كان الهجوم غير المتوقع الأخير الذي شنته حماس وحلفاؤها في "محور المقاومة" ضد إسرائيل سببًا في تحطيم آمال أوروبا في الاضطلاع بدور سلمي في الشرق الأوسط....وقد أثبت هذا الهجوم لأوروبا أن قوتها الناعمة في الاقتصاد، والثقافة، والتنمية، والتكنولوجيا غير فعّالة في منطقة تسود الانقسامات العميقة بين العرق والدين والسياسة والأرض.

ولن تتمكن أوروبا، التي تم تهميشها في اللعبة الجيوسياسية للمنطقة، من متابعة مصالحها ونفوذها في الشرق الأوسط.

والواقع أن تصرفات حماس المدمرة ضد إسرائيل ذكّرت مرة أخرى الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية بأن السبب الجذري لعدم الاستقرار والعنف في هذه المنطقة هو الاحتلال الإسرائيلي، وأنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم أو وقف التصعيد دون معالجة هذه المشكلة.

لقد أظهرت هذه الحرب مرة أخرى للقوى الإقليمية وخارجها أنه لا يمكن تجاهل الواقع أو إنكاره إلى أجل غير مسمى.

وجاء تصرف حماس بمثابة صدمة للحكومات والشركات الأوروبية، ولكن ليس للخبراء الأوروبيين الذين توقعوا منذ فترة طويلة اندلاع انتفاضة ثالثة في الشرق الأوسط، وتصاعد الغضب الفلسطيني ضد تصرفات إسرائيل.

وقد حذرت مؤسسات الفكر والرأي الأوروبية مرارا وتكرارا من أن السياسات التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا على الإطلاق، والتي تواصل بناء المستوطنات غير القانونية في الأراضي المحتلة، وتنتهك حرمة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، قد دفعت الحالة في الأراضي المحتلة إلى حافة الانفجار

ومع ذلك، فإن الحكومات والسياسيين الأوروبيين، الذين أعماهم ما يسمى باتفاقيات التطبيع “الإبراهيمية” بين إسرائيل وبعض الدول العربية، حلموا بصفقة كبيرة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، واعتقدوا بسذاجة أن الشرق الأوسط أصبح الآن جاهزًا للاستثمار والتكنولوجيا الأوروبية

إن تطلعات المملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى خطط تعاون اقتصادي ضخمة مع الدول الأوروبية غذت وهم النفوذ الأوروبي.... ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت الدول الأوروبية مشاريع طموحة مثل ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط والتعاون التكنولوجي المكثف مع الدول العربية.

لكن عملية حماس المفاجئة، كشفت أن استراتيجية النفوذ من خلال القوة الناعمة والقوة الاقتصادية هي استراتيجية محكوم عليها بالفشل في الشرق الأوسط.

كان على أوروبا، التي تعتبر جهة فاعلة غير ذات أهمية جيوسياسية في الشرق الأوسط وفقًا لمراكز الأبحاث الأوروبية، أن تواجه واقع التوترات الجيوسياسية في المنطقة عاجلًا أم آجلًا.

ولذلك فإن الشرط الأساسي لتصميم أي استراتيجية نفوذ في الشرق الأوسط هو وضع استراتيجية أوروبية متماسكة وعادلة للتوترات الجيوسياسية في هذه المنطقة، وتحديدًا القضية الفلسطينية.

إلا أن افتقار أوروبا إلى القوة الصارمة، والخلاف الواضح بين الدول الأوروبية بشأن قضية السلام في الشرق الأوسط، كان من الأسباب التي جعلت من الصعب على أوروبا أن تبتكر مثل هذه الإستراتيجية.

إن اختلاف الدول الأوروبية حول ما إذا كان يجب تعليق أو مواصلة المساعدات للفلسطينيين بعد هجوم حماس هو دليل على هذا الادعاء؟.

وهناك قضية أخرى تتلخص في نقاط الضعف الأمنية التي تعاني منها أوروبا، وخاصة فيما يتصل بالحرب في أوكرانيا وضد روسيا، واعتماد أوروبا أمنيًا على الولايات المتحدة، وهو ما يمنع أوروبا من اتخاذ موقف مستقل بشأن القضية الفلسطينية.

لقد كشف الصراع في غزة مرة أخرى عن عدم أهمية أوروبا على الصعيد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، الأمر الذي وضع القارة في موقف دفاعي ضد المنطقة وحطم حلم خطط التنمية الأوروبية في المنطقة.

ومع تصاعد خطر الحرب في غزة وتحولها إلى حرب إقليمية، فضلًا عن تزايد الكراهية بين الجمهور العربي، فإن التهدئة في المنطقة سوف تتوقف، ولن يكون أي مستثمر أو شركة تكنولوجيا أوروبية على استعداد للعمل في مثل هذه المنطقة عالية المخاطر

علاوة على ذلك، سيتم أيضًا تعليق المشاريع الطموحة مثل ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.

ستزيد هذه الحرب أيضًا من احتمالية حدوث موجة جديدة من الهجرة الجماعية إلى أوروبا، وأيضًا، بسبب العدد الكبير من المهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، فإنها ستؤجج التوترات بين هؤلاء السكان والمجتمع المضيف، وتهدد الأمن الداخلي للدول الأوروبية.

وسوف تبقي هذه الحرب أوروبا مرة أخرى، في وضع جهة فاعلة تابعة ومعتمدة على الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال، سوف تجلب المزيد من التكاليف لأوروبا لتمويل حرب أوكرانيا مع روسيا.

في الختام، في عالم نشهد فيه عودة الحروب التقليدية والمنافسات الجيوسياسية، فإن الاعتماد على الأدوات الناعمة فقط لن يضمن النجاح.

ويصدق هذا بشكل خاص في منطقة مثل الشرق الأوسط، والتي تحددها في المقام الأول صراعاتها الجيوسياسية، وأبرزها الصراع المستمر منذ قرن من الزمان بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ومن هنا فإن التطلعات الأوروبية إلى ممارسة نفوذ خفي في المنطقة، والأوهام العربية في استرضاء شعوبها، كانت مجرد أوهام، أوهام تحطمت في مواجهة الصراع في غزة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي حزب الله أوروبا الدول الأوروبیة فی الشرق الأوسط فی المنطقة مرة أخرى

إقرأ أيضاً:

نتنياهو.. الحرب مع إيران والعين على الشرق الأوسط كله

"سنرى شرق أوسط مختلفا لم نره من قبل" ربما كانت هذه العبارة هي الأهم في سلسلة تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يومين، في خضم العدوان الذي تشنه إسرائيل على إيران منذ 13 يونيو/حزيران الجاري.

وجاءت هذه العبارة في سياق حديثه عن افتخاره بتوجيه إسرائيل ما وصفها بضربة قاصمة لقيادة إيران العسكرية وعلمائها النوويين، وتعهده بمواصلة تدمير مستودعات إنتاج الصواريخ الإيرانية، والقضاء على مشروعها النووي.

وقد يكون التهديد لبلد تخوض حربا معه أمرا معتادا ومتوقعا، لكن اللافت في الفترة الأخيرة أن تصريحات نتنياهو تتضمن حضورا متكررا لمصطلح الشرق الأوسط والحديث عن تغييره، خصوصا عندما يتحدث عن حروبه المتعددة سواء ضد المقاومة في قطاع غزة الفلسطيني أو ضد حزب الله اللبناني أو ضد إيران.

وإذا تتبعنا هذا الحضور في تصريحات نتنياهو خلال الأشهر الأخيرة لوجدنا التالي:

في 30 سبتمبر/أيلول 2024 وبالتوازي مع حملة عسكرية على حزب الله، قال نتنياهو:
"إسرائيل تتبع خطة منهجية لاغتيال قادة حزب الله بهدف تغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط".
"تنتظرنا أيام مليئة بالتحديات. لقد سحقنا حماس في غزة وسنحارب كل من يهدد مصالحنا". في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024 وفي خضم حربه على غزة ولبنان، قال نتنياهو:
"إسرائيل تقوم في الوقت الحالي بتغيير وجه الشرق الأوسط، لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحديات كبيرة، ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقا". في السادس من يناير/كانون الثاني 2025، قال نتنياهو في تصريحات أوردتها صحيفة معاريف:
"نحن في مرحلة تغيير أساسي في الشرق الأوسط". في 2 فبراير/شباط 2025، وقبيل مغادرته إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي، قال نتنياهو:
"سأبحث معه قضايا إستراتيجية، وسيمكن التعاون مع إدارة ترامب إسرائيل من تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، وسيؤدي إلى تغيير الشرق الأوسط، وتعزيز أمن إسرائيل، وتحقيق الازدهار عبر القوة". في 7 مايو/أيار 2025 وبالتزامن مع قصف إسرائيلي لمطار صنعاء في اليمن، قال نتنياهو:
"لا أستهين بالتحديات التي تنتظرنا. كلي ثقة بإرادة شعبنا ومقاتلينا لتحقيق مهمة النصر".
"هذه المهمة لا تتعلق فقط بهزيمة حماس، بل إطلاق سراح المختطفين وتغيير في وجه الشرق الأوسط".
"هذه ليست مهمة سهلة، ولكنها قابلة للتحقيق". إعلان

وإذا كان تكرار عبارة تغيير الشرق الأوسط لا تخطئه عين المتابع، فإن القضية الأهم هي: ما الذي يقصده نتنياهو من وراء ذلك؟ وهل تتولد ردود فعل مضادة من دول المنطقة؟

هل الأمر جاد؟

ربما يتساءل البعض في البداية عما إذا كانت هذه التصريحات جادة وخطيرة فعلا أم أنها مجرد تصريحات، والحقيقة أن ما يجعل الخيار الأول هو الأكثر ترجيحا هو تكرارها على لسان أحد أقوى زعماء إسرائيل عبر تاريخها الذي يرجع إلى عام 1948 عندما أعلنت العصابات الصهيونية إقامة دولة على أرض فلسطين.

ويزيد من خطورة الأمر أنها ليست مجرد تصريحات تتكرر، بل هي حديث عن مستقبل تم التمهيد له في الماضي، ويتواصل ذلك بخطى أسرع في الحاضر، والشواهد من حولنا تترى في فلسطين ولبنان وغيرهما من بلاد العرب والمسلمين.

ما محاور التغيير؟

ربما يمكننا إجمال محاور التغيير -الذي تسعى له إسرائيل بزعامة نتنياهو في الشرق الأوسط- في المحاور التالية:

القضاء على فكرة المقاومة وحركاتها. ضمان التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة خصوصا الجانب العسكري، وذلك اعتمادا على الحلفاء الغربيين وفي صدارتهم الولايات المتحدة، وكذلك في المجالات الاقتصادية والعلمية. يرتبط بذلك محاولة فرض وتعزيز حالة من الردع الإستراتيجي لدول المنطقة بشكل يمنعهم حتى من التفكير في مهاجمة إسرائيل أو حتى إظهار العداء لها. تحجيم أو القضاء على القوى الكبرى في المنطقة والتي تعادي إسرائيل حاضرا أو قد تفكر في ذلك مستقبلا. القضاء على برنامج إيران النووي، بما أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمضي في هذا السياق بشكل يثير قلق إسرائيل ومن ورائها الحلفاء الغربيون وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. نشر ثقافة التطبيع وذلك عبر التركيز على تطبيع علاقات إسرائيل مع دول رئيسية في المنطقة بشكل يفتح الباب على مصراعيه أمام بقية الدول العربية والإسلامية كي تسير في نفس الطريق الذي ظل عصيا على إسرائيل على مدى عقود. يقودنا كل ما سبق إلى أحد أكبر مكامن الخطورة وهو ما يتعلق بالهيمنة على الإقليم والسعي لتغيير حدوده المستقرة، بشكل يمهد لحلم إسرائيل الكبرى الذي لم تتخل عنه إسرائيل يوما.

مقالات مشابهة

  • استعادة الريادة التكنولوجية الأوروبية
  • دولة قطر من الدول الأكثر طموحا وتأثيرا في مجال التنقل الكهربائي على مستوى الشرق الأوسط
  • نتنياهو.. الحرب مع إيران والعين على الشرق الأوسط كله
  • المفوضية الأوروبية تؤكد أن أوروبا لن تعود أبدًا إلى الغاز الروسي
  • 20 دولة عربية ومسلمة تدعو لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية
  • 21 دولة إسلامية في بيان مشترك: العدوان على إيران ينذر بتداعيات جسيمة
  • تركيا تنفصل عن الشرق الأوسط: هل تصبح ليبيا جارتها الجديدة؟
  • دون سابق إنذار.. انفجارات تهز تل أبيب ووسط إسرائيل والنقب بعد هجوم إيراني صاروخي مفاجئ
  • 21 دولة عربية وإسلامية يدينون الهجمات “الإسرائيلية” على إيران
  • ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية مع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط