الإصلاح من القاعدة أم من القمة ؟
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
#الإصلاح من #القاعدة أم من #القمة ؟
#موسى_العدوان
في كثير من الأحيان يلومني بعض الأصدقاء، بأنني أوجه النقد في كتاباتي عن الإصلاح، إلى #المسؤولين في #قمة_الهرم، بينما يرون أن عليّ توجيه اللوم إلى القاعدة ممثلة بالشعب، فهم حسب رأي اللائمين من يجب إصلاح أنفسهم أولا، وبعدها يَصلُح المسؤولين تلقائيا وتتقدم البلاد.
وهنا أرغب أن أشرح وجهة نظري من ناحية اقتصادية فقط، اعتمادا على تجارب الدول الأخرى، علنا نصل إلى نتيجة مقنعة لغالبية المهتمين بهذا الموضوع. فقد كنت وما زلت أرى بأن من يحتل مركز المسؤولية في دول العالم الثالث، هو المسؤول الأول عن عملية إصلاح الشعب وتقدمه في جميع المجالات، معتمدا على المفاهيم التالية : أن الشعب يحتاج إلى قائد يضع له الخطط الإستراتيجية، التي تحدد الأهداف الوطنية التي يجب الوصول إليها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وأمنيا وخلافها. ولتنفيذ تلك الاستراتيجيات لابد من وجود قوانين وأنظمة تضبط حركة المجتمع، وتفرض على الجميع تطبيق تلك القوانين، مدعومة بالثواب والعقاب. يصعب توحيد جهود الشعب كجماعات وأفراد من تلقاء أنفسهم، وتوجيهها نحو أهداف وطنية محددة من تلقاء أنفسهم، بل قد تكون جهودهم متضاربة ولا تحقق الأهداف المطلوبة. لابد لأي مجموعة من الأفراد صغر أو كبر حجمها، من قائد يصهر جهودها في بوتقة واحدة، ويوجهها إلى الأهداف المحددة. فحالهم كحال السفينة التي يوجه القبطان حركتها نحو المرفأ المقصود، وبغيابه ستبقى السفينة عائمة فوق سطح البحر، تتقاذفها الرياح في مختلف الاتجاهات بلا هدف.
ولكي أدلل على صحة قناعتي، دعونا نستعرض تجارب بعض الدول، التي حققت الإصلاح والنهضة لشعوبها، لنعرف من كان السبب في ذلك ؟ هل هو الشعب الذي قاد الإصلاح بصورة تلقائية، أم القادة الوطنيون الذين وضعوا الخطط، ووجهوا الشعب لتحقيق أهدافه ؟ وعليه سأستعرض باختصار تجارب أربعة دول آسيوية ودولة إفريقية واحدة وكما يلي : ماليزيا : تولى مهاتير محمد رئاسة الوزراء عام 1981، وكانت البلاد تعاني من التخلف والفقر، وتعتمد على تصدير المطاط والسلع البسيطة. فرسم مهاتير من خلال رؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة خريطة طريق لمستقبل ماليزيا، حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج التي يجب الوصول إليها، خلال عشر سنوات ثم لعشرين سنة قادمة. واستطاع أن ينهض بها تنمويا ويقلّص حجم البطالة ويغير وجه ماليزيا المألوف. وبذلك رفع مستوى دخل الفرد من 300 دولار إلى 5000 دولار سنويا. كما استهدفت خطته الاقتصادية الشاملة، تحويل ماليزيا في عام 2020 إلى دولة صناعية متقدمة. كوريا الجنوبية : استولى ( الجنرال بارك شينج هي ) على السلطة عام 1961 وامتد حكمه لمدة 18 عاما، حيث أطلق حملة شاملة للتنمية الاقتصادية، تحت شعار ( تحديث كوريا ) التي كانت من أكثر المجتمعات الزراعية فقرا وتخلفا. وكانت خطته الإستراتيجية للنهوض باقتصاد البلاد، تعتمد على ستة محاور رئيسية هي : التركيز على الصناعات الهامة، بناء القدرات، التحفيز، إصلاح النظام التعليمي، توحيد الهدف، ومكافحة الفساد.
ومن أجل إنجاز الأعمال المطلوبة من قبل المواطنين، فقد تم تركيب سماعات قوية في كل قرية ومدينة، يؤدي النفخ فيها عند الساعة الخامسة صباحا لإيقاظ النيام. فيذهب الفلاح إلى حقله والعامل إلى مصنعه والموظف إلى وظيفته والتلميذ إلى مدرسته. وهكذا تحول المواطنون من حالة الكسل والتسيب والفقر ولعب لقمار، إلى عمال وطنيين يسعون لإتقان العمل والاجتهاد في خدمة الوطن والأمة. ونتيجة لهذه الخطة الجريئة، فقد ارتفع معدل دخل الفرد الكوري خلال تلك الفترة، من 78 دولارا إلى 4300 دولار سنويا.
اليــابــان : ضُربت اليابان في عام 1945 بالقنابل الذرية الأمريكية، وفقد الناس الأمل بقدرتها على الوقوف على قدميها، نظرا لما حل بها من خراب ودمار. ولكن رئيس وزرائها “هاياتو أكيدا ” وضع خطة اقتصادية نهضت بالبلاد من تحت الركام، وارتكزت على ثلاثة محاور هي : الإدارة اليابانية الحديثة، الشخصية اليابانية واعتبارها ركيزة التنمية، والمعلم الياباني باعتبار العلم والعمل الجاد أساس الرقي والتقدم. قُدّر الناتج المحلي لليابان عام 1965 بحوالي 91 مليار دولار أمريكي، ولكنه قفز في عام 1980 إلى رقم قياسي بلغ 1,065 تريليون دولار أمريكي. سنغافورة : قصة نجاح هذه الجزيرة في التحول من دولة متخلفة، إلى دولة المتقدمة خلال فترة قصيرة، غريبة تستحق التأمل والدراسة. ويرتبط نجاحها بصانع نهضتها رئيس الوزراء ” لي كوان يو”. فقد فاز حزبه في الانتخابات عام 1959 واستمر بالحكم لمدة 31 عاما.
اعتمد الرئيس يو في صنع معجزة بلاده الاقتصادية على ( بناء الإنسان ) وأكد بأن العلم هو السبيل لنهوض الدول. فارتكزت إصلاحاته على ثلاثة محاور هي : التعليم، التوظيف، وتحديد النسل. وعليه فقد أمر الناس بالعلم والعمل لا بالإصغاء إلى الإذاعة، ومنع الناس من التجمع إلا للصلاة، وأغلق السجون ليفتح بدلا منها المدارس، وحارب الفقر والبطالة، وجعل لكل مواطن بيتا يسكن فيه بدلا من أكواخ الصفيح، وحولها إلى دولة صناعية ارتفع معدل دخل الفرد السنوي فيها من 1,000 دولار أمريكي إلى 30,000 دولار أمريكي في بداية الألفية الثالثة. تنزانيا : وهي دولة إفريقية سارت على نهج دول جنوب شرق آسيا، بعد أن كانت غارقة في الفساد والتخلف والفقر. ففي عام 2015 انُتخب ( جون ماغوفولي ) رئيسا للجمهورية. وعند توليه الحكم، قام بإجراءات حازمة للقضاء على الفساد الذي أعاق تقدم البلاد منها : إقالة المسؤولين المتورطين بالفساد، تخفيض عدد الوزراء في الحكومة من 30 إلى 19 وزيرا، منع سفر المسؤولين للخارج إلا بإذن منه، بيع جميع عربات الدفع الرباعي الرسمية وتعويضها بسيارات صغيرة الحجم، إلغاء الاحتفالات المكلفة للدولة، القيام بزيارات مفاجئة لمختلف مؤسسات الدولة وإحالة المقصرين إلى المحكمة. وهكذا تحولت تنزانيا من دولة متخلفة إلى دولة عصرية متقدمة.
هذه النماذج لبعض الدول التي نهضت من التخلف، وأصبحت في طليعة الدول المتقدمة، تشير بأن القادة في قمة الهرم، هم من قادوا شعوبهم وحققوا تلك الإنجازات الوطنية العظيمة، على ضوء استراتيجيات عملية وفاعلة صنعت النهضة في دولهم، ولم تكن الشعوب في القاعدة إلاّ وسيلة جرى توجيهها لتحقيق النجاح المطلوب.
أما في حالتنا الأردنية، فإننا نسمع ونقرأ بين حين وآخر، عن خطط اقتصادية متلاحقة وأحيانا متداخلة، منها خطة التحول الاقتصادي وتحويل الرمال ذهبا، إلى خطة السنوات الخمس، إلى خطة السنوات العشر، إلى الشراكة الاستثمارية بين الأردن والسعودية، وأخيرا خطة التحفيز الاقتصادي الجديدة. وكانت نتائج الخطط السابقة جميعها تحت الصفر، وأعتقد أن الخطط الموعودة ستكون على نفس الطريق.
