دول أوروبا تقلص تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة خشية استخدامها ضد فنزويلا
تاريخ النشر: 23rd, November 2025 GMT
أفادت وكالة الأنباء فرانس برس، بأن فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة بدأت في تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة خشية استخدامها لشن ضربات قد تعتبر غير قانونية داخل أراضيها أو مناطق نفوذها في الكاريبي.
قلق الهولنديين على جزرهم
وقال مسؤول عسكري فرنسي إن الهولنديين "قلقون بشدة" على جزرهم الواقعة على مسافة من سواحل فنزويلا تقل عن 50 كم، مضيفا أن أي مواجهة قد تجعلها في "خط النار".
وبينما تستعد واشنطن لاحتمال توجيه ضربات جديدة، قررت باريس ولاهاي ولندن تقييد مشاركة واشنطن المعلومات الاستخباراتية العملياتية، وفق عدة مصادر أكدت أن هذا الإجراء يهدف لتجنب التورط في عمليات قد تعتبر غير قانونية داخل نطاق سيادتها الجغرافية.
وقال رئيس جهاز الاستخبارات المدني ومكافحة التجسس الهولندي إريك أكيربوم لصحيفة دي فولكس كرانت: "نحن متيقظون خصوصا حيال تسييس أجهزتنا واحتمال حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان."
كما صرح رئيس وكالة مكافحة المخدرات الفرنسية في الكاريبي، ديمتري زولاس، قائلا: "لن ترسل أي دولة أوروبية معلومات استخباراتية يمكن استخدامها كغطاء لشن ضربة عسكرية".
وفي بريطانيا، ذكرت تايمز أن المدعي العام طلب من الحكومة وقف تبادل المعلومات خشية أن تستخدمها الإدارة الأمريكية في "اغتيال" مشتبه بأنهم تجار مخدرات في الكاريبي.
ورغم ذلك نفى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو التوقف البريطاني، واصفا التقارير بأنها "أخبار كاذبة".
وأكد الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (MI6)، ريتشارد ديرلوف لفرانس برس أن الخطوة الأوروبية ليست استثنائية، موضحا: "هذا لا يغير إطار التعاون الاستخباراتي العام. هو إجراء موضعي لتجنب التواطؤ في عمليات قد تكون قانونية في الولايات المتحدة، لكن غير قانونية في أوروبا."
وأشار ديرلوف ومسؤولون أوروبيون إلى أن وكالات الاستخبارات الأمريكية تدرك هذه الحساسية القانونية جيدا، وأن التراجع الأوروبي لا يشير إلى أزمة عميقة في العلاقات الاستخباراتية عبر الأطلسي.
ومع ذلك، يؤكد الأوروبيون أنهم يوازنون بدقة بين رفض المشاركة في عمليات قد تتسبب بتصعيد خطير في المنطقة، وبين الحرص على عدم استعداء الإدارة الأمريكية التي تزودهم بمعلومات استخباراتية أساسية.
و في سبتمبر، نفذت القوات الأمريكية أكثر من 20 غارة جوية قتلت خلالها ما لا يقل عن 83 شخصا بدعوى استهداف قوارب تهريب مخدرات في المياه الدولية، من دون أن تقدم واشنطن أدلة مباشرة تؤكد طبيعة المستهدفين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المعلومات الاستخباراتية الولايات المتحدة الكاريبي القوات الأمريكية غارة المعلومات الاستخباراتیة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
فنزويلا والولايات المتحدة: في التاريخ العالمي
غالبًا ما تُفهم التوترات بين فنزويلا والولايات المتحدة من زاوية الواقع الراهن فقط، لكن جذورها أعمق من اللحظة الحالية بكثير. فعندما ننظر إلى الظاهرة من منظور التاريخ العالمي، نكتشف أن هذه العلاقة تندرج في نمط متكرر: لقاء ـ يتراوح بين التعاون والاحتكاك ـ بين قوة عظمى وبلد طرفي يمتلك موردًا استراتيجيًا حاسمًا.
منذ بدايات القرن العشرين، احتلت فنزويلا موقعًا خاصًا على خريطة الطاقة العالمية. قربها الجغرافي من السوق الأمريكي، واحتياطاتها الهائلة من النفط الخام، وموقعها في الكاريبي جعلت منها لاعبًا لا يمكن تجاهله داخل دائرة المصالح الأمريكية. لم يحدث قط أن تعاملت قوة عظمى بلا مبالاة مع بلد يجمع بين وفرة النفط، والأهمية الاستراتيجية، والنفاذ البحري المباشر. لهذا لم تكن العلاقة يوما عابرة أو سطحية، بل علاقة بنية وهيكل.
تعلّمنا التجارب في التاريخ العالمي أن البلدان التي تمتلك موارد أساسية تعيش غالبًا علاقات معقدة مع القوى المهيمنة. حدث ذلك مع مصر والهند في علاقتها بالمملكة المتحدة، ومع إيران في علاقتها بالولايات المتحدة، ومع عدد من دول الخليج في علاقتها بالقوى الأوروبية. تسير فنزويلا في المسار نفسه، وإنْ كانت لها خصوصياتها. فمزيج المصالح الطاقية، والهوية السياسية، والتنافس العالمي يحوّل هذا التوتر إلى حالة نموذجية يدرسها المراقبون الدوليون.
لماذا يهم هذا الصراع في عالم مثقل بتحديات أخرى؟ لأنه يكشف تحولات عميقة في الجغرافيا السياسية العالمية. في الماضي، كانت السياسة الطاقية الأمريكية ترى في فنزويلا حليفًا طبيعيًا. لعقود طويلة كان هذا البلد الكاريبي مزودًا موثوقًا وشريكًا اقتصاديًا مستقرًا. تدهور تلك العلاقة، بالتوازي مع دخول قوى عالمية جديدة مثل الصين وروسيا وإيران، يشي بأن زمن العلاقات الأحادية يشارف على نهايته. لقد أصبحت فنزويلا ساحة تنعكس فيها منافسة القوى الكبرى في عالم أكثر تعقيدًا من عالم القرن العشرين.
يبدو هذا التوتر أيضًا «روتينيًا» لأنه يستجيب لأنماط تتكرر عبر التاريخ. فالقوى العظمى تتحرك عندما يبتعد بلد ذو أهمية استراتيجية عن مجال نفوذها. وقد حدث ذلك في مناطق وأزمنة عديدة. لذلك فإن ما نشهده اليوم بين كاراكاس وواشنطن ليس حالة شاذة، بل فصلًا آخر من دينامية عالمية مستمرة: السعي إلى موازنة السيادة الوطنية مع المصالح الاقتصادية والضغوط الخارجية.
هل كان بالإمكان تجنّب هذا التدهور؟ على الأرجح نعم. في سبعينيات القرن الماضي كان يمكن أن تُرفَق عملية تأميم النفط بآليات حديثة لحوكمة قطاع الطاقة، شبيهة بتلك المعتمدة في دول مثل النرويج، بما يتيح الحفاظ على التعاون من دون التفريط في السيادة.
وفي عام 2002 خلّف الانقسام السياسي الداخلي، وما تبعه من ردود فعل دولية، جراحًا كان يمكن التعامل معها بصورة مختلفة لو توفّرت درجة أكبر من الصبر والحكمة. وخلال الطفرة النفطية بين عامي 2004 و2012 حظيت فنزويلا بفرصة تاريخية لتحديث جهازها الإنتاجي، وتنويع اقتصادها، وتعزيز مؤسساتها، وبذلك تقليص الهشاشة التي تزيد اليوم من حدّة الضغوط الخارجية. والتاريخ نادرًا ما يقدّم فرصًا ثانية بهذه الضخامة.
مع ذلك، لا يمكن تفسير هذا الصراع بالأخطاء وسوء التقدير وحدهما؛ فهو يستند أيضًا إلى مرتكزات مادية ورمزية. فبالنسبة إلى فنزويلا، يمثّل النفط مصدر الهوية الاقتصادية ورافعة الحضور على الساحة الدولية. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، يشكّل عنصرًا استراتيجيًا لأمنها الطاقي واستقرارها في نصف الكرة الغربي. يُضاف إلى ذلك تباين تصوّرات كل بلد لدوره في المنطقة، وهو ما أفضى إلى تصادم في السرديات يغذّي انعدام الثقة.
في هذا السياق يُطرح غالبًا سؤال عمّا إذا كانت دوافع البلدين اقتصادية أم مبدئية. والحقيقة أن التاريخ يُظهر أن هذين البعدين يتعايشان تقريبًا دائمًا. فالقوى الكبرى تتحرك لحماية مصالحها المادية، لكنها تغلّفها بأطر أخلاقية أو أيديولوجية. أما البلدان الطرفية، من جانبها، فتسعى هي الأخرى إلى تثبيت ذاتها عبر حجج أخلاقية أو هوياتية. ولا تخرج فنزويلا والولايات المتحدة عن هذه القاعدة الكونية.
إلى أين يمكن أن تتجه هذه العلاقة؟ يقدّم لنا التاريخ عدة مسارات محتملة. أحدها طريق البراغماتية: انفتاح اقتصادي تدريجي يتيح إعادة بناء مساحات من التعاون من دون الحاجة إلى تقارب سياسي. وخيار آخر يتمثّل في مسار تفاوضي أعمق يفضي، على المدى المتوسط، إلى تغييرات داخلية وخارجية.
كما تبقى إمكانية استمرار التوتر، صعودًا وهبوطًا، طوال سنوات، ليتحوّل إلى صراع مزمن يتكيّف مع التحولات العالمية من دون أن يُحسم نهائيًا. وأخيرًا، في عالم يمضي نحو انتقال طاقي واسع، يمكن لفنزويلا أن تعيد تموضعها كشريك لا غنى عنه إذا نجحت في تحديث صناعتها، وتعزيز الشفافية، واستثمار ما تمتلكه من إمكانات هائلة في الغاز والصناعات البتروكيماوية.
إن فهم هذه العلاقة من منظور التاريخ العالمي يسمح بالنظر إليها من زاوية أوسع وأكثر بنائية، وأقل ارتهانًا لإكراهات اللحظة السياسية. ففنزويلا ليست معزولة عن العالم، بل مندمجة في ديناميات أسهمت في تشكيل مسار دول كثيرة. وكما استطاعت دول أخرى تحويل التوترات إلى فرص، تستطيع فنزويلا هي أيضًا أن تفعل ذلك.
أليخاندرو خ. سوكري كاتب ومحلّل اقتصادي فنزويلي، يقدّم مقالات رأي وتحليلات في صحف ومنصّات فنزويلية من بينها «إل يونيفرسال» ومواقع تحليل سياسي واقتصادي أخرى، ويركّز في كتاباته على قضايا الاقتصاد الفنزويلي، والتحوّلات الجيوسياسية، والعلاقات بين فنزويلا والقوى العالمية.
عن صحيفة «إل يونيفرسال» الفنزولية
تمت الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي.