يمانيون – متابعات
تكتسي محافظة البيضاء ريف وحضر باللون الاخضر نهاراً وليلاً يشع الضوء من على منارات الجوامع والمنشآت والمنازل ابتهاجا بذكرى المولد النبوي الشريف.

ومع قدوم المولد النبوي الشريف تشهد محافظة البيضاء حراكاً واسعاً من خلال الاحتفالات وإقامة الفعاليات المتنوعة وإبراز مظاهر الابتهاج بذكرى المولد النبوي على صاحبهاً أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وبمجرد قدوم شهر ربيع الأول تكتسي المدن، والأحياء والشوارع حلة جديدة باللون الأخضر وتتزين المباني الحكومية بالإعلام الخضراء واللوحات الضوئية التي تعكس الاستعداد لإحياء ذكرى مولد سيد البشرية وهادي الأمة.

فيما تعتلي الأعلام الخضراء واللوحات الضوئية، أسطح منازل المواطنين والمحال التجارية تأكيداً على عظمة المناسبة لدى أبناء المحافظة ومدى ارتباطهم بالرسول الأكرم.

وتشهد محافظة البيضاء فعاليات وأنشطة وأمسيات وندوات ثقافية، في مركز المحافظة والمديريات، إحياء لهذه المناسبة الدينية في مشهد تسوده المبادرة والمشاركة والتفاعل الكبير لمختلف فئات ومكونات المجتمع .

وعلى المستوى الشعبي تقام بشكل يومي في مختلف مناطق المحافظة فعاليات وأمسيات وندوات ابتهاجاً بقدوم مولد الحبيب المصطفى الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور.

كما شهدت مختلف مدارس المحافظة الفعاليات والإذاعات المدرسية للتعريف بالسيرة النبوية للرسول الأعظم بهدف غرس أخلاقه وقيمه في نفوس الأجيال.

وعلى الجانب الرسمي سبق عقد لقاءات واجتماعات لقيادة المحافظة والمكاتب التنفيذية ومشايخ ووجهاء المحافظة لمناقشة خطة الاحتفال المركزي وإقامة الفعاليات والأنشطة على مستوى مركز المحافظة والمديريات ووضع الترتيبات اللازمة بما يليق بعظمة هذه المناسبة.

وتتجلّى مظاهر الهوية الدينية وملامح العشق المحمدي في التجهيزات المبكرة وما تتضمنه اللقاءات التحضيرية والفعاليات والندوات والمشاركة الواسعة في تزيين مباني المنشآت والشوارع والمساجد والمنازل بأضواء البهجة .

يرافق مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة الدينية برامج توعوية ولقاءات مركزية ومحلية للحشد لأنشطة وفعاليات المناسبة ونزول لجان ميدانية وتثقيف وحشد لإنجاح الفعاليات التي بدأ تنظيمها منذ مطلع شهر صفر الماضي بما يليق بمكانة ومقام نبي الأمة.

وتتميز أنشطة الاحتفال بذكرى مولد رسول الله بمظاهر متنوعة في مختلف المديريات وتتضمن أناشيد وقصائد في حب النبي خلال الأمسيات والفعاليات الاحتفالية وحلقات الذكر بالمساجد وترديد موشحات للتذكير بسيرته العطرة في المجالس العامة.

ويشكل القطاع التربوي، أنموذجا في الفعاليات والأنشطة والإذاعات، المكرسة لهذه المناسبة بهدف غرس القيم والأخلاق العظيمة التي جاء بها رسول الله في نفوس الأجيال.

وعبر محافظ البيضاء عبدالله إدريس، عن افتخار واعتزاز الشعب اليمني بإقامة الفعاليات والأنشطة الاحتفالية بحلول مولد الرسول الأكرم الذي، يعد امتدادا لنصرة اليمنيين للرسول صلوات الله عليه وآله وسلم وارتباطهم الوثيق بنبي الأمة ونشر الدعوة في أصقاع المعمورة.

وأوضح أنه يحق للشعب اليمني مواصلة دوره المشرف منذ فجر الدعوة الإسلامية في الاحتفال بمولد الرسول، ما يجسد أصالة الأنصار من أبناء اليمن الذين كانوا من أوائل من آمن ودخل الإسلام وناصر وآوى الرسول محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم.

وأشار المحافظ إدريس إلى ما تنفذه المكاتب الرسمية، من فعاليات وندوات ولقاءات بالتزامن مع فعاليات مجتمعية تعبر عن أهمية المناسبة واحتفاء أبناء البيضاء بها.

وأكد تنامي الوعي المجتمعي في الاحتفاء بالمولد النبوي .. مبيناً أن محافظة البيضاء تتصدر المشهد في هذه الاحتفالية منذ القدم.

وقال ” تواجد الجماعات المتطرفة والعناصر التكفيرية، عملت على تحريم ومنع إقامة الاحتفال بهذه المناسبة في مناطق المديريات قبل تطهيرها ونشر الثقافات المغلوطة حول بدعة الاحتفال في محاولات لفصل الأمة عن نبيها”.

وتطرق إلى تفاعل عموم مديريات المحافظة وكذا المديريات المحررة من العناصر التكفيرية ومشاركة ابنائها في فعاليات وأنشطة المولد النبوي.

واعتبر الاحتفاء بهذه المناسبة شرفاً كبيراً لليمنيين ونعمة من نعم الله على أحفاد الأنصار خاصة والشعب اليمني يخوض معركة مصيرية مع طغاة العصر أمريكا وإسرائيل وعملائهم.

من جانبه أشاد نائب وزير الإدارة المحلية الدكتور قاسم الحمران، بالتفاعل الرسمي والشعبي لأبناء البيضاء في إحياء ذكرى المولد النبوي، ما يؤكد وعيهم بهذه المناسبة.

وأفاد بأن هذه الذكرى تعكس ارتباط اليمنيين بالرسول الأعظم الذي جاء متمماً لمكارم الأخلاق .. لافتا إلى أن إحياء هذه المناسبة الدينية ليست بدعة كما تُروج لها الأنظمة العميلة، إنما رسالة للأمة للنهوض بواقعها والسير على منهج المصطفى صلوات الله عليه وآله.

ولفت الحمران إلى حاجة الأمة العودة الصادقة إلى الله والرسول الكريم واستلهام الدروس والعبر من سيرته العطرة في تعزيز التلاحم والاصطفاف والتكافل الاجتماعي.

واستعرض الحمران ما تم إنجازه للاحتفال بهذه المناسبة من خلال النزول الميداني للمديريات وتشكيل لجان الحشد للفعالية المركزية بالتزامن مع إقامة أنشطة متنوعة.

بدوره أشار قائد كتائب الوهبي اللواء بكيل صالح بن صالح الوهبي، إلى معاني ودلالات الاحتفاء بالمولد النبوي، والرسائل المهمة التي تحملها الفعاليات الاحتفالية لمواجهة مؤامرات الأعداء الذين يحاولون إبعاد الامة عن نبيها الكريم.

وعدّ الاحتفال بالمولد النبوي رسالة لأعداء الأمة بمضي اليمنيين على هدي رسول الله، والتأسي بأخلاقه وصفاته .. داعيا أبناء المحافظة إلى الحضور المشرف في الفعالية المركزية بما يليق بعظمة ومكانة صاحبها صلوات الله عليه وآله وسلم.

من جهته اعتبر مدير مديرية مدينة البيضاء أحمد الرصاص، تنظيم وإقامة الأنشطة وفعاليات المولد، فرصة للتعرف على سيرة النبي وربط الأجيال والنشء بحب نبيهم في ظل المحاولات الغربية مسخ الشباب وإبعادهم عن الإسلام والقرآن.

في حين أكد مدير مديرية ناطع مروان الرقابي حرص أبناء المديرية على الحضور والمشاركة في فعاليات المولد وكذا في الفعالية المركزية.

من جهته ذكر مدير مديرية مكيراس ياسر جحلان أن الاستعدادات لهذه المناسبة مكثفة، فضلاً عن تنفيذ فعاليات وأنشطة تسبق الاحتفالية الكبرى.

وقال “من النعم التي من الله بها على الشعب اليمني تعزيز ارتباطه الديني بالله والرسول، خصوصا واليمن تخوض معركة مواجهة مع طغاة العصر المتمثلين في أمريكا وإسرائيل”.

وأشاد جحلان بالدور الرسمي والشعبي وتفاعل أبناء المحافظة اللافت لإحياء ذكرى المولد النبوي التي تمثل فرصة للتعرف على سيرة النبي وربط الأجيال الناشئة بنبيهم.

من جانبه دعا مدير مديرية نعمان علي العواضي إلى الاستفادة من هذه المناسبة في تعزيز التلاحم ووحدة الجبهة الداخلية والتأخي والتراحم وترجمة هذه المناسبة على الواقع المعيشي لليمنيين والتأسي بأخلاق الرسول الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

مدير مدينة رداع أحمد العكام، عبر عن سعادته بتنافس اليمنيين في الإعداد والتهيئة لإحياء مولد الرسول الأعظم، من خلال إعداد العدة لإعطاء هذه المناسبة حقها من التعظيم والتبجيل.

إلى ذلك أكد مدير مديرية ردمان ماهر العواضي حاجة الأمة العودة الصادقة إلى الله والرسول الكريم واستلهام الدروس والعبر من سيرته العطرة في تعزيز التلاحم والاصطفاف والتكافل الاجتماعي وأعمال البر والإحسان.

السياسية/ عبدالله طالب

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: محافظة البیضاء المولد النبوی بهذه المناسبة هذه المناسبة مدیر مدیریة

إقرأ أيضاً:

عيون الأمة الحارسة والمرابطة.. مشاتل التغيير (20)

وأصل حراسة الأمة والدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مثل قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرا لَّهُم مِّنْهُمُ الْـمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران: 110)، وقوله: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ" (آل عمران: 104). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فِرْقَة من الأمَّة متصدية لهذا الشأن (وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه)".. وأكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويجب على أولي الأمر -وهم: علماء كل طائفة، وأمراؤها، ومشايخها- أن يقوموا على عامتهم، ويأمروهم بالمعروف، وينهوهم عن المنكر؛ فيأمرونهم بما أمر الله به ورسوله".

والتدافع سنة ماضية، بحيث يُوجد في مسيرته وحماية للحق "حُماته الذين يدافعون عنه، كما قال الله تعالى: "وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْـحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" (الأعراف: ١٨١). قال الشيخ السعدي: "أي: ومن جملة مَن خلقنا أمة فاضلة كاملة في نفسها، مكمِّلة لغيرها، يهدون أنفسهم وغيرهم بالحق، فيعلمون الحق ويعملون به، ويعلِّمونه، ويدعون إليه وإلى العمل به".

وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم "وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله"، فالمقصود من المرابطة ملازمة الثغر بهدف التأمين والحراسة، وترك ما يشغل عن ذلك. وقال سيدنا عثمان على المنبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من ألف عام فيما سواه من المنازل"..

وتعد الحراسة في سبيل الله من أعظم مراتب الجهاد؛ يقول الإمام ابن النحاس: "اعلم أن الحراسة في سبيل الله من أعظم القربات، وأعلى الطاعات، وهي أفضل أنواع الرباط، وكل من حرس المسلمين في موضع يخشى عليهم فيه من العدو فهو مرابط"، ومنه الرباط والمدافعة لكل تحديات تواجه عالم المسلمين وما يلزم في ذلك من الحراسة والرباط لكل ما يفضي إلى تأمينهم وأمانهم.

والرباطُ لزوم للمحلِ الذي يُخَافُ وصولُ العدو منه، ومراقبتهم ومنعهم من الوصول إلى مقاصدهم ويسمى المرابطة.. ولكل زمان رباط ولكل مسلم وجماعة ومؤسسة رباطها؛ والمرابطة في هذا الزمان صار لها أكثر من موقع، وأكثر من تخصص، وأعلاها الإقامةُ في الثغور، وهي الأماكنُ التي في الحدودِ والأطرافِ التي يخافُ المسلمونَ أن يدخل منها أعداءُ الإسلامِ إلى بلادِ المسلمينَ. والمرابطُ هو: المقيمُ فيها المعدُّ نفسَهُ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، والدفاعِ عن دينِهِ ووطنه.

وفي لطيفة ذكرها الإمام المناوي في "فيض القدير"، قال: "سوّى بين العين الباكية والحارسة؛ لاستوائهما في سهر الليل لله، فالباكية بكت في جوف الليل خوفا لله، والحارسة سهرت خوفا على دين الله"، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" "آل عمران: 200".

من أهم العناصر التي يمكن أن يؤسس عليها العالم الإسلامي أفكاره الأساسية وممارساته التطبيقية؛ فكرتان أساسيتان تشكلان ركنا مهما في رؤية التأسيس الكلية التي تؤكد على إمكانات الرقي والنهوض للعالم الإسلامي؛ أولهما العقيدة الدافعة، كنقطة انطلاق محورية تمكن أصل الوحدة على قاعدة من قيمة التوحيد، توحيد الفكرة، وتوحيد العمل، وتوحيد القدرات؛ إنها العقيدة الدافعة التي تمثل عروة وثقى لا انفصام لها.

ثانيهما فكرة الأمة الجامعة، كتمثيل لمقصد الوحدة الإسلامية والتأكيد على الوقوف في وجه التحديات التي تشكل فرقة هذه الأمة وتجزئتها من خلال فكر وعمل استراتيجي يقوم على قاعدة مواجهة تحديات الفرقة، وكذلك العقبات المتعلقة بالتجزئة؛ إن فكرة الجامعية والتكاملية إنما تشكل حقيقة هذه الأمة الجامعة في سياق هدف الاعتصام، "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103).

هاتان الفكرتان؛ العقيدة الدافعة والأمة الجامعة، إنما تشكلان في حقيقة الأمر قاعدتين لفاعلية حضارية تتشكل من خماسية تؤكد ليس فقط على العقيدة الدافعة، ولكنها تشكل هذه العقيدة ضمن رؤية عالمية إسلامية تؤسس لقيم ومسالك أساسية تهدف إلى تحقيق علاقات العدل الشامل، والبناء الهادف للإنماء والعمران، كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عقل استراتيجي للأمة يحمل هذه العقيدة الدافعة، والعدل الشامل كقيمة فاعلة، والعالمية كإسهام حقيقي في رؤية إنسانية تعارفية منفتحة. هذه الرباعية التي يحملها هذا العقل الاستراتيجي إنما تمثل مواجهة لكل تتعرض له هذه الأمة من تحديات وعقبات، ضمن هذه الكليات الأساسية، وهذه العيون الخمس الممثلة لعناصر رؤية كلية "عقيدة، عالمية، عمران، عدل، عقل" (كلها تبدأ بحرف العين)؛ إنما تشكل أهم عناصر في صياغة تلك الرؤية الدافعة ضمن مرجعيتها التأسيسية المتمثلة في الرؤية العقيدية والجامعة ضمن أمة واحدة تهدف إلى التعاون والتكامل.

فإذا كانت تلك العيون الخمس التي تشكل عناصر مهمة ضمن هذه الرؤية التأسيسية فإنها في حقيقة الأمر تفضي إلى عيون خمس أخرى تنظم بين هذه العناصر والأركان، فتؤكد على ذلك العهد التوحيدي الجامع، والعقد التبادلي الشامل، والعمق الاستراتيجي الممتد، والعلاقات التكاملية والتعارفية بين كيانات الأمة المختلفة، لتحقيق الاستفادة والاستثمار من كل تلك الأركان والعناصر ضمن علاقات تعاونية استراتيجية تهدف إلى التكامل والتنسيق والقدرة على تمثيل مصالح الأمة وأهدافها الكبرى، وهي من خلال هذه العيون الخمس الناظمة، عهد، عقد، عمق، علاقات، عون، إنما تشكل في حقيقة الأمر ميثاق هذه العلاقات ضمن رؤية استراتيجية راشدة فاعلة، قادرة على أن تحقق كل ما يتعلق بنفع هذه الأمة ومصالحها.

هذه العيون الخمس التي تمثل الأركان والعيون الخمس التي تشكل نظما للعلاقات فيما بينها تتطلب ثلاث عيون أخرى تحقق المعنى والمغزى في وحدة الأمة الإسلامية؛ إن هذه الوحدة لا بد وأن تستند إلى تضافر ثلاثية الأداء، والأدوات معا، بحيث تشكل في الحقيقة مسارات تترجم تلك الأركان والنواظم إلى حركة فعلية شعارها ذلك المثلث المهم؛ "علم وعمل وعدة"؛ إنها تشير في حقيقة الأمر إلى الامتثال للقوانين والسنن الماضية والفاعلة، وليس لهذه الوحدة إلا أن تقوم على علم بصير، وعمل سديد، وعودة كافية. إنه الاستثمار الذي يؤكد على الخطط العلمية، والعمل التنفيذي يرفعه، والعدة تحقق هذا العلم والعمل ضمن سياقات تجعل من الأدوات والوسائل والآليات عملا مهما يترجم الأداء من خلال شروط الفاعلية والأدوات؛ من خلال استثمارها بالكفاية والكفاءات اللازمة، إن الإرادة في النهاية إنما تشكل علم وعمل، والإدارة إعداد وعدة، "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة" (التوبة: 46).

إن هذه الروابط والوشائج بين الأركان الخمسة ونواظم العلاقات الخمس، والثلاثية التي تتعلق بالأداء والأدوات والآليات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد صداها، ولا أصول الفاعلية وسننها، إلا من خلال رباعية من المؤسسات نقترحها في هذا المجال، أو تقوم على دعم مؤسسات قائمة تحرص على فاعليتها وتوفير تلك الشروط لأداء وظائفها، وتحقيق إنجازاتها؛ مؤسسة عدل، ومؤسسة علم، ومؤسسة عقل استراتيجي، ومؤسسة عمران، هذه المؤسسات التي تشير إلى مربع العيون تلك إنما تتمثل في حقيقة الأمر بضرورة بناء مصفوفة من المؤسسات تعكس وحدة الأمة الإسلامية، وتؤكد على معنى جامعيتها؛ ذلك أن تلك الوحدة والجامعية، والمؤسسية، إنما تشكل بحق عنوان الفاعلية.

وفي هذا المقام علينا أن نتحدث عن مربع المؤسسات تلك ضمن مؤسسات مهمة تضمن لهذه الأمة جامعيتها وفاعليتها معا، فتشكل أولاها مؤسسة عدلية، تتمثل في محاكم مهمة تشكل في حقيقة الأمر المعنى الذي يتعلق بهذا التكامل بين هذه الأمة؛ ضمن ما يمكن تأسيسه أو إقامته حول مشروعين مهمين؛ محكمة عدل إسلامية، ومحكمة إسلامية لحقوق الإنسان. تلك المؤسسات الضامنة لكرامة الإنسان المسلم هي عنوان لهذه الأمة وجامعيتها، ذلك أن الإنسان المسلم هو الوحدة الأساسية لتشييد هذا الكيان الذي يحقق معنى الحقوق للإنسان، ومعنى العدل بين الجماعات والتكوينات في الأمة الإسلامية.

ولعل ذلك الاجتهاد الذي طرح مبكرا في سياق فكرة الجامعة الإسلامية، أو تلك الفكرة التي أشار إليها مالك بن نبي حول "كومنولث إسلامي"، أو الفكرة التي أكد عليها الدكتور عبدالرازق السنهوري "عصبة أمم شرقية"؛ إنما تشكل في جوهرها ضمن هذه التمثلات والمؤسسات التي يجب أن تنشأ للحفاظ على الإنسان، وعلى علاقات العدل الفاعلة بين أجزاء هذه الأمة ومكوناتها.

المؤسسة الثانية، مؤسسة علمائية، هذه المؤسسة تشكل كيانا افتائيا إسلاميا يحفز جامعية هذه الأمة، ويؤكد عليها باعتبارها من ضرورات وواجبات الوقت، هذه المؤسسة الافتائية الإسلامية تنهض بفتاوى الأمة، والفتاوى الاستراتيجية، وكذا الفتاوى الحضارية التي تنهض بالأمة وترتقي بمقدراتها، وكذلك فإنها تقدم فتاوى رصينة وبصيرة تحرك التدبير، وتصنع المستقبل، هذه المؤسسة الافتائية إنما تتحرك على قاعدة تستلهم فيها كليات الدين الإسلامي الفاعلة التي تؤسس لحركة راشدة وسديدة، وبصيرة استراتيجية، واعية، ومديدة.

أما المؤسسة الثالثة فإنها تترافق مع هذه المؤسسة الإفتائية العلمائية، ولكنها تمثل في حقيقة الأمر عقلا استراتيجيا للأمة، تنهض بالأدوار والوظائف الفاعلة لمواجهة التحديات الحضارية المحيطة بالأمة وصناعة قنوات ومسالك الوحدة الإسلامية وجامعية الأمة؛ هذا العقل الاستراتيجي بما يمثله من خمائر يشكل في حقيقة الأمر بناء رؤية استراتيجية لمواجهة واقع التحديات، واستراتيجيات للعمل في مواجهة الأزمات، وكذلك تشييد جامعات حضارية، ومراكز بحوث استراتيجية، ومستودعات تفكير مستقبلية، تمثل أصولا مهمة في التفكير والتدبير والتسيير والتغيير والفاعلية والتأثير، وهي بذلك تمثل الشبكة العصبية والفكرية والثقافية والتربوية في هذه الأمة بما تستلزمه من وعي رشيد، وسعي سديد.

أما المؤسسة الرابعة؛ فهي المؤسسة العمرانية، تلك التي تقوم على صياغة العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية، الثقافية والفكرية والحضارية، وكذلك ما يمكن تسميته العلاقات الإسلامية الإسلامية من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يعني القيام بصياغة استراتيجيات تنموية وتكاملية على حد سواء، إن نمو الدول الإسلامية جميعا ضمن رؤية تكاملية ليحقق ويترجم للهدف المطلوب في الوحدة الإسلامية وفاعلية جامعية الأمة.

هكذا يمكن أن تتحقق عناصر الفاعلية تلك من خلال هذه المؤسسات التي تنهض على أركان خمسة: عقيدة دافعة رافعة، عالمية إسلامية، عدل شامل، عمران إنمائي، وعقل استراتيجي، استنادا إلى عهد تأسيسي وعقد تبادلي وعمق استراتيجي وحضاري وعلاقات تنسيقية وتكاملية، وعون يحقق الهدف في الجامعية والفاعلية، متوسلا مسالك العلم النافع، والعمل الصالح، والعدة الكافية، كل ذلك إنما يشكل في حقيقة الأمر أصولا لتلك الفاعلية الأساسية في وحدة الأمة الإسلامية.

هذه المصفوفات جميعا إنما تشكل مقدمات غاية في الأهمية لو أردنا أن نؤشر إلى بعض التفصيلات فيها فلربما يطول بنا المقام، ولكننا سنقوم على استعراضها جميعا، في عجالة تؤصل هذه المعاني التي وردت ضمن هذه الاستراتيجية الجامعة، والبصيرة الواعية.

ولعل الأمر الذي يتعلق بالمؤسسات الفاعلة هو من أهم المتحصلات والثمرات التي تضمن فاعلية لهذه الأمة، إن هذا التوجيه النبوي الذي يؤكد على أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل إنما يحمل معنى الاستدامة، والاستدامة لا يمكن تحقيقها إلا في سياق عمل مؤسسي مستمر، وأن هذا العمل المؤسسي لا يمكن أن يحقق ثماره المؤسسية إلا في سياق السعي الذي يحقق قوانين وسنن الفاعلية. عند هذا الأمر يجب أن يشكل هذا المثلث في أضلاعه من عقيدة دافعة، وأمة جامعة، ومؤسسات فاعلة، وهو ما يتطلب ذلك الفهم الواعي والبصير لكل تلك المتطلبات والمستلزمات التي يمكن أن تجمع هذه العيون التي تشكل أهم أدوات السير في الأرض، والنظر في الواقع والمستقبل.

إنها عيون لا تشكل فقط بصرا، ولكنها بصائر استراتيجية وجب علينا أن نصيغها وفق أصول مرعية، وقواعد كلية، وتطبيقات مؤسسية؛ هكذا يمكن أن نحقق الوعي بالأمة في هذا المقام باعتباره وعيا، ووعدا، وعهدا بين كل مكونات هذه الأمة، فإن لم نعمل بتلك السنن الماضية لرفعتها، وتحقيق معنى وسطيتها وشهودها، ومعنى خيريتها وغاياتها؛ فإننا بذلك نهدم أصلا أصيلا في معنى الأمة وبلوغ مقاصدها الكلية في الرقي والنهوض والعمران.

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • هل أنوي زيارة قبر النبي ﷺ أم أنوي زيارة المسجد النبوي؟.. أمين الفتوى يجيب
  • لجنة المناقصات في البيضاء تُقر عددا من المشاريع الخدمية والتنموية
  • تأملات قرآنية
  • تدشين المرحلة الثانية من مشروع الحزام الأخضر لمدينة الحديدة
  • عيون الأمة الحارسة والمرابطة.. مشاتل التغيير (20)
  • محافظ البيضاء يؤكد ضرورة تعزيز الجهود لرفع مستوى أداء المكاتب التنفيذية والخدمية
  • اجتماع في البيضاء يناقش الآليات الكفيلة بتعزيز الأداء ومستوى الانضباط الوظيفي
  • جهود إرشادية وتنظيمية تواكب دخول المصلين إلى “الروضة الشريفة” بالمسجد النبوي
  • جهود إرشادية وتنظيمية تواكب دخول المصلين إلى "الروضة الشريفة" بالمسجد النبوي
  • كشف ملابسات فيديو مشاجرة بالأسلحة البيضاء في محافظة بورسعيد