جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-12@22:17:19 GMT

بورفؤاد.. مدينة الجمال والنضال

تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT

بورفؤاد.. مدينة الجمال والنضال

 

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

 

المدنُ والمرافئ والموانئ والمطارات كالسماء، وهي عُنوان شُعوبها ودُولها؛ حيث إنِّها تعكس مدى التقدم والتحضر لدى هذا الشعب، أو ذاك، لأنه كما يُقال "الكتابَ يُقرأ من عُنوانه"، كالحب الذي يكون من النظرة الأولى.

وحديثنا في هذا المقال عن بورفؤاد، هذه المدينة الوادعة الهادئة التي يخلتط فيها الجمال بالنضال، وتُذِّكرُنَا بالزمن الجميل الذي نَحِنُّ إليه كلما ألمَّت بنا صُروف الدهر ونوائبه، ونلُوذ به للاحتماء بحثًا عن الدفء والأمان.

زرت هذه المدينة الرائعة قبل سنتين في الصيف، رغم أنني أمضيت في مصر أربع سنوات مُلحقًا ثقافيًا سابقًا بسفارة سلطنة عمان بالقاهرة، زرتُ خلالها مُعظم المحافظات والمدن المصرية بما فيها محافظات القنال (الإسماعيلية، وبورسعيد، والسويس).

إنك عندما تزور هذه المدينة لأول مرة، فإنِّه سوف يخيل إليك بأنك في حي ريفي من أحياء بريطانيا، أو بعض المدن الأوروبية المشهورة بهدوئها، وسكينتها، بعيدًا عن صخب المدن الكبرى وضجيجها.

وبورفؤاد (Port Fuad) هي مدينة مصرية، تتبع محافظة بورسعيد، وتمثل الشطر الآسيوي لهذه المحافظة الأفروآسيوية؛ إذ تقع بورفؤاد على ساحل البحر المتوسط في الركن الشمالي الغربي لشبه جزيرة سيناء، تحدها شرقًا محافظة شمال سيناء، وجنوبًا الإسماعيلية.

وسُمِّيت هذه المدينة بهذا الاسم، نسبة للملك فؤاد (واسمه أحمد فؤاد)، ولكونها ميناءً بحريًا، والملك فؤاد (26 مارس 1868- 28 إبريل 1936) كان سلطان مصر خلال الفترة من 1817 إلى 1922، ثم غير لقبه، وأصبح يُنادى بملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور، وذلك منذ إعلان استقلال مصر في 15 مارس 1922.

كانت بورسعيد والإسماعيلية والسويس تُسمى مُدن القنال، وتغيرت هذه المدن إلى محافظات منذ سنوات طويلة. وكانت السويس وبورسعيد تحت محافظة واحدة باسم محافظة (القنال) في عهد الخديوي إسماعيل عام 1863 برئاسة إسماعيل حمدي بك.

وأنشِئت بورفؤاد سنة 1920، وكان يقطنها في بداية الأمر 800 شخص من الأجانب الذين يعملون في ورش شركة قناة السويس، وقد صُمِّمت على الطراز الفرنسي، وافتتحت في 21 ديسمبر 1926. وقُدِّرَ لي مُشاهدة هذه الفلل الجميلة التي ما زالت بحالة جيدة في زيارتي الأولى لهذه المدينة، ورأيت كثيرًا منها، وعندما سألت عن ساكنيها قيل لي: إنَّ مُعظمهم يعملون في هيئة قناة السويس.

ومن المنشآت الموجودة في بورفؤاد مسجد بورفؤاد الكبير، وهو أول مسجد افتتح ببورفؤاد، ويُقال إنّ المنبر الذي بداخله هو من أيام الملك فاروق، أطلق بعضهم عليها لقب: (مدينة باريسية على أرض مصرية)، وهي واحدة من أجمل وأرقى المدن الساحلية في مصر.

كان السكان والسياح ينتقلون منها وإليها في السابق، بواسطة العبارات إلى أن تمَّ إنشاء جسر صغير مُعلق، خُصص لعبور السيارات، مما سهَّل الحركة، وبقيت العبارات كما هي لمن أراد استخدامها.

وهنالك موانئ ومرافئ تحمل اسم (بور) كبورسعيد نسبة إلى والي مصر محمد سعيد باشا، الذي تولى حكم مصر من 24 يونيو 1854 إلى 18 يناير 1863، وكان الابن الرابع لمحمد علي باشا، والخديوي سعيد هو باني قناة السويس.

ومن الموانئ التي تحمل اسم (بور) كذلك بورتوفيق، نسبة إلى الخديوي توفيق، واسمه محمد توفيق باشا، سادس حُكّام مصر من الأسرة العَلَويّة، وهو خديوي مصر والسودان من 1879 إلى 1892.

ومن الموانئ العربية التي حملت اسم (بورت - Port) بورتسودان‎ في السودان، ولعل ذا بسبب التأثير البريطاني على مصر والسودان إبان الاحتلال، وسُميت بعض هذه المرافئ والموانئ بـ(بورتو - Porto)، وهي ميناء أو مرفأ باللغة الأسبانية، واللغة البرتغالية، واللغة الإيطالية، واللغة الفرنسية، ومنها (بورتو السخنة) في منطقة العين السخنة حاليًا. ويُحدثني أحد الإخوة العرب المقيمين في مصر منذ سنوات طويلة بأنه رأى هذه العين المائية بنفسه. وتُتَرجِمُ بعض الدول كلمة (Air Port) بالميناء الجوي، وليس المطار، وتكتب على مطاراتها.

** كاتب وأكاديمي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأدب والألم: كيف يولد الجمال من رماد البؤس؟

كتب بول فيرلين في القرن التاسع عشر عنوانًا صار لاحقًا تسميةً لجيلٍ كامل من الحالمين المعذَّبين: "الشعراء الملعونون". بكلماتٍ قليلةٍ منح هؤلاء المبدعين هويتهم الأعمق: غرباء عن المجتمع، عن قواعده الوديعة، عن طمأنينته المزيّفة، عن الأحلام الآمنة التي لا تهزّ شيئًا. كانوا – وما زالوا – يكتبون في هامش الحياة، ويعيشون على الحافة نفسها التي يخشى الناس الاقتراب منها، ثم يتركون وراءهم نصوصًا تلتمع كنيازك صغيرةٍ على عتبة العدم.

فيرلين صنّف تريستان كوربيير، وآرثر رامبو، وستيفان مالارميه، ثم عاد في طبعة لاحقة ليضيف اسمه إلى اللائحة، كأنه يعلن انتماءه بنفسه إلى لعنةٍ كان هو أول من سمّاها. ثم امتدّ المصطلح ليضمّ أسماءً أخرى لم يحتملها زمانها: اللورد بايرون، جون كيتس، جيرار دو نيرفال، إدغار آلان بو، شارل بودلير، أنطونين آرتو… قائمة طويلة لنجومٍ سقطوا قبل أن يروا وهجهم يسطع. وإذا كان العالم قد عرف «الشعراء الملعونين» على يد فيرلين وبودلير ورامبو، فإن للثقافة العربية أيضًا تاريخًا حافلًا بمن طرزوا دواوينهم بخيوطٍ من وجعٍ لا يُخفى.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رواية “الهرّاب” تفتح ملف اليهود في الجزائر خلال حقبتي الاستعمار والعشرية السوداءlist 2 of 2غسان زقطان: لا أثر لـ”الرواد” فيما أكتب وهكذا يصبح المنفى ثقافةend of list

أبو الطيب المتنبي مثلًا، الذي لم يُساوم على كرامته، عاش معظم أيامه مشردًا هاربًا من حسد الأمراء وخيانة الرفاق، وكتب أجمل شعره بين أسفارٍ وحروبٍ وخيباتٍ مريرةٍ مع الكبار والصغار معًا. يقول:

رماني الدهر بالأرزاء حتى

فؤادي في غشاء من نبالِ..

ف حتى القويّ الفخور بأناه الهائلة كان يعرف طعم الخيبة والمرارة والخذلان.

بدر شاكر السياب، تآكل جسده مرضا وفقْرا ونفيا، لكنه في لياليه الطويلة في سرير المرض، كتب ما صار اليوم نبراسا لجيل بأكمله (الجزيرة)

ولن ننسى المعري، الذي فقد بصره صغيرًا، ثم فقد حنان أسرته واحدًا بعد آخر، فغرق في عزلته الكبرى، وكتب روائعه كأنما يحاور العالم كله بلسانه وحده، ساخرًا من البشر، عاشقًا للمعنى، متشككًا حتى في بديهيات زمانه. ومع ذلك ترك أبياتًا من أصفى ما خطه شاعر، وأوصى أن يُكتب على قبره:

هذا جناه أبي عليّ… وما جنيتُ على أحد

ثم هناك بدر شاكر السياب، الذي أضاء الشعر الحرّ بجسده المريض. تآكل جسده مرضًا وفقْرًا ونفيًا، لكنه في لياليه الطويلة في سريرٍ المرض، كتب ما صار اليوم نبراسًا لجيلٍ بأكمله. قصائده الأخيرة تكاد تشبه آهاته. قال ذات مرة:

الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام…
حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحتضن العراق.

كأنما الجمال يولد من ظلال الفقر والمنفى.

إعلان

وإذا تقدّمنا قليلًا وجدنا غسان كنفاني: منفيٌ آخر، صحفي وكاتب وروائي، عاش كل عمره القصير وهو يعرف أن الموت يلاحقه في حقيبة السفر. لم ينعم بدارٍ ولا أرضٍ ثابتة، ومع ذلك صاغ من غربته بيوتًا من قصصٍ ومقالاتٍ بقيت شاهدًا حيًّا على أن فلسطين يمكن أن تُروى حتى من دمٍ لم يجفّ بعد. وحتى في حاضرنا القريب نرى شعراء وكُتّابًا عربًا عاشوا في الظلّ رغم موهبتهم: مات محمود درويش والمنفى في جيبه، وظلّ نزار قباني يرثي من أحبّهم واحدًا تلو الآخر: ابنه توفيق، زوجته بلقيس… وعندنا في موريتانيا أمثلة كثير من فاضل أمين إلى المرحوم الشيخ بلعمش..

إن البيت الذي نكتبه لا يجمّل حياتنا بقدر ما يبررها. والقصيدة الجيدة ليست مخدّةً وثيرَة، بل هي ضمادةٌ على جرحٍ قديم، أو شاهدٌ على جرحٍ لم يندمل بعد. لكن ما معنى أن يكون الشاعر ملعونًا؟ إنه باختصار إنسانٌ رفض الامتثال للشائع والعامّ، إنه غريب الأطوار متقلب الأمزجة. ليس اجتماعيًا حتى مع نفسه، يعاند الحظ ويدمّر نفسه ببطء، أو يحرقها دفعةً واحدة، ليترك وراءه جُملةً أو بيتًا أو ديوانًا لا يشبه غيره.

إن البيت الذي نكتبه لا يجمّل حياتنا بقدر ما يبررها. والقصيدة الجيدة ليست مخدّةً وثيرَة، بل هي ضمادةٌ على جرحٍ قديم، أو شاهدٌ على جرحٍ لم يندمل بعد. لكن ما معنى أن يكون الشاعر ملعونًا؟ إنه باختصار إنسانٌ رفض الامتثال للشائع والعامّ، إنه غريب الأطوار متقلب الأمزجة. ليس اجتماعيًا حتى مع نفسه، يعاند الحظ ويدمّر نفسه ببطء، أو يحرقها دفعةً واحدة، ليترك وراءه جُملةً أو بيتًا أو ديوانًا لا يشبه غيره.

ربما لا مثال أصدق من شارل بودلير. رجلٌ حمل أزهارًا سماها «أزهار الشر»، فنُعتت قصائده بالمريضة والمنحرفة، حتى إن جريدة "لو فيغارو" كتبت وقتها أن ديوانه ليس سوى مستشفى مفتوح على كل عاهات الروح وتعفّنات القلب. لكن تلك القصائد التي حاكموه من أجلها وغرّموه عليها خمسين ألف فرنك، هي نفسها التي جعلت الأدب الفرنسي – فيما بعد – ينحني أمام اسمه.

الشاعر الفرنسي شارل بودلير، عاش منبوذًا، ومات قبل أن تعترف به حتى أمه. لكنه انتصر أخيرًا: فالذين وصفوه بالمريض، عادوا يدرّسون قصائده بعد قرنٍ كاملٍ من موته (مواقع التواصل)

غادر بودلير إلى بلجيكا ليهرب من عقوبة السجن، ولم يسانده في باريس من الكتّاب إلا صوتٌ بعيدٌ في المنفى: فيكتور هوغو، الذي كتب له في رسالةٍ خالدة: "أزهار شرك تخطف الأبصار… تشع على العالم كالكواكب والنجوم".

