنفي جمال خاشقجي.

وأشار السفير السابق مايكل راتني، إلى أن صورة حقوق الإنسان اليوم لا تزال بعيدة كل البعد عن الكمال، مع تقييد الخطاب السياسي بشكل فعال وإصدار أحكام الإعدام المتكررة من قبل قضاء غامض وعفا عليه الزمن، ولكن في الوقت نفسه، حقق الأمير محمد تقدما كان يُعتقد في السابق أنه لا يمكن تصوره، بما في ذلك نزع أنياب الشرطة الدينية وإلغاء معظم القوانين التي كانت تقمع حياة النساء السعوديات.

وذكر  راتني، أن بن سلمان بادر بتغييرات جذرية في مجالات أخرى، بما في ذلك تنويع الاقتصاد السعودي، والاستثمارات واسعة النطاق في الطاقة المتجددة، والترحيب بالسياح الأجانب من جميع الأديان، وانفجار ثقافي وترفيهي شعبي مذهل يشمل الحفلات الموسيقية والأفلام والمعارض الفنية في بلد كان الكثير من ذلك فيه غير قانوني حتى وقت قريب، وقال إنه بينما يلتقي الأمير محمد الرئيس ترامب في البيت الأبيض، فأنه يحكم مملكة شهدت تحولا عميقا، يمكن القول إنه نتاج تطوره الشخصي.

ففي عام 2018، بدا أن ولي العهد يعتقد أن بلاده، الأقوى والأكثر نفوذا في العالم العربي وفقا للعديد من المعايير، قادرة على تشكيل تلك المنطقة وفقا لإرادته. كان أصغر سنا وأقل خبرة كقائد، وربما كان لديه شعور غير واقعي بنقاط قوة بلاده، وأشار إلى أن أهداف وطموحات بن سلمان لم تتحقق. فلم يُهزم الحوثيون، أو حتى تثبط عزيمتهم، ولا يزالون يسيطرون على جزء كبير من اليمن.

وربما لم ينتج عن إذلال رئيس الوزراء اللبناني سوى جعل حزب الله، القوة الشيعية التي هيمنت على البلاد لفترة طويلة، أكثر جرأة، كما لم يُسفر استهداف المعارضين إلا عن مزيد من ترسيخ الرأي العام المناهض لولي العهد في أوساط قطاعات واسعة من وسائل الإعلام والأوساط السياسية والجمهور الأمريكي.

وأوضح أن هذه التجارب قد عجّلت بتغيير في أولويات الأمير محمد، على ما يبدو. فقد أصبح يرى أن صراعات المنطقة المُعقّدة لا يمكن حلها، ربما إلا على مستوى الأجيال، فبدأ بجدية في تركيز اهتمامه على الداخل، معطيا الأولوية للتحول الاقتصادي والاجتماعي لبلاده، وبدلا من التورط في صراعات إقليمية، كان هدفه إبعادها عن الحدود السعودية. لم تُؤدِّ هذه الصراعات إلا إلى تهديد ما أصبح الجهد الرئيسي لولي العهد، وهو "تحديث مملكته".

وأكد السفير السابق مايكل راتني، أن هذا التحديث يعتمد في النهاية على أمرين، خارجين عن سيطرة أي جهة بشكل مُحبط: ارتفاع أسعار النفط، لأن ما يفعله مُكلف للغاية، وغياب الصراع، لأن المستثمرين والسياح على الأرجح لن يأتوا من أمريكا أو أوروبا أو آسيا إذا كانت هناك صواريخ ومُسيّرات وقذائف قادمة من اليمن أو إيران، منافسها الرئيسي في المنطقة.

وبيّن أن مدى صعوبة الحفاظ على هذين الأمرين قد تجلت واضحة العام الماضي، فرغم الجهود السعودية، شهدت أسعار النفط انخفاضا، قد يكون هذا مقبولا إذا كنتَ سائقا أمريكيا (أو رئيسا أمريكيا)، ولكنه ليس كذلك إذا كانت أولويتك هي تحويل اقتصاد يعتمد على النفط، أو بناء قطاع صناعي، أو إصلاح نظامك التعليمي، أو تطوير قطاع الضيافة.

وأضاف أنه في هذه الأثناء، يبدو أن صراعات منطقته تتحدى أي تهدئة. فبالإضافة إلى تهديدات الحوثيين، تدور رحى حرب أهلية في السودان، وهي، من الناحية الإنسانية، أسوأ بكثير من غزة. ولا يزال النظام الإيراني وأيديولوجيته يشكلان تهديدا عنيدا للمنطقة - بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي تخشى على وجه الخصوص هجمات على بنيتها التحتية للطاقة - على الرغم من 12 يوما من الغارات الجوية الإسرائيلية والأمريكية على أهداف عسكرية إيرانية.

كما وقد أسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية على مدار عامين عن مقتل عشرات الآلاف في غزة، وتدمير ممتلكات بمليارات الدولارات، وإشعال غضب إقليمي لن يتلاشى بسهولة. لكن حماس لا تزال قائمة، ولا تُظهر أي ندم يُذكر.

مايكل راتني، قال إنه بعد عامين من عمله سفيرا للولايات المتحدة لدى المملكة، وبعد محادثات مع العديد من السعوديين، اتضح له أين تكمن أولويات ولي العهد الآن: فهو يفضل التركيز على جذب الأعمال والاستثمارات الدولية إلى المملكة بدلا من التورط في صراعات المنطقة التي لا تنتهي. يُفضّل قبول قيادة سورية غير كاملة على تأجيج حرب أهلية من شأنها أن تُفاقم مشاكل المنطقة، كما يُفضّل الوصول إلى انفراجه غير مستقرة مع إيران على استفزازها وجلب غضبها وصواريخها.

وأضاف أن بن سلمان يُفضّل إنهاء حرب غزة بشروط غير مثالية على استمرارها كمصدر إلهام للمتطرفين، فلم ينسحب السعوديون تماما - فهم من كبار مُقدّمي المساعدات الإنسانية في المنطقة. لكن تركيزهم الحقيقي، كما أخبره السعوديون، ينصبّ على بناء مستقبل بلادهم وليس على حل مشاكل الدول الأخرى.

ولفت إلى أنه في عالم الجيوسياسة، لا توجد بوليصة تأمين مثالية، مهما كانت المملكة العربية السعودية تُفضّلها. لكن ضمانا أمنيا أمريكيا مُلزما سيكون بداية جيدة. في عام 2022، كان هناك نقاش حول صفقة كبرى - وهي في الأساس معاهدة دفاع مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية مقابل تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. كان من المتوقع أن تتضمن الصفقة جوانب أخرى، بما في ذلك الجانب الاقتصادي وجانب الطاقة، وعلاقة عسكرية أمريكية سعودية معززة. كما ستتضمن تدابير لتعزيز آفاق قيام دولة فلسطينية، وهو شرط أكدت السعودية إصرارها على تطبيقه قبل أي تطبيع مع إسرائيل.

لكن جوهر الصفقة بالنسبة للسعودية كان الدفاع المشترك: سبيل آخر لحماية تحول المملكة العربية السعودية من منطقة متقلبة، وقال إن من الواضح أن حرب غزة جعلت التطبيع مع إسرائيل أصعب، ولذلك تمت أزالته من على الطاولة (ومعه معاهدة الدفاع) في الوقت الراهن، لكن سواء أكانت هناك معاهدة أم لا، فلن يتوقف الأمير محمد عن البحث عن سبل لحماية أمن بلاده وتحولها بعيدا عن النفط، ومن المرجح أن يكون هذا محور اجتماعاته في واشنطن هذا الأسبوع.


وتشير التقارير الصحفية إلى أنه من المرجح مناقشة شيء أقل من معاهدة، مثل اتفاقية دفاع تعزز الشراكة العسكرية الأمريكية السعودية دون الحاجة إلى تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي، وذكر أنه من المرجح أيضا أن يرغب ولي العهد في تعزيز دور المملكة العربية السعودية كلاعب رائد - عالميا، وليس إقليميا فقط - في التكنولوجيا الناشئة والذكاء الاصطناعي، وهو مفتاح التنويع الاقتصادي الناجح.

وهذا يعني أنه سيسعى على الأرجح إلى اتفاقية تضمن حصول السعودية على أحدث الرقائق الإلكترونية الأمريكية، ولأن جزءا من خطط السعوديين لمستقبل ما بعد النفط يتضمن الطاقة النووية المدنية، فمن المرجح أن يطلب الأمير محمد من ترامب دعم هذه الطموحات أيضا، ويختم بقوله: "صحيح أن الناس لا يمكن أن يمحوا ماضيهم أبدا. لكن العالم سيرى الأمير محمد قريبا في عشاء البيت الأبيض - بالنسبة للكثيرين، الرمز الأمثل للقبول الدبلوماسي - وهو أمر كان غير ممكن تخيله حتى قبل سبع سنوات".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بن سلمان وترامب السعودية وامريكا سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة مایکل راتنی الأمیر محمد بما فی ذلک ولی العهد من المرجح بن سلمان إلى أن

إقرأ أيضاً:

من واشنطن وقلب البيت الأبيض.. محمد بن سلمان.. يرسم خارطة السياسة الدولية

كتب ــ رئيس التحرير عبدالله الحارثي

 

