الجهل قوة صامتة تسكن في تجاويف تكوين الأفراد، بغض النظر عن وجودهم في مجتمعات توصف بأنها متقدمة أو متخلفة. الجهل آفة تضرب الناس مثلما تفعل الأوبئة. متعلمون كُثر حمل بعضهم شهادات عالية في مختلف العلوم، تطبيقية أو نظرية، لكن فيروس الجهل تمكن منهم.
هل يلتقي الجهل والعبقرية؟ نعم، وفي التاريخ الكثير مما يثبت ذلك.
سنة 1978 هزَّت الولايات المتحدة الأميركية، فاجعة غريبة. 913 شخصاً ينتحرون جماعياً في غويانا. رجال ونساء وأطفال شربوا جميعاً من براميل السم التي أعدّها لهم قائدهم القسيس الشيوعي الاشتراكي جيم جونز. من بين المنتحرين أفراد يحملون مؤهلات علمية، وبعضهم مارس مهناً ذات أهمية. المفارقة، أنهم اعتقدوا جازمين أنهم يرحلون إلى دنيا أخرى هي أفضل وأروع مما هم فيه. وإن ما سيقومون به سيهزّ الولايات المتحدة الأميركية، بل العالم كله، وسيراجع الجنس البشري كله أنماط الحياة الفاسدة التي يعيشها.
بدأ جيم جونز دعوته في أميركا. قسيس يبشر بالوحدة الإنسانية، والمساواة التامة بين البشر ونبذ العنصرية، وبشّر بتكوين مجتمع اشتراكي تسود فيه العدالة المطلقة بين جميع أفراده. تحدث باسم المسيح عيسى بن مريم. تجمّع حوله العشرات من الرجال والنساء البيض والسود. كان خطيباً مفوهاً، له قدرة عجيبة على تصوير عالم موعود قادم، كل ما فيه أرض، تنبت فيها قيم التسامح والعدالة، ويعم فيها الرخاء والأمن والسعادة. تدفق المسحورون بشخصيته الكارزمية. لا أحد من مريديه يعترض على ما يطرحه أو حتى يناقشه. طاعة عمياء للمنقذ العظيم. قام جيم جونز بتأسيس مركز رسمي له في سان فرنسيسكو، وأقام علاقات واسعة مع عدد كبير من السياسيين والمنظمات المدنية، ولم يجد معارضة رسمية من الدولة لنشاطه وتجمعه أو على ما يطرحه من أفكار.
ادعى جيم جونز أنه المسيح، ثم قال إنه لينين، وختم ادعاءاته بأنه الإله المخلص للبشرية.
هاجر بعد ذلك إلى غابة في غويانا، وأقام بها مدينة أطلق عليها، الأرض الموعودة وأعطاها اسمه، مدينة جونز. رافقه حشد من مريديه بلغ عددهم قرابة الألف. بدأ الجميع يزرع ويصنع، ولكنه فرض على الجميع نمطاً غريباً من الحياة. يوقظهم ليلاً، ويباشر خطبه ومواعظه ملعلعاً في الميكروفون. بعد أشهر بدأ الجميع يعاني من شح الغذاء، وحاول بعضهم الفرار، لكن القتل كان عقوبة كل من حاول. لقد عدّ جيم جونز، أن الجميع هم عبيد له.
في ليلة مظلمة خطب جيم في الجميع، وحذّرهم من هجوم قريب للجيش الأميركي عليهم، بعد قتل السناتور ليو ريان الذي زار مدينة جيم. طلب من الجميع الانتحار، وأعد لهم براميل سم السيانيد. مات الجميع بعد خمس دقائق، أما هو فقد أُطلقت رصاصة على رأسه وقُتل فوراً.
هذه الحادثة العجيبة الغربية تطرح أسئلة كثيرة. هل كان جيم جونز مجنوناً، أم كان عبقرياً استطاع أن يجعل من قرابة ألف شخص مجرد دواب يعبدونه ولا يعصون له أمراً ويركضون خلفه. صدقوا ما سيله في رؤوسهم من أوهام، ومشوا خلفه طائعين، وتجرّعوا السم بأمره وهم يتدافعون على براميله. هل كان هو يؤمن بما ذهب إليه، واعتقد فعلاً أنه سيغير العالم كله، بما أطلقه من خطب وعظات، وأن أرضه الموعودة التي أقامها في غويانا، ستكون منبع الضوء الذي سيشعل زمناً إنسانياً جديداً؟. شخصيته ونهايته تؤكد شيئاً واحداً، وهو، أنه شخص جاهل بلا حدود، لكن جهله كان من نوع فريد. جهل سائل هاجت أمواجه في فقاعة رأسه، صبّه جهلاً انتحارياً في رؤوس مخلوقات مريضة، ثم سقاهم إياه سماً وهم فرحون. كل الطغاة الذين جرَّوا شعوبهم إلى هاويات النهايات الدامية التدميرية، امتلكوا العبقرية ذاتها. أدولف هتلر، الشاويش شبه الأمي، قاد المجتمع الألماني الذي قدم للعالم قمماً من المفكرين والعلماء والفلاسفة، قادهم الفوهرر بعبقرية جهله المريض إلى أتون حروب، انتهت بموت الملايين من الألمان وغيرهم من الشعوب وانتحاره مثلما كانت نهاية هتلر وغيره من الطغاة عباقرة الجهل. في كثير من الحالات، تكون للجهل قوة تفوق قوة العلم والعقل والمعرفة. الحروب وخاصة منها الأهلية، التي تنشب بين أبناء الشعب الواحد، يشعلها الجهل الطاغي الذي يبدع مريدين لا يختلفون عن أولئك الذين صنعتهم عبقرية جهل جيم جونز في أرضه الموعودة بغويانا. كم من جاهل ينفث سائل جهله في رؤوس مريدين تعساء، في أماكن وأزمان دون أن يصلنا اسمه. يشرب الغافلون من براميل سمّه. يرحلون دون أن تطير وسائل الإعلام بتفاصيل مآسيهم.
العبقرية لا يخلو منها رأس، ولا تغيب في أي زمان، ولا في أي ميدان. عباقرة في العلم وفي الطب والإبداع الفني والأدبي والهندسي، وغيرها. لكن عبقرية الجهل الكامنة، هي الأخطر التي تقود من هم في عداد الدواب إلى براميل السم وحرائق الحروب، وهم يرقصون ويغنّون أناشيد النصر.
الحالة في منطقتنا تنطبق على تنظيم «داعش» الذي يندفع فيه الرجال والنساء، يقتلون الأبرياء في عمليات انتحارية. هم جميعاً ضحايا عبقرية الجهل التي سكبت براميل السم في رؤوسهم، فصار الموت عقيدة لهم. جيم جونز رغم رحيله، ما زال يسكب سائل سمه في رؤوس الجهلة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
رافينيا يفاجئ الجميع.. هكذا يرى موقع صلاح بين مرشحي الكرة الذهبية
في وقت تتصاعد فيه التوقعات بشأن الفائز المقبل بجائزة الكرة الذهبية لعام 2025، دخل النجم البرازيلي رافينيا، جناح نادي برشلونة الإسباني، على خط الترشيحات بإعلانه قائمة من اللاعبين يرى أنهم الأجدر بالتتويج، وشملت القائمة مفاجآت ونجوماً بارزين، من بينهم الدولي المصري نجم ليفربول الإنجليزي محمد صلاح.
وجاءت ترشيحات رافينيا خلال مقابلة أجراها مع صحيفة "موندو ديبورتيفو" الإسبانية، حيث قال: "لامين جمال، محمد صلاح، كيليان مبابي... جميعهم يقدمون مستويات مذهلة، وفينيسيوس جونيور أرقامه أقل من الموسم الماضي، لكنه حاضر دائمًا بقوته وتأثيره"، مضيفًا: "بيدري ورودريغو لاعبان لا يُقدّران كما يجب، ويستحقان أن يكونا ضمن الترشيحات أو على الأقل في الحسبان."
ويعد رافينيا نفسه ضمن الأسماء البارزة في سباق هذا الموسم، بعد مساهمته بأكثر من 50 هدفًا بين تسجيل وصناعة بقميص برشلونة، وهو رقم لافت للاعب جناح، ما وضعه في دائرة النقاش ضمن قائمة المرشحين الأوفر حظًا، خصوصًا مع اقتراب الفريق الكتالوني من استعادة أمجاده المحلية والأوروبية.
وأضاف رافينيا أن وجود محمد صلاح ضمن هذه الترشيحات لا يأتي من فراغ؛ إذ اختتم الفرعون المصري موسمه مع ليفربول متوّجًا بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، معززًا رصيده التهديفي ليصل إلى أكثر من 25 هدفًا هذا الموسم، إلى جانب صناعته العديد من الفرص، وحفاظه على موقعه كأحد أكثر اللاعبين تأثيرًا في "البريميرليغ".
وسبق لصلاح أن تواجد في قوائم الكرة الذهبية لأكثر من مرة، وكانت أفضل نتائجه في 2018 و2021 حين حل في المركز السادس والسابع على التوالي.
أما بقية الأسماء التي طرحها رافينيا، فتضم لامين جمال، الموهبة الصاعدة في برشلونة، والذي لفت الأنظار بأدائه المبكر في عمر الـ16 عامًا فقط، بالإضافة إلى النجم الفرنسي كيليان مبابي، الذي يقود باريس سان جيرمان في موسم جديد من التحدي الأوروبي.
من جهة أخرى، تتزامن تصريحات رافينيا مع استعدادات برشلونة لخوض مواجهة حاسمة مساء الثلاثاء ضد إنتر ميلان، على ملعب "جيوزيبي مياتزا"، في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، حيث يسعى النادي الكتالوني للوصول إلى النهائي للمرة الأولى منذ 2015.
ويتصدر برشلونة الدوري الإسباني برصيد 79 نقطة، متقدمًا بفارق 4 نقاط عن غريمه ريال مدريد، قبل صدام "الكلاسيكو" المنتظر يوم الأحد المقبل، ما يُضيف مزيدًا من الإثارة إلى سباق الألقاب الفردية والجماعية على حد سواء.