ما الذي تركه بودلير؟ دواوين شعر، مريض كتب في قلبه خلاصًا من كآبة العالم، لحظات مكثّفة من السعادة حين كانت القصيدة تأتي إليه في قلب نوبةٍ سوداء. عاش منبوذًا، ومات قبل أن تعترف به حتى أمه. لكنه انتصر أخيرًا، فالذين وصفوه بالمريض، عادوا يدرّسون قصائده بعد قرنٍ كاملٍ من موته.

لم يكن بودلير وحده، رامبو الذي هرب من الشعر مبكرًا وفيرلين الذي كتب لعنته بيده، ومثلهم جيرار دو نيرفال الذي قضى أيامه الأخيرة يكتب عن الحلم قبل أن يلفّ حبلاً حول عنقه.

ولا ننسى إدغار آلان بو الذي مات غريبًا في زقاقٍ باردٍ بعدما ابتكر قصص الرعب والتحقيق قبل زمانها. وحتى نيتشه الذي كتب "هكذا تكلم زرادشت" ثم خذلته دماغه وهو في الأربعين، فكأن للعبقرية ضريبةً لا بدّ منها.

لكن التاريخ الأدبي ليس أسودَ كلّه، هناك وجوهٌ أخرى تشبه الضوء، مثل فيكتور هوغو الذي عاش ملكًا بين الكتّاب، ربح المال والحب والشهرة في حياته كلها تقريبًا، لكنه لم ينجُ كليًّا من لعنة الأدب: فقد دفن أبناءه واحدًا تلو الآخر، وجُنّ أخوه، وغرقت ابنته ليوبولدين غرقًا مروّعًا مع زوجها العاشق الذي حاول انتشالها فغرق معها، ليترك هوغو يكتب وهو يبكي عقودًا بعدها.

إعلان ما الذي يريد الأدب أن يقوله هنا؟

ليس شرطًا أن تكون الحياة مأساوية لتكتب نصًّا عظيمًا، لكنّ الحقيقة أن الجمال الأعلى في الأدب غالبًا ما يُولد في قلب ألمٍ هائل. إن القصيدة أو الرواية ليست لحظة تسليةٍ طريفة، بل حُفرٌ سرّية في جدار العالم. وحين نقرأ بودلير أو رامبو أو المتنبي أو المعري، فإننا لا نقرأ حروفًا مرتّبةً بعناية فقط – بل نقرأ ندوبًا عميقةً في روحٍ متعبةٍ، أصرّت أن تهدي القارئ خلاصها الصغير.

لذلك سيظلّ الأدب الكبير أقرب إلى شُرفةٍ مفتوحةٍ على الريح: يأتي إليه من يحتمل البرد كي يرى العالم من زاويةٍ غير مألوفة. سيظلّ الأدب أفضل شاهدٍ على أن الجمال الحقّ ليس رفاهيةً ولا زينةً تُعلّق على الرفوف، بل هبةٌ هشّةٌ يُدفع ثمنها من القلب أولًا. وهكذا، كلّما طويتَ ديوانًا أو روايةً تركها شاعرٌ ملعونٌ أو كاتبٌ مفجوع، تذكّر: هذا النص الجميل كان – يومًا – حريقًا في صدر صاحبه. وهذا هو السرّ البسيط: لا شيء بلا شيء… ولا قصيدة بلا ثمن.

مقالات مشابهة

  • كن جميلاً ترى الوجود جميلاً
  • جمال الروح
  • رسميًا.. مدينة إسبانية تعلن انسحابها من ملف استضافة كأس العالم 2030
  • رئيس مدينة بورفؤاد : جهود مكثفة لإزالة الخيام العشوائية من الشاطىء
  • جبال الملح فى مدينة بورفؤاد تجذب الزوار من مختلف المحافظات
  • شاطىء مدينة بورفؤاد كامل العدد خلال عطلة نهاية الاسبوع
  • ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة السويس
  • عاجل| مصادر للجزيرة: خريطة إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي في المفاوضات تبقي كل مدينة رفح تحت الاحتلال
  • استمرار أعمال صيانة بوابات مداخل شاطئ بورفؤاد في بورسعيد
  • الأدب والألم: كيف يولد الجمال من رماد البؤس؟