آفاق الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد غزة.. تقييم لخبراء أمريكيين
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
في 23 أكتوبر 2023، عقد معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS جلسة عنوانها "آفاق الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس". أدار الجلسة سيث جونز مدير برنامج الأمن الدولي، وشارك فيها:
ـ جون ألترمان: رئيس مركز زبيغنيو بريجنسكي للأمن العالمي والجيواستراتيجية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في CSIS. وعمل سابقا عضوا في فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية.
ـ إميلي هاردينغ: مديرة مشروع الاستخبارات والأمن القومي والتكنولوجيا فيCSIS . وعملت في وكالة المخابرات المركزية. ولديها خبرة في مكافحة التجسس ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.
ـ دان بايمان: زميل أقدم في مشروع التهديدات عبر الوطنية التابع لدائرة الاستخبارات الأمنية الكندية. وهو أيضا أستاذ في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون.
ـ تجيب الجلسة على سؤال مهم: هل ستنجح إسرائيل في تحقيق هدفها من الحرب، وهو القضاء على حماس؟
ونقدم للقراء الكرام أهم ما تناولته هذه الجلسة المهمة:
المقاومة فكرة لا تموت
الإسرائيليون مصدومون للغاية، وهدفهم سحق حماس. لكن المشكلة تكمن في الأيديولوجية والفكرة التي تقوم عليها حماس. ويرجع دعمها إلى أنها تمثل مقاومة لما يعتبره الفلسطينيون هيمنة إسرائيلية.
أحد أهم دروس الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم القاعدة هو أنه لا بد من فصل تنظيمات المقاومة عن السكان الداعمين لها. بالنسبة للإسرائيليين، لا توجد علامات مطلقا أنهم يفكرون في ذلك. إنهم يتحدثون فقط عن السحق والتدمير دون إعطاء الفلسطينيين مسارا سياسيا مرغوبا فيه لديهم. وعليه، فالحديث المتكرر عن سحق حماس وتدميرها لن يقود إسرائيل إلا إلى حرب ممتدة. وغزة محاصرة تماما، ويقاتل الفلسطينيون من أجل بقائهم. كما أن حماس ليست كالقاعدة. وهي هدف أصعب منها بكثير:
ـ فكرة المقاومة متجذرة بعمق في المجتمع الفلسطيني الأوسع.
ـ حماس متجذرة في المجتمع الفلسطيني من خلال شبكات واسعة: اجتماعية ودينية وتعليمية.
ـ تنظيم القاعدة منظمة أًغر بكثير من حماس. وقد بالغت الولايات المتحدة في حجم القاعدة.
سيكون اقتلاع حماس أصعب بكثير إلى درجة تجعل إسرائيل في حاجة إلى التفكير بشكل أكثر واقعية. فلا يمكنك تدمير فكرة. فالفكرة أخطر من أي شخص أو منظمة. وبينما يسعى الإسرائيليون لتحقيق هدفهم، فلن يستطيعوا خلق بديل لحماس. وقد تسعى أطراف في المنطقة إلى تكوين بديل لها. لذا، سيكون لدى إسرائيل توازن صعب للغاية على المدى القصير والطويل. على المدى القصير، ستحتاج إلى وقف التهديد. أما على المدى الطويل، ستحتاج إلى دعم الحكومات الإقليمية لخلق بديل لحماس.
التحديات الاستخبارتية للقضاء على حماس
مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي من بين الأفضل في العالم. لكن ما حدث يوم 7 أكتوبر هو فشل استخباراتي يرجع إلى ثلاثة أسباب أساسية أدت إلى كارثة مروعة في الساعات الأولى من الحرب:
ـ فشل في جمع البيانات والمعلومات: المواد التي كانت تجمعها الاستخبارات الإسرائيلية لم تكن كافية كمؤشر على هذا الهجوم الضخم. لقد تركوا بعض شبكاتهم البشرية في غزة تضمر على مر السنين. وربما أعماهم الاعتماد المفرط على الجمع التقني الذي هم فيه الأفضل في العالم. وربما افترضوا أن ذلك سيزودهم بالمعلومات الكافية لرؤية مؤشرات الهجوم. وربما تكون حماس قد تصرفت بحرفية ممتازة لمنع هذه المجموعات من رؤية تلك المؤشرات.
