منتزه توبقال الوطني.. ما فعل بك الزلزال؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
المغرب – بذهول وصدمة يتفقد المباني المدمرة بفعل الزلزال الذي ضرب المغرب مساء الجمعة الموافق للثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، مخلفا قرابة 3 آلاف قتيل وأكثر من 5500 جريح، بحسب آخر إحصائية لوزارة الداخلية المغربية.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الشاب سعيد، الذي يعمل في مجال الفندقة، "كم من الضيوف مروا من هنا؟ّ جهد سنوات طويلة وشاقة من البناء والعمل تهاوى سريعا، علاوة على الأشياء الثمينة التي دفنت تحت التراب".
منتزه توبقال الوطني (جنوب مدينة مراكش) قبلة عشاق الجبال بالمغرب، حيث توجد أعلى قمة جبلية في شمالي أفريقيا، لم يسلم من الدمار الذي سببه الزلزال، فنالت المنازل والفنادق ودور الضيافة نصيبا ثقيلا من الأضرار والهدم.
وصلت الجزيرة نت إلى قرية ويركان، إحدى أجمل الوجهات التي يقصدها رواد السياحة الجبلية في منتزه توبقال، وعكس ما هو متوقع لم يميز الزلزال بين بناء من تراب أو آخر إسمنتي، كل شيء قُلب رأسا على عقب حتى شاطئ بحيرة بين الجبال، في وقت احتمى فيه سكان القرية بالخيام.
يقول سعيد "كُل شيء دُمِّر حتى المباني التي تبدو سليمة مُرشحة للسقوط في أي لحظة".
وفوق ركام بناية كانت تطل واجهتها على البحيرة، التقينا رجلا بدا على وجهه انكسار يعكس قهرا دفن في قلبه وهو يرفع الحجارة، ويقلبها في محاولة للعثور على أقربائه الذين قضوا تحت الأنقاض.
وبعد التقدم في السير لأمتار قليلة، طلب منا الشاب سعيد التوقف قائلا "انظروا، هذا المكان يتضمن رياضا تقليديا وتراثيا فريدا كان يستقبل السياح، فأصبح اليوم أثرا بعد عين".
وفي القرية ذاتها تتربع دار ضيافة شهيرة على علو مرتفع بواجهة بانورامية بديعة وديكور معماري عريق لم تطمس تفاصيله هزة الزلزال، رغم الأضرار التي لحقت بمرافقه.
يقول صاحب الدار محمد مومو للجزيرة نت "لم نعش القليل في هذه الدار التي أنشئت منذ أكثر من 20 عاما، حيث شهدت هذه الجدران الكثير من الذكريات واللحظات الدافئة، والعلاقات المتينة بين مختلف زوار القرية، سواء من المغاربة أو النزلاء الأجانب".
ويضيف مومو "ما بلغنا من رسائل تضامن مواساة خففت عنا هول الفاجعة"، مشيرا إلى أن عددا من السياح عبّروا عن استعدادهم للعودة بعد الزلزال مباشرة، وتقديم المساعدات للقرية التي تعلقوا بها وأصبحت بمثابة بيتهم.
"كنز ذكرياتنا"، بهذه الكلمات عبّرت أنجيلا من أستراليا عن حزنها لما حصل بدار الضيافة وقرية ويركان جراء الزلزال، وقالت في منشور عبر صفحتها على منصة فيسبوك "البيت الجميل الذي بقينا فيه عندما زرنا جبال الأطلس لم يعد موجودا للأسف وتحوّل إلى أنقاض وركام".
أما الفرنسية جولي فأعلنت تنظيم حملة تبرعات لصالح دار الضيافة من أجل مساعدتها ماديا لتجاوز المأساة، وقالت "يجب أن نساهم في إعادة البناء من أجل العودة مجددا للمكان الذي لا نملك إلا أن نحبه، كلما زاد عددنا كنا أقوى في دعم هذه القضية".
وليس الأجانب وحدهم من تعلّق بمنتزه توبقال الوطني، فالعلاقة بين المكان والمغامرين المغاربة متجذرة، يعبر عن هذا الارتباط الوحيد مصطفى العروسي أحد هواة تسلق الجبال قائلا "المنتزه هو مُتنفّس رئتنا"، ويضيف للجزيرة نت "وأنا أتابع ما حل بتلك المناطق شعرت وكأن بيتي هو الذي تدمر، إذ تجمعنا بتوبقال ذكريات وقصص دافئة لا تنسى، إضافة إلى روابط عائلية متينة مع أهل المنطقة الكرماء".
ويعرب العروسي ابن مدينة الدار البيضاء الذي يمارس رياضة تسلق الجبال في المنتزه منذ عام 2003، عن أمله في عودة المنطقة إلى أفضل مما كانت عليه، ويضيف "سنعود إلى هناك لممارسة أنشطتنا المعتادة لا شك في ذلك".
بدورها تؤكد إيمان بركميش من مدينة طنجة (شمالي البلاد) على عدم وجود أي مشاكل تمنعها من العودة إلى جبل توبقال بعد الزلزال.
تقول بركميش للجزيرة نت "المغامرات الجبلية هواية لا يمكن التخلي عنها، وتلك المناطق تربطني بها علاقة قوية، فسكانها أهل كرم وضيافة ويعطون من دون مقابل، ولا يجدر بنا أن نتخلى عنهم في هذا الظرف الصعب".
وبعد كيلومترات قليلة متجاوزين المنحدرات بين ويركان وإمليل، مررنا بالمتحف البيئي لمنتزه توبقال الوطني الذي يعد من أبرز الوجهات السياحية للمهتمين باكتشاف بيئة وجغرافية جبال الأطلس ومكوناتها البيولوجية في المنطقة.
لم يكشف المظهر الخارجي للمتحف مدى الضرر الذي لحق به، ليوضح مصدر مسؤول عن رعايته -للجزيرة نت- أن الأشياء المعروضة داخل المتحف لم تتضرر بشكل كبير، غير أن السقف والجدران تعرضا لدمار كبير.
ويؤكد أن المتحف بحاجة إلى عناية فائقة خلال عمليات الترميم التي تحتاج إلى وقت طويل قبل فتحه من جديد أمام حركة الزوار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
خبراء اقتصاديون للجزيرة نت: هذه أبعاد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا
دمشق- أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا في خطوة تاريخية "لمنحها فرصة" وذلك في كلمة له بمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض.
ويأتي الإعلان بالتزامن مع تحسّن كبير في قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، حيث سجلت مساء اليوم الثلاثاء ارتفاعا ملحوظا لتبلغ 8400 ليرة مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ11 ألف ليرة يوم أمس، محققة نسبة ارتفاع بنحو 23%.
ورحب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بتصريحات الرئيس الأميركي بشأن رفع العقوبات عن سوريا، ووصف القرار بأنه نقطة تحول محورية للشعب السوري، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا).
ونقلت سانا عن الشيباني قوله إن ترامب قدم للشعب السوري أكثر من أسلافه الذين سمحوا لمجرمي الحرب بتجاوز الخطوط الحمراء، وشدد على أن الرئيس ترامب يمكنه تحقيق اتفاق سلام تاريخي ونصر حقيقي للمصالح الأميركية في سوريا.
وفي هذا التقرير تستعرض الجزيرة نت آراء خبراء اقتصاديين بشأن هذا القرار وأبعاده وآثاره المتوقعة على الاقتصاد ومستوى معيشة السوريين.
أبعاد رفع العقوباتيقول الخبير الاقتصادي زياد عربش إن قرار الرئيس الأميركي رفع العقوبات عن سوريا "حدث تاريخي"، بالنظر إلى "كل ما عاناه السوريون في الماضي، وحجم الآمال المرتفعة لديهم بالمستقبل".
ويشير -في تعليق للجزيرة نت- إلى أن نتائج إعلان ترامب يمكن لمسها بعد أن تحسّنت قيمة الليرة السورية بتداولات اليوم وبنسبة 40%.
إعلانويؤكد عربش أن الأثر النفسي لإعلان ترامب بدا واضحا على الاقتصاد السوري، متوقعا أن يدخل الاقتصاد اليوم للمرة الأولى منذ عقود بمنحى "الاندماج بالاقتصاد العالمي"، لا سيما إذا لحق الاتحاد الأوروبي، كما هو متوقع، بمسار الولايات المتحدة الأميركية ورفع العقوبات عن قطاعات أخرى ومجالات جديدة مقارنة بالرفع الحالي لعقوباته الممتد لعام واحد فقط.
ويرى أن قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ستكون له أبعاد عديدة، أبرزها:
أولا: يعطي إشارات إيجابية للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، خاصة بعد النتائج الإيجابية لزيارة الوفد السوري لأميركا وعودة العمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ثانيا: إمكانيات حقيقية لمساعدة دول عديدة لسوريا، فعلى سبيل المثال، سعت السعودية وقطر وتركيا في الأشهر الأخيرة لمؤازرة الاقتصاد السوري بجهود حثيثة، والآن أصبح من السهل زيادة أوجه التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، بما يعيد اقتصاد سوريا إلى الاندماج الإقليمي والولوج إلى الأسواق العالمية. ثالثا: من المتوقع أن يستفيد الإقليم ككل في حال شمل الرفع قطاعات خدمية أساسية تساهم في إعادة تأهيل البنى التحتية في البلاد. رابعا: في حال تم تعليق العقوبات عن قطاعات التكنولوجيا والتقانة، فإن مجمل قطاعات الاقتصاد ستنهض، خاصة وأن العقوبات كانت تشمل كل من يتعامل مع الحكومة السورية، حتى ولو كان ينتمي للدول الغربية. خامسا: فتح المجال أمام عقد ملتقيات استثمارية عربية ودولية، بما في ذلك مع تركيا، إلى جانب إمكانية إنشاء شركات تعمل على تلبية احتياجات السوق السورية، وفي الوقت ذاته تستهدف التصدير إلى الأسواق الخارجية، مما يعزز من موقع الليرة السورية ويقوي مكانتها. بيئة جاذبة للاستثماراتيرى الخبير الاقتصادي السوري يونس كريم أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يمنح هامشا أوسع لحركة الدول الإقليمية تجاهها، ويتيح لكل من السعودية وقطر، أبرز داعمي الإدارة السورية الجديدة إقليميا، التحرك استثماريا داخل البلد، ودعم مؤسسات الدولة وتمويل الرواتب، في ظل تعهدات قطرية سابقة بهذا الخصوص، وتشجيع سعودي مباشر للمستثمرين على المساهمة في إعادة الإعمار.
إعلانوفي سياق الآثار المرتقبة للقرار، يضيف كريم في حديث للجزيرة نت أن رفع العقوبات، خاصة عن البنك المركزي السوري، يؤدي إلى تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، وتمكين السوريين في الخارج من دعم الاقتصاد الوطني بشكل أكثر فاعلية، كما يمهّد لإطلاق سياسة عامة للانفتاح السياسي الداخلي، وتحقيق قدر من الاستقرار يشجّع على جذب الاستثمارات.
وعلى المدى المتوسط، يرى كريم أن القرار قد يفتح الباب أمام "التركيز على الشفافية والحوكمة، ومن الممكن أيضا أن يعيد القرار رسم النشاط الاقتصادي والفلسفة الاقتصادية في البلاد، وإجراء انتخابات مصغرة في المناطق والأرياف والمدن للمجالس المحلية، مما يسمح بتشكيل صيغة جاذبة للاستثمارات طويلة الأجل".
ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يتم التوصل إلى تفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لتطوير البنية التحتية، خاصة في القطاعات النفطية والطرقية.
تفعيل الرقابة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي عبد المنعم الحلبي أنه لا بد للحكومة السورية، في المستقبل القريب، من تفعيل عدد من الآليات لتحقيق أثر إيجابي وفعلي لهذا القرار على حياة ومستوى معيشة السوريين.
وأشار إلى أن هذه الآليات تشمل:
تفعيل الرقابة الحكومية على أسعار السلع والخدمات بما يتناسب مع القيمة الإسمية لليرة السورية، وبما ينعكس إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنين. خفض استيراد البضائع المنافسة للمنتجات الوطنية، لدعم عجلة الإنتاج المحلي وتحقيق نمو اقتصادي متوازن يتوافق مع السيولة المتوفرة، مما يُسهم في تأسيس توازن اقتصادي مستدام قائم على مؤشرات حقيقية. تحديث البنية التحتية للجهاز المصرفي والاعتماد على التحوّل الرقمي، لتقليل الاعتماد على الكاش (التعامل النقدي). تعزيز استخدام الليرة السورية في تأدية وظائفها التقليدية وتخفيض مستوى الدولرة. تقديم حوافز استثمارية عامة ومتوازنة، تشمل مزايا ضريبية وتسهيلات ائتمانية. تعزيز اللامركزية الإدارية والمالية، لتمكين المدن والمناطق المختلفة من المساهمة الفعلية في اتخاذ القرارات التنموية، مع التركيز على المناطق الأكثر تضررا من الحرب. توسيع نطاق المشاركة المحلية في التنمية يسهم أيضا في تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين، من خلال تحسين الخدمات وفرص العمل في مناطقهم الأصلية. إعلانويختتم الحلبي حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى أنه يتوجب كذلك على الحكومة السورية وضع خطة خمسية ذات أهداف واضحة ومؤشرات قابلة للقياس والتقييم في مختلف قطاعات الاقتصاد المحلي.
العقوبات الأميركية
وقد بدأت العقوبات الأميركية على سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكنها تصاعدت بشكل كبير بعد عام 2003، وبلغت ذروتها بعد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، واستخدمتها واشنطن أداة للضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري السابق.
ومع اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، فرضت الولايات المتحدة حزما متتالية من العقوبات، استهدفت بشكل خاص شخصيات في النظام السوري السابق، بمن فيهم الرئيس المخلوع بشار الأسد وأفراد من أسرته، إضافة إلى كيانات حكومية مثل البنك المركزي السوري، ووزارتي الدفاع والداخلية، والمؤسسات العسكرية والأمنية، فضلا عن القطاع النفطي عبر حظر تصدير النفط السوري واستيراده، وعرقلة الاستثمارات الأجنبية في الطاقة والمصارف وشركات التحويل المالي، مما أدى إلى عزل سوريا عن النظام المالي الدولي.
وكان قانون قيصر، الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على سوريا في يونيو/تموز 2020، الأشد تأثيرا على الاقتصاد، وأدى إلى انهيار كبير في سعر صرف الليرة حينها، وتضمنت تداعياته معاقبة أي جهة أو شخص، سواء داخل سوريا أو خارجها، يقدّم دعما ماديا أو تقنيا أو ماليا للحكومة السورية، وكان هدفه الأساسي الضغط لمنع أي جهود لإعادة تغذية النظام أو تمويل إعادة الإعمار من دون حل سياسي.