صدى البلد:
2025-10-09@13:47:05 GMT

محمد الغريب يكتب: الطريق إلى حطين الثانية

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

الخامس والعشرون من ربيع الثاني، تأريخ يتجدد لكنه لا ينسى وسط زخم أحداث حامية الوطيس في مأوى الخليل ومهد المسيح ومسرى الحبيب، تاريخ يترقبه المسلمون هذا العام بعد طوفان الأقصى الذي هز أركان قضية السبعين عامًا، ومع تخبط المشاعر بين قلق وفرحة، حزن وسعادة، اليقين واليأس، تبقى حاضرة حطين شاهدة على أمجاد وبطولات أمة ربما يستعيدها الزمان ولو انقضى عليها نحو تسعة قرون.


في الـ 25 من ربيع الآخر لعام 583 هـ، كانت المعركة الفاصلة بين الناصر صلاح الدين الأيوبي وأذناب أوروبا من الصليبيين، بعد أن يأس المسلمون أن يعود إليهم أقصاهم سِلمًا أم قاتلًا، وحسبما يروي المؤرخون ويسطرون كيف كانت حال أمتنا الإسلامية يوم أن سقط بيت المقدس في أيدي الغرب الصليبي من تفرق وشتات واستقواء بالعدو على الأخ الشقيق، وكيف تحول الأمر مع استرداد المسجد الأقصى على يد صلاح الدين الذي طهره يومًا من دنسهم وخناريرهم، ما يغرس الأمل ويقوي اليقين، ولعل تكرار ذلك قريبًا.

فمع التوجس والقلق السائدين في الوقت الراهن من أن تسفر العمليات الإرهابية للصهاينة عن إبادة للشعب الفلسطيني الأبي والمرابط في غزة أو ارتكانهم للتهجير قسرًا، حق لنا أن نتساءل: أي إرهاب استطاع أن يدوم؟!، وأي بلاد كتب عليها أن تدنس مهما طال أمد المستعمر أو توهم  غفلة الزمان عنه إلى غير خروج؟!، قال تعالى: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ».

ولربما تدمى الأعين وتنفطر القلوب على ارتقاء البراءة في مهدها على مرأي ومسمع من عالم منقسم بين المؤازرة لعدو مغتصب كاشف لأقنعة المتشدقين بما يُزعم إنسانية وشرعية دولية، وآخر مكلوم نظن أن الدعاء في حقه إبراء للذمة وأن الشجب والإدانة ترفع عار هذه الأمة. مأساة قد تكون كاشفة للمتخاذلين والمتصهينين إلا أنها في الوقت عينه بارقة أمل في أن تعود حطين وأمجادها، فمع قلة حيلة شعب جوع وحُصور واستبيحت أرضه وماله وثرواته إلا أنه حقق مالم يحققه آخرون يدعون أنهم أحرار.

 

بقي أن استبشروا فلقد اقترب النصر، فتلك قناعتي الشخصية بمقدرة مصر أن تكون رقمًا مهمًا في المعادلة كما كانت في حطين الأولى، كما أنه لم يكن صلاح الدين بساحرٍ أو أوتي ما كان لسليمان من جنود الجن والإنس، ولم يكن المسلمون يومئذ بأفضل حال مما نحن فيه فسُبق بمن خان وأحيط بمن باع؛ إلا أنه قد توافرت لديه أسباب النصر، فوفق ما ذكره محمد علي الصلابي في كتابه «صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الأموية وتحرير بيت المقدس»، فإن أهم الدروس والعبر والفوائد في تحرير بيت المقدس، تتمثل في أهمية العلماء الربانيين في إيقاظ هذه الأمة، وتنشئة أجيالهم على عقيدة الإسلام الصحيحة، وتحرير الولاء لله ورسوله والمؤمنين، ووحدتهم، ووضوح رايتهم.

 

آن الأوان أن نلتف حول كتاب الله لنعتصم ونتحد ونعد العدة والعتاد، فلقد كان للقرآن وقعه في نفوس المسلمين، فقال عنه غلادستون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق: «ما دام هذا – أي المصحف- في عقول المصريين وقلوبهم فلن نقدر عليهم أبدا»، فللمقاومة النابعة من عقيدتنا وقع السحر في مواجهة هؤلاء فبها يقذف الله الرهبة في قلوب عدوكم ولنا في مشاهد الفزع والفرار يوم السابع من أكتوبر ما يبرهن وهن هؤلاء الشرذمة، يقول الحق سبحانه: "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ".

ختامًا بات اليوم متوافرًا لهذه الأمة من أي وقتٍ مضى ومنذ انكسارها في العام 48 أسباب النصر على الكيان الصهيوني اللقيط بعد أن كثر عداءه وتعدد كارهوه، وأحيط ببغضاء وكراهية الحجر والشجر، وعلها بشارة لوعد رسولنا الكريم بأن الحجر والشجر سيكونان من أسباب الظفر بهم والانتصار عليهم، وعزاؤنا لشهداء فلسطين أن دمائهم تروي أشجار حطين الجديدة وأرواحهم تحرسها، وإنا في لقاء ربنا راغبون.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلاح الدین

إقرأ أيضاً:

اليمن في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى.. تضحيات متجددة على طريق القدس

يمانيون|تقرير*
يوافق السابع من أكتوبر 2025م، الذكرى الثانية لمعركة “طوفان الأقصى” التي شكلت نقطة تحول في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهدين العربي والدولي بعد أعوام من محاولات التهميش والإقصاء.

مثلت تلك المعركة، التي دشنتها المقاومة الفلسطينية من قلب غزة، ملحمة تاريخية كشفت هشاشة الكيان الصهيوني رغم تفوقه العسكري والتقني، وأكدت أن إرادة الشعوب قادرة على كسر قيود الحصار وإعادة رسم موازين القوة.

ليلة السابع من أكتوبر 2023م، كان القائدان الشهيدان يحيى السنوار ومحمد الضيف يضعان اللمسات الأخيرة للهجوم الأكبر من نوعه منذ عقود على كيان العدو، في عملية قلبت موازين الصراع وأوقعت في صفوف عصاباته ومستوطنيه مئات القتلى والأسرى، وألحقت بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر تقدر بأكثر من 140 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 40 مليار دولار.

أعادت معركة “الطوفان”، التي تصدرت تنفيذها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة “حماس” بالتنسيق مع فصائل المقاومة الأخرى، القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد سنوات من التهميش، وأحيت في نفوس الأحرار روح المقاومة والعزة، كما أعادت بوصلة الاهتمام العربي والإسلامي إلى القدس، لتعود فلسطين مجددًا محور الحديث الإقليمي والدولي.

لم تكن المعركة مغامرة عاطفية أو عملاً عبثياً، بل كانت ضرورة وطنية وإنسانية جاءت من رحم المعاناة الطويلة والحصار الخانق، ومن تراكم الغطرسة الإسرائيلية في غزة والضفة والقدس، نفّذتها المقاومة بجرأة غير مسبوقة، فأسقطت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” وكشفت هشاشته أمنياً وعسكرياً رغم تفوقه التقني والاستخباراتي.

لقد أحدثت العملية زلزالاً سياسياً وعسكرياً في كيان الاحتلال وأربكت منظومته الأمنية والعسكرية، ففي غضون ساعات، كانت آلاف الصواريخ والقذائف تنهال على مواقعه وثكناته ومطاراته، فيما اخترقت وحدات من المقاومة تحصيناته عبر البر والجو لتنقل المعركة إلى عمق مستوطنات “غلاف غزة”.

رد الكيان الصهيوني بإعلان حربٍ شاملة على غزة، وفرض حصارٍ خانق، وأطلق عملية عسكرية واسعة أسماها “السهم والدرع”، ارتكب خلالها أفظع الجرائم بحق المدنيين، فدمر المنازل والمستشفيات والمدارس، وقتل الآلاف من الأبرياء، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.

كانت المقاومة الفلسطينية تدرك أن “طوفان الأقصى” سيكون مكلفاً، لكنها آثرت طريق العزة على الاستسلام، فالتضحيات مهما عظمت تبقى زهيدة أمام واجب الدفاع عن الأرض والكرامة والتحرر من نير الاحتلال الذي جثم على فلسطين منذ أكثر من ثمانية عقود.

شكلت معركة “الطوفان” ملحمة أسطورية فريدة في التاريخ العربي الحديث، إذ وحدت أحرار العالم لتوجيه بوصلة العداء نحو عدو الأمة، وفضحت جرائم الكيان وشريكه الأمريكي، لتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في وجدان الأمة، وتضع إسرائيل في عزلة دولية خانقة نتيجة سجلها الإجرامي بحق المدنيين.

برز الموقف اليمني خلال هذه المعركة كأحد وأبرز المواقف العربية الداعمة للشعب الفلسطيني، حيث عبرت القيادة اليمنية والشعب اليمني عن وقوفهما الثابت إلى جانب المقاومة سياسياً وإعلامياً، وصولاً إلى الإسناد العسكري عبر استهداف مواقع العدو وسفنه في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، ما كبده خسائر اقتصادية فادحة.

وعلى الرغم من حجم التضحيات التي قدمها اليمن منذ انطلاق “طوفان الأقصى”، مضى الشعب اليمني بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي ثابتاً على نهج الدعم والمساندة، موجهاً صواريخه ومسيراته نحو العدو في عمق الأراضي المحتلة دفاعا عن فلسطين وكرامة الأمة.

وبعد مرور عامين على عملية “طوفان الأقصى”، يخوض أحرار الأمة معركة تحررية وجودية مع قوى الهيمنة والاستكبار الأمريكي والإسرائيلي والقوى الغربية المشاركة في سفك دماء أبناء الشعوب الحرة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وإيران، التي تحاول تثبيت مصالحها في المنطقة والسيطرة على ثرواتها وخيراتها وإذكاء النزاعات بين الأشقاء والأصدقاء، ورغم قسوة التحديات، فإن إرادة الشعوب الحرة تزداد صلابة في وجه الطغيان.

سيبقى يوم السابع من أكتوبر 2023م علامة بارزة ومحطة فارقة في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، مهد الطريق لأحرار العالم، وفي المقدمة أبطال المقاومة الفلسطينية، للمضي قدماً في صناعة فجر الانتصارات التي طال انتظارها، وإن كانت الأيام المقبلة صعبة ومؤلمة، فإن النهاية وفق ما يراه أصحاب القضية ستكون انفراجة كبرى ونصراً بلا حدود.
* نقلا عن وكالة سبأ.

#الذكرى_الثانية_لطوفان_الأقصى#اليمن_طوفان_الأقصى

مقالات مشابهة

  • ضمانات أمريكية.. مصر ترفض الوجود الإسرائيلي الدائم بمحور صلاح الدين
  • وليد صلاح الدين: عماد النحاس رفض منصبًا فنيًا بقطاع الناشئين في الأهلي
  • اليمن في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى.. صمود وإسناد لا ينكسر
  • وليد صلاح الدين: فخورون بالتأهل التاريخي لكأس العالم
  • وليد صلاح الدين: الخطيب اختارني لخلافته في الملاعب
  • صلاح الدين آدم تور يشيد بجهود وزارة الطاقة والنفط في إعادة إعمار ولاية الخرطوم
  • اليمن في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى.. تضحيات متجددة على طريق القدس
  • سياسي بالحزب الحاكم: لن يُفرج عن صلاح الدين دميرطاش!
  • وزير الأوقاف يشهد احتفال الأزهر بالذكرى الثانية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة
  • الرئيس السوري بسابقة تاريخية.. إلغاء عطلة «حرب أكتوبر» يثير الجدل العربي!