باريس – مع دخول عملية "طوفان الأقصى" يومها التاسع وتواصل عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تزال حكومات الدول الأوروبية ترى المشهد بعيون إسرائيلية فقط، ملقية عرض الحائط صور الكارثة التي يتعرض إليها سكان غزة.

تحيز صارخ يدهش العالم -ربطه المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا- بتزايد قوة اليمين المتطرف في هذه الدول، الذي يرغب في إشباع هواجسه المعادية للإسلام والمسلمين.

وفي مقابلة خاصة للجزيرة نت، يشير فرانسوا إلى خوف هذه الحكومات من استيراد الصراع العربي الإسرائيلي إلى بلدانها، مستنكرا منع فرنسا للمظاهرات المؤيدة لفلسطين.

منذ بداية "طوفان الأقصى"، شاهدنا تحيزا أوروبيا واضحا لصالح إسرائيل، ما تفسيرك لذلك؟

نعم هناك تحيز مع الأسف وهذا ليس بالجديد، ومن المؤكد أن يستمر هذا التحيز في التنامي في الأيام المقبلة. وفي حالة فرنسا بشكل خاص، تؤيد الصحافة والنخب الحاكمة -اليسار بقدر اليمين تقريبا- بشكل أعمى الأطروحات الإسرائيلية. وقد ظل هؤلاء يعربون عن دعمهم، حتى بالرغم من تزايد تطرف القادة الإسرائيليين عاما بعد آخر.

تفاقم الخلل العميق في المواقف مع موجة الكراهية القوية للإسلام في العقد الماضي. بداية، اقترب اليمين المتطرف من خط الدعم غير المشروط لإسرائيل؛ لأن هذا التوجه يسمح له بإشباع هواجسه المعادية للمسلمين. أما اليسار -الذي كان صوته قويا نسبيا ذات يوم- فقد تخلى عن مواقفه السابقة، وتوقف عن إدانة إسرائيل، منذ أن اتخذت المقاومة الفلسطينية لهجة إسلامية

وفي فرنسا -وفي أوروبا أيضا- تفاقم الخلل العميق في المواقف مع موجة الكراهية القوية للإسلام في العقد الماضي. بداية، اقترب اليمين المتطرف من خط الدعم غير المشروط لإسرائيل؛ لأن هذا التوجه يسمح له بإشباع هواجسه المعادية للمسلمين.

أما اليسار -الذي كان صوته قويا نسبيا ذات يوم- فقد تخلى عن مواقفه السابقة وتوقف عن إدانة إسرائيل، منذ أن اتخذت المقاومة الفلسطينية لهجة إسلامية. واليوم، انضم -جزئيا على الأقل- إلى معسكر تجريم المقاومة الفلسطينية برمتها.


اليسار الراديكالي في أوروبا لا يزال يتشبث بموقفه الرافض لإدانة هجوم حماس، هل سيتعرضون للضغط بسبب موقفهم؟

مما لا شك فيه، فإن الضغوط قوية ونرى ذلك جليا الآن في حجم الهجوم الذي يتعرض إليه حزب "فرنسا الأبية"، بما في ذلك من صفوف اليسار.

الحكومة الفرنسية التي اختارت التنافس مع اليمين المتطرف على أرضها، تعرف أن معارضتها الانتخابية الرئيسة من اليسار. ولهذا السبب أخذت على عاتقها مسؤولية تجريم المقاومة الفلسطينية الإسلامية، من خلال ركوب موجة "الإسلاموفوبيا"

والحكومة الفرنسية التي اختارت التنافس مع اليمين المتطرف على أرضها، تعرف أن معارضتها الانتخابية الرئيسة من اليسار. ولهذا السبب أخذت على عاتقها مسؤولية تجريم المقاومة الفلسطينية الإسلامية، من خلال ركوب موجة "الإسلاموفوبيا"، والتصدي لكل من يرفض تجريمها.

ومن ثم، يمكن القول، إن الحكومات تتملق الناخبين اليمينيين المتطرفين، في حين تسعى جاهدة إلى تشويه سمعة خصومها اليساريين الذين تتهمهم بدعم "الإرهاب الإسلامي الذي تمارسه حماس".

الإعلام الغربي يتحيز لإسرائيل بشكل واضح، لماذا يرى الغرب الحرب بين الطرفين من عين إسرائيلية فقط، ويغض الطرف عن عدد الضحايا الأبرياء الذي سقطوا ضحية غارات الاحتلال؟

يعدّ التزام الحكومة الفرنسية تجاه إسرائيل بعيدا جدا عن المواقف الواقعية للجنرال شارل ديغول (الرئيس الفرنسي الأسبق). فخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، أكد ديغول شرعية دولة إسرائيل، لكنه أدان في الوقت ذاته احتلال الأراضي الفلسطينية. كما أنه تبنى موقف الحياد في حرب الأيام الستة في العام نفسه، داعيا إلى الاعتدال على الجانبين، وحظر تسليم الأسلحة إلى المنطقة قبل اندلاع الأعمال العدائية.

بينما تتحدث أوروبا عن وقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، تمنع فرنسا المظاهرات المؤيدة لفلسطين -لأسباب أمنية مزعومة- بينما تزيد من تعبيرها المعلن لدعم الإسرائيليين.

وبينما تتحدث أوروبا عن وقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، تمنع فرنسا المظاهرات المؤيدة لفلسطين -لأسباب أمنية مزعومة- في الوقت الذي تزيد فيه من تعبيرها المعلن لدعم الإسرائيليين.

بالإضافة إلى ذلك، تدين الحكومة الفرنسية بشكل منتظم أولئك الذين يريدون "استيراد الصراع العربي الإسرائيلي إلى فرنسا". والواقع أن هذه المعركة موجودة في البلاد منذ زمن طويل، ولكن جزئيا فقط، في شكل الأطروحة الإسرائيلية وحدها، في حين أنها تصر على رفض استيراد الأطروحة الفلسطينية.

مُنعت المظاهرات المؤيدة لفلسطين في فرنسا، بينما سُمح بالمسيرات المؤيدة لإسرائيل، كيف ترى هذا الحظر الصارخ لحرية التعبير في البلاد؟ وهل تخشى أوروبا انتشار مظاهر دعم فلسطين داخلها؟

لا أعتقد أن هذا هو العامل الحاسم والوحيد وراء موقف الدول الأوروبية الحالي من الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس. يمكن أن تكون هذه المظاهرات ذات أهمية كبيرة، لكن لا شيء يثبت -مع الأسف- أنها يمكن أن تأخذ نطاقا خطيرا بالنسبة لأصحاب القرارات ولمن هو في السلطة.


كان هناك حديث عن وقف المساعدات الإنسانية لفلسطين، هل تعتقد أن مواثيق حقوق الإنسان تتبخر عندما يتعلق الأمر بإسرائيل؟ ولماذا تغيب مؤسسات حقوق الإنسان عن المشهد اليوم؟

في فرنسا وأوروبا، لا توجد منظمات إنسانية ومواطنون يتمتعون بالحد الأدنى من الأخلاق. لكن ميزان القوى ليس في صالحهم. ولكل الأسباب التي ذكرتها سابقا، فإن صوت هذه المؤسسات غير مسموع إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، لا أعتقد أن لديهم هذا الاحتكار لخيانة المبادئ الإنسانية الأولية؛ لأن هناك كثيرا من الدول لم تكن مواقفها في وضع أفضل كثيرا.

ما تعليقك على ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول مخاوفه بشأن تركيز اهتمام العالم على إسرائيل وغزة بدل أوكرانيا؟

يخشى زيلينسكي بالفعل أن يتحول جزء من المساعدات العسكرية لبلاده؛ بسبب الدعم المتزايد من واشنطن لتل أبيب. ولهذا يسعى إلى الحصول على ود كل شريحة من الرأي العام الغربي.

لكن الأهم -أو بالأحرى الأكثر كرها في موقفه غير المقبول- هو اختياره تجريم المقاومة الفلسطينية ودعم المعتدين الإسرائيليين، في سبيل تحقيق أهدافه، وهو الذي تتعرض بلاده للهجوم والاحتلال -كذلك- من القوات الروسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المؤیدة لفلسطین الیمین المتطرف

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تفقد اتزانها وترامب يرمي لها طوق نجاة

تعاني "إسرائيل" حالة من فقدان الاتزان الإستراتيجي، قد تتحول إلى خطر وجودي. وهي حالة برزت، خصوصا منذ تشكيل حكومة الليكود بالتحالف مع الصهيونية الدينية في نهاية 2022، ومنذ طوفان الأقصى.

هذا الفقدان يعبر عن إشكالية بنيوية داخلية وخارجية، يصعب الخروج منها؛ بسبب طبيعة المجتمع الصهيوني، وسيطرة اتجاهات يمينية ودينية متطرفة على منظومة الحكم في "إسرائيل".

على مدى عشرات السنين، تمكنت "إسرائيل" من إدارة حالة الاختلاف الديني والعرقي والثقافي لدى التجمع الاستيطاني اليهودي الصهيوني داخلها بالكثير من الكفاءة، وتمكنت من تشكيل منظومات مؤسسية تشريعية وسياسية وقضائية حديثة فعالة، سهلت عليها تجاوز العديد من الأزمات والتناقضات الداخلية. غير أن السنتين الماضيتين كانتا حاسمتين في إفقادها الاتزان.

إن فقدان الاتزان الإستراتيجي الذي نتحدث عنه، يشير إلى أن دولة أو جهة ما أصبحت غير قادرة على الحفاظ على استقرار إستراتيجي طويل المدى؛ بسبب اختلال حساباتها وسوء تقدير إمكاناتها، بحيث تدخل في حالة اضطراب مستمر، تجعلها غير قادرة على التكيف أو اتخاذ قرارات صائبة فعالة، مما يفقدها البوصلة، ويتسبب بنتائج كارثية.

فقدان الاتزان أخطر من فقدان التوازن الإستراتيجي

من ناحية إستراتيجية موضوعية فإن فقدان الاتزان الإستراتيجي Strategic Disequilibrium أخطر من فقدان التوازن الإستراتيجي Loss of Strategic Balance، ذلك أن فقدان التوازن الإستراتيجي يعبر عن اختلال ميزان القوى أو القدرات أو الموارد بين طرفين أو أكثر، بحيث يصبح أحد الأطراف قادرا على فرض إرادته على خصومه أو منافسيه.

كما حدث مثلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وقيادة الولايات المتحدة نظاما أحادي القطبية. وهذا قد يتم تعويضه مع الزمن بتعزيز القوى وتوسيع التحالفات، والحصول على إمكانات وأسلحة نوعية. أما فقدان الاتزان الإستراتيجي فجوهره خلل ذاتي لدى صانع القرار، وفي بنية الدولة ومؤسساتها، وفي رؤاها ومساراتها الإستراتيجية الكبرى.

إعلان

وهو ما قد يدخلها في حالة من التخبط السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي، وما قد يتسبب في صراعات داخلية، والدخول في صراعات خارجية أكبر من إمكاناتها، وفي غير وقتها. بمعنى أن قيادة الدولة أو منظومتها الحكومة تمارس عملية "تدمير ذاتي"، يصعب تجاوز نتائجه الكارثية.

عقلية فاقدة للاتزان الإستراتيجي

يستطيع نتنياهو وفريقه الحاكم أن "يمد رجلَيه" هذه الأيام، بعدما استنقذته الولايات المتحدة من "مستنقع غزة"، واستصدرت قرار مجلس الأمن الدولي بشأن اليوم التالي لمستقبل قطاع غزة؛ كما يستطيع أن يعيش حالة زَهو، وهو يرى جيشه يفرض غطرسته في لبنان وسوريا والمنطقة، ويرى الأنظمة العربية والإسلامية تتبنى الرؤية الأميركية الإسرائيلية في نزع أسلحة حماس والمقاومة، وتحييدها من النظام السياسي الفلسطيني.

بيد أن كل ذلك لن يفك عقدة فقدان الاتزان الإستراتيجي لديه، ولدى نظامه السياسي. ذلك أن جوهر طبيعة العقلية الصهيونية الإلغائية الانعزالية المستعلية على الآخر؛ والقائمة على الهيمنة والقوة؛ تفقده القدرة على التفكير المتزن، فتتأرجح بين المبالغة في تضخيم أو تقليل الإمكانات الذاتية أو إمكانات الآخرين؛ وتميل إلى الركون إلى أيديولوجيا ذات خلفيات دينية أو ثقافية، تؤدي إلى سوء إدراك الذات والآخرين.

كما أن شعورها الذاتي التاريخي العميق بعدم الأمان وعدم الثقة بالآخرين وعداوتهم، يتسبب بقرارات وتوجهات خاطئة، ويجعلها تفرض على الآخرين شروطا مذلة وغير متكافئة، بشكل يجعل التعايش الطبيعي مستحيلا.

وقد جاء تشكيل حكومة نتنياهو الأخيرة، وما حملته من أجندات داخلية، وتجاه قضية فلسطين والمنطقة، ليشكل قفزة كبيرة باتجاه فقدان الاتزان الإستراتيجي.

وتنطبق نظرية سوء الإدراك Misperception Theory التي يعد روبرت جيرفس Robert Jervis أبرز منظريها، على الحالة الإسرائيلية. إذ تؤكد أن إساءة فهم نوايا الخصوم أو تقدير قوتهم، أو قراءة المؤشرات الإستراتيجية بشكل خاطئ، وتؤدي لقرارات وتصرفات سلبية، قد تنعكس بشكل مدمر على صاحب القرار.

مظاهر فقدان الاتزان الإستراتيجي

يمكن تلخيص مظاهر فقدان الاتزان الإستراتيجي الإسرائيلي بما يلي:

كشفت الاحتجاجات الواسعة سنة 2023 خصوصا ضد التعديلات القضائية، مدى الانقسام السياسي والمجتمعي، وهشاشة العقد الاجتماعي للمجتمع الصهيوني، بين التيارات العلمانية والدينية؛ وكشفت عن حالة التنازع في التصورات المتعلقة ببنية الدولة ومساراتها.

وظهرت بعض تجليات هذه الأزمة في موضوع تجنيد اليهود المتدينين"الحريديم"، لدرجة انسحاب وزراء شاس ويهوديت هتوراة من الحكومة في منتصف يوليو/تموز 2025.

2. أزمة القيادة والصراع أو التنازع بين الحكومة والجيش والشاباك والسلطة القضائية، بشكل غير مسبوق، خصوصا في أثناء السنتين الماضيتين خلال معركة طوفان الأقصى؛ بما في ذلك إقالة أو استقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ورئيس الشاباك رونين بار، والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف- ميارا.

وتضارب التصورات تجاه تحرير الأسرى الصهاينة، واليوم التالي لقطاع غزة، والتحكم في معبر رفح وممر صلاح الدين (فيلادلفيا) وغيرها.

إعلان

كما أن التنازع في الرؤية أدى لانسحاب بيني غانتس (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق) وحزبه أزرق أبيض (أو الوحدة الوطنية) من الحكومة، بعد نحو ثمانية أشهر من المشاركة فيها.

3- التناقض البنيوي بين الرغبة الأيديولوجية بالتوسع الاستيطاني والهيمنة الإقليمية، وبين الحاجة الإستراتيجية للاستقرار، وإيجاد بيئات مناسبة للتسوية السياسية والتطبيع.

إذ إن مشاريع تهويد الأقصى والقدس وضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين، و"إسرائيل الكبرى"، واحتلال أراضٍ لبنانية وسورية وغطرسة القوة، كلها عناصر تفجير في المنطقة، وهي تدفع الفلسطينيين نحو المقاومة المسلحة؛ وأيضا شعور دول المنطقة وشعوبها بمخاطر حقيقية على أمنها القومي ومصالحها العليا، وبعدم جدية الطرف الإسرائيلي بالتعايش السلمي المتكافئ؛ مما يتسبب بزيادة بيئة العداء لـ"إسرائيل" وبفشل مشاريع التطبيع، وإيجاد مناخات أقوى لاستئناف مشاريع المقاومة والمواجهة، وانكفاء "إسرائيل" على نفسها.

4. تراجع الثقة بالحكومة والجيش بشكل كبير، وفقدان جزء كبير من "الشرعية الداخلية"، وفوز المعارضة في معظم استطلاعات الرأي طوال العامين الماضيين.

5. فشل منظومة الردع التقليدي التي قامت عليها "إسرائيل" منذ إنشائها، وتَبني منظومة ردع جديدة قائمة على الردع الاحترازي المباشر، واستخدام القوة الخشنة والتدمير الواسع، وتنفيذ الإبادة الجماعية، أدت كلها لإسقاط صورة "إسرائيل" ككيان متزن، وكشفت عن طبيعة لا يمكن التعايش معها.

كما أن فشل كافة وسائل الردع، وصمود المقاومة حتى نهاية المعركة، أوجد "عقدة" أفقدت منظومة الحكم الإسرائيلي اتزانها، بعد أن استنفدت أدواتها دونما جدوى في محاولات اجتثاث المقاومة.

6. يفتخر نتنياهو بوجود سبع أو ثماني جبهات للمواجهة، غير أن هذا التعدد يتسبب في حالة إنهاك عسكري واقتصادي، ويفقد الكيان حالة الاتزان والتوازن؛ خاصة أن تعدد الجبهات وتَمددها overstretching عادة ما يكون سببا رئيسيا في سقوط الدول والإمبراطوريات.

7. أساءت منظومة الحكم الإسرائيلية تقدير قدرات حماس والمقاومة، وقللت من خطورة قدرتها على الصمود عامين متواصلين، واعتمدت فرضيات أمنية ثبت خطؤُها، وسقطت نظريتها أن "ما لا يتحقق بالقوة يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة". وأدت عملياتها إلى نتائج عكسية زادت من التعاطف مع الشعب الفلسطيني ومع المقاومة، ورفعت حالة الغضب ضد الاحتلال الإسرائيلي.

8. أدى فقدان "إسرائيل" للاتزان الإستراتيجي إلى تراجع الدعم الشعبي والرسمي العالمي، وإلى سقوط السردية الإسرائيلية، وسقوط شعارات "الدفاع عن النفس" و"واحة الديمقراطية" و"احتكار الضحية" و"العداء للسامية".. وإلى عزلة إسرائيلية عالمية غير مسبوقة، وتحويل "إسرائيل" إلى محكمة العدل الدولية، مع توسع دائرة التعاطف مع الشعب الفلسطيني، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

دور المقاومة الفلسطينية

لعبت المقاومة الفلسطينية، خلال معارك طوفان الأقصى، في العامين الماضيين، وخصوصا حماس، دورا مهما في الدفع باتجاه فقدان "إسرائيل" لاتزانها الإستراتيجي.

فقد نجحت في ضرب منظومة الردع الإسرائيلي وتآكلها، ومثلت عامل إنهاك عسكري واقتصادي واجتماعي وسياسي طويل المدى؛ فأربكت صانع القرار الإسرائيلي وأجبرته على الانتقال من التخطيط الإستراتيجي إلى "إدارة الأزمات"، والعمل تحت الضغط، والانشغال بـ"إطفاء الحرائق".

وأصبحت المقاومة عاملا إقليميا ودوليا ضاغطا. وكشفت هشاشة الوضع الداخلي، وسوء الإدراك لدى القيادة الإسرائيلية. ولو تابع نتنياهو وفريقه المعركة لمحاولة الوصول إلى نهاية حاسمة، لتزايدت أزماته الداخلية والخارجية، حيث لا يوجد أفق لهزيمة المقاومة، بينما كان بطشه بالمدنيين وحملات التجويع والتهجير والتدمير، يتسبب بمزيد من السخط والغضب، وبتوسيع دوائر الضغوط والعقوبات الدولية ضده.

خطة ترامب طوق نجاة

كان ترامب محقا عندما ذكر أن الحرب "جعلت إسرائيل في أسوأ وضع دولي، وأنه يريد إعادة إسرائيل إلى مكانتها"، بينما ذكر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس يوسي فيرتر بأن ترامب " أنقذ إسرائيل من الانتحار السياسي". إذ إنها عمليا كانت قد فقدت اتزانها وقدرتها على اتخاذ قرارات صحيحة.

إعلان

خطة ترامب لليوم التالي لغزة (30 سبتمبر/ أيلول 2025)، وقرار مجلس الأمن الدولي 2803 (17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، قدمت الطرف الإسرائيلي كطرف منتصر، وأعطت غطاء عالميا لشكل استعماري جديد على الشعب الفلسطيني، يقوم بتنفيذ الأجندة الإسرائيلية بنزع أسلحة المقاومة وتأمين الاحتلال، ويخفف الضغط الدولي على "إسرائيل"، ويقلص الإنهاك العسكري والأمني الاقتصادي والبشري الإسرائيلي.

قراءة مستقبلية

أعطى وقف الحرب في قطاع غزة، وقرار مجلس الأمن بشأن إدارة القطاع للعامين القادمين، مخرجا جزئيا للاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يَحل مشاكل "إسرائيل" كلها، إذ إن العناصر الفعالة في إشكالية "فقدان الاتزان الإستراتيجي" ظلت قائمة.

فما زال الطرف الإسرائيلي يعاني من سوء إدراك طبيعة الشعب الفلسطيني، وطبيعة المنطقة وشعوبها، وعمقها الديني والحضاري والتاريخي، وإيمانها الراسخ بحقوقها، وقدرتها على الصمود والتجدد والنهوض.

نحن أمام ثلاثة مسارات مستقبلية محتملة

الأول: أن يستعيد الطرف الإسرائيلي الاتزان جزئيا، بالاستفادة من وقف الحرب ودعم الإدارة الأميركية وخطة ترامب، وحالة الهيمنة الإقليمية التي يشكلها؛ بحيث يتمكن من عمل انتخابات الكنيست وتشكيل حكومة جديدة، وإعادة ترتيب العلاقات بين الحكومة والجيش والسلطة القضائية، وتخفيف الانقسام الداخلي، والتوصل إلى تفاهمات إقليمية وتحقيق اختراقات في مسار التطبيع، بما يوفر له هامش مناورة أكبر.

غير أن هذا "الاتزان" سيظل هشا؛ لأن العقلية الإسرائيلية الحاكمة غير قادرة وغير راغبة في تقديم تنازلات حقيقية للشعب الفلسطيني، وتصر على علاقات تطبيع قائمة على الهيمنة وليس التكافؤ؛ بالإضافة إلى التأثير العميق والجرح الغائر الذي أحدثه العدوان على غزة.

الثاني: استمرار فقدان الاتزان في شكله الحالي؛ نتيجة الانقسام الداخلي الإسرائيلي وتراجع البنى المؤسسة لـ"الدولة"، واستمرار القراءة الخاطئة للخصوم وللبيئة الإستراتيجية، وممارسة سياسات عدوانية، تؤجج مشاعر السخط والغضب، وتوجد أرضيات قوية للتغيير واستئناف مسار المقاومة، مع تآكل منظومة الردع الإسرائيلي.

الثالث: انهيار واسع للاتزان الإستراتيجي، نتيجة تسلط تيارات الصهيونية الدينية والقومية المتطرفة، وترك أعداد كبيرة من العلمانيين لـ"إسرائيل"؛ والوقوع في قرارات خاطئة متعلقة بتوسيع الحرب وأدوات النفوذ المباشر في المنطقة، بما يسقط مسارات التطبيع، ويوسع دائرة الصراعات، ويوقع الكيان في حالة استنزاف وإنهاك تتجاوز قدراته، مع تراجع الولايات المتحدة والغرب عن الرغبة في تمويل "إسرائيل" وحروبها والتغطية على حماقات قياداتها.

وتتراوح الخيارات المرجحة بين الخيارين الأول والثاني. وربما يكون لنتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة دور مهم في ترجيح أحدهما على الآخر. أما الخيار الثالث فما زال مستبعدا، ولكنه احتمال قد يقوى على المديين الزمنيَين الوسيط والبعيد.

وعلى كل حال، فالنظام السياسي الإسرائيلي وعقليته الأيديولوجية، تجعله كيانا يفتقد إلى الاتزان الإستراتيجي، كما أن أزمات البنية المؤسسية، وهشاشة منظومة الردع والسيطرة؛ ستحمل عناصر تفجير محتملة.

ولذلك، فإن ما نشهده من شعور بالنشوة في إثر الحرب على غزة، إنما هو "استراحة" مؤقتة، تتميز بالهشاشة، وستنكشف (غير بعيد) على حالة من اللااستقرار الإستراتيجي المزمن والمتواصل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • “الأحرار الفلسطينية” تشيد بالعمليتين البطولتين في الضفة الغربية
  • جرائم حرب| فرنسا: دعوى قضائية ضد إسرائيل بسبب غزة
  • الجيش الأوكراني: استهدفنا مواقع لإطلاق المسيرات الروسية في شبه جزيرة القرم
  • البابا ليو: الدولة الفلسطينية الحل الوحيد للصراع مع إسرائيل
  • مؤرخ فرنسي يوثق بالأدلة دعم “إسرائيل” لسرقة المساعدات الإنسانية في غزة
  • مظاهرة في هامبورغ الألمانية بمشاركة يمنية: دعماً للمقاومة الفلسطينية
  • بمشاركة الجالية اليمنية..مظاهرة حاشدة في مدينة هامبورغ الألمانية دعماً للمقاومة الفلسطينية
  • فرنسا تطالب إسرائيل باحترام سيادة سوريا بعد عدوان بيت جن
  • لماذا يعادي الهند الإسلام الذي حكمه 8 قرون؟
  • إسرائيل تفقد اتزانها وترامب يرمي لها طوق نجاة