ـ فشل تحليلي: لو كان لديك قطع صغيرة هنا وهناك تشير إلى وجود شيء ما، ولم تضع هذه القطع معا، ستفشل في التحليل، وهو عانى منه مجتمع الاستخبارات الأمريكي في التجارب السابقة.
ـ فشل تحذيري تكتيكي: في يوم الهجوم كانت هناك أجهزة استشعار تلتقط الحركة؛ لكن حماس استغلت نقطة فشل واحدة في النظام لإخراج أبراج الهواتف المحمولة بحيث كانت إسرائيل عمياء عما كان يحدث على طول السياج الحدودي، ومن ثم لم تستطع الرد.
فشل في الفهم والخيال
أقنع الإسرائيليون أنفسهم بأنهم فهموا الفلسطينيين. ويتحدثون منذ سنوات عن جز العشب، فما عليك إلا أن تذهب إلى الفلسطينيين، وتعلمهم درسا مستداما يكون رادعا لهم. وعندما يتحدث الأمريكيون عن الحاجة إلى التحرك في عملية سلام عربية إسرائيلية، وفلسطينية إسرائيلية، ودولة فلسطينية؛ سيقول الإسرائيليون للأمريكيين: إنكم لا تفهمونهم، نحن نعيش معهم، ونفهمهم ، وهذا هو الأفضل عندنا.
من المؤكد أن تلك الثقة الإسرائيلية المفرطة بالنفس، والثقة بأنهم يفهمون حدود الفلسطينيين، وكيفية التلاعب بهم، وكيفية إبقاء طموحات حماس محدودة، هو فشل واضح.
صعوبة الحملة العسكرية
كل جيش، مهما كان جيدا جدا، يكره القتال في المدن، حيث يتم فيها إبطال الكثير من مزاياه. وعلى الرغم من وسائل الاستطلاع والمراقبة، والنيران بعيدة المدى، والقدرة على المناورة عبر مناطق شاسعة؛ إلا أن أي جيش لا يمكنه القيام بأي من ذلك بشكل فعال في بيئة حضرية مبنية. وكل ذلك يتيح لمجموعات مقاتلين صغيرة، كالتي توظفها حماس، شن مقاومة فعالة جدا ضد القوات الإسرائيلية. وهناك شيئان آخران يجعلان الأمر صعبا بشكل خاص في غزة:
ـ الكثافة العمرانية في غزة وأنفاق حماس في جميع أنحاء القطاع، مما يمكنها من إخفاء قادتها ومخابئ الأسلحة، ونقل المقاتلين بسرعة، ومفاجأة القوات الإسرائيلية بكمائن خلف خطوطها، وربما أيضا أسر المزيد من الجنود، وزيادة عدد الرهائن.
ـ احتمال قتل الرهائن بنيران القوات الإسرائيلية المهاجمة. وهذا مصدر ضغط شعبي وقلق دائم لإسرائيل، وللدول الحليفة بما في ذلك الولايات المتحدة.
لعبة القط والفأر
يشهد كامل القطاع، وخصوصا في الشمال، دمارا هائلا جدا. لذا، فإن حماس لحماية أفرادها وقيادتها ستنتقل من أي مكان تكون فيه إسرائيل أضعف، فيما يشبه لعبة القط والفأر. ستحاول حماس تجنب الأمكان التي تركز عليها إسرائيل، وتركز على نقاط الضعف. وبالإضافة إلى العمليات العسكرية التقليدية، سنرى الكثير من الغارات السريعة لقوات حماس الخاصة عندما إكتشاف إسرائيل مكان وجود قادة حماس أو الرهائن لإلحاق إصابات بالجيش الإسرائيلي ومنعها من استهداف قادتها أو تحرير الرهائن.
الدعم الشعبي العربي والعالمي للقضية الفلسطينية
أدى هجوم إسرائيل على المنشآت المدنية كالمستشفيات إلى نتائج داعمة للفلسطينيين وحماس. حتى إن حكومتي الإمارات والسعودية اللتين تعاديان بشدة حماس، قامتا بانتقاد إسرائيل رغم العلاقة الاستراتيجية كاملة بينهم؛ لأن الجمهور رأى هذه الصور، وسمع الرواية، وانخرط فيها. يدحض رد فعل الرأي العام العربي ما أمن به الكثير من أن قضية فلسطين لم يعد الكثير من العرب يهتم بها.
كان لصور هذه الهجمات القدرة على إيصال الرسالة الناس على الفور تقريبا، وتفاعلهم معها. وهذا ما قاله الجميع تقريبا، بما في ذلك الكثير من القادة العرب. ومن الواضح أن القضية في الواقع مهمة للغاية.
دور الدول العربية في مستقبل غزة
عندما يهدأ الغبار، سيتعين بذل جهد عربي مشترك. ويجب أن يكون هناك دور مركزي لمصر، وأخذ رأيها حول مقدار ما يجب اقتلاعه من حماس، وحول المنظمات التي سيُسمح لها بالبقاء، وذلك بناء على ما لديها من أشخاص واتصالات على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
وتلعب الدول العربية دورا حيويا للغاية في توفير الغطاء لأي بيئة سياسية ستنشأ في غزة. وهي تدعم بطريقة السلطة الفلسطينية التي تخلى عنها الكثيرون بعد أن أصبح محمود عباس رئيسا بعد 14 عاما من انتهاء ولايته، ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه غير شرعي وغير فعال وفاسد.
وللسعودية دور مهم. فلديها المال والحرمان الشريفان، وترأس منظمة المؤتمر الإسلامي. وهذا ما جعل إسرائيل تهتم بالحصول على اعترافها الرسمي. أما قطر، فدورها غير مركزي لعلاقة التعاون الطويلة والإيجابية للغاية مع حماس. وسيلعب الأردنيون دورا؛ لكن الدور المصري هو الأكثر أهمية لما لها من حدود، وبيروقراطية فعالة يمكنها التنفيذ، وعلاقاتها الأمنية الطويلة مع غزة، ومصلحتها في أمن غزة.
الوضع الأمني في المنطقة
تعرضت الولايات المتحدة للقصف في سوريا في قاعدتين مختلفتين حيث لدى الولايات المتحدة بعض الجنود بالقرب من الحدود السورية الأردنية. ويزعم الحوثيون أنهم أطلقوا صواريخ كروز ومسيرات باتجاه إسرائيل أسقطتها الولايات المتحدة. وفي العراق، رأينا أيضا استهداف قاعدتين للولايات المتحدة. وهناك نشاط على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وهناك لدينا مخاوف أمنية لدى الولايات المتحدة بشأن التوترات المتصاعدة في المنطقة.
إن احتمال تحول الصراع إلى صراع إقليمي يأخذ وضعا فظيعا بالفعل، ويمكن أن يحوله إلى كابوس. ويمثل أولوية قصوى للولايات المتحدة، ويؤثر على صنع القرار الإسرائيلي. وهناك تفسيران لهذا الاحتمال:
ـ الأول: إسرائيل ضعيفة. لذا، تريد الجهات الفاعلة الإقليمية إظهار تضامنها مع حماس، فأرسلت بعض الصواريخ؛ لكن ليس أكثر من ذلك.
ـ الآخر: ترسل إيران رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل أنها يمكن أن تضرب بقوة.
مع تزايد التوتر مع الغزو البري، وزيادة الخسائر الفلسطينية، سنرى ضغطا على عدد من هذه الجهات الفاعلة للخروج. لكن الآن، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن حزب الله وبعض الآخرين لديهم أسباب لعدم القتال.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ما تفعله إدارة بايدن بنشر حاملتي طائرات ضاربة، وإرسال مشاة البحرية، وتعزيز وجودها في المنطقة، إنما هو رسالة لدعم إسرائيل. ورسالة أيضا لإيران وحزب الله أن الولايات المتحدة منخرطة بعمق في هذا الأمر، وتريد منع تحوله إلى حرب إقليمية.