ومن الملاحظ أن الدول التي كانت في منتصف القرن الماضي أكثر تخلفا من الأردن، قد تجاوزتنا فيما بعد بنهضتها الاقتصادية، وانضمت إلى الدول الصناعية المتقدمة رغم افتقارها لمصادر الثروة. بينما نحن في الأردن – ومع الأسف الشديد – رحنا نتراجع من سيء إلى أسوأ خلال العقدين الأخيرين، بفعل جهابذة الاقتصاد، الذين يتصدرون المشهد على الساحة الرسمية.
التاريخ : 20 / 11 / 2025
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: القاعدة القمة موسى العدوان المسؤولين قمة الهرم دولار أمریکی إلى دولة فی عام
إقرأ أيضاً:
تشيان تشيمين ملكة البيتكوين التي هندست أكبر اختلاس رقمي في الصين
تشيان تشيمين مواطنة صينية، تلقب في أوساط العملات المشفرة بـ"ملكة البيتكوين" بسبب تورطها في أكبر عملية احتيال على متداولي العملات الرقمية، إذ نصبت على أكثر من 100 ألف شخص في الصين.
فقد استولت على عشرات الآلاف من العملة الرقمية تقدر قيمتها بأكثر من 7 مليارات دولار وفرت عام 2017 بطريقة ملتوية إلى بريطانيا، وطاردتها السلطات سنوات عدة وألقت القبض عليها عام 2024، وحكم عليها بالسجن في نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
المولد والنشأةوُلدت تشيان تشيمين في الرابع من سبتمبر/أيلول 1978 في الصين، ولا تتوفر معلومات كثيرة عن ظروف نشأتها ودراستها، قبل أن يكتشفها العالم عقلا مدبرا لعملية احتيال بمليارات الدولار عن طريق الاستثمارات في العملات الرقمية.
الاحتيال في الصينعُرفت تشيان بأنها كانت سيدة أعمال في الصين، ورصدت سلطات بلادها أنشطتها وإطلاقها مخططات استثمارية غامضة صغيرة الحجم في مقاطعتي آنهوي وجيلين عام 2012، وحققت معها وهي في أوائل الثلاثينيات من عمرها، من دون أن يصل الأمر إلى إدانتها.
وفي مارس/آذار 2014، أطلقت تشيان شركة "تيانجين لانتيان جيروي للتكنولوجيا الإلكترونية" لتعدين البيتكوين، وباعت منتجات استثمارية مع وعود بعوائد خيالية تصل إلى 300%.
وبدأت تشيان الاستثمار في مجال تعدين البيتكوين واستدرجت 130 ألف مواطن صيني إلى مخططها الاحتيالي الضخم، حتى أطلق عليها في تلك السنة لقب "ملكة البيتكوين".
ومن أجل منح المستثمرين الثقة، أخذتهم تشيان إلى موقع شركتها "لانتيان جيروي" لتعدين البيتكوين، التي كشفت وثائق محكمة بريطانية أنها استخدمت معدات تعدين قديمة نسبيا واجهة لخداعهم.
كما شمل نشاط تشيان الاستثماري استئجار دار ضيافة دياويوتاي في بكين، وهي مجمع دبلوماسي يستضيف فيه عادة قادة الصين كبار الشخصيات الأجنبية، لاستضافة مؤتمرات للترويج لمنتجات لانتيان جيروي، وفقا لوثائق محكمة صينية.
إعلانواختفت تشيان عن الأنظار فترة من الزمن، وكانت تعمل بسرية، وكان موظفوها يلقبونها بـ"الأخت هوا"، وكانت الشكوك تحوم حول قانونية أعمالها، وسادت في تلك الفترة مزاعم تُشير إلى أن عملية تعدين البيتكوين كانت مجرد واجهة لجذب المستثمرين.
وحسب الشرطة البريطانية، فإن المخطط الاحتيالي الذي أدارته تشيان في الصين إلى غاية عام 2017 استقطب العديد ممن استثمروا مدخراتهم ومعاشاتهم التقاعدية، وقالت السلطات البريطانية إن تشيان خزّنت الأموال التي حصلت عليها بشكل غير قانوني في أصول بيتكوين.
وعندما لفتت انتباه السلطات الصينية، فرت تشيان إلى خارج البلاد في يوليو/تموز 2017 بهوية مزورة، وسافرت برا على دراجة نارية إلى ميانمار.
وحطت رحالها في ماليزيا ثم غادرتها في سبتمبر/أيلول 2017 باتجاه بريطانيا حاملة جواز سفر فدرالية سانت كيتس ونيفيس (دولة في الكارايبي) تحت الاسم المستعار "يادي تشانغ".
ووفق ما أفادت به الشرطة البريطانية، استأجرت بمجرد وصولها إلى لندن منزلا فخما بمبلغ 23 ألف دولار شهريا، وحاولت شراء عقارات بملايين الدولارات لتحويل عملات البيتكوين إلى أصول، لكنها فشلت.
وبالتعاون مع شركائها، وضعت تشيان إستراتيجية لتحويل العملات المشفرة إلى أصول، وحاولت مع مساعديها شراء عقارات راقية في المملكة المتحدة وفيلا في إقليم توسكانا بإيطاليا، قبل أن ينجحوا في شراء عقارين في دبي عام 2019، تبلغ قيمتهما قرابة 660 ألف دولار.
لكن محاولتها لشراء منزل في لندن بمبلغ 31 مليون دولار وضعتها تحت رادار الشرطة البريطانية، بحسب ممثلي الادعاء في بريطانيا. ومن هنا، بدأت حملة مطاردتها، ثم داهمت الشرطة منزلها وصادرت صندوق ودائع آمنا يحتوي على أجهزة كمبيوتر محمولة ومحافظ عملات رقمية تحتوي على عملات بيتكوين.
أُلقي القبض على تشيان في أبريل/نيسان 2024 في شمال بريطانيا بعد سنوات من العيش الباذخ والتهرب من السلطات في أوروبا، إذ أقامت في فنادق فاخرة في أنحاء القارة، واشترت مجوهرات وساعات فاخرة. وكانت تتجنب السفر إلى البلدان التي تسلم المجرمين الصينيين إلى بلادهم.
وعندما ألقي عليها القبض، كان في حوزتها أكثر من 78 مليون دولار موزعة على 4 محافظ عملات مشفرة، إضافة إلى جوازات سفر مزورة وأموال نقدا. وأقرت بتهمة الاحتيال في بداية محاكمتها.
وصادرت السلطات البريطانية من العملات المشفرة المسروقة ما قيمته حسب تداولات نوفمبر/تشرين الثاني 2025 نحو 7.3 مليارات دولار، وهي أكبر عملية مصادرة لعملات مشفرة في التاريخ، متجاوزة بذلك عملية بأميركا شهدت الاستحواذ على 94 ألف بيتكوين عام 2022، وكانت قيمتها نحو 3.6 مليارات دولار.
حُكم على تشيان، التي أقرت بذنبها في جرائم غسل الأموال ونقل وحيازة ممتلكات ذات صلة بجرائم جنائية، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 بالسجن 11 عاما في محكمة ساوثوارك كراون بلندن.
إعلانوفي القضية نفسها حُكم على شريكها سينغ هوك لينغ -وهو مواطن ماليزي اتُهم بمساعدتها في نقل وغسل العملة المشفرة- بالسجن 4 سنوات و11 شهرا بعد إقراره بالذنب في تهمة واحدة تتعلق بنقل ممتلكات ذات صلة بجرائم جنائية.
طموحات أخرىلم تكن طموحات تشيان تقتصر على الأموال، بل امتدت إلى عوالم الخيال، إذ عثر المحققون على مذكرات كتبتها توثق طموحاتها وتتحدث بالتفصيل عن آمالها في "لقاء دوق وأحد أفراد العائلة المالكة".
كما كانت تحلم بأن يرسّمها الدالاي لاما (القائد الديني الأعلى للبوذيين التبتيين) إلهة متجسدة، إضافة إلى مخططها في أن تصبح ملكة "ليبرلاند"، وهي "دولة" مجهرية غير معترف بها وغير مأهولة بالسكان، مساحتها 7 كيلومترات مربعة، تقع على نهر الدانوب بين كرواتيا وصربيا.
وكانت أحلامها هناك تشمل بناء أكبر معبد بوذي في أوروبا وبنية تحتية فيها مطار وميناء، وتاج وصولجان بقيمة حوالي 6.5 ملايين دولار.
وعلى الرغم من ثروتها الطائلة، عانت من العزلة والمرض، إذ قضت أياما طريحة الفراش تطاردها الكوابيس. وقدمت مذكراتها الرقمية، التي كشفتها الشرطة، لمحة عن حالتها العقلية، كاشفة عن امرأة موزعة بين سحر العملات الرقمية والسعي وراء مصير خيالي.