هذه هي الزيارة الأولى من نوعها إلى الولايات المتحدة الأميركية الحليف العتيد للمملكة العربية السعودية منذ 7 سنوات؛ حيث كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في واشنطن عنوانًا عريضًا لأمريكا؛ سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
هذه الزيارة جاءت بدعوة رسمية من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث سبقتها تحضيرات للاحتفاء بالضيف الكبير؛ ووقف ترمب بنفسه على البروفات التي تسبق الزيارة؛ ما يؤكد أن ضيفهم ليس كأي ضيف للبيت الأبيض؛ بل يعتبرونه من الزوار الأساسيين لهذا الصرح التاريخي.
كان العنوان الرئيسي لهذه الزيارة مؤتمر الاستثمار السعودي الأمريكي في واشنطن يوم غد الأربعاء، بعنوان”القيادة من أجل النمو.. حيث سيكون سيد هذا المنتدى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبالطبع فإن هذا المنتدى يأتي في إطار تعزيز الشراكة السعودية الأمريكية”، ويهدف لاستكشاف آفاق استثمارات جديدة في القطاعات المتنوعة، في ظل التحضيرات الجارية في البيت الأبيض لاستقبال ولي العهد بمشاركة فرق موسيقية عسكرية واجتماع ثنائي في المكتب البيضاوي وعشاء رسمي.
تأتي الزيارة في أعقاب محادثات دفاعية أجريت بين البلدين، حيث أجرى وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، ووزير الحرب بيت هيغسيت، ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بالإضافة إلى اتصالات مكثفة لإتمام الصيغ النهائية للاتفاقيات المزمع توقيعها، والتي تشمل اتفاق دفاع مشتركًا، وآخر لدعم البرنامج النووي السعودي السلمي، وتوقيع صفقة لبيع المملكة 48 مقاتلة “إف 35”. بالإضافة إلى زيادة استثمارات السعودية في أمريكا إلى تريليون دولار، كما تسعى لتوطين الصناعات العسكرية والطاقة النووية.
وتشمل المباحثات مشاريع في مجالات التكرير والكهرباء النووية في سياق التوجه الملحوظ بين الجانبين؛ لضمان أمن إمدادات الطاقة، وتكريس مسار التحول نحو الطاقة النظيفة، ما قد يساعد المملكة في تنويع اقتصادها، وتحقيق رؤية السعودية 2030. كما تحمل الزيارة دلالات إستراتيجية ترتكز على إعادة بناء ترتيبات دفاعية مشتركة في الخليج العربي والبحر الأحمر، بالتزامن مع التهديدات الإقليمية، ما يجعل الحاجة إلى منظومة ردع فعالة ضرورة ملحة.
يرى مراقبون أن هذه الزيارة ترمز لإعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية، وتثبت دور السعودية كلاعب محوري في الشرق الأوسط أولًا، وفي القضايا العالمية ذات التأثير على الساحة الدولية ثانيًا. كما أن القوة المتزايدة للعلاقة بين البلدين يمكن أن تغير ديناميكيات الشرق الأوسط.
يرى خبراء في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية csis، أن الجانب السعودي لا يسعى فقط لعقد صفقات دفاعية؛ بل يسعى لتعميق الشراكة التكنولوجية والطاقة مع أمريكا، في إطار رؤية المملكة 2030، ويرون أن الزيارة تمثل نقطة تحول في العلاقة بين الطرفين، خاصة من حيث الضمانات الأمنية والاستثمارات والطاقة والذكاء الاصطناعي. معهد واشنطن يربط في تحليله بين الزيارة والأزمات الإقليمية، ويرى أن السعودية تسعى لدور أكبر في حل الأزمات؛ لما تملكه من ثقل سياسي ودبلوماسي واقتصادي، ويعتبرون الأمير محمد بن سلمان  شريكًا موثوقًا به، ويحظى بتقدير الولايات المتحدة الأمريكية.لا يخفى على أحد في العقد الأخير، أن المملكة العربية السعودية باتت من صناع السياسة الدولية على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني؛ الأمر الذي جعل من السياسة السعودية مؤشرًا دوليًا على حركة الدبلوماسية العالمية؛ وقد أصبح الأمير الشاب صانع سلام واستقرار للمنطقة والعالم بكل ثقة واقتدار، وهذا ما جعل السمعة السياسية السعودية في مقدمة الدول العالمية، التي تصنع القواعد السياسية؛ ولعل اتفاق غزة وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لواشنطن مؤخرًا من ضمن الحراك السعودي، الذي يسعى لبناء بيئة سلام مناسبة لإعادة البناء والتنمية.
بالإضافة إلى ملف السودان، الذي كان من الملفات المهمة في هذه الزيارة؛ حيث يضغط سمو ولي العهد على كافة الأطراف لوقف الحرب والكارثة الإنسانية، ومن المتوقع أن تخرج الزيارة بخطوات عملية للضغط على أطراف الصراع المختلفة في سبيل الحفاظ على وحدة السودان، وصون مؤسسات الدولة السودانية.
إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بات شخصية دولية تحظى باحترام الغرب والشرق؛ ذلك أن سموه يسعى إلى جعل هذا العالم المتصارع- في كثير من الأحيان- عالمًا أكثر استقرارًا. وهذا هو جوهر السياسة السعودية على المستوى الإقليمي والدولي.

مقالات مشابهة

  • ولي عهد السعودية يصل إلى البيت الأبيض.. حديث عن التطبيع والاستثمار (شاهد)
  • ما وراء زيارة المجرم محمد بن سلمان إلى واشنطن؟
  • ترامب: سنبيع السعودية طائرات "إف 35"
  • السعودية.. ريما بنت بندر تُعلّق على زيارة محمد بن سلمان لأمريكا
  • من واشنطن وقلب البيت الأبيض.. محمد بن سلمان.. يرسم خارطة السياسة الدولية
  • ولي العهد في واشنطن.. زيارة ترسخ الشراكات وتعزز دور المملكة عالميا
  • تحليل أمريكي:  فشل بن سلمان في مواجهة الحوثيين يَحْكم تحركاته الحالية تجاه اليمن والمنطقة
  • لأول مرة منذ 7 سنوات.. ولي العهد السعودي يزور الولايات المتحدة
  • محمد بن سلمان إلى واشنطن في أول زيارة منذ 7 سنوات