التحدي الإيراني
هناك تقارير متضاربة حول دور إيران، بعضها يقول إنها متورطة للغاية، وبعضها يقول إنها فوجئت به تماما. لذلك، لا يزال تواطؤ إيران في التفاصيل علامة استفهام. لكن من الواضح أنها كانت وراء جعل حماس أكثر قوة. إن محاولة الوصول إلى أن رؤوس القيادة الإيرانية من حاولوا أمر خطير للغاية، وستكون حساباتهم معقدة للغاية.
تتمتع إيران بعلاقة وثيقة جدا مع حزب الله اللبناني، وتمده بمئات الملايين من الدولارات. أما الحوثيون، فهم يقتربون من إيران في السنوات الأخيرة، لكنهم ليسوا كحزب الله. أما حماس، فقد تلقت أموالا وأسلحة وتدريبا من إيران؛ لكنها حاولت دائما الحفاظ على قدر كبير من الاستقلالية. ومع ذلك، فلإيران حسابات معقدة للغاية حول ما إذا كانوا يريدون المشاركة في شيء أكبر أم لا.
الضفة الغربية
يتزايد العنف في الضفة الغربية. وهناك حركات استيطانية تقول إنها في حاجة إلى حماية اليهود من نهب الفلسطينيين. وهذا يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة بسرعة كبيرة جدا. وهناك الكثير من الأمريكيين يعيشون هناك كمواطنين مزدوجي الجنسية. فإذا تدهورت الأوضاع في الضفة الغربية إلى صراع داخلي، سيكون الأمر قضية صعبة للغاية بالنسبة للحكومة الأمريكية.
عرب الداخل
يشكل السكان العرب حوالي 20% من تعداد إسرائيل. وتشير التقديرات أن 5% منهم ربما يكونون متطرفين. أي أن حوالي 50,000 من العرب الفلسطينيين متطرفون ومواطنون في إسرائيل.
قضية الرهائن
مشكلة الرهائن مشكلة مؤثرة إسرائيليا وفي الدول المتحالفة معها. وأول شيء يجب فعله هو تحديد مكان الرهائن الذين يزيد عددهم عن 200 شخص يوجدون الآن في غزة في مكان ما. قد تنتهي الغارات الإسرائيلية المكثفة بموت الرهائن. لذا، يجب العثور عليهم وإعادتهم. قد يكون من بين أهداف الغارات الإسرائيلية دفع حماس إلى التحرك حتى يتمكنوا من التقاط مؤشرات على تلك التحركات من خلال تقنيات جمع مختلفة، إذ تعمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بجد لمحاولة إنقاذ الأرواح التي يمكنهم إنقاذها.
المجتمع الدولي
هناك تحديات تواجه إسرائيل حيال نظرة المجتمع الدولي بشأن استهداف المدنيين، إغلاق الحدود، وقطع الكهرباء والماء. ترد إسرائيل، بأنه من الصعب للغاية تجنب وقوع عدد كبير من القتلى المدنيين والنزوح الكبير. حتى لو غادر الكثيرون، فإن البعض لن يغادر، والمدنيون سيكونون حتما معرضين للأضرار. وسيكون من المستحيل تقريبا على إسرائيل تجنب ذلك إذا قامت بعملية برية كبيرة بسبب طبيعة التضاريس والموقع المشترك لحماس. وهذا شيء سيكون ثمنا سيتم دفعه، وسيكون باهظا للغاية.
الرواية الفلسطينية
الرواية الفلسطينية رواية عن العدوان الإسرائيلي المستمر. وهي تحدثنا عن قصف المستشفى المعمداني، وعائلات ماتت، ومباني مدمرة، لإظهار أن إسرائيل قوة معادية وشريرة. لذلك، ليس هناك شك في أن هذا سيكون جزءا مستمرا ورئيسيا من الدعاية في السنوات القادمة. ويجب أن نقول أن الكثير من ذلك صحيح، فالناس يموتون، والعائلات تفقد أحباءها. إنه وضع مروع.
