سينما محمد فرح عقدي الستينات والسبعينيات
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
المراقب لصفحة الأستاذ الصحفي محمد فرح يجد أن الرجل متعلق بسينما عقدي الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي، و ظل الرجل يطلق بوسترات عن افلام المتنوعة من حيث المصادر للإنتاج السينمائي ( أمريكا – بريطانيا – فرنسا – إيطاليا – الهند) إلي جانب الأفلام العربية من مصر و لبنان، كانت تلك الفترة تتعدد فيها دور السينما في العالم المثلثة و مدن السودان الرئيسية، و حتى القرى كانت تذورها عربية سينما وزارة الإعلام ،و بوسترات محمد فرح بمثابة رسائل تحمل في جوانحها العديد من الرموز و الإشارات الثقافية لتلك الفترة، و هي تمثل العهد الذهبي للطبقة الوسطى السودانية.
كانت الخرطوم فيها العديد من الكافتريات، أهمها كافتريا البرلمان في المحطة الوسطى الخرطوم و التي تجد فيها جلوسا في فترات الديمقراطية قيادات الأحزاب السياسية باعتبارها قريبة للبرلمان في شارع الجمهورية. و كانت الكافتريا تمثل منتديا سياسيا ثقافيا حيث يدور فيها الجدل بين المثقفين و القيادات السياسية. كما كانت مصدرا للمعلومة لرجال الصحافة. و عندما تكون الأفلام التي تنتج في تلك الدول ماتزال في دور العرض، كانت أيضا تعرض في السودان وطنية غرب - وطنية أم درمان - وطنية بحري - كلوزيوم - النيل الأزرق و الصافية بحري، الأمر الذي يبين الفرق الكبير في الاهتمام بين الماضي و الحاضر. حيث كانت الطبقة الوسطى تشتغل بقضايا المعرفة و الثقافة لتوفر أدواتها و قدرة الطبقة على الشراء و الترفيه.
في تلك الفترة كانت العديد من محلات الملابس تستورد من أرقي بيوت الأزياء في أوروبا إرضاء لهذه الطبقة، حيث تناولت الأغاني السودانية الشعبية العديد من فئات المجتمع، و أيضا أماكن الترفيه حيث المطاعم المنتشرة في العاصمة و الحدائق العامة، و كانت الخرطوم تسهر يوم الخميس حتى الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة. هذا الترفيه المادي و المعنوي و الثقافي، كان له انعكاسات أخرى تعبر عنه من خلال الأسئلة التي كانت تطرحها هذه الطبقة عبر حقول الأدب و الفنون ( الغابة و الصحراء – مدرسة الخرطوم - أبادماك – إلي جانب أطروحات الفنانين التشكليين و غيرها) هذا الجدل السياسي عبر حقل الفنون و الأدب كان أيضا قد طرح قبل خروج المستعمر في عقد ثلاثينيات القرن الماضي في مجلتي الفجر و النهضة. حيث برز السجال العروبي الأفريقي خاصة بين عرفات محمد عبد الله و محمد احمد محجوب و عشري. و هي الفترة التي قال عنها عبد العزيز حسين الصاوي ( محمد بشير) في كتابه ( الديمقراطية المستحيلة) " أن الميلاد الحقيقي لتيارات الاستنارة الدينية و الفكرية و السياسية و الأدبية و الفنية و الاجتماعية أرتبط بتأسيس التعليم العصري و نشوء الشرائح الاجتماعية و السياسية الحديثة في القطاعات الاقتصادية الخدمية و الزراعية الصناعية و الإدارية التي نشأت فيما بعد مستوعبة منتوجات التعليم من الكوادر و الخبرات" و يضف قائلا " أن الشروع بإعادة تأسيس هذه التيارات بمعنى فتح مسارب بعثها للحياة و عودتها التدريجية للانتعاش بوتائر متزايدة و معها تصاعد الوعي الديمقراطي كما و نوعا، لا يمكن تحقيقه إلا عبر إستراتيجية تعطي هذا الهدف الاولوية التي تتناسب و اهميته" أن التعليم الحديث الذي أسسه الاستعمار رغم محدوديته لكنه استطاع أن يبرز طبقة جديدة في المجتمع تملك وعيا جديدا هو الذي قاد إلي الاستقلال. لكن تعطل ذالك الوعي، و تراجع في النصف الثاني من عقد السبعينيات، عندما بدأ الاقتصاد يتدهور بسبب إجراءات المصادرة و التأميم التي قامت بها السلطة في اوائل السبعينات، حيث بدأ ينسحب رأس المال الخارجي من البلاد، ثم بدأت تتراجع قيمة الجنيه السوداني و بدأت تتراجع معه مظاهر الثقافة و الترفيه تدريجيا. حتى وصل التدهور قمته في التراجع في عهد الإنقاذ حيث تلاشت تماما مظاهر الثقافة و ضعفت الطبقة الوسطى و تراجع دور التعليم الحديث و غابت الاستنارة. أن ضعف الطبقة الوسطى أثر سلبيا على الأحزاب السياسية و إنتاجها الفكري و المعرفي.
الأسئلة التي يجب ان يجاوب عليها المثقفون. هل ينتظر المجتمع أن تعيد الطبقة الوسطى عافيتها ثم تبدأ بدورها الاستناري في المجتمع؟ أم أن هناك رؤية أخرى لكيفية التعامل مع قضية التغيير التي تحتاج للفكر؟ المهاجرون السودانيون في أوروبا و أمريكا و كندا و استراليا و اليابان هل قادرين على التعامل مع الشأن السوداني من خلال مناهج نقدية للتعرف على أسباب الإخفاقات إلي جانب لعب دور استناري أم سوف يكونوا مضافا إليه سالب؟ لماذا المثقفين السودانيين عاجزين في التعامل من خلال العقل المفتوح و متمسكين بالانتماءات المغلقة التي تغيب الحقائق؟ لماذا النخب السياسية تسأل عن الشخص و تقيم طرحه وفقا للإنتماء و ليس للرؤية التي يطرحها؟ إذا كان العقل مغلقا لا يستوعب و لا يتحاور مع الرأي الأخر كيف يستطيع أن يؤسس ديمقراطية. و هناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
//////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الطبقة الوسطى العدید من إلی جانب
إقرأ أيضاً:
مفاهيم الطبقة الاجتماعية والمركز والهامش (٢/٢)
بقلم: تاج السر عثمان
١
اشرنا سابقا إلى أن مفهوم المركز والهامش مضلل ويغبش الوعي الطبقي للكادحين، فضلاً عن أنه يخدم مصالح الفئات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في الهامش للتطلع للثراء والسلطة، لأنه في مركز العالم الرأسمالي نفسه وعلى مستوى كل دولة يوجد استقطاب طبقي حاد مثال : تشير الإحصائيات عام ٢٠٠٧ في امريكا أن طبقة الأثرياء (العليا) والتي تشكل 1% من السكان تملك 40% من ثروة الأمة؛ أما الطبقة الفقيرة والتي تشكل 80% تملك 7%، وهذه الأغلبية المهمشة من العاملين بأجر يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وتستحوذ الطبقات الرأسمالية أو الشركات المتعددة الجنسيات على فائض القيمة منهم، إضافة للمهمشين من العطالة والمهمشين من الأقليات والنساء.
وفي دول الهامش أو الدول المتخلفة هناك استقطاب طبقي حاد، حيث تستحوذ أقلية على الثروة والسلطة وتعيش الأغلبية في فقر مدقع (على سبيل المثال في السودان 5% يستحوذون على 88% من الثروة).
كما أن الحديث عن مناطق مهمشة في السودان مضلل أيضاً إذ نجد في المناطق المهمشة فئات لها مصالح مع القوى الحاكمة في المركز تتكون من: الزعامات القبلية والإدارة الأهلية، وكانت مشاركة في السلطة المركزية منذ الاستقلال، وأصحاب المشاريع وملاك الثروة الحيوانية، بينما الأغلبية في المناطق المهمشة تعيش في فقر مدقع وتتكون من فقراء المزارعين والرعاة.
إذن من المهم الفرز والتحليل الطبقي في كل حالة والصراع ضد كل أشكال الاضطهاد الطبقي والإثني والقومي والعنصري والجنسي.
٢
لعب نظام الإنقاذ دوراً كبيراً في تعميق انفجار الحركات في المناطق المهمشة، نتيجة للتهميش الديني والثقافي واللغوي، كما أشرت في مؤلفي "قضايا المناطق المهمشة، الشركة العالمية 2014، الشركة العالمية ٢٠١٤"
كما أن بعض الحركات في المناطق المهمشة أو الإقليمية والجهوية التي رفعت شعار النضال ضد التهميش، والصراع بين المركز والهامش، أصبحت جزءا من المركز الحاكم كما في حركات جوبا، أما الدعم السريع فاصلا جاء تكوينه بطلب من المركز الحاكم لحماية نظام البشير، وراكم ثروات من نهب وتصدير الذهب والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وممتلكات. الناس، ومن الميزانية المفتوحة من حكومة البشير، ومن دعم دول الاتحاد الأوروبي له لمنع الهجرات اليها، ومن التجارة. الخ ، وشارك في الابادة الجماعية وقمع المواكب السلمية مثل: الابادة الجماعية في دارفور ٢٠٠٣، وهبة سبتمبر 2013، ومجزرة فض الاعتصام. الخ، بالتالي لا يعقل ان يكون ضد التهميش، ومع العلمانية والديمقراطية. كما في تحالفه في " تأسيس".
٣
بعد ثورة ديسمبر 2018 تم التوقيع على اتفاق (جوبا) مع اللجنة الأمنية، وتحولت لمحاصصات، وبعد الحرب شاركت حركات الي جانب حكومة الأمر الواقع، وجزء منها شارك في تحالف تأسيس، الخ، ولم يتم تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها لترقية مناطقها وتوفر لها خدمات: التعليم، الصحة المياه، الكهرباء، وتفجير الفائض الاقتصادي الكامن فيها لنقلها من حالة البؤس والشقاء إلى حالة معيشية واقتصادية واجتماعية أرقى. والنظرة الشاملة للتطور المتوازن للسودان ككل، والتي تتطلب الرؤية الشاملة غض النظر عن قبائلهم أو أديانهم أو ثقافاتهم. وحتى على مستوى الإقليم المعين لم يتم الأخذ في الاعتبار مصالح كل القبائل والمجموعات السكانية التي تقطن هذا الإقليم، لا استعلاء مجموعة قبلية معينة تعيد إنتاج الأزمة على مستوى الإقليم المعين، مما أدى لتجدد النزاعات ورفض الاتفاقيات الجزئية التي تحولت لمحاصصات ومناصب بعيداً عن هموم ومشاكل جماهير تلك المناطق. إضافة لمشاركة حركات جوبا والدعم السريع مع اللجنة الأمنية ومليشيات الكيزان في انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 الذي أعاد التمكين، وتراجع عن الحكم المدني الديمقراطي والوثيقة الدستورية، رغم عيوبها، مما قاد إلى الحرب اللعينة الجارية حاليا بهدف السلطة والثروة وتصفية الثورة. فكيف بعد ذلك يتم ضمان التزام الدعم السريع المرتبط بالمحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات البلاد، في قيام دولة ديمقراطية، وضمان حق تقرير المصير، كحق ديمقراطي، يتطلب حرية الارادة كما تتصور الحركة الشعبية شمال - الحلو.
٤
طبيعة السلطة الحاكمة لا يتم تحديدها على أساس اثني، ولكن تتحدد على أساس المصالح الطبقية التي تعبر عنها، فالمركز الحاكم الحالي وعلى المستوى الطبقي والسلطوي يضم فئات متباينة إثنياً، ولكن توحدها المصالح الطبقية والتي أفقرت الكادحين في كل السودان. فالاستغلال الطبقي الرأسمالي لا تتغير طبيعته سواء كان أفراد المركز من إثنية شمالية أو من دارفور أو الشرق أو جبال النوبا. الخ.
وأخيرا، القضية العاجلة هي وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع وكل المليشيات من السياسة والاقتصاد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي اوالفلسفي، وتحقيق التنمية المتوازنة، وضمان وحدة البلاد من خلال تنوعها، وحماية السيادة الوطنية.
alsirbabo@yahoo.co.uk