ما زالت توابع الفيضان الكبير الذي ضرب المدن الساحلية الليبية قبل أيام تتوالى، حيث وصلت أعداد القتلى في درنة وحدها إلى أكثر من 11 ألف شخص، وتم تسجيل الرقم نفسه تقريبا من المفقودين، ويواجه الناجون في تلك المناطق مخاطر أخرى أبرزها يتعلق بالمياه.

فمع الفيضانات الكبرى يمكن للمياه أن تحمل في طريقها أي شيء، مثل المبيدات الزراعية والمواد الكيميائية الصناعية والحطام ومياه الصرف الصحي والوقود والنفايات الحيوانية والبكتيريا الضارة للجسم وغيرها من المواد الملوثة.

وعادة ما تشق هذه المياه طريقها إلى كل أنظمة الشرب وبخاصة غير المجهزة للتعامل مع الفيضانات، وتصل مياه الفيضانات المحملة بالملوثات كذلك إلى آبار المياه، كما يمكن أن تخترق المياه الجوفية وتغير من تركيبتها المعتادة.

أضف إلى ذلك أن المناطق الساحلية تكون معرضة لشكل خاص من تلوث المياه الجوفية، لأنها قد تؤدي إلى تسرب المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية العذبة، مما يرفع من درجات تلوث مصادر المياه العذبة الجوفية.

المناطق المتضررة من الفيضانات تعاني من تلوث مياه الشرب بالإشريكية القولونية (غيتي) تلوث المياه

وبحسب دراسة نشرت في دورية "إنفيرومنتال ساينس آند تكنولوجي" في مايو/ أيار 2021، تسبب إعصار هارفي في فيضانات واسعة النطاق على طول ساحل ولاية تكساس الأميركية في عام 2017، وقد قام الباحثون بفحص عينات من أكثر من 8800 بئر في 44 مقاطعة.

ووجدت الدراسة أن متوسط مستويات البكتيريا القولونية ارتفع بمعدل 1.5 مرة أعلى من المتوسط، وأن الإشريكية القولونية كانت ذات مستويات أعلى 3 مرات تقريبا من المعتاد، وكان التلوث الميكروبي أكثر احتمالا بنسبة 1.7% إلى 2.5% عندما غمرت المياه الآبار.

وتشمل أعراض الإصابة بالإشريكية القولونية الإسهال وتشنجات المعدة والحمى في بعض الأحيان، وعادة ما يلاحظ الأشخاص الأعراض بعد 3 إلى 4 أيام من الإصابة.

وبحسب وكالة أسوشيتد برس، فإن هذا الأمر لم يكن حصريا على أحداث تكساس، فقد أشارت عينات أخذت من آبار في ولاية مسيسيبي في أعقاب إعصار إيدا 2021 ومن ولاية كارولينا الشمالية بعد إعصار فلورنس في عام 2018 إلى وجود الإشريكية القولونية بنسب أعلى من المعتاد بشكل شبيه.

بعد فيضانات باكستان وجد أن 56.29% من العينات كانت إيجابية بالنسبة لبكتيريا الإشريكية القولونية (غيتي)

وكانت دراسة صادرة في "أميركان جورنال أوف تروبيكال ميديسن آند هايجين" قد قامت بفحص انتشار الإشريكية القولونية بين الأطفال في باكستان خلال فيضانات عامي 2010 و2011، ووجدت أن 56.29% من العينات كانت إيجابية بالنسبة لبكتيريا الإشريكية القولونية المسببة للإسهال مقارنة بـ 12.5% بالنسبة للعينات العادية.

ولهذا السبب فإن الهيئات المختصة في كل دولة عادة ما تؤكد على المواطنين تجنب شرب المياه التي طالها الفيضان بأي صورة كانت، والاعتماد بدلا من ذلك على شرب المياه المعبأة في زجاجات والتي تمت معالجتها بشكل مناسب، وغسل اليدين والقدمين التي كانت على أي صورة من صور الاتصال بالمياه الملوثة، بشكل مناسب بالصابون والماء النظيف.

وفي كل الأحوال، فإن على المواطنين الالتزام بما تقوله السلطات في أماكن الفيضان، لأنها هي المسؤولة عن اختبار جودة مصادر المياه وإعلام المواطنين بطبيعتها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المیاه الجوفیة

إقرأ أيضاً:

سوق الأكباش..المتضررون والمستفيدون

تفصلنا أيام قليلة عن الاحتفال بـ « عيدالأضحى » يوم الإثنين 17 يونيو وفقا لما تم الإعلان عنه. الاستعدادات جارية على قدم وساق ومخاوف  الأسر ذات الدخل المنخفض تتزايد في مواجهة الارتفاع المذهل في أسعار الأغنام وكل مايصاحبها. وعلى الرغم من أن أضحية العيدليست فريضة دينية، فقد اعتادت العائلات على القيام بذلك مع استثناءات تمثل 13% من الأسرالمغربية حسب تقرير للمندوبية الساميةللتخطيط. لذلك تسعى  بكل الوسائل إلى اقتناءهذا الحيوان العاشب حتى لو كلفها  الأمر اللجوءإلى الاقتراض بفوائد ربوية أو بيع مجوهرات الأسرة  أو قطعة أرض. إنها محنة حقيقية في الواقع

وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المضاربين  والوسطاء من جميع الأطياف ينتهزون الفرصة من اجل تراكم الأموال والثراء على حساب  محنة الفقراء. فالمعلومات التي يتم تداولهاوتبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي،والتصريحات الصادرة عن المعنيين أنفسهم، تدعو إلى القلق والسخط

أولا، الحكومة عملت على تضليلنا مرة أخرى. حيث أكدت مرارًا وتكرارًا على أن سوق الأغنام مزودة  بما يكفي لتلبية الطلب،  مستعملة بذلك لغةمُطَمْئِنَة، واتضح أن الأمر ليس كذلك لأن العرض الداخلي  غير كافٍ لتلبية الطلب المقدر بأكثر من 6 ملايين رأس. وهو ما أدى إلى قيام الحكومة بمنح تراخيص  استيراد لبعض الوسطاء، مع دعم مالي يصل  إلى 500 درهم عن كل رأس غنم مستورد من الخارج وإعفائهم من الرسوم الجمركية وضريبةالقيمة المضافة. إن إجراء   من هذا القبيل يعتبر غير  عادل ولا مبررله،  إذ يروم « تسمين » المستوردين بدلاً من تقديم المساعدة المباشرةللأسر المحتاجة.

أما بالنسبة للأسعار الحالية، فهي بصراحةتتركنا عاجزين عن الكلام. فعلى عكس السنوات الماضية عندما كانت أسرة متواضعة قادرة على اقتناء  شاة تكلف ما بين 700 و1000 درهم، أضحى من الضروري  هذه السنة دفع 3000 درهم على الأقل لنفس  الذبيحة. فالاسعار  الحالية تتراوح بين 4000 و6000 درهم. أما أولئك الذين يبحثون عن أوهام العظمة والبذخ،  وهم بالطبع أقلية صغيرة جدًا، فيذهبون إلى  حد دفع 10000 درهم وأكثر.

من كان يظن، قبل بضع سنوات، أننا سنلجأإلى السوق العالمية لشراء أغنام العيد، وهو قطاع كانت بلادنا تحقق فيه الاكتفاء الذاتي عموما. وإذاكان لتوالي سنوات الجفاف تأثير سلبي على الثروة  الحيوانية والإنتاج الفلاحي بشكل عام،فلا بد من الاعتراف بأن السياسة الفلاحية المتبعةفي السنوات الأخيرة لم تخدم الفلاحين كثيرًا،خاصة فيما يتعلق بتربية الماشية. تاريخياً، كانت تربية  الماشية ممارسة فلاحية بامتياز إلى درجةأن توزيعها كان أقل تفاوتًا بكثير من توزيع الأراضي  كما يتضح من الاحصاءات الفلاحيةالمختلفة. وفي ظل هذه الظروف، لعبت تربيةالماشية دورًا في تقليص التفاوتات من خلال تزويد  الفلاح بدخل نقدي يسمح له بتغطية عددمعين من المشتريات وحتى التعامل مع  سنوات  الجفاف. إذ في كل مناسبات عيدالأضحى، استفاد المزارعون الرعويون من تحويلات  نقدية كبيرة من شأنها تعزيز سيولةالعالم القروي وتقوية الطلب الداخلي.

لكن مقاومة الفلاحين هذه لها حدود لدرجةجعلت الوضع الحالي يتغير بشكل جذري. وهكذا، مع تهميش الفلاحين، لم  يعودواقادرين على إطعام قطعانهم المتواضعة بسبب الزيادة في  أسعار ألأعلاف  وكلأ الماشية، إذ وجدواأنفسهم مجبرين على التخلص منها بسعرمنخفض لصالح الوسطاء والمربين الكبار الذين يتوفرون على الوسائل الكافية وسهولة الحصول على   القروض والإعانات العمومية. وفي ظل هذه الظروف،  لم يُحرم الفلاح الفقير من تربية الماشيةفحسب، بل أصبح يضطر إلى شراء الأغنام مثله مثل  سكان المدن. إنه تحول اجتماعي عميق للعالم  القروي يتسم« بالبلترة » التدريجيةللفلاحين وإفقارهم. وفي النهاية فإن الأموال التي تصرف  لشراء الأغنام والتي يمكن تقديرها بأكثرمن 16 مليار درهم لا تفيد العالم القروي، ولاتشكل وسيلة لتعزيز النشاط الاقتصادي كما كان الحال  من قبل، بل هي بالأحرى ريع للوسطاءوالمضاربين بالجملة.

وعليه، فنحن لا ندفع فقط تكاليف الخيارات الفاشلة،ولكننا نعرض للخطر استقلال بلدنا في مجال حساس  كانت لدينا فيها تفوق  حقيقي ومعرفة لاجدال فيها. نحن محظوظون لأن لدينا فلاحين متجدرين  في التاريخ، فلاحون يكدون ويتوفرون على  مهارة وخبرة لا مثيل لها. فلو وفرنا لهم حدا  أدنى من الوسائل،  لتمكنوا من خلق المعجزات  وتمكنوا منً تحقيق  تنمية فلاحية مرتكزة على الذات وموجهةنحو تحقيق السيادة الغذائية لبلادنا.

لقد حان الوقت لتصحيح الوضع، ووضع صوب  أعيننا هدفنا الوحيد المتمثل في تحقيق سيادتناالغذائية وتحسين مستوى معيشة السكان وفي المقام  الأول الفلاحون الكادحون. لا يمكننا تصور كل  المعاناة الجسدية والنفسية التي تشعر بهاالجماهير الشعبية وجزء كبير من الطبقةالمتوسطة للحصول على كبش العيد. إنهاتضحية لا حصر لها تؤثر بشكل كبير على قدرتهم  الشرائية اليوم وغدا .

ملحوظة: هذه المقالة عبارة عن تحيين لمقالةفي نفس الموضوع نشرت السنة الماضية (ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة)

 

مقالات مشابهة

  • حجاج ليبيا يصلون مخيماتهم بعد رمي جمرة  العقبة الكبرى
  • علماء البيئة: مكافحة استنزاف المياه الجوفية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الأرز والقمح
  • العثور على مستويات غير آمنة من بكتيريا الإشريكية القولونية في نهر السين بباريس
  • وزارة الموارد المائية بحكومة الدبيبة تنفي نقل مصر للمياه الجوفية الليبية
  • يونيسيف: تركيب 20 منظومة لتطهير المياه لخدمة المتضريين من الفيضانات
  • جدل بشأن نقل المياه الجوفية الليبية لبلد مجاور، والحكومة تنفي
  • البوعيشي: شكلنا أكثر من عيادة للإشراف على الحجاج بشكل يومي
  • سوق الأكباش..المتضررون والمستفيدون
  • فيديو بيع الخضروات يشعل موجة تعاطف مع سياسي جزائري سابق
  • الموارد المائية: التصريحات حول المياه الجوفية (العابرة للحدود) لا تمثل الموقف الليبي