لماذا درنة الليبية الخاسر الأكبر في إعصار دانيال؟
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
بين مدن الشرق الليبي كبنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، تعرضت درنة لأكثر الأضرار وأسوأ الخسائر جراء العاصفة المتوسطية دانيال التي اجتاحت سواحل البلاد الأحد.
وبلغت حصيلة ضحايا الإعصار الآلاف بين قتيل ومفقود، جلهم من مدينة درنة التي أعلنتها سلطات الشرق الاثنين مدينة منكوبة، ووصف مسؤولون ليبيون الوضع فيها بالكارثي.
درنة مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شرق ليبيا يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر ويشطرها لنصفين مجرى الوادي الذي يعد من أهم معالمها.
امتلأ الوادي بمياه الأمطار التي سببها إعصار دانيال وارتفع مستواها بشكل غير مسبوق لتشكل طوفانا وضغطا هائلا على أهم سدين يحجزان المياه في الوادي فانهارا، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا والخسائر المادية.
وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد، سجلت درنة وحدها أكثر من ألفي قتيل، وفق ما أعلن أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، ومصادر طبية تحدثت للأناضول.
انهيار السدين
قال المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي إن جميع مناطق شرق ليبيا عدا بنغازي تقع بمحاذاة أو وسط الجبل الأخضر الضخم، إلا أن وقوع نصف درنة تحت مجرى الوادي هو السبب في ارتفاع حجم الأضرار المادية والبشرية في المدينة.
وذكر الدرناوي للأناضول، أن وادي درنة هو مصب لكل السيول القادمة من جنوب درنة من مناطق المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات.
بعد امتلاء وادي درنة بفعل إعصار دانيال، قال المؤرخ الليبي: انهار اثنان من السدود التي كانت الضامن الوحيد لحجز مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل فكانت الكارثة المحققة.
السدان المنهاران -وفق الدرناوي- هما سد البلاد وسيدي بومنصور اللذان يحبسان في العادة مياه السيول في الوادي.
خطر دائم
المؤرخ الليبي تحدث عما سماه التاريخ الطويل من خذلان وادي درنة لسكان المدينة.
وقال إن وادي درنة هو أشهر واد في ليبيا وأبرز معالم المدينة إلا أنه في الوقت ذاته يشكل مصدر خطر دائم على السكان لتسببه في السابق بكوارث مشابهة لما يعيشه السكان اليوم جراء إعصار دانيال.
ففي عام 1941، حدث فيضان كبير في وادي درنة وضرب المدينة وجرف من قوته دبابات وآليات حربية ألمانية إلى البحر، حسب المؤرخ الليبي.
ويضيف أن ذلك كان في أثناء الحرب العالمية الثانية، لذلك لم يتحدث أحد عن الأضرار البشرية التي وقعت آنذاك مع الجزم أنها كانت كبيرة.
أما عام 1959، فإن فيضانا كبيرا آخر حدث -كما يوضح الدرناوي- بسبب ارتفاع مستوى المياه في الوادي وأوقع قتلى ومصابين بالمئات ودمر العديد من المنازل، ومن شدة قوته حركت المياه المندفعة الصخرة الكبيرة في درنة، المعروفة بصنب الزيت، إلى مسافة كبيرة من منطقة عين البلاد حتى منطقة وسط المدينة.
ويسجل المؤرخ الليبي فيضانات أخرى بسبب وادي درنة عامي 1968-1969 لكنها لم تسجل أضرارا كبيرة وقتها، على حد قوله.
احتواء الواديوفي محاولة من السلطات المحلية لوضع حد للوادي المخيف، قال المؤرخ الليبي: بنيت السدود الحالية التي انهارت أمس الاثنين وهما سدا البلاد وبومنصور عام 1986، وبعد إنشائهما في ذلك الوقت حدث تسريب في أحد السدود عبر بالوعة التصريف ما أسفر عن حدوث فيضان آخر في وادي درنة خلّف أضرارا بشرية.
لم تنقطع الكوارث الطبيعية في وادي درنة حتى في التاريخ المعاصر وفق الدرناوي، حيث فاض الوادي عام 2011 بعد أن حاولت السلطات المحلية فتح السدود لتصريف المياه التي تراكمت وقتها بفعل الأمطار الغزيرة وكادت المدينة تغرق.
خسائر انهيار سدي وادي درنة طالت الممتلكات المادية للمدينة، ففي وقت سابق الثلاثاء قال الحسين سويدان، رئيس مصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية إن شبكة الطرق والجسور في مدينة درنة شرقي البلاد انهارت بشكل كامل جراء الإعصار، موضحا أن تكلفة إعادة إعمارها تبلغ حوالي 300 مليون دينار (نحو 67 مليون دولار).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إعصار دانیال فی الوادی
إقرأ أيضاً:
حنان رمسيس: استمرار الحرب قد يجرّ المنطقة لكارثة اقتصادية.. والذهب هو الرابح الأكبر
تسببت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران في هزة عنيفة لأسواق المال والطاقة، دفعت بأسعار النفط إلى الارتفاع الحاد، وأعادت شبح التضخم العالمي إلى الواجهة، ومع التهديد بإغلاق مضيق هرمز، تصاعدت المخاوف من نقص الإمدادات النفطية، ما انعكس فورًا على أسعار الطاقة وأربك حسابات البنوك المركزية الكبرى.
في المقابل، اتجهت أنظار المستثمرين إلى الذهب، الذي قفز إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، باعتباره ملاذًا آمنًا وسط تصاعد التوترات، وبينما تراجعت مؤشرات الأسهم وتذبذبت العملات، برز السؤال الأهم: ما هو الاستثمار الآمن في زمن الحرب؟
خبراء الاقتصاد يرون أن الحل يكمن في التنويع الذكي، عبر مزيج من الأصول الدفاعية مثل الذهب، وأسهم شركات الطاقة والتسليح، إلى جانب السيولة النقدية، لتأمين المدخرات من تقلبات قد تغير شكل الاقتصاد العالمي في أي لحظة.
قالت الخبيرة الاقتصادية، حنان رمسيس إن الأسواق المالية حاليًا تشهد حالة من الارتباك بسبب تأثير الحرب بين إسرائيل وإيران، وهو ما انعكس مباشرة على سلوك المتعاملين وتوجهاتهم الاستثمارية، فالظروف المضطربة تدفع المستثمرين إلى التفكير بعناية في خياراتهم، ما بين استثمارات عالية المخاطر وأخرى منخفضة المخاطر، وفقًا لما تسمح به قدرتهم على تحمل الخسائر.
استطردت أن الذهب يأتي في مقدمة هذه الخيارات باعتباره الملاذ الآمن الأول، وقد شهدنا خلال الأيام الماضية تحركات قوية في سعره، حيث ارتفع السعر العالمي ليصل إلى نحو 3700 دولار للأونصة، في حين لامس سعر الجرام من عيار 21 محليًا حدود 4000 جنيه، لكن عند كل مستوى تاريخي مثل هذا، تظهر سلوكيات مرتبطة بـجني الأرباح أو تعديل المراكز، خاصة مع وجود قناعة لدى بعض المتعاملين بأن استمرار الصعود قد لا يدوم، وأن هناك احتمالات بزيادة الضغوط البيعية التي قد تفقد المستثمر الفرصة المحققة.
تابعت حنان في مثل هذه الأوضاع، يلجأ البعض إلى الاحتفاظ بالنقدية بهدف إعادة الدخول في السوق عند ظهور فرص جديدة، هذا التوجه يعكس وعيًا استثماريًا متزايدًا، حيث أصبح المتعامل أكثر حرصًا على اختيار الوقت المناسب للدخول، بناءً على متابعته لتطورات الحرب وتقلبات السوق.
اضافت متابعة بطبيعة الحال، تتعدد مجالات الاستثمار، وكل متعامل يختار بحسب قدرته على تحمل المخاطرة، فمثلاً يرى بعض المستثمرين أن التداول في البورصة ما زال خيارًا مطروحًا، رغم ما تحمله هذه الفترة من تحديات ناتجة عن الحرب وخروج العديد من رؤوس الأموال، ومع انخفاض المؤشرات، تظهر فرص سانحة في بعض الأسهم، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية مثل قطاع الأغذية والمشروبات، وقطاع الأدوية والرعاية الصحية، وقطاع المواد الأساسية.
وعلى هذا الأساس، يبدأ بعض المستثمرين في تكوين مراكز شرائية بهذه القطاعات رغبة في تحقيق مكاسب سريعة. ومع ذلك، يغلب على هذا النوع من الاستثمار الطابع قصير الأجل أو ما يعرف بـ”المضاربة”، حيث يسعى المتعامل إلى شراء السهم وبيعه خلال نفس الجلسة أو خلال فترة قصيرة جدًا، دون الاحتفاظ به لفترات طويلة، خوفًا من استمرار تصاعد الأزمة الإقليمية.
اكدت رمسيس على ان المستثمرون في هذه المرحلة لا يغفلون عن احتمال التدخل الدبلوماسي الذي قد يضع حدًا للأزمة، ولكن في حال استمرار الحرب واتساعها لتشمل أطرافًا أخرى، فإن المنطقة قد تواجه سيناريو حرب شاملة، وفي هذه الحالة يكون “أسرى الحرب” بحسب تعبير البعض هم الفئة التي تربح من تجارة الخردة ومخلفات النزاعات، بينما يعاني المستثمر التقليدي من صعوبة حماية أمواله أو استثماراته وسط هذا الغموض.
ومع عدم وضوح الرؤية، يلجأ بعض المتعاملين إلى الاستثمار في الملاذات الآمنة الأخرى مثل العقود الآجلة، إلا أن هذا النوع من الاستثمار يحتاج إلى خبرة ومعرفة دقيقة، بالإضافة إلى استخدام أدوات تحليل رياضية متقدمة لتوقع الاتجاهات، وهو ما لا يتوفر لكل المستثمرين.
اشارت على الوسائل الاستثمارية المتاحة حاليًا أمام المتعاملين، تبرز صناديق الاستثمار سواء المرتبطة بالأوراق المالية أو المتخصصة في الذهب والمعادن الثمينة، إلى جانب الاستثمار المباشر في الذهب أو الفضة، والمضاربة السريعة في أسهم البورصات، كما يحدث في السوق المصرية، حيث تمثل المضاربات فرصة لتحقيق مكاسب للبعض، رغم أنها قد تؤدي إلى خسائر لآخرين.
انهت حديثها قائلة في النهاية، تبقى قرارات المستثمر مرهونة بشخصيته ومدى قدرته على تحمل المخاطرة، في وقت لم يعد فيه السوق يتحرك وفق مؤشرات مالية فقط، بل بات مرهونًا بالتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة التي قد تغير المشهد في أي لحظة.