خلاف في الجزائر بين السلطات والإسلاميين حول خطة ترامب بشأن غزة
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
تشهد الجزائر، منذ أيام، توتراً سياسيًا غير مسبوق حول الموقف الرسمي للبلاد من الخطة الأمريكية لمستقبل قطاع غزة، التي أقرها مجلس الأمن الدولي وأيدتها الجزائر رسميًا. يأتي هذا الجدل في وقت حساس، حيث تتقاطع الضغوط الدولية مع الانقسامات الداخلية بين السلطات والفصائل الإسلامية حول مدى انسجام هذه الخطة مع الإرث التاريخي للجزائر الداعم للقضية الفلسطينية.
وقد أطلق هذا التصويت الرسمي موجة من الانتقادات والاعتراضات، التي اعتبرها البعض خروجًا عن المبادئ الثابتة للبلاد، فيما رأى آخرون أنها تعكس رغبة في الانخراط في آليات السلام الدولية.
في هذا السياق، تتصاعد المخاوف من أن يؤدي الخلاف إلى تفجر صراع سياسي داخلي يضع صورة الجزائر التقليدية كداعم ثابت للفلسطينيين على المحك، ويعيد فتح نقاشات حول دور الفصائل الإسلامية والسلطات في صياغة السياسة الخارجية الوطنية.
ورجّح الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت أن يتصاعد الخلاف بين السلطات الجزائرية وبعض الفصائل الإسلامية على خلفية الموقف من الخطة الأمريكية لمستقبل قطاع غزة، التي أقرّها مجلس الأمن الدولي أمس، وسط انقسامات واضحة بين القوى السياسية حول مدى انسجام هذه الخطة مع الموقف التاريخي للجزائر تجاه القضية الفلسطينية.
وقال زيتوت في تصريح لـ"عربي21"، إن "الاختلاف الحالي يعكس فجوة بين الرؤية الرسمية للنظام العسكري الحاكم الذي أيدت الخطة الأمريكية، وبين بعض الإسلاميين الذين يعتبرونها خروجًا عن نهج الجزائر الثابت منذ عقود في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين".
وأضاف أن الموقف من القضية الفلسطينية، الذي مثلته تصويت الجزائر على الخطة الأمريكية، "يعد آخر الضربات الموجعة التي يتلقاها النظام منذ نهاية أكتوبر الماضي"، موضحًا أن الضربات السابقة شملت صدور قرار مجلس الأمن الخاص بتأييد الحكم الذاتي في الصحراء، ثم ما تكشف عن سلوكيات المسؤولة الأولى للهلال الأحمر الجزائري ابتسام حملاوي، ثم الإفراج عن بوعلام صنصال بضغط فرنسي ـ ألماني، وأخيرًا الموقف من القضية الفلسطينية، معتبرًا أن كل ذلك "أضعف النظام بشكل كبير".
وأكد محمد العربي زيتوت أن "الاختلاف بين الجهات الرسمية والمعترضين على موقفها يطرح سؤالًا حول جوهريا حول انحراف السياسة الخارجية الجزائري، الذي بدأ مع انقلاب 1992 ليصبح ردّة سياسة لما عُرفت به سياسة الجزائر الخارجية قبل ذلك التاريخ، وقد وصل الانحراف مداه مع هذا التصويت الذي يؤدي إلى احتلال غزة ونزع سلاح مقومتها وطردهم من أرضهم".
وأضاف: "يتزامن هذا التصويت مع استقبال مدير مسجد باريس المعروف بولائه للنظام الجزائري للسفير الأمريكي في فرنسا، المعروف بأنه صهيوني متطرف، وهو والد كوشنير عراب التطبيع وصاحب طرد أهل غزة وجعلها ريفيرا".
انقسام القوى الإسلامية
ويبدو الانقسام واضحًا داخل الحركة الإسلامية في الجزائر، حيث اعتبرت حركة مجتمع السلم الخطة الأمريكية "انحرافًا عن التاريخ الطويل للجزائر في دعم فلسطين"، فيما وصف عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم سابقًا، الخطة بأنها "انحراف عن المواقف المبدئية للجزائر". بالمقابل، رأت حركة البناء الوطني بزعامة عبد القادر بن قرينة أن هذه الخطة تمثل "انسجامًا مع المواقف الجزائرية التاريخية تجاه فلسطين"، مؤكدة دعمها للجهود الأممية الرامية إلى تحقيق تهدئة مستدامة في غزة.
تصريحات الشيخ علي بلحاج
وفي تصريح خاص لـ"عربي21"، اعتبر القيادي في جبهة الإنقاذ الشيخ علي بلحاج أن الموقف الرسمي للجزائر "غريب ولا يتوافق مع إرث الجزائر في مواجهة الاستعمار"، مضيفًا أن ما جرى "يمثل طعنة ليس للقضية الفلسطينية فحسب، بل لتاريخ الثورة الجزائرية بأكمله".
