العقاب الصهيوني مع قساوة الطبيعة على غزة
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
مشاهد السيول والأمطار في غزة تجرف خيام النازحين الناجين من جحيم الإبادة الجماعية؛ هي ذروة المأساة التي يواجهها هؤلاء، فلا تكفي جراح أهل غزة ومصائبهم المركبة بفعل العدوان والحصار وانعدام كل مقومات الحياة، ولتُسلط الأضواء على ما تخلفه كوارث افتراش العراء وتحت خيام متهالكة، فتضاف هذه الكارثة لما عايشته هذه الخيام وساكنوها من جولات نزوح واستهداف مباشر من قبل قوات الاحتلال، وهي في معظم الحالات لا تختلف كثيرا بالنسبة للتوقعات إزاء عالم منافق.
ويظهر أن حجم المطالبات والمناشدات من الغزيين لرفع الظلم عنهم ولوقف جرائم الإبادة الجماعية خلال العامين الماضيين، لم تفلح في تحريك وزحزحة العجز العربي والدولي أمام شلال الدم، وكذلك الحال بالنسبة للتوقعات إزاء الكارثة الإنسانية التي يواجهها الغزيون على أعتاب فصل الشتاء.
المجتمع الدولي ومجلس الأمن، المتحمس لتثبيت وقف إطلاق النار، منشغل بأدق التفاصيل التي رسمتها الإدارة الأمريكية وإسرائيل، لهندسة خنق الغزيين، بالغرق في تفاصيل بقية مراحل وقف إطلاق النار. صحيح أنه توقفت الطائرات الإسرائيلية عن قصف خيام النازحين، لكن سلطات الاحتلال تمنع للآن دخول المقومات الأساسية لإعانة المهجرين المنكوبين، فالخيام والكرفانات وبقية القائمة الطويلة التي يحتاجها السكان، غير مدرجة في النقاش الساخن عن القوة الدولية التي ستشرف على وقف إطلاق النار، ولا هي بالقدر الموازي لتفاصيل تدريب عناصر الشرطة والأمن التي ستتولى الإشراف عليه في غزة، فكما كانت حياة البشر في غزة موضوعا ثانويا في نقاش واهتمام المجتمع الدولي والعالم العربي، تعود اليوم مشاهد الوحل والسيول لتغرق عار النفاق الكوني الذي انشغل بجثث وأسرى الاحتلال، واستنفر دبلوماسيته وأمنه ووساطته لإنقاذهم وانتشالهم من تحت ركام سببه العدوان الوحشي للاحتلال.
وكما قال الغزي من خيمته، العالم لم يكترث لدمنا المسفوك خلال عامين، فلن يكترث للسيول والأمطار التي تجرف حياتنا المتهالكة أصلا، فيمكن للمرء هنا أن يؤمن بأن للطبيعة قوانينها المسيرة بقدرة الخالق سبحانه وتعالى؛ من زلازل وبراكين وأعاصير وجفاف وحرائق، ويمكن أن يحلل ظواهرها الفيزيائية وغيرها، ويمكن أن يهب لنجدة مجتمعات أخرى تصاب بمثل هذه الكوارث.. إلخ، لكنه لا يفهم الطبيعة البشرية والإنسانية التي تفرجت على مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، وعجزت عن مد يد العون في وقت المجاعة التي فرضها الاحتلال على السكان، وفشلت في إنقاذ أرواح عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، ولا يفهم الصمت المستمر على مشاهد تمزق وغرق خيام النازحين؛ إلا في التآمر على الغزيين والدفع نحو مخطط التهجير والاقتلاع الذي تريده المؤسسة الصهيونية بدعم من الإدارة الأمريكية، وبدعم من الصمت المريب للنظام الرسمي العربي.
الوضع الإنساني الصعب في غزة يعرفه القاصي والداني، والتلكؤ في إنقاذها ومد يد العون لأهلها وضع غير أخلاقي. ولطالما فشل المطالبون من المجتمع الدولي والنظام العربي لبعضهم البعض في وضع حد لسياسات الاحتلال، وفي مناشدات التحذير من المخاطر الجسيمة التي تحيط بمجتمع يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، فهذه الأوضاع المتهالكة والكارثية التي يواجهها أكثر من مليوني إنسان في غزة، هي بالأصل نتيجة عقاب الطبيعة الصهيونية للغزيين على وجه الخصوص، وللشعب الفلسطيني عموما. فقد كشفت هذه الطبيعة الصهيونية عن أقذر ما في فاشيتها ومكنونها العنصري على مدار عقود النكبة الفلسطينية، وصولا الى عامي الإبادة الجماعية. والحال أن الأمطار والأمراض والجوع والنزوح والتدمير، تجتمع مع بعضها البعض أمام فشل وعجز مقصودين يخدمان في نهاية المطاف المساعي الصهيونية للانتقام من كل الشعب الفلسطيني، وتنفيذ مخططاتها في التهجير والاستيطان وفرض نظام الأبارتايد وقتل مشروع حل "الدولتين والسلام".
لا تزال نداءات الغزيين تطارد الضمير البشري العربي والعالمي، ولا توقظه، لا تمهلهم قساوة الطبيعة وسيولها الجارفة، فمهما كانت الحناجر صادحة، لم تبلغ مستوى خفض تراكم الجثث وحطام المدينة. بقيت الخيام هشة والأعمدة منخورة تستنكر تأجيل الموت المنتظر على طرقات غزة ورفح والمواصي وخان يونس وكل بقعة من أرض فلسطين.
تسعة فصول مرت على الغزيين منذ بدء حرب الإبادة عليهم، خريفهم وشتاؤهم وربيعهم وصيفهم، صارت فصول من الحقد والعنصرية والإبادة التي فرضت عليهم ما يفوق طاقة البشر على تحملها، فصمود الغزيين فوق الركام وتحت الخيام الممزقة وبجانب بقاياها، ليس بطولة، إنما عار أنساني ودليل حسي على أن التخاذل والتخلي عن واجب إنقاذهم ومساندتهم كان وما زال وسيكون عن سبق الإصرار الذي خبره الشعب الفلسطيني في كل مراحل مواجهته مع المؤسسة الصهيونية.
أخيرا، تدفعنا مأساة غزة المركبة بفعل وحشية المحتل، وقساوة الطبيعة وظلم ذوي القربى، لأن نتساءل: من يناشد النظام العربي لتطبيق المجتمع الدولي لقوانينه، أو للقيام بواجباته؟ وهل تقديم خيمة إيواء وحبة دواء وكرفان يقي من نجا من الحطام والتدمير؛ بحاجة لكل هذا الهراء عن التحذير والتنديد؟ الخيمة المثقوبة والغارقة في وحل غزة ستبقى مرعبة مع صور أهلها، لأن الرعب ليس من مشاهد غضب الطبيعة ولا من إجرام وإرهاب المؤسسة الصهيونية، الرعب يكمن في وجود وبقاء شعب فلسطين فوق أرضه وبما تجيش به صدور المتآمرين عليه.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة خيام الاحتلال الأمطار احتلال غزة أمطار ابادة خيام قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة المجتمع الدولی فی غزة
إقرأ أيضاً:
الخارجية الإيرانية تدين استمرار الحصار الصهيوني على غزة وتطالب بمحاسبة مجرمي الحرب
يمانيون |
جددت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إدانتَها لاستمرار الحصار الصهيوني على قطاع غزة، منددةً بمنع الاحتلال إزالة الأنقاض وعرقلة إعادة إعمار الشبكات الصحية والطبية والبنية التحتية الحيوية، ما يزيد من معاناة المدنيين الفلسطينيين في ظل الظروف الإنسانية الصعبة.
وقالت الخارجية الإيرانية في بيانها اليوم الأحد إن ما يحدث في الضفة الغربية وغزة يمثل استمرارًا لسياسة الإبادة المنهجية للفلسطينيين، لافتة إلى أن هذه السياسة أدت خلال العامين الماضيين إلى استشهاد عشرات الآلاف من أبناء غزة، واستمرار الجرائم بحق المدنيين الأبرياء دون محاسبة.
وأكد البيان ضرورة وضع حد لإفلات مجرمي الحرب ومرتكبي الإبادة الجماعية من العقاب، داعيًا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية لوقف الانتهاكات وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تتنافى مع القوانين والأعراف الدولية.
وأشار البيان إلى أن استمرار الحصار وعرقلة إعادة الإعمار يعكس تجاهلًا صارخًا للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية، مؤكدًا أن المجتمع الدولي مطالب بالضغط على الاحتلال لرفع الحصار فورًا والسماح بإعادة إعمار البنية التحتية الحيوية في غزة، بما يضمن حق المدنيين في الحصول على الخدمات الأساسية.
ونوّهت الخارجية الإيرانية إلى أن استمرار الاحتلال في جرائمه وتواطؤ بعض الأطراف الدولية يفاقم الوضع الإنساني ويهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، محذرةً من أن استمرار الصمت الدولي تجاه الانتهاكات الصهيونية يزيد من حجم الكارثة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.
وجددت التأكيد على موقف إيران الثابت في دعم الشعب الفلسطيني، ومساندتها لكل الجهود الرامية إلى إنهاء العدوان والحصار الصهيوني، واستعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، بما في ذلك حقهم في العيش بكرامة وأمان على كامل أراضيهم.