عربي21:
2025-11-20@05:39:57 GMT

ما بعد الإفراج عن صنصال

تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT

من الصعب أن تجد دولة على وجه الكرة الأرضية لا تمارس المقايضة الدبلوماسية ولعبة الشد والجذب في علاقاتها الدولية عندما تدعو الحاجة.
ما قد يبدو لبعض «المتحمسين» منا تنازلا أو تخاذلا أو «بيعا للقضية»، يمكن القول عنه، بسهولة ووجاهة، إنه يندرج ضمن الواقعية السياسية والمصلحة القومية.
الولايات المتحدة وروسيا تتبادلان، كل سنة تقريبا، طرد الدبلوماسيين والجواسيس بالعشرات.

وتتبادلان السجناء، من رجال أعمال وإعلاميين وجواسيس، حتى أصبحت الصفقات من هذا النوع ركنا ثابتا في علاقاتهما الثنائية.
لا توجد دولة واحدة في مقدورها الاستمرار في العيش بأمان وثقة من دون تنازلات. لا توجد دولة غير مستعدة للتنازل عن جزء من كبريائها حفاظا على مصالحها وأمنها ومكانتها الدولية. ثم لا بأس من تكرار على مسامع العالم أن القضاء مستقل والعدالة يجب أن تأخذ مجراها وغيره من هذا الكلام.
الفرق فقط في طرق الخروج بأقل الأضرار من هذه التسويات (التنازلات) وفي كيفية تسويقها محليا ودوليا، وفي إقناع الأطراف المتضررة إذا ما كان هناك متضررون منها. وهذه كلها أشياء مقدور عليها وفق سياقها وظروفها وبقليل من الجهد والحنكة.
لولا هذه المرونة لتعقّدت العلاقات الدولية، وشهدنا حروبا وصراعات لا تُحمد عقباها.
كان يمكن وضع العفو الذي أصدره عبد المجيد تبون بحق الكاتب بوعلام صنصال ضمن هذه المرونة الواقعية. لو تحقق ذلك كم سيسهل القول إن المصلحة الجزائرية العليا سمت فوق كل شيء فكان لا بد من التصرف بتلك الطريقة. وبذلك تتفادى الجزائر صداعا لم تكن في حاجة إليه، ويسهل على الكل تجاوز الحرج والمضي نحو ما هو أهم من صنصال وأمثاله.
لكن لم يحدث هذا فانتهت قضية صنصال مثلما بدأت.. حرج في حرج. كان لا بد أن يتدخل الرئيس الألماني في سياق مثير للتساؤلات لكي يُطلق سراح صنصال ويتحرر الذين افتعلوا قضيته من ورطة اعتقاله إلى فخ الإفراج عنه.
لم يحدث لأن السلطة الجزائرية قضت منذ اليوم الأول على فرص خروجها من تلك الورطة بلا خسائر. كان قرار اعتقال صنصال خاطئا منذ البداية. لكن بدل أن يقال للجزائر وفرنسا والعالم إن القضية «قيد التحقيق القضائي والقضاء عندنا مستقل»، فعلت الجزائر الرسمية العكس تماما. دخل تبون على الخط فقال كلاما مسيئا عن صنصال في العلن، كان من نتائجه إطلاق العنان لجوقة الثرثارين ليُخرِجوا أسوأ ما في قواميسهم من شتائم وبذاءات.
هكذا غرقت القضية في الأخطاء والمزايدات حتى بلغت درجة من الصعب النجاة منها.
كان واضحا أن الذين من أبراجهم في أعلى هرم السلطة أمروا بهذه الإساءات، ينقصهم بُعد النظر ويعانون من إفلاس في إدراك أبسط أبجديات السياسة والعلاقات الدولية. لم يستوعبوا أن قضية صنصال أخذت منذ اللحظة الأولى أبعادا دولية، وكان يجب التعامل معها وفقا لذلك في عالم لا يرحم. لكنهم تعاملوا مع الأزمة كأنها ورقة من أوراق التنكيد على الإعلاميين والسياسيين الفرنسيين الذين تبنّوا القضية بشكل غير لائق في أغلبه.
ومن الطريف أن الذين في الجزائر هللوا لاعتقال صنصال وأطلقوا بحقه أبشع الشتائم، هللوا بعد سنة بالضبط لقرار الإفراج عنه. جوقة السياسيين والإعلاميين نفسها التي اعتبرت اعتقال صنصال ومحاكمته قرارا «وطنيا سياديا يدل على قوة الدولة الجزائرية واستقلال قرارها»، عادت اليوم لتقول الكلام نفسه عن قرار الإفراج عنه!
الآن وقد حدث ما حدث وتركت قضية صنصال كل هذه الندوب، لم يفت الأوان لإنقاذ الموقف. هناك طريقة لإصلاح ما يمكن إصلاحه لكي لا يبقى الإفراج عن صنصال مسيئا وبلا جدوى: العفو عن الجزائريين الذين اعتُقلوا وحوكموا وأُدينوا بسبب إدلائهم بآراء سياسية ومواقف ثقافية لم ترق للسلطة. أفكر في نشطاء الحراك وهم بالعشرات، وفي الباحث محمد الأمين بلغيث، وفي شبان من ولايات داخلية بعيدة عن أضواء العاصمة والشمال ذنبهم منشور على فيسبوك لم يتجاوز عدد مَن قرأوه عدد رجال الأمن المكلفين بالرقابة السيبرانية. وفي رجال ونساء، من كل الأعمار والفئات الاجتماعية، تحطمت حياتهم وراء أسوار السجون ولم يجدوا من يضغط لإطلاق سراحهم لأنهم أقل حظا من صنصال.
هؤلاء قالوا كلاما يقل خطورة عمّا قال صنصال. لم يصدر عنهم ما يضر بالوحدة الوطنية أو يدعو إلى المساس بها. لم يسافروا إلى إسرائيل، ولم يتعاطفوا معها مثل صنصال. علما أن الجزائر لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، الأمر الذي يضع أيّ جزائري يتواصل معها تحت طائلة القانون.
أضم صوتي إلى الأصوات التي طالبت باستغلال فرصة الإفراج عن صنصال وتحويلها من قرار محرج إلى شعاع من الضوء والأمل، ينعكس في قرارات شجاعة تشمل الإفراج عن سجناء الكلمة الذين لا بواكي لهم. لا يمكن لقرارات هكذا إلا أن تعزز ما يسميها الإعلام الجزائري الجبهة الداخلية.
من الظلم للجزائر أن تتحوّل إلى جمهورية الخوف. إنها في حاجة إلى مصالحة وطنية تقوّيها، وهذه فرصتها. المجتمع الجزائري يستحق استعادة حريته وحقه في التعبير الحر السلمي، وهذه فرصته. الذين يحكمون الجزائر يدركون أن القمع السياسي والغلق الإعلامي لا يبنيان مجتمعات سويّة متوازنة، وعليهم أن يعملوا في هذا الاتجاه لأنه في مصلحتهم أيضا، وهذه فرصتهم.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه صنصال الجزائرية فرنسا الجزائر صنصال سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإفراج عن عن صنصال