وانتقد بلحاج بشدة ما وصفه بـ"المواقف العربية الرسمية التي وقعت على سحب سلاح المقاومة الفلسطينية والتوقيع على طرد المقاومين من ديارهم"، واعتبر ذلك "موقفًا غير مسبوق منذ الجاهلية إلى اليوم".
وأكد بلحاج أن أي تراجع عن دعم المقاومة الفلسطينية أو التنازل عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه سيشكل "تحديًا تاريخيًا وأخلاقيًا" للجزائر، ويعكس خلافًا جذريًا بين الإرث الوطني والسياسات الرسمية الحالية.
الموقف الرسمي للسلطات الجزائرية
وكانت الجزائر قد أيدت رسميًا الخطة الأمريكية في مجلس الأمن، معتبرة أنها "خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار والتهدئة في غزة"، وهو ما يعكس استمرار الدبلوماسية الجزائرية في البحث عن حلول توافقية ضمن الأطر الدولية، رغم تحفظ بعض القوى السياسية الداخلية.
وخرجت وزارة الخارجية الجزائرية لتوضيح دوافع تصويت الجزائر لصالح القرار المتعلق بقطاع غزة في مجلس الأمن، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الصعيدين الداخلي والدولي.
وأكد وزير الخارجية أحمد عطاف في مؤتمر صحافي بمقر الوزارة أن موقف الجزائر استند إلى "اعتبارات موضوعية" تحكمت فيه خلال جلسات المجلس، مبينًا أن التصويت جاء نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية: الأهداف الجوهرية للقرار، الخلفيات التي أحيطت به، والمواقف الإقليمية تجاهه.
وأوضح عطاف أن الأهداف الجوهرية للقرار تركز على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، حماية الشعب الفلسطيني، تمكين جهود الإغاثة الإنسانية دون قيود، وتهيئة الأرضية لإطلاق مسار إعادة الإعمار في غزة، مؤكداً أن هذه الأولويات كانت محوراً لجهود الجزائر منذ بداية عهدتها في مجلس الأمن، وأن القرار يوفر إطاراً ملزماً للتكفل بها دون المساس بثوابت حل القضية الفلسطينية. كما أشار الوزير إلى إدراج تعديل مهم ضمن القرار يؤكد أن الهدف النهائي هو تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، بما يحفظ حقوقه الوطنية.
وبخصوص خلفيات القرار، أوضح عطاف أن المبادرة قدمت إلى مجلس الأمن بعد قمة شرم الشيخ، وهدفها إضفاء الصفة القانونية والتنفيذية للخطة الأمريكية، ووضع تنفيذها تحت مظلة الأمم المتحدة لضمان الالتزام بالشرعية الدولية. وأضاف أن الجزائر التزمت بالتنسيق مع الأشقاء الفلسطينيين والعرب خلال المفاوضات، مؤكداً أن موقفها لا يعني التغاضي عن نقائص القرار، لكنه يعكس تجاوباً مسؤولاً مع الموقف الفلسطيني والعربي دون المساس بالثوابت الجزائرية أو بأسس الحل الدولي المتفق عليه.
وأشار عطاف إلى أن القرار لا يعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في شموليته، لكنه يوفر إطاراً ملزماً لتثبيت وقف إطلاق النار وتمكين الإغاثة الإنسانية وإطلاق إعادة الإعمار، ويمثل خطوة أولى لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، مبدياً تطلع الجزائر لأن تتبعها خطوات تضمن الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية، بما يعكس الالتزام التاريخي للبلاد بمبادئها الداعمة للفلسطينيين.
انعكاسات محتملة
وينظر إلى أن هذا الانقسام قد يؤدي إلى تصاعد الجدل السياسي الداخلي في الجزائر، خاصة إذا حاولت الفصائل الإسلامية استخدام موقفها من الخطة الأمريكية لكسب التأييد الشعبي أو الضغط على السلطات لإعادة النظر في مواقفها.
من جهتها، قد تواجه الجزائر تحديًا في الحفاظ على صورتها التقليدية كداعم ثابت للقضية الفلسطينية، في وقت تتسابق فيه القوى الدولية على إعادة ترتيب السياسات في قطاع غزة بعد اعتماد مجلس الأمن للخطة الأمريكية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الجزائر الجدل الفلسطينية فلسطين الجزائر علاقات جدل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للقضیة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة الخطة الأمریکیة الشعب الفلسطینی مجلس الأمن
إقرأ أيضاً: