أعلنت حركة "حماس"، عن نفسها عام 1987. بعد 4 سنوات تشكّل الجناح العسكري التابع لها تحت مسمّى "كتائب القسام"، نسبةً إلى رجل سوري الأصل، وُلد عام 1882، يُدعى عز الدين القسام. فما قصته؟ وما سبب إطلاق اسمه على الكتائب؟

من هو عز الدين القسّام؟

بحسب المؤلف عبد القادر ياسين، في كتابه المعنون بـ"عز الدين القسام"، فإنه وُلد في قرية جبلة القريبة من مدينة اللاذقية على الساحل السوري، عام 1882، وعاش طفولته في أسرة متدينة، متوسطة الحال تميل إلى الفقر، بعيدة عن زعامة الملاك الكبار ونفوذ العائلات التجارية.

ويروي ياسين، أن "فخر أسرة القسّام الأسمى أنها منسوبة إلى النبي، وذات سمعة محمودة بالاستقامة، فأبوه الشيخ عبد القادر القسّام، كان صاحب طريقة صوفية، وله مدرسة (كتّاب)، يعلّم فيها الأطفال أصول القراءة وحفظ القرآن، وعمل لفترة من الوقت كمستنطق في المحكمة".

لكن يذكر محمد مورو، في كتابه "زعماء الإصلاح الإسلامي"، أن عز الدين القسّام وُلد في قرية الأدهمية التابعة لمدينة اللاذقية في سوريا عام 1882، لا في جبلة، مؤكداً أن "والده عبد القادر مصطفى القسّام من علماء الأزهر الشريف، وتعلّم عز الدين في زاوية الإمام الغزالي في القرية، وحفظ القرآن الكريم والقراءة والكتابة ثم الفقه".

دور محمد عبده في نشأته

في الرابعة عشرة من عمره، وتحديداً عام 1896، غادر عز الدين القسّام قريته متوجهاً إلى القاهرة، لدراسة الشريعة في الأزهر، حيث نال شهادة الأهلية (يتقدم إليها من قضى في الأزهر 8 سنوات، ويحق لحاملها شغل وظائف الإمامة والخطابة في المساجد)، ما يعني أنه درس في المؤسسة الدينية المصرية لمدة 8 سنوات.

وخلال تواجد القسّام في الأزهر، تتلمذ على يد الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية الأسبق، وشاهد آنذاك حركة الإصلاح التي قادها الأخير داخل المؤسسة الدينية، والكثير من الأحداث في تلك الفترة التي سيطرت على الساحة المصرية، خاصةً في ظل الاحتلال البريطاني لها.

وتؤكد موسوعة "أرشيف نشرة فلسطين"، أن عز الدين القسام تأثر بأستاذه محمد عبده (1849-1905)، ودعوته التجديدية، وكذا بالإرث التنويري لأستاذه جمال الدين الأفغاني (1838-1897)، قائد الحركة التنويرية في العالم آنذاك.

وفتحت مرحلة الأزهر أمام عز الدين القسّام، آفاقاً جديدةً، خاصةً أنه وزميله الأديب عز الدين التنوخي، كانا يداومان على دروس الشيخ رشيد رضا، وغيره من أقطاب الإصلاح في مصر

وفتحت مرحلة الأزهر أمام عز الدين القسّام، آفاقاً جديدةً، خاصةً أنه وزميله الأديب عز الدين التنوخي، كانا يداومان على دروس الشيخ رشيد رضا (1865-1935)، وغيره من أقطاب الإصلاح في مصر، فتأثر بهم، وساهم ذلك في بناء شخصيته، وظهر ذلك جلياً بعد عودته إلى سوريا، مسقط رأسه، مرةً أخرى أواخر عام 1906.

الجهاد في ليبيا

ويؤكد مؤلف كتاب "زعماء الإصلاح الإسلامي"، أن عز الدين القسّام، بعد عودته إلى مسقط رأسه، اشتغل في التدريس وتولى الخطابة في مسجد المنصوري في القرية.

وبدأت ملامح التغيّر في حياة عز الدين القسّام، تظهر جليةً عندما حاول الإيطاليون احتلال ليبيا عام 1911، فحينها بحسب ما ورد في أرشيف نشرة فلسطين، لم يستسغ الشيخ تقسيم القوى الاستعمارية للعالم العربي، فقاد تظاهرات تأييد للثورة الليبية، قبل أن يقرر بعد أكثر من محاولة جمع المتطوعين والمساعدات والتوجه نحو ليبيا لدعم المقاومة فيها بقيادة عمر المختار.

ويتفق المؤلف محمد مورو مع الطرح السابق، إذ يؤكد أن "القسّام هبّ للدعوة للجهاد في ليبيا، إدراكاً منه بأن الدفاع عن أي بلد إسلامي واجب شرعي على كل مسلم، وبالأخص علماء الدين، واستجاب له الكثيرون في سوريا، فاختار منهم 250 متطوعاً، وأعدّهم للسفر إلى ليبيا عن طريق الإسكندرية، للمشاركة في الجهاد ضد الطليان".

وتذكر بعض الروايات أن القسّام نفسه سافر بالفعل إلى ليبيا، لكن مورو يروي في مؤلفه أن السلطات في سوريا آنذاك منعته ومن معه من السفر.

مقاومة المستعمر الفرنسي

لم تدع الأحداث في البلاد العربية فرصةً للقسّام، كي يلتقط أنفاسه، وهذه المرة في بلاده التي وُلد على أرضها. فمع بداية الثورة المسلّحة في الشمال السوري ضد الانتداب الفرنسي، عام 1919، كان عز الدين أول من رفع راية مقاومة فرنسا في المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجهها، بحسب ما ذكر عبد القادر ياسين.

خاض القسّام، حرباً طاحنةً في مواجهة الاستعمار الفرنسي، حملت بعداً فكرياً تنويرياً، إذ دعا لمحاربة الأمية والجهل والخرافة، وفي الوقت نفسه كافح بالسلاح لطرد قوات الاحتلال الفرنسي من الشام، وكان يجمع الناس في خطبه التي يلقيها في جامع المنصوري في بلدته.

ويؤكد ياسين، أن عز الدين القسّام كان سبباً رئيساً في اندلاع الثورة في جبال صهيون في ريف اللاذقية، ضد المستعمر الفرنسي، وكان في طليعة المجاهدين فيها، قبل أن يسقط الساحل السوري بيد القوات الفرنسية.

بعد الهزيمة في معركة ميسلون، 24 تموز/ يوليو عام 1920، قرر عز الدين القسّام اللجوء وعائلته إلى دمشق، ومنها إلى حيفا في فلسطين، أواخر صيف عام 1921، وهناك بدأ مرحلة نضال جديدةً

ووفقاً لأرشيف نشرة فلسطين، فإن قوة الجيش الاستعماري أحكمت الخناق على عز الدين القسّام، خاصةً بعد تكبيده الجيش الفرنسي خسائر كبيرةً في إحدى المعارك؛ إذ قاد هجوماً على حاميتها آنذاك، أسفر عن مقتل عشرات الجنود الفرنسيين في آذار/ مارس 1920.

سقطت الثورة السورية، لكنها جعلت عز الدين القسّام يعيش تجربةً هي الأغنى في حياته، جعلته مستعداً لما هو مقبل عليه. فبعد الهزيمة في معركة ميسلون الشهيرة، 24 تموز/ يوليو عام 1920، قرر اللجوء وعائلته إلى دمشق، ومنها إلى حيفا في فلسطين، أواخر صيف عام 1921، وهناك بدأ مرحلة نضال جديدةً.

لماذا استقر في حيفا؟

عند وصوله إلى فلسطين، لم يستقر عز الدين في حيفا بشكل مباشر، ولكن جاء ذلك بعد جولة في المدن، من أجل البحث عن مكان ملائم لبناء إستراتيجيته الثورية، لبدء رحلة جديدة من النضال، خاصةً أن البلاد كانت حينها تحت احتلال القوات البريطانية، منذ أيلول/ سبتمبر عام 1918.

ومن ناحية أخرى، يرى محمد مورو، في كتابه "زعماء الإصلاح الإسلامي"، أنه "عندما ظهرت الملامح الأولى للغزوة الصهيونية على فلسطين، أدرك عز الدين القسّام أن تلك الغزوة أخطر وأشد حلقات التآمر اليهودي على العالم الإسلامي، وأن للجهاد في فلسطين الأولوية الأولى على كل القضايا".

وبناءً على ذلك، كان القسّام يسعى إلى بناء حركة تنويرية وكفاحية لمواجهة مخاطر الهجرة الصهيونية، التي أخذت شكلاً استيطانياً، وجاء استقراره في حيفا، كونها ملتقى للتجار، وكذلك ملاذاً للعمال والفلاحين المطرودين من أرضهم، بسبب سرقتها منهم من طرف الصهاينة، بحماية بريطانية صارمة، بحسب "أرشيف نشرة فلسطين".

عمل القسّام مدرّساً ثم إماماً وخطيباً في جامع الاستقلال في حيفا، ما وفّر له وسيلةً لإعداد المجاهدين، وصقل نفوسهم، وتهيئتها للقتال، معتمداً اختيار الكيفية، دون الكمية، وهو ما يؤكده محمد مورو، في كتابه "زعماء الإصلاح الإسلامي"، قائلاً: "إن عز الدين القسّام بدأ من حيفا في العمل على نشر الوعي الجهادي بين جماهير فلسطين، والتنبيه المبكر إلى خطورة الهجرة اليهودية إلى البلاد، وألقى الخطب في المساجد والمناسبات الاجتماعية كالأفراح والاجتماعات وغيرها".

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أسس القسّام المدارس وفصول محو الأمية وتعليم الصغار، وكذلك جمعية الشبان المسلمين في فلسطين، لتكون أداةً في المواجهة على مستوى الوعي والتعليم والجهاد.

تشكيل عسكري 

وظل الوافد الجديد على أراضي فلسطين يعمل لمدة 3 سنوات، وبعدها استطاع تكوين 12 حلقةً عسكريةً، تحت مسمى "العصبة القسّامية"، تعمل كل واحدة منها منفصلةً عن الأخرى، وتتكون كل خلية من 5 أفراد، أكثرهم من عمّال البناء والميناء والسكك الحديدية والباعة المتجولين، وفي أوائل الثلاثينيات ازداد عدد أفراد الخلية، فأصبحت تضم 9 أفراد، بعد إخضاعهم لدورات تكوين وتدريب مكثفة، فكرية وعسكرية.

بعد نجاح عز الدين في بناء التنظيم العسكري، وتسليح أعضائه وتدريبهم، انتظر الشرارة لإشعال برميل البارود الجاهز، "جاءت بالفعل عند اكتشاف عمال ميناء يافا للسلاح المهرب للصهاينة عام 1935"

ويشير عبد القادر ياسين، في كتابه "عز الدين القسام"، إلى أنه بعد نجاح عز الدين في بناء التنظيم العسكري، وتسليح أعضائه وتدريبهم، انتظر الشرارة لإشعال برميل البارود الجاهز: "جاءت بالفعل عند اكتشاف عمال ميناء يافا للسلاح المهرب للصهاينة يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1935، فأضرب عمال الميناء، ووصل الغضب الشعبي الفلسطيني إلى ذروته، وبهذا اكتملت اللحظة الثورية، ولم تجد من يلتقطها سوى القسّام".

ويرى ياسين، أن اكتشاف تهريب الأسلحة الحديثة لليهود بكميات ضخمة، كان من أشد العوامل تأثيراً وتحفيزاً على إعلان الثورة، مؤكداً: "أجمعت المصادر التاريخية على كون هذا الحادث من أقوى دوافع ثورة القسّام".

