لجريدة عمان:
2025-11-18@19:33:26 GMT

هل يستطيع ترامب أن يحقق السلام لغزة؟

تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

قد لا يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دراية أصلا بكتاب جون مينارد كينز الصادر سنة 1919 بعنوان «العواقب الاقتصادية للسلام» الذي حذر فيه من أن غلظة المطالب المفروضة على ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ـ «القائمة على قاعدة اقتصادية مجحفة غير قابلة للنجاح» ـ سوف تزعزع استقرار أوروبا كلها.

لكن خطة ترامب للسلام في غزة بنقاطها العشرين تعكس أعمق رؤى كينز التي تتجسد في تحذيره من أن «مخاطر المستقبل لا تكمن في الحدود والسيادة وإنما في الغذاء والفحم والنقل».

لم تكن غزة قط مركزية في النقاشات حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن ترامب يرى القطاع باعتباره النقطة الأرشميدسية التي يمكنه منها لا أن يوسّع امبراطوريته التجارية العائلية وحسب ـ وهذا دافع أساسي وراء كثير من سياسته الخارجية ـ وإنما أيضا لتعزيز تحالفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودفع برنامج بنية أساسية دولي ضخم قادر على مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI).

هذه الطموحات سابقة بأمد بعيد على حرب غزة. ففي عام 2017، خلال ولايته الرئاسية الأولى، توصل ترامب إلى اتفاقية مع اليابان لتقديم «بدائل استثمارية رفيعة المستوى في قطاع البنية الأساسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ»، وتأسيس شراكة ترمي إلى تعزيز الوصول الرخيص المضمون للطاقة في جنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، وأفريقيا ما دون الصحراء. وقال جيمس ماتيس، وزير الدفاع آنذاك، إن «عالمنا المعولم فيه الكثير من الأحزمة والكثير من الطرق ولا يجب أن يضع بلد واحد نفسه في موضع من يفرض حزاما واحدا وطريقا واحدا».

وتولى الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن زمام البنية الأساسية في عام 2022، حينما أقام مجموعة 2-12 مع الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة للتركيز على «استثمارات مشتركة ومبادرات جديدة في المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي والتكنولوجيا». وفي العام التالي، التزمت إدارة بايدن ـ بجانب فرنسا وألمانيا والهند وإيطاليا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي ـ بإنشاء ممر اقتصادي جديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) يرمي إلى تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية من خلال تعزيز التواصل والتكامل.

يقوم هذا الممر على مشروع «سكك حديدية للسلام الإقليمي» الذي يرجع إلى عام 2018 ومن شأنه أن يربط إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية عبر سكك حديدية عالية السرعة. ويضيف طريقا بحريا من الهند إلى الخليج العربي، وخطوط أنابيب لتصدير الغاز، والهيدروجين الأخضر بالدرجة الأساسية، من الهند إلى بلاد الخليج وأوروبا. وهذا الممر ـ على حد قول رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ـ أكبر من محض «خط سكة حديدية أو كابل»، إنما هو «جسر رقمي أخضر عابر للقارات والحضارات».

لكن تحقيق رؤية الممر لن يكون بالأمر الهين؛ فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ابتداء شريكان تجاريان استراتيجيان للصين، وهما أيضا جزء من مبادرة الحزام والطريق. كما أن الإمارات قد انضمت إلى تجمع بريكس الذي تقوده الصين سنة 2024 والسعودية تدرس الانضمام منذ دعوتها إليه في عام 2023. ولا بد أن يقنعهما ترامب الآن بالابتعاد عن خطط البنية الأساسية الصينية في الشرق الأوسط وأن يلتزما بدلا من ذلك باستراتيجية مدعومة من الولايات المتحدة.

والأهم من ذلك أن التقدم على صعيد الترابط يقتضي استقرارا في الشرق الأوسط، وهذا بدوره يشترط مسبقا السلام وإعادة الإعمار لغزة.

ولذلك، فخلافا لإدارة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسن في ما بين الحربين العالميتين ـ وهي الإدارة التي خضعت لضغوط داخلية انعزالية وانسحبت من جهود إقامة السلام في أوروبا بما أفضي في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب أخرى ـ فإن ترامب عازم على احتمال سخط قاعدته المؤمنة بشعار «استعادة عظمة أمريكا» بسبب تركيزه على الشئون الخارجية. فقد استغل السلطة الأمريكية لدفع لاعبي المنطقة العنيدين إلى سلام تنعكس فيه حكمة كينز.

لا تحتوي خطة ترامب للسلام فقط على إيقاف دائم لإطلاق النار ونشر قوة دولية لإحلال الاستقرار (بتفويض من الأمم المتحدة) ونزع سلاح حماس، ولكنها أيضا تحتوي على إقامة إدارة مدنية فلسطينية انتقالية وعلى تنمية غزة اقتصاديا وإعادة إعمارها. وتنص على أن إسرائيل لن تحتل غزة ولن تضمها، وعلى ألا يتم إرغام الفلسطينيين على مغادرة القطاع.

وفي حين أن خطة ترامب لا تمهد طريقا لإقامة دولة فلسطينية، فهي تقر بالدولة الفلسطينية باعتبارها «طموحا للشعب الفلسطيني». ولا يكاد «يعاد تطوير» غزة ويتم إصلاح السلطة الفلسطينية «حتى يحتمل أن تتهيأ الظروف أخيرا لمسار مضمون» لتحقيق هذا الهدف. ولا شك أن إقناع حكومة يمينية في إسرائيل بالموافقة، ولو من حيث المبدأ، على خطة فيها أي إشارة لدولة فلسطينية إنجاز بارز.

لكن هذه محض بداية؛ فالخطة أقرب إلى إطار منها إلى خطوات، وافتقارها إلى الوضوح بشأن كيفية التنقل بين مراحلها المختلفة تترك مجالا كبيرا لتأويلات متباينة من الأطراف. ولقد قالت حماس بالفعل إنها لن تتخلى عن أسلحتها، ومن المحتمل أن تقاوم كل من حماس وإسرائيل كثيرا من عناصر الخطة. ويبقى وقف إطلاق النار هشا. فضلا عن أن تحالف ترامب الإقليمي ممزق بفعل انقسامات أيديولوجية واستراتيجية عميقة: فالمحور القطري التركي شديد الود تجاه حماس والإخوان المسلمين قياسا بالكتلة السعودية الإماراتية الإسرائيلية. ولا نعرف أيضا إلى الآن كيف ستتقبل مصر دورا تركيا في غزة.

ومع ذلك، هيأ ترامب المسرح لسلام في شرق أوسط جديد، قائم على تكامل اقتصادي وترابط في البنية الأساسية. وقد نكون على وشك توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية ـ أي اتفاقات إسرائيل الثنائية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع أربعة بلاد عربية (البحرين والمغرب والسودان والإمارات).

ومن أجل تحسين فرص النجاح، اتخذ ترامب عددا من الخطوات لزيادة نفوذ إدارته على اللاعبين في المنطقة، منها توقيع صفقة أسلحة مع المملكة العربية واتفاقية أمنية مع قطر، والإلماح إلى احتمال رفع الحظر المفروض على مبيعات إف-35 لتركيا. وبالنسبة لمصر، يبقى احتمال ضمان عقودة كبيرة في إعادة إعمار غزة أمرا شديد الجاذبية. بل لقد أدخل ترامب سوريا في فلك أمريكا، بينما تستعد الشركات التركية والأمريكية لمنجم ذهب إعادة الإعمار.

ولعل الأشد أهمية هو أن ترامب أوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتاج إليه، بل إنه ذهب إلى حد توجيه رسالة إلى الرئيس الإسرائيلي يطلب فيها لنتنياهو عفوا كاملا في قضية الفساد القائمة ضده.

وفي ظل عزلة دولية، واعتماد كامل على الجيش والدعم السياسي الأمريكيين، ومواجهة غضب المواطنين المتلهفين على إنهاء أطول حروب إسرائيل، ليس أمام نتنياهو خيارات تذكر عدا الانصياع لإرادة ترامب.

أما توافق خطة سلام ترامب برؤيتها المتواضعة لإقامة دولة فلسطينية مع رؤية الجانب العربي، فهذا أمر آخر.

شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق ونائب رئيس مركز طليطلة الدولي للسلام

خدمة بروجيكت سينديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: والإمارات العربیة المتحدة البنیة الأساسیة

إقرأ أيضاً:

ترامب يشيد بتصويت أممي تاريخي يؤيد تشكيل مجلس السلام لإدارة غزة

أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم، بتصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أقر تشكيل "مجلس السلام" كهيئة حاكمة انتقالية لقطاع غزة حتى نهاية عام 2027، واصفًا القرار بأنه "لحظة ذات أهمية تاريخية كبرى".

وقال ترامب، في منشور على منصته "تروث سوشيال"، إن التصويت يمثل "إقرارًا ودعمًا لمجلس السلام"، الذي سيتولى رئاسته، وسيضم "أقوى وأبرز القادة في العالم"، بحسب تعبيره.

وأضاف الرئيس الأمريكي: "سيسجل هذا القرار كأحد أكبر الموافقات في تاريخ الأمم المتحدة، وسيقود إلى مزيد من السلام في جميع أنحاء العالم".

هيئة انتقالية جديدة لإدارة غزة

ويأتي القرار الأممي في إطار خطة تقضي بإعادة إعمار قطاع غزة بعد أشهر من الدمار الواسع، ووضعه تحت سلطة إدارة فلسطينية تكنوقراطية تعمل تحت إشراف "مجلس السلام". وبموجب الخطة، يكون المجلس بمثابة الجهة العليا المسؤولة عن توجيه العملية السياسية والإدارية في غزة خلال المرحلة الانتقالية.

وتشير بنود القرار إلى أن الإدارة الفلسطينية المؤقتة ستكون مسؤولة عن الخدمات الأساسية وإدارة الحياة المدنية، لكنها ستخضع في نهاية المطاف للرقابة العامة التي يمارسها المجلس برئاسة ترامب.

توتر دبلوماسي بين واشنطن والرياض

ويبدو أن التصويت جاء رغم خلافات داخل مجلس الأمن وخارجه، خصوصًا بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. فقد أفادت تقارير لصحفيين دوليين بأن واشنطن رفضت مقترحًا سعوديًا يدعو لأن تكون القوة الدولية المكلفة بتأمين غزة خاضعة للأمم المتحدة بشكل مباشر، وليس لـ"مجلس السلام" الذي تروج له الإدارة الأمريكية ضمن خطتها المكونة من 20 بندًا لإحلال الاستقرار في غزة.

ويرى مراقبون أن قبول ترامب لأول مرة بقرار أممي يتضمن اعترافًا ضمنيًا بمفهوم الدولة الفلسطينية يُعدّ تحولًا لافتًا في موقف واشنطن، التي عُرفت خلال النزاع باستخدام الفيتو المتكرر ضد مشاريع قرارات تخص غزة.

وأشار ترامب في تصريحه إلى أن الكشف عن "أعضاء المجلس، والمزيد من الإعلانات المثيرة" سيتم خلال الأسابيع المقبلة، في خطوة يتوقع أن تثير نقاشًا واسعًا حول هوية الشخصيات التي ستشارك في إدارة واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا في الشرق الأوسط.

طباعة شارك غزة ترامب السعودية مجلس السلام

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يعلق على إقرار مجلس الأمن خطة ترامب بشأن غزة
  • ردود دولية متباينة بعد تصويت مجلس الأمن على خطة ترامب للسلام في غزة
  • ترامب يشيد بتصويت أممي تاريخي يؤيد تشكيل مجلس السلام لإدارة غزة
  • الجارديان: مجلس السلام بقيادة ترامب لإدارة غزة يثير الجدل دوليًا
  • مجلس الأمن يقر مشروع القرار الأميركي بشأن خطة غزة
  • بعد قرارات مجلس الأمن.. ترامب يوجه الشكر لمصر وعدد من الدول العربية
  • الرئيس ترامب يشكر مصر وقطر والإمارات لدعمهم جهود التهدئة فى غزة
  • العراق والإمارات يحلمان بتمثيل الكرة العربية بالملحق العالمي لمونديال 2026
  • صرخة تحذير: مشروع القرار الأمريكي لغزة يهدد السيادة الفلسطينية والحقوق الأساسية