كامل إدريس ومستشاره في مهب الريح
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
كامل إدريس ومستشاره في مهب الريح
أحمد عثمان جبريل
علمتنا التجارب أن البلاد التي تنهكها الحرب وتتآكل أطرافها من شدّة المرض، يصبح كرسي المسؤولية امتحانا لا يجتازه إلا من يملك الحكمة وكاريزما القيادة.. وهذا ما يفتقده كامل إدريس، إذ أن تجربته، ومعه مستشاره محمد محمد خير، جاءت كأنها نُزعت من مسرحية عبثية؛ أدوار تُؤدّى بلا فهم، وحضور بلا أثر، وسلطة بلا أداء.
قال أبو العلاء المعرّي في ذات صفاء: “من عُهدت إليه الأمانة وهو لا يُحسن حمل نفسه، فقد سُلِبت الأمانة حقّها قبل أن تُسلم إليه”.
(1)
بدا واضحا أن الرجل استُقبل بترحيب نابع من ذكريات سيرته الأممية أكثر من كونه نتاج قراءة واقعية لقدراته القيادية.. فالمراهنون عليه ظنّوا أن خبرته الخارجية كافية لانتزاع البلاد من وحلها، لكن الأيام الأولى سرعان ما بدّدت هذا الظن، وجرّدت الوعود الكبيرة من زينتها لتتركها في العراء بلا سند ولا أثر.
(2)
ومنذ الأيام الأولى، بدأ الفراغ يعلن نفسه.. لا مشروع، لا مبادرة، لا تحرك واحد يمكن القول إنه غيّر شيئًا، ولو بقدر الظل، في حياة الناس.
ومع مرور الوقت، بدأ الناس يسألون السؤال الذي لا يمكن لأي مسؤول أن يهرب منه: “ما الإنجاز الوحيد الذي يمكن نسبه للرجل منذ يومه الأول وحتى اللحظة”؟
لقد فتّش المراقبون طويلا، ودقّقوا في سجلات الأداء، لكن لا شيء.. لا شيء على الإطلاق.
صفر كبير، يتكرر كل صباح.
(3)
ثم جاءت الرحلات الخارجية – خصوصا زيارات السعودية وإريتريا، لتضيف طبقة جديدة من التشكّك؛ فقد اعتبرها منتقدون دليلا على ارتباك في الرؤية وفشل القدرات، إذ لم تُسفر إلا عن اخفاقات أصابت هيبة الدولة السودانية في مقتل، بل تحوّلت إلى عبء على صورته أكثر من كونها فرصة لتعزيزها.. وتحوّل السؤال إلى همس عام: “لماذا يسافر الرجل إذا كان يعود بالفراغ ذاته؟ إلا من صدى هتافاته التي ملأت الأرجاء هنا وهناك”.
(4)
وإذا كان رئيس الوزراء غارقا في اللا-إنجاز، فإن مستشاره السياسي محمد محمد خير بدا مشغولًا بما هو أبعد عن الواجب وأقرب إلى العبث.. يقضي وقته في خصومات يومية مع الصحفيين، يرد على مقالات، يدافع عن نفسه، وهو الذي يفترض أن يكون رجل الظل، العقل الذي يقرأ ما بين السطور، لكنه ظهر كبوق يلاحق الصغائر.. لم يُعرف عنه اقتراح رؤية، أو صناعة خطاب، أو تهذيب صورة السلطة.. عرفه الناس فقط من نافذة الصراعات مع الصحفيين، والغضب على المقالات، واستدعاء المرض في كل سجال كأن المرض شهادة شرعية للبقاء.
يشكو مرضه، ويتسوّل التعاطف، بينما منصبه يتطلب عقلًا استراتيجيا لا صوتا نياحيا.
(5)
أسوأ ما في الأمر أن أحدا لم يجد حتى اللحظة، خبرة واحدة تؤهّله ليكون في مكتب رئيس الوزراء، فضلًا عن أن يكون مستشاره.. رجل يلهث خلف المعارك الصغيرة كمن يهرب من امتحان كبير يعرف أنه لن ينجح فيه.. وكل ظهوره العام لا يتجاوز حدود الشكوى والتبرير والصوت المرتجف الذي لا يقنع حتى صاحبه.
(6)
وهكذا يظهر كشف الحساب، كما يراه الشارع والنخبة سواء: “رئيس وزراء بلا إنجاز، ومستشار بلا خبرة”.. رجلان يضيفان إلى الأزمة عبئا، وإلى الفوضى صدى، وإلى المشهد هشاشة مضاعفة.. بل إن البعض يرى أن وجودهما في موقع القرار أسوأ من غيابهما، لأن غيابهما على الأقل لا يضيف أخطاء جديدة كل يوم.
(7)
ولأن السودان لا يحتمل التجريب في زمن الحريق، فقد بدأت المؤشرات تتوالى: “أصوات داخل الدوائر الضيقة تقول إن التعيين كان كارثة سياسية، وإن البرهان تلقّى أسوأ مقلب في حكومته الحالية.. لا رؤية، لا أثر، لا قدرة.. فقط كرسي يشغله رجلان لا يعرفان ما يفعلان، ولا يعلم أحد لماذا لا يزالان هناك.. ولكن آخرون يقولون ان برهان أراد أن يكون الرجلين كذلك وان اختياراته صادفت أهلها.
(8)
ومع الوقت، بدأ الخبر يتحول إلى شبه يقين: أيامهما باتت معدودة.. وأن قرار الإقالة جاهز، لا ينقصه إلا توقيت مناسب لا يضاعف الفوضى.. فقد أُجّل مرات ومرات، ليس اقتناعا بأدائهما، بل لأن المشهد معقد والبلاد متداعية، ولا أحد يرغب في فتح باب إضافي وسط العواصف.
(9)
اليوم، يقف كامل إدريس ومستشاره في الريح.. ريح لا تهب من الخارج، بل من داخل فشل لم يعد خافيا.. وحتى من دافعوا عنهما في البداية أصبحوا يبتعدون ببطء، كمن يخشى أن يُحسب على خيبة عامة.. وإذا جاءت ساعة الإقالة، وستجيء، فلن يكون سقوطهما حدثًا دراميا، بل تصحيحا لمسار انحرف.. الدرس الأكبر لن يكون سقوطهما، بل سؤال: (كيف تسلّل رجلان محدودا القدرات إلى موقع يتطلب قدرا من الحكمة أكبر من قُدرتهما على تحمّل المسؤوليته؟).. إنا لله ياخ.. الله غالب.
الوسومأبو العلاء المعري أحمد عثمان جبريل إريتريا البرهان السعودية السودان الصحافة كامل إدريس محمد محمد خيرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أبو العلاء المعري إريتريا البرهان السعودية السودان الصحافة كامل إدريس محمد محمد خير کامل إدریس
إقرأ أيضاً:
كامل الوزير يفتتح 3 مصانع في مدينة السادات بالمنوفية
شهدت مدينة السادات بمحافظة المنوفية اليوم حدثًا صناعيًا بارزًا يؤكد استمرار ريادتها كأكبر مركز صناعي واستثماري في مصر، وذلك بافتتاح عدد من المشروعات الاستراتيجية والتوسعات الصناعية الجديدة داخل المنطقة الصناعية.
جاء ذلك بحضور الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة، والمهندس محمد عادل أنور رئيس جهاز تنمية مدينة السادات، وعدد من قيادات هيئة المجتمعات العمرانية والمستثمرين.
وتم خلال الزيارة افتتاح 3 مصانع جديدة تُعد إضافة قوية للمنطقة الصناعية بالمدينة، حيث تم افتتاح مصنع "ميما" لتجهيز وتعبئة وتجميد الخضروات باستثمارات كويتية، ومصنع "بيورس" لإنتاج المياه الغازية باستثمار ليبي مصري مشترك، إلى جانب مصنع "كاري" المتخصص في إنتاج مركزات الخضار والفاكهة باستثمار سعودي، وذلك ضمن خطة الدولة لجذب استثمارات متنوعة المصدر وتعزيز سلاسل القيمة الصناعية داخل مصر.
وأكد الفريق كامل الوزير أن المشروعات الجديدة تمثل خطوة مهمة في دعم الاقتصاد الوطني وزيادة فرص التشغيل، مشيرًا إلى أن مدينة السادات أصبحت مركزًا إقليميًا للصناعات الثقيلة والغذائية والدوائية وغيرها، بفضل ما تتيحه الدولة من حوافز وتسهيلات للمستثمرين.
ومن جانبه، قال المهندس محمد عادل أنور إن افتتاح هذه المشروعات يعكس ثقة المستثمرين في مناخ الاستثمار بالمدينة، مؤكدًا استمرار جهاز المدينة في تهيئة بيئة صناعية متكاملة من خدمات ومرافق ومناطق لوجستية تلبي احتياجات المستثمرين.
وتُعد المنطقة الصناعية بمدينة السادات من أكبر المناطق الاستثمارية في الجمهورية، إذ تضم مئات المصانع العاملة في مختلف القطاعات، وتُسهم بشكل مباشر في تعزيز الناتج المحلي وتوفير آلاف فرص العمل، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 في توطين الصناعة وتحقيق التنمية المستدامة.