ونقل المؤلف عن أحد القسّاميين، قوله: "القسّام بعد اكتشاف الأسلحة المهرّبة، قال: 'إذا لم نهاجم اليهود، فإنهم سوف يهاجموننا'".

وتشير بعض المراجع، إلى أن طريقة عمل الحلقات العسكرية كانت تقوم على مبدأ حرب العصابات، الذي استلهمه عز الدين القسّام من تجربة محمد عبد الكريم الخطابي (1882-1963)، في المغرب.

وعلى أرض الواقع، عسكرت الحركة الثورية في أحراش يعبد (بلدة تتبع لمدينة جنين)، لكن دوائر المباحث والمخابرات الاستعمارية الصهيونية، كانت تراقب عز الدين القسّام بشكل دقيق متواصل.

نهاية إنسان وبداية ثورة

وفي أحراش يعبد كانت النهاية والبداية؛ نهاية إنسان، وبداية ثورة. ففي يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935، حددت الشرطة البريطانية مكان القسّاميين الكامنين هناك، وهاجمتهم بقوات عسكرية كبيرة، ودارت معركة حامية بين المقاتلين والشرطة، صمد فيها رجال القسّام، وقاتل شيخهم، وظل يكافح حتى خرّ صريعاً في الميدان، برفقة بعض إخوانه، وجُرح آخرون وجرى أسرهم.

وبحسب مؤلف كتاب "عز الدين القسام"، فإنه "جرى نقل الشهداء إلى حيفا، وتمت الصلاة عليهم في جامع الاستقلال، وشُيّعت جثامينهم في تظاهرة وطنية كبرى، نادت بسقوط الإنكليز، ورفض الوطن القومي لليهود".

وبمقتل القسّام، لم تنتهِ المقاومة، بل كانت الانطلاقة الجديدة لها في فلسطين؛ إذ يؤكد محمد مورو أنه "كان لاستشهاده (أي القسّام) وكفاحه ودوره في نشر الوعي والثورة، أثراً مهماً في اندلاع الثورة الوطنية الكبرى في فلسطين سنة 1936، التي امتدت 3 سنوات (1936-1939)، وظل التنظيم الذي شكله عز الدين ينفّذ العديد من العمليات الفدائية ضد اليهود والإنكليز".

"القسّام سوري جاء من سوريا إلى فلسطين وقاوم، وعمل مجموعاتٍ لمواجهة الاحتلال البريطاني في قرية يعبد، شمال فلسطين، وقاتل وقاوم واستشهد. فأن نعطي اسمه كرمزية للجهاد فهذا شيء جيّد

في السياق ذاته، يؤكد عبد القادر ياسين، أنه "كان لاستشهاد القسام أعمق الأثر في شباب فلسطين، خلال الثلاثينيات والأربعينيات، وأصبح القسّام رمزاً للتضحية، ما جعل المؤرخين يعتبرونه بحق 'شيخ ثوار فلسطين'".

لماذا سُمّيت "كتائب القسّام"؟

ولا بدّ هنا قبل الانتهاء من الحديث عن عز الدين القسّام، أن نشير إلى سبب تسمية "كتائب القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس في فلسطين، بهذا الاسم.

حركة حماس أسسها الراحل أحمد ياسين عام 1987، وفي عام 1991، تشكّل الجناح العسكري للحركة، تحت اسم "كتائب عز الدين القسّام".

وفي حوار سابق أجراه أحمد منصور، مذيع قناة الجزيرة القطرية، في برنامجه "شاهد على العصر"، عام 1999، مع ياسين، سأل الأخير عن سبب تسمية "كتائب القسّام" بهذا الاسم؟

وبحسب ما نقل المؤلف سيد حسين العفاني، في كتابه "شذا الرياحين من سيرة واستشهاد الشيخ أحمد ياسين"، ردّ الشيخ أحمد ياسين قائلاً: "نحن كنا نسمّي الخلايا العسكرية 'المجاهدين الفلسطينيين'، لكن الذين جاءوا بعدنا قالوا: نريد أن نسمّيها كتائب عز الدين القسّام، لأن الإخوة كانوا يتصورون أن الشهيد عز الدين القسّام كان قدوةً في الاستشهاد في فلسطين، وفي قتال اليهود والبريطانيين، ثم نفّذ عمليات استشهاد على أرض فلسطين".

وتابع الشيخ الراحل: "وهو أصلاً (أي القسّام) سوري جاء من سوريا إلى فلسطين وقاوم، وعمل مجموعاتٍ لمواجهة الاحتلال البريطاني في قرية يعبد، شمال فلسطين، وقاتل وقاوم واستشهد. فأن نعطي اسمه كرمزية للجهاد فهذا شيء جيّد".

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: عز الدین القسام نشرة فلسطین عز الدین فی کتائب القس فی فلسطین محمد عبده فی کتابه محمد عبد فی قریة فی حیفا

إقرأ أيضاً:

كتاب اسمه حيفا

ما إن تفتح كتاب «الكلمة التي صارت مدينة» حتى تصعد إلى وجهك، مثل ينبوع مرح، حيفا الفلسطينية كاملةً بوضوحها الأنيق، وجمالها الطازج غير المنهوب. حرّر جوني منصور كامل حيفا من ميناء وجبل، مستعيدا كامل ذاكرتها، وأزمانها قبل أن تدهمها رؤى الغزاة المسيانية. لا شيء يبقى خارج التحرير في كتاب جوني معلم التاريخ المخلص والناشط الآن في جمع ذاكرات القرى الفلسطينية المهجّرة. استعاد المعلم هدوء حيفا وسلامها، مستدرجا ضحكات الحيفاويين والحيفاويات على شواطئ المتوسط، واسترخاءهم الصباحي بملابس النوم على أرائك وأسرّة، واستدعى بالصور والحكايات شرفات بيوت المدينة، ومشافيها وعائلاتها وعمال مينائها وبحارتها وفناراتها وصحفها وأدباءها وأعيادها وسفنها، ومسارحها وسكة حديدها وعرباتها ومدارسها وبرجها.

لا يقاوم قارئ الكتاب الرغبة في الصراخ (هذا إذا كان من النوع الذي يقاوم البكاء)، وهو يشاهد ما كان من حيفا، وما بقي منها، كل ما نراه في كتاب حيفا المحرّرة، يقتل ويغيظ، لكنه أيضا يحيي ويُنهض. كيف سيتحمل الفلسطيني رؤية الفارق، وهو يشاهد مرقصا مُقاما على أنقاض مدرسة، أو مشفى للأمراض النفسية، منتصبا على بقايا مبنى لجريدة شهيرة؟ كيف سيتحمل قلب الفلسطيني رؤية ساحة الحناطير، وقد صارت ساحة باريس؟ كيف سيفهم ما الذي حدث؟ ولماذا حدث؟ أليس موتا صغيرا ذلك الفارق؟

من جهة أخرى، تبدو جليةً حقيقة ضرورة كتابة حيفا، وباقي مدن فلسطين صورا وقصصا، خصوصا للأجيال التي تأتي الآن، والتي ستأتي مستقبلا، في مناخٍ منقوعٍ في طين الهزيمة حتى العنق.

هذا الكتاب صاروخ هادئ وسيل من التظاهرات الصامتة، مدافع من ذاكرة نار تتأبى على الانطفاء. ليس للفلسطيني المقتول قليلا والمحاصر إلا من أن يستعيد ويتذكّر ويحلم، فالموت الكامل هو غياب الحلم، لا تموتوا بشكل كامل أيها الفلسطينيون، تزوّجوا من الحلم، وأنجبوا كثيرين من أطفال الأمل. هزيمة الجغرافيا حادثة قتل، لكن هزيمة الذاكرة مجزرة، كل هذا يقوله كتاب: (حيفا الكلمة التي صارت مدينة).

الكتاب الضخم صادر في حيفا عام 2015 على نفقة الباحث، بذل فيه جهدا خارقا للوصول إلى قاع ذاكرة حيفا، بمساندة توثيقيةٍ من أصدقائه ومعارفه وأبناء مدينته، مثل حنا أبو حنا ورياض فاخوري وعباس شبلاق وغيرهم... قصة حيفا هي قصة مدن فلسطين كلها، فهذه المدينة التي يصفها جوني منصور بالجنة هي شقيقة يافا وعكا اللتين يصفهما أبناؤها بأراضي الله الشهيّة.

كم أحلم بكتابٍ لكل مدينةٍ في فلسطين مثل هذا، كتب تنهض فلسطين من رمادها، تنهضها بالصور والقصص، تنتشل وجهها القديم من البئر الذي ألقي فيه، ليس هذا مستحيلا، هذا متاح وسهل، يحتاج فقط إلى روح من العزيمة، وجهد كثير، ويحتاج إلى فلسطين داخلنا.

لا أفوّت فرصةً لحضور محاضرات جوني منصور في رام الله عن تاريخ المكان الفلسطيني، المشطور بالصورة والحكاية.

من يستمع إلى جوني، وهو يحاضر عن حيفا التي خطفوها، وكسروا معالمها، لا يشعر بالخوف عليها، ثمّة كائن اسمه الأمل يجلس قربه وهو يتحدّث، ثمّة عزيمة على حماية روح المكان، ثمّة مظلوم مصمم على إزالة الظلم، ثمّة شعب حي يقدم نموذجا أعلى في البقاء والصمود، على الرغم من كل محاولات التهويد والطمس.

جوني منصور أحد مثقفي فلسطينيي الداخل لم يثبتوا فلسطينيتهم، فهذه الهوية لا تثبت بل تعاش، قرّروا أن يكونوا شعلاتٍ دائمة الاشتعال لإنارة الطريق وحفظ الصوت.

قرّر الحيفاويون أن «ساحة باريس» ليست سوى فكرة لا معنى لها في يومياتهم، وتغيير اسم شارع أو ساحة لا يغيّر ما في قلوب الناس، ما زالت الحناطير تسرح وتمرح في ذاكرة المكان، لا قدرةَ لأحدٍ على لجمها.

جوني منصور

جوني منصور (1960-) مؤرخ فلسطيني من فلسطيني 48، ولد في حيفا، يعمل محاضرا في قسم دراسات التاريخ في كلية الأكاديمية في بيت بيرل، خبير في الشرق الأوسط الحديث، وله اهتمام بتاريخ فلسطين الحديث والمعاصر، والقضية الفلسطينية، ومدن فلسطينية وخصوصًا حيفا.

مقالات مشابهة

  • تقدم أمام محكمة دمت الإبتدائية م الضالع الأخ محمد حمود الظاهري بطلب تصحيح اسمه
  • رئيس الكتائب يستقبل المجالس البلدية للكحالة ودلبتا وبقعاتة عشقوت
  • كتاب اسمه حيفا
  • يعلن شرف الدين محمد الشريف عن فقدان سجل تجاري
  • تامر حسنى أو محمد رمضان .. إيناس عز الدين تكشف عن رغبتها فى غناء دويتو مع هذا الفنان .. فيديو
  • فلسطين تطالب بوقف إطلاق النار بغزة بالتزامن مع هدنة إيران وإسرائيل
  • القس أندريه زكي يهنئ الرئيس والمصريين بمناسبة العام الهجري الجديد
  • الكتائب حذر من الالتفاف على القرار الوطني: لتحسم الدولة خيارها بقرار صريح
  • أندريه زكي يهنئ الرئيس السيسي والمصريين بالعام الهجري الجديد
  • تأجيل استئناف المتهم في قضية تلميذ دمنهور على حكم المؤبد لجلسة 21 يوليو