إقرأ أيضاً:

هل يمكن أن تستمر أوروبا المُجَزَّأة في الازدهار

ترجمة قاسم مكي

ما الذي حققه الرومان لنا (نحن الأوروبيون)؟

في فيلم «حياة برايان» للفرقة الكوميدية البريطانية «مونتي بايثون» شملت الإجابات على هذا السؤال قنواتِ الري والحمّامات والسلام. لكن ماذا إذا كانت الإجابة الصحيحة هي أن ما حققوه لنا هو سقوطُ إمبراطوريتهم؟

باختصار، يعود دور أوروبا في تغيير تاريخ العالم إلى غياب إمبراطورية أوروبية على امتداد القارَّة. أوجد ذلك الوضع ما يدعوه مؤرخ التاريخ القديم والتر شيدل التشظي التنافسي لأوروبا الغربية (تفتتُها من إمبراطورية رومانية موحَّدة إلى دول محلية متنافسة- المترجم) أفضى التنافس فيما بينها إلى التحولاتِ التجارية والفكرية والتقنية والقانونية والسياسية التي قادت في النهاية إلى الثورة الصناعية، وعقب ذلك تغيّر كل شيء.

الفائدة التي تحققت من تجزئة أوروبا تشكل الفكرةَ المركزية في كتاب شيدل «الهروب من روما» والذي نشر في عام 2019. إنها ليست فكرة جديدة.

لكن شيدل بعث فيها الحياة بتجذيره تقدم أوروبا الغربية في عدم قدرة أي قوة لاحقة على تكرار ما فعلته روما، فخلافا لما حدث في الصين والشرق الأوسط والهند لم تتأسس في أوروبا أبدا إمبراطورية أخرى تلمّ شملها.

طوال 1500 سنة نافست الدول الأوروبية بعضها البعض، ويمكن تصوّر هذه الدول «كعقارب في زجاجة» خلال هذه الفترة من تاريخ أوروبا. كانت هذه العقارب بحاجة إلى تطوير لدغات سامة لكي تظل على قيد الحياة وتزدهر في هذه البيئة الضارية. لقد فعلت ذلك في الحقيقة إلى حدّ أن جزيرة أوروبية صغيرة (بريطانيا) أخضعت جزءا كبيرا من العالم وابتدرت الثورة الصناعية.

خرجت بعض الدول من المنافسة، لكن الابتكارات والأفكار التي قُمِعَت في بعض الأماكن انتقلت ببساطة إلى أماكن أخرى.

أسس الأوروبيون إمبراطوريات في باقي العالم ولكن ليس في أوروبا. وذلك هو الشيء المهم كما يقول شيدل.

يقارن شيدل التنافس الأوروبي بالركود الإمبراطوري في أماكن أخرى. وكتب أن الإمبراطوريتين الرومانية والصينية تشتركان «في قدر من التكامل في السوق والنمو غير المتكافئ الذي قيَّده ضعف قدرة الدولة وانتشار تعدِّي النخب على الموارد والافتقار الدائم لكل من الابتكار وتشكيل رأس المال البشري والنمو الشومبيتري الذي يقوده الابتكار» (النمو الذي ينتج عن التدمير الخلاق على نحو ما شرح ذلك الاقتصادي شومبيتر- المترجم).

تُقدِّم الإمبراطوريات السلام لبعض الوقت، لكنها «آلات» لاستخراج الريع، وفي أوروبا مثل هذه الأنظمة هزمتها تلك التي نجحت في تعزيز الابتكار.

السؤال: لماذا ظلت أوروبا مجزأة؟ الإجابة كما يبدو هي الجغرافيا وتحديدا الجبال والبحار. فالمناطق الخصبة والتي يمكنها إعاشة أعداد كبيرة من السكان وبالتالي دفع ضرائب مرتفعة لم تكن كبيرة ولا قريبة بما يكفي. كما لم تُستنسخ الكفاءة العسكرية النسبية لروما.

في القرنين التاسع عشر والعشرين شهدت اقتصادات أوروبا الغربية نمو مثيرا. ففي عام 2022 كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في أوروبا الغربية يساوي 19 ضعف حجمه قبل 200 سنة مضت. وارتفع متوسط العمر أيضا من 36 سنة في عام 1820 إلى 82 سنة في عام 2020. لقد انتشرت الثورة (الصناعية) من أوروبا عبر العالم. وصار اقتصاد الولايات المتحدة قائد الركب في العالم منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وفي وقت أقرب تعاظم ازدهار الصين. لقد تغير العالم. إنه أكثر ثراءً إلى بعيد.

أيضا فتحت الاختراقات التقنية المجال لتنافس عالمي حامي الوطيس. ولذلك دلالات ضخمة. فحتى وقت قريب كان الاقتصاد الوحيد المتقدم تقنيا وبحجم قارة هو اقتصاد الولايات المتحدة. حاول الاتحاد السوفييتي أن يكون كذلك، لكنه فشل باستثناء تقدمه في المجال العسكري. غير أن الصين قوة مثلها. وقد تكون الهند قوة أخرى أيضا. واليوم «الزجاجة» هي العالم وليست أوروبا. وأخطر العقارب بنفس حجم الإمبراطوريات القديمة. في الواقع إحداها، وهي الصين، المثال النموذجي لإمبراطورية قديمة.

أين موضع أوروبا، أصل هذه الثورة، من كل هذا؟

يبلغ عدد سكان أوروبا 450 مليون نسمة وهو أقل كثيرا من عدد سكان الصين. هذا إذا لم نذكر سكان الهند. لكنه أكبر بقدر مهم من سكان الولايات المتحدة. واقتصادها على أساس تعادل القوة الشرائية أصغر من الاقتصادين الأمريكي والصيني. مع ذلك يظل كبيرا جدا. لكن، وكما جاء في تقرير ماريو دراغي وأيضا في ورقة حديثة بعنوان «دستور الابتكار» من إعداد لويس جاريكانو وبينجت هولمستروم ونيكولا بيتي، الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو يتخلفان في الإنتاجية.

كما تجد أوروبا أيضا صعوبة في تحريك مواردها الاقتصادية والديموغرافية (رغم إنها أكبر بكثير من موارد روسيا) لضمان أمنها بدون حماية المظلة الدفاعية الأمريكية.

ربما باستطاعة الاتحاد الأوروبي فعل ما يجب عليه فعله على الرغم من أن تاريخ تشظي سياساته سيجعله دائما رابطة كيانات سيادية متنازعة أكثر منه دولة ذات سيادة. لقد كان ما يجب عليه تحقيقه، كما تحاجج الورقة المذكورة، وهو الوعد بإقامة «السوق الموحدة» عليه فقط أن يحاول ذلك أكثر وأكثر. ويمكن القول إن ذلك يصح أيضا بالنسبة للتحدي الذي يشكله الأمن الأوروبي.

لكن هذا القول ليس مقنعا تماما؛ فالسيادة والهوية الوطنية والسياسة والضرائب (وهي تعبير عن هذه العناصر) تظل «وطنية» بشكل راسخ، وهذا هو السبب في صعوبة استكمال السوق الموحدة، وهو يصح أكثر بالنسبة للدفاع؛ فانعدام التنسيق بين الدول الأعضاء يجعل الانتفاع المجاني لبعضها من (الترتيبات الدفاعية) مسألة حتمية.

إلى ذلك، تلعب ضخامة الإنتاج وتنوعه وفوق ذلك تركُّزه المكاني دورا كبيرا في تعزيز معظم التقنيات الحديثة الأكثر تقدما.

وبالتأكيد ليس مصادفة، كما يذكر بول كروجمان، أن الثورة الرقمية تركزت في منطقة وادي السيليكون بالولايات المتحدة.

هل سيقبل الأوروبيون مثل هذا التجمع الصناعي العملاق؟ أو هل سيكون في مقدورهم هندسته؟ على المرء أن يشك في ذلك.

إذا كان هذا هو الوضع وإذا كان يؤثر ليس فقط على إنتاجية أوروبا ولكن أيضا على قدرتها على الدفاع عن أمنها قد يعني ذلك أن أوروبا تعاني الآن من «مفارقة» لتاريخها. فالتجزئة التي جعلت دولها قوية وغنية تشكل في العالم الجديد حاجزًا لبقائها كذلك. وفي عصر القوى العظمى التي هي بحجم قارة قد يكون تفتت أوروبا إلى دول مستقلة عائقا لا يمكن تخطيه.

مع ذلك هنالك أيضا إمكانية تدعو إلى قدر أكبر من التفاؤل. فالتحجّر الإمبراطوري يظل مهددا للدول الكبيرة.

نحن نرى ذلك في التمركز المفرط للسلطة الصينية ومحاولة إيجاد أوتوقراطية فاسدة في الولايات المتحدة. على الأوروبيين أن يسعدوا دائما بسقوط (إمبراطورية) روما وبأنها -رغم كل المحاولات- لم تَعُد أبدا.

مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز

مقالات مشابهة

  • المجد أوروبا.. تذكرة لـ اللاعودة
  • لا تمنحوه أكثر مما يستحق... وزير خارجية الجزائر يدخل على خط قضية بوعلام صنصال
  • هل يمكن أن تستمر أوروبا المُجَزَّأة في الازدهار
  • جون أفريك: من هم لاكوراوا الذين يزرعون الرعب في نيجيريا؟
  • صنصال يعود إلى فرنسا بعد عفو تبون عنه بوساطة ألمانية
  • ماكرون يبدى استعداده للقاء تبون وفتح حوار بين فرنسا والجزائر
  • بعد تلقي العلاج في ألمانيا… بوعلام صنصال يصل إلى فرنسا
  • الكاتب بوعلام صنصال يعود إلى فرنسا بعد العفو الجزائري
  • بعد الإفراج عنه ونقله إلى ألمانيا.. بارو يرجح عودة بوعلام صنصال إلى فرنسا في الأيام المقبلة