لماذا لم يذكر الله تعالى الواو عند ذكر أبواب النار وذكر الواو عند ذكر أبواب الجنة؟ قال الله تعالى: «حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا» عن أهل النار، وعن أهل الجنة: « حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا »؟

  أحسن ما قيل في هذا، وهو في سورة الزمر أنه لما قال ربنا تبارك وتعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا»، فأبواب جهنم والعياذ بالله مؤصدة، كما قال ربنا تبارك وتعالى: إنها عليهم مؤصدة، وهذا فيه إذلال ومهانة؛ لأن هؤلاء الذين يساقون سوقًا والعياذ بالله إلى جهنم، فإنهم وإن توقعوا ما ينتظرهم، لكنهم لم يروه عيانًا بعد، ولا يمكن لهم أن يتصوروا أهواله، ولذلك ففي توقيفهم عند الأبواب الموصدة لجهنم والعياذ بالله مزيدٌ من الإذلال والنكاية والمهانة لهم، فإذا فُتحت أبواب جهنم، فإنهم سيجدون ما يفوق ما كانوا يظنونه من أهوال وعذاب والعياذ بالله.

وأما أهل الجنة، وهنا لما قال ربنا تبارك وتعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا»، فهذا السوق إنما هو من باب المشاكلة اللفظية، وإلا فإنهم يكرمون، وهم في موضع الإكرام والإجلال والمكافأة من ذي العزة والجلال سبحانه وتعالى، ولذلك فإن الأبواب تكون مفتوحة، فيأتونها والأبواب مفتوحة، الواو هنا هي واو الحال، والحال أن أبواب الجنان مفتوحة لهم، وهذا يتناسب مع ما يعهده الناس من أن الضيف إذا أريد إكرامه، وإذا أُنزل منزلة الإجلال والاحترام والتقدير وحسن الضيافة والوفادة، فإن الأبواب لا تكون موصدة عند مقدمه، بل تكون مفتوحة، وهذا هو حال أهل الجنة، فإن الله تبارك وتعالى أنزلهم هذه المنزلة العالية الرفيعة، فيأتون وفودًا إلى ربهم، إلى الجنة، وتكون الأبواب مفتوحة لهم، وهذا فيه من الإكرام وإنزالهم المنزلة الرفيعة والتقدير والاحترام ما لا يخفى.

وعلى هذا، بحث المفسرون في جواب هذا الشرط؛ لأنه قال: «حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا»، وقالوا إن السياق هو الذي يُؤخذ منه جواب الشرط، فهو يقدّر بحسب هذا السياق، فمنهم من يقول: أي دخلوها، ومنهم من يقول: أُكرِموا، وجدوا النعيم، كل ما يناسب، كل ذلك من الاتساع في المعنى ليتصوروا ما يتصوّر في نوع الجزاء الذي ينتظرونه وأكثر مما يتوقعونه.

وعلى خلاف أولئك، فإن هؤلاء -أي أهل الجنة- بين ربنا تبارك وتعالى أن أبواب الجنة مفتوحة، فقال: جنات عدن يدخلونها مفتحة لهم الأبواب، فأبواب الجنة مفتوحة، وهذا يتناسب مع ما ورد في سياق كتاب الله عز وجل، بعضهم ذكر أن هذه الواو تسمى «واو الثمانية»، وهي محل نظر عند أهل العلم، فكثير من أهل التفسير والنحاة وأهل اللغة يقولون بأن «واو الثمانية» غير معروفة عند أهل اللغة، عند أهل الإعراب، تلك المذكورة في سورة الكهف، وهي مذكورة في أكثر من موضع، ومنها هذا الموضع.

قالوا: في هذا الموضع إن أبواب الجنة ثمانية، فهؤلاء يقولون إن الواو «واو الثمانية» تأتي إذا كان هناك عدد تضمّن معنى الثمانية، فلا يلزم أن يكون هنالك ذكر، وإنما إذا كان هناك ذكر لثمانية أو معنى للثمانية أو عدة ثماني متعاطفات، ففي الثامنة تأتي الواو، ولكن هذه الواو، المعروفة بواو الثمانية، محل جدل؛ فمن أهل العلم من توقف فيها وقال: هي غير معهودة ولا معلومة، ومنهم من قال: إنها موجودة، واستشهد لها بمواضع في كتاب الله عز وجل: «وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ»، وفي آية التوبة لما عدّ الله تبارك وتعالى خصال المؤمنين: التائبون العابدون، ثم قال: والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

وهنا، لأن أبواب الجنة ثمانية، فهناك معنى الثمانية متضمّن في الآية الكريمة، فاستُعمل معها الواو، ومنهم من توقف، ومنهم من مال إليها، ومنهم من نفاها كما تقدم، وأنا من هذا الصنف؛ يعني أجد القول بالتوقف أكثر إقناعًا، وبالتتبع رأيت أن علماء الأندلس والمغرب هم أكثر ذكرًا لواو الثمانية؛ أي ذكرها صاحب الهداية، وذكرها القرطبي، وذكرها عدد من المفسرين من أهل المغرب والأندلس من المتقدمين، وأقصد بالمتقدمين من بعد القرن الخامس والسادس وما بعد، ومنهم من نسبها إلى بعض النحاة المتقدمين،

فالحاصل أن هذا القول ذكرته ليناسب المقام، ولأن هناك من أهل التفسير من ذكره، حتى من المتأخرين؛ يعني العلامة ابن عاشور ذكر هذا القول، وكأنه يميل إليه ويستحسنه، ونقل أيضًا عن ابن هشام في «المغني» ميله إلى هذا القول، والله تعالى أعلم.

ما صحة هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله عز وجل منهم، فجعله في قريش، وسيعود إليهم»؟

  هذه الرواية صرّح غير واحد من أهل العلم أنها منكرة، وأقل ما يقال فيها بأنها ضعيفة لا تثبت؛ لتوارد علل في سند هذه الرواية، ففيها عدد من الضعفاء والمدلِّسين، وإن حاول بعض المعاصرين تصحيح هذه الرواية أو تجويدها، إلا أن الصحيح أنها لا تثبت، وبعضهم ذكر أن المتن قويم، لكن لا حاجة إلى الاشتغال بالمتن ما دام السند واهيًا ضعيفًا.

والمقصود بـ«الأمر» هنا أي الملك والخلافة، نعم، وأنها كانت في حمير، ثم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتولّيه أمر الأمة، آلت الخلافة إلى قريش، وهذه الرواية تذكر أن الأمر سيرجع بعد ذلك إلى حمير، وحمير قبيلة في جنوب الجزيرة العربية، مقرها أو أكثر أهلها في اليمن، في أودية اليمن، ولكن الرواية لا تصح، وبناءً على ذلك، لا حاجة إلى الاشتغال ببيان ما يتعلق بهذا الأثر من معانٍ، لأن الرواية كما تقدم صرّح غير واحد بأنها منكرة، عدّوها من الأحاديث المنكرة، والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إ ذ ا ج اء وه ا هذه الروایة أبواب الجنة أ ب و اب ه ا الله تعالى أهل الجنة ومنهم من من أهل

إقرأ أيضاً:

30.6 مليار ريال إجمالي التبادل التجاري لسلطنة عمان..وحجم الفائض 3.9 مليار ريال

سجل إجمالي التبادل التجاري لسلطنة عمان 30.6 مليار ريال عماني منذ بداية العام وحتى نهاية الربع الثالث من عام 2025، حيث بلغ حجم الصادرات السلعية النفطية وغير النفطية 15.9 مليار ريال، ووصل حجم أنشطة إعادة التصدير إلى 1.3 مليار ريال عماني، وفي المقابل سجل حجم الواردات 13.3 مليار ريال عماني، لينتهي الربع الثالث بتحقيق سلطنة عمان لفائض في الميزان التجاري بقيمة 3.9 مليار ريال عماني.

وكان إجمالي قيمة صادرات وواردات سلطنة عمان قد سجل 41.7 مليار ريال عماني خلال العام الماضي، وحقق الميزان التجاري فائضا بقيمة 8.3 مليار ريال عماني، وتشير بيانات التبادل التجاري خلال العام الجاري إلى أنه من المتوقع أن يشهد كل من إجمالي التبادل التجاري وحجم فائض الميزان التجاري انخفاضا مقارنة مع العام الماضي، ويأتي هذا الانخفاض نظرا لعدد من المتغيرات من أهمها التراجع النسبي في أسعار الطاقة مقارنة مع مستوياتها خلال العام الماضي، وهو ما انعكس على تراجع قيمة صادرات النفط والغاز خلال عام 2025 بنسبة تتجاوز 16 بالمائة حتى نهاية أغسطس الماضي، كما يتواصل ارتفاع حجم الواردات مما يقلص فائض الميزان التجاري، وبلغت الواردات خلال العام الماضي 16.7 مليار ريال عماني، وظل حجمها في زيادة خلال العام الجاري، ففي الفترة من بداية العام وحتى نهاية أغسطس الماضي بلغ حجم الواردات 11.4 مليار ريال عماني بزيادة بنسبة 5.6 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.

وفي جانب التطورات الداعمة لاستمرار تحقيق الفائض التجاري رغم هذه المتغيرات، تشير بيانات التبادل التجاري إلى انتهاء الربع الثالث من العام بتحقيق فائض تجاري بحجم جيد بدعم من استقرار أنشطة إعادة التصدير وزيادة ملموسة في الصادرات غير النفطية بنسبة تتخطى 9 بالمائة، ويعد ذلك تطورا إيجابيا لما ترصده من نمو في القطاع الصناعي وأيضا قدرة الصادرات العمانية على تعزيز مكانتها في الأسواق الخارجية رغم متغيرات التجارة الدولية التي أثرت على حجم صادرات عديد من الدول وحركة التجارة الدولية نظرا لتصاعد السياسات الحمائية وفرض الرسوم الجمركية.

ووفق مستهدفات سلطنة عمان لتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، تعد التجارة الخارجية أحد الآليات الأساسية لزيادة اندماج الاقتصاد العماني مع نظيره العالمي، وتستهدف سلطنة عمان تعزيز الاستفادة من نمو قطاعات التنويع وتنامي علاقات التعاون والشراكات الاستراتيجية المتنامية في جذب الاستثمارات التي تعزز الإنتاج المحلي وتسهم في خفض الواردات وزيادة الصادرات ونفاذ المنتجات العمانية للأسواق الخارجية، وتحقيقا لهذه المستهدفات الاستراتيجية، يجري تنفيذ عدد من البرامج والاستراتيجيات تتضمن استراتيجية الصناعات التحويلية التي تستهدف زيادة ملموسة في حجم الصادرات غير النفطية بحلول عام 2025، والبرنامج التنفيذي لقطاع النقل واللوجستيات الذي يستهدف تعزيز مكانة سلطنة عمان على خارطة الأنشطة اللوجستية العالمية وزيادة قيمة الاستثمارات بقطاع النقل واللوجستيات ويركز البرنامج على التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية وزيادة الإيرادات الحكومية من الأنشطة اللوجستية، كما يحقق البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية "نزدهر" تقدما متواصلا يعزز تنافسية سلطنة عُمان في منظومة التجارة المحلية والعالمية من خلال تنمية وتمكين الأنشطة والصناعات في القطاع الخاص من قيادة النمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد، وضمن مبادرات "نزدهر” تم إطلاق البرنامج التنفيذي لمنظومة التجارة الخارجية لتحقيق مؤشرات الأداء الدولية ومستهدفات "رؤية عُمان 2040" للتجارة الخارجية، وإطلاق 14 مبادرة لتنمية التجارة الخارجية ضمن محاور التصدير والاستيراد وإعادة التصدير بالتعاون بين "نزدهر” ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار.

مقالات مشابهة

  • دعاء جمادى الآخرة .. 10 كلمات تفتح لك أبواب الخيرات و30 دعوة مستجابة
  • ملاك خرجت من منزل ذويها ولم تعد… هل من يعرف عنها شيئًا؟
  • دعاء للميت امرأة.. اللهم اجعل الجنة أجمل مسكن لها
  • فتاوى تشغل الأذهان | هل يجب قضاء الزكاة لمن تركها عدة سنوات؟.. ما حكم التسمية باسم رحيم وكريم؟.. كيفية الصلاة على الكرسي في المسجد
  • دعاء لفتح أبواب الرزق.. يا باسط اليدين بالعطايا.. اغتنمه وردده الآن
  • 30.6 مليار ريال إجمالي التبادل التجاري لسلطنة عمان..وحجم الفائض 3.9 مليار ريال
  • دعاء صلاة العشاء بعد التسليم.. فرصة للمغفرة وفتح أبواب الخير
  • هل تقبل صلاتي وأنا كسلان ؟.. عويضة عثمان يجيب
  • أمين عام «حزب الله»: استقلال لبنان أولوية لا يمكن التنازل عنها