الخاتمة
هناك دمار واسع النطاق في غزة ومناطق أخرى. وسيثير ذلك أسئلة حول احتمال إعادة إعمار للمناطق الفلسطينية. يركز الإسرائيليون بشدة على ما يريدون تدميره؛ لكنهم يجب أن يضمنوا طريقا للخروج بقدر ما يمضون في المسار الحربي. إذ لا يمكن من ساحة المعركة تحديد النجاح، وإنما يتحدد بالبيئة السياسية في غزة بعد انتهاء الحرب. فالأعمال العسكرية تعطي نفوذا،؛ لكنها لا تحقق النصر أو الهزيمة. يمكن لإسرائيل أن تكون ناجحة جدا عسكريا؛ لكن إذا لم تتمكن من الحصول على نتيجة سياسية، فكل شيء يذهب سدى. لذا، ما ينبغي التفكير فيه ليس الأهداف التي يراد تدميرها؛ ولكن في الأشياء التي تحقق الأمن للإسرائيليين في المستقبل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الحرب الفلسطينيون غزة امريكا فلسطين غزة حرب تقييم كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی المنطقة الکثیر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
قائد أمريكي رفيع يرسم صورة قاتمة للإخفاقات العسكرية في أفريقيا
تدرس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إغلاق القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا بعد عقدين من الزمن، وسط ما يوصف بـ"الجهود العديدة الفاشلة لمكافحة الإرهاب".
وجاء في تقرير موقع "انترسبت" أن الرئيس جورج بوش الإبن أنشأ قيادة جديدة للإشراف على جميع العمليات العسكرية في أفريقيا قبل 18 عاما (أفريكوم)، وكان الهدف منها هو المساعدة في "إحلال السلام والأمن لشعوب أفريقيا".
وأوضح التقرير أن "إدارة ترامب تضع الآن قيادة أفريكوم على قائمة الإلغاء في إطار إعادة تنظيمها الشاملة للجيش"، إلا أنه وفقا للجنرال الذي يقودها، فإن مهمتها لم تُنجز بعد.
وقدم الجنرال مايكل لانغلي، قائد أفريكوم، تقييما قاتما للأمن في القارة الأفريقية خلال مؤتمر صحافي عقد مؤخرا. وقال يوم الجمعة الماضية إن منطقة الساحل في غرب إفريقيا أصبحت الآن "بؤرة للإرهاب، وإن أخطر التهديدات الإرهابية التي تواجه الولايات المتحدة للأسف، موجودة هنا في القارة الأفريقية".
وكان الجنرال ذو الأربع نجوم، والذي أشار إلى أن أيامه كقائد لأفريكوم باتت معدودة، يتحدث من مؤتمر لقادة الدفاع الأفارقة في كينيا، حيث كان يناشد الوزراء ورؤساء الدول المساعدة في إنقاذ قيادته المتعثرة طالبا منهم أن يطلبوا من سفرائهم الأمريكيين تقديم توسلات نيابة عن أفريكوم.
وانقسم مسؤولو الدفاع الحاليون والسابقون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لتقديم تقييمات صريحة، حول ما إذا كان لانغلي يستحق قدرا من اللوم على الوضع المتدهور الذي تجد القيادة نفسها فيه.
وقد أشاد أحد مسؤولي الدفاع السابقين بلانغلي، واصفا إياه بأنه "قائد فعال ومغير. تأقلم بسرعة مع الوظيفة وبنى علاقات قوية ومثمرة مع أعضاء الكونغرس".
مع ذلك، قال مسؤول حالي عكس ذلك تقريبا، واصفا الجنرال بأنه "متعثر" لم يقدم أداء جيدا في الدفاع عن قيادته، و"أفسد" العلاقات مع وزير الدفاع بيت هيغسيث، وقلل من مكانة القيادة الأفريقية لدى المشرعين.
وفقا لبيان مهمتها، تعمل أفريكوم على "تعطيل وتحييد التهديدات العابرة للحدود الوطنية" من أجل "تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي". لكن هذا لم يحدث.
وفي جميع أنحاء إفريقيا، أحصت وزارة الخارجية 23 حالة وفاة بسبب "العنف الإرهابي" في عامي 2002 و2003، وهما العامان الأولان لجهود الولايات المتحدة لـ"مكافحة الإرهاب" في منطقة الساحل والصومال. بحلول عام 2010، أي بعد عامين من بدء عمليات أفريكوم، ارتفعت أعداد القتلى جراء هجمات المتطرفين إلى 2674.
وتشير التقديرات إلى أن 18,900 حالة وفاة مرتبطة بعنف المتطرفين في أفريقيا العام الماضي، 79 بالمئة منها من منطقة الساحل والصومال. ويمثل هذا قفزة بأكثر من 82,000 بالمئة منذ أن أطلقت الولايات المتحدة جهودها لـ"مكافحة الإرهاب" بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر في القارة.
وقال لانغلي: "تواجه منطقة الساحل.. مالي وبوركينا فاسو والنيجر هذا الأمر يوميا؛ إنهم في أزمة. الشبكات الإرهابية التابعة لتنظيمي تنظيم الدولة والقاعدة تزدهر، لا سيما في بوركينا فاسو".
وأشار لانغلي إلى أنه منذ مغادرة الولايات المتحدة النيجر في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، لاحظت أفريكوم تصاعدا في العنف في منطقة الساحل.
وأكد التقرير أنه "قد أهمل ذكر أن الإرهاب قد زاد بشكل كبير خلال سنوات التدخل العسكري الأمريكي الأشد ضراوة، مما أدى إلى عدم الاستقرار وخيبة الأمل في الولايات المتحدة،كما فشل في الإشارة إلى أن المجالس العسكرية التي طَردت الولايات المتحدة من غرب إفريقيا كانت تتكون من ضباط دعمتهم الولايات المتحدة أطاحوا بالحكومات التي دربتهم الولايات المتحدة على حمايتها".
ومع تصاعد العنف في المنطقة على مدى العقود الماضية، كان ما لا يقل عن 15 ضابطا ممن استفادوا من المساعدة الأمنية الأمريكية قادة رئيسيين في 12 انقلابا في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الكبرى خلال الحرب على الإرهاب - بما في ذلك الدول الثلاث التي أكد عليها لانغلي: بوركينا فاسو (في 2014 و2015 ومرتين في 2022) ومالي (في 2012 و2020 و2021) والنيجر (في 2023).
على سبيل المثال، تلقى خمسة على الأقل من قادة انقلاب 2023 في الصومال مساعدة أمريكية.
وتصدرت حرب الولايات المتحدة في الصومال، التي تصاعدت منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى منصبه، قائمة أولوياتها. وصرح قائد أفريكوم بأن الولايات المتحدة "تلاحق الجهاديين بنشاط وتقضي عليهم". وأضاف: "وبناء على طلب الحكومة الصومالية، نفذت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا هذا العام وحده أكثر من 25 غارة جوية - أي ضعف عدد الغارات التي نفذناها العام الماضي".
يقترب الجيش الأمريكي من عامه الثالث والعشرين من العمليات في الصومال. ففي خريف عام 2002، أنشأ الجيش الأمريكي قوة المهام المشتركة الموحدة في القرن الأفريقي لإجراء عمليات دعما للحرب العالمية على "الإرهاب" في المنطقة. وبحلول عام 2007، أدرك البنتاغون وجود عيوب جوهرية في القوة وورثتها أفريكوم في العام التالي.
شهدت الغارات الجوية الأمريكية في الصومال ارتفاعا هائلا عندما تولى ترامب منصبه. من عام 2007 إلى عام 2017، في ظل إدارتي جورج بوش الإبن وباراك أوباما، نفذ الجيش الأمريكي 43 غارة جوية معلنة في الصومال. خلال فترة ولاية ترامب الأولى، نفذت أفريكوم أكثر من 200 هجوم جوي ضد أعضاء حركة الشباب وتنظيم الدولة.
بحلول نهاية ولايته الأولى، كان ترامب مستعدا للتخلي عن الصراع المتعثر في الصومال، وأمر بسحب جميع القوات الأمريكية تقريبا من البلاد في أواخر عام 2020.
لكن الرئيس جو بايدن عكس الانسحاب، مما سمح للصراع بالاستمرار - والآن يتصاعد في عهد ترامب. نفذت إدارة بايدن 39 غارة جوية معلنة في الصومال على مدى أربع سنوات. نفذت الولايات المتحدة بالفعل 33 غارة جوية في الصومال بحلول عام 2025، وفقا لبيانات الشؤون العامة لأفريكوم. وبهذه الوتيرة، تستعد أفريكوم لمعادلة أو تجاوز أعلى عدد من الغارات الجوية هناك في تاريخ القيادة، وهو 63 غارة في عام 2019.
على الرغم من قرابة ربع قرن من الصراع وإنفاق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، انضمت الصومال إلى صفوف الدول الفاشلة في الحروب الدائمة. وبينما انخفض أعداد القتلى جراء هجمات المتطرفين في الصومال العام الماضي، إلا أنها لا تزال أعلى بنسبة بالمئة عن عام 2020.
صرحت أفريكوم لموقع إنترسبت أن حركة الشباب، الجماعة المسلحة الرئيسية في البلاد، أصبحت الآن "أكبر شبكة لتنظيم القاعدة في العالم". (وصفها لانغلي بأنها "راسخة وثرية وكبيرة"). ووصفت القيادة تنظيم الدولة في الصومال بأنه "تهديد متزايد في شرق أفريقيا"، وقالت إن أعداده تضاعفت ثلاث مرات من 500 إلى ما يقدر بنحو 1,500 في الأشهر الثمانية عشر الماضية.
ونفذت الولايات المتحدة مؤخرا "أكبر غارة جوية في تاريخ العالم" انطلاقا من حاملة طائرات على الصومال، وفقا للأدميرال جيمس كيلبي، القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية. وأطلقت تلك الضربة، التي شنتها 16 طائرة من طراز F/A-18 سوبر هورنت، حوالي 125 ألف رطل من الذخائر.
ووفقا للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، قتلت تلك القنابل التي بلغ وزنها 60 طنا 14 عنصرا من داعش فقط. وبهذا المعدل، سيتطلب الأمر ما يقرب من 13 مليون رطل من القنابل للقضاء على داعش في الصومال، وحوالي 107 ملايين رطل للقضاء على حركة الشباب، وهي قوة نيران تعادل تقريبا أربع قنابل ذرية ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما، اليابان.
وتلوح في الأفق مشاكل أخرى في القارة أيضا. حذّر لانغلي من أن "أحد الأهداف الجديدة للإرهابيين هو الوصول إلى سواحل غرب أفريقيا. فإذا أمّنوا الوصول إلى الساحل، سيتمكنون من تمويل عملياتهم من خلال التهريب والاتجار بالبشر وتجارة الأسلحة".
كما أشار لانغلي إلى الاضطرابات في أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان. وحذر قائلا: "نلاحظ تزايدا في هجمات المنظمات المتطرفة العنيفة، ليس فقط في النيجر، بل في جميع أنحاء منطقة الساحل، بما في ذلك نيجيريا". وقدم خطة عمل مشوشة نوعا ما ردا على ذلك: "إن حجم ووحشية بعض هذه الحوادث مثير للقلق حقا. لذلك، نراقب هذا عن كثب، وهذه الأحداث، ويظل عرض تبادل المعلومات الاستخباراتية مع النيجيريين والشركاء الإقليميين في تلك المنطقة مستمرا. نحن ملتزمون بدعم أحد أكثر الجيوش كفاءة في المنطقة، في نيجيريا".
كان الدعم الأمريكي للجيش النيجيري هائلا، وقد عانى الشعب النيجيري بسببه - وهو أمر آخر لم يذكره لانغلي. فبين عامي 2000 و2022 وحدهما، قدمت الولايات المتحدة، أو سهلت، أو وافقت على أكثر من ملياري دولار من المساعدات الأمنية للبلاد. وفي تلك السنوات نفسها، قتلت مئات الغارات الجوية النيجيرية آلاف النيجيريين.
ووجد تحليل أجرته رويترز عام 2023 للبيانات التي جمعها مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة أن أكثر من 2600 شخص قُتلوا في 248 غارة جوية خارج مناطق الحرب الأكثر نشاطا في نيجيريا خلال السنوات الخمس السابقة. وفي العام نفسه، انتقد تحقيق أجرته صحيفة بريميوم تايمز النيجيرية الحكومةَ بسبب "مخطط دعائي ممنهج لإبقاء فظائع قواتها طي الكتمان".
وفي مكالمته الهاتفية مع الصحفيين، التي عُقدت كجزء من مؤتمر رؤساء الدفاع الأفارقة لعام 2025، لم يتلقَّ لانغلي سوى أسئلة مكتوبة ومدققة، مما سمح له بتجنب المواضيع غير المريحة. لم تُقدّم أفريكوم إجابات على أسئلة لاحقة من موقع إنترسبت.
خلال المكالمة، قدّم لانغلي كلمة وداعية ووعدا. وصرح لانغلي لموقع إنترسبت وآخرين: "من المُرجّح أن يكون هذا آخر مؤتمر لرؤساء الدفاع لي كقائد لأفريكوم. ومن المُتوقع ترشيح خليفتي قريبا.. لكن بغض النظر عمّن سيشغل هذا المنصب، ستظلّ مهمة أفريكوم ثابتة. ستواصل أفريكوم الوقوف جنبا إلى جنب مع الشركاء الأفارقة في المُستقبل".
لسنوات، دأبت أفريكوم - ولانغلي تحديدا - على التظاهر بتفضيل "حلول أفريقية للتحديات الأفريقية" أو كما قال لانغلي الأسبوع الماضي: "يتعلق الأمر بتمكين الدول الأفريقية من حلّ المشاكل الأفريقية، ليس فقط من خلال الصدقات، بل من خلال التعاون الموثوق". لكنه بدا أقلّ حماسا للحلول الأفريقية التي تشمل قطع العلاقات مع الولايات المتحدة.
في نيسان/ أبريل، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، اتهم قائد بوركينا فاسو، الكابتن إبراهيم تراوري، بإساءة استخدام احتياطيات البلاد من الذهب "لحماية نظام المجلس العسكري". تراجع لانغلي جزئيا عن هذه التعليقات الأسبوع الماضي، وبدا أنه يسعى إلى المصالحة. قال: "نحن جميعا نحترم سيادتهم. لذا، تسعى الولايات المتحدة إلى فرص للتعاون مع بوركينا فاسو في تحديات مكافحة الإرهاب".
لأكثر من عقدين، اكتفت الولايات المتحدة بإنفاق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على سياسات "مكافحة الإرهاب" الفاشلة مع تزايد أعداد القتلى في جميع أنحاء القارة.
وذكر التقرير "اليوم، تلوح مخاطر الإرهاب في الأفق بشكل أكبر بكثير، وتجد الولايات المتحدة نفسها منبوذة من قِبَل شركائها السابقين".
قال لانغلي: "لقد كُلِّفتُ من قِبَل وزير الدفاع بيت هيغسيث بتخفيف التهديدات التي تُشكِّلها المنظمات الإرهابية على الأراضي الأمريكية. الأمر يتعلق بالهدف المشترك المتمثل في الحفاظ على أمن وطننا، ويتعلق بالقدرة على المدى الطويل، وليس بالتبعية".
قال مسؤول البنتاغون الحالي إن لانغلي قد استنفد ما تمتع به من حسن ظن. وصرح لموقع إنترسبت: "لا أعتقد أن الكثيرين سيحزنون على رحيله". وأضاف أن فترة لانغلي ربما لم تكن سببا في حلّ أفريكوم، ولكن إذا ما تم دمج القيادة في النهاية مع القيادة الأوروبية - كما اقترح البعض - فمن المرجح أنه ساهم في تسريع ذلك. وقال المسؤول: "لقد كان جزءا من هذه المشكلة. ربما يكون رحيله أحد الحلول".