يتم استخدام مصطلح «الجنوب العالمي» بشكل مستمر هذه الأيام، فعلى سبيل المثال، يحذّر بعض المعلقين من أن التوغل الإسرائيلي في غزة يؤدي إلى «التباعد مع الجنوب العالمي»، وكثيرًا ما نسمع أن «الجنوب العالمي» يريد وقف إطلاق النار في أوكرانيا، ولكن ماذا يعني الناس عندما يستخدمون هذا المصطلح؟
جغرافيًا، يشير المصطلح إلى 32 دولة تقع تحت خط الاستواء (في نصف الكرة الجنوبي)، على عكس 54 دولة تقع في شماله بالكامل، ومع ذلك، فإنه غالبا ما يتم استخدام هذا المصطلح بشكل مضلل كاختصار للأغلبية العالمية وعلى الرغم من أن معظم سكان العالم يعيشون فوق خط الاستواء (كما هو الحال مع معظم مساحة اليابسة في العالم).
ومهما يكن من أمر ومع زوال الاتحاد السوفييتي في عام 1991 لم تعد فكرة العالم الثالث غير المنحاز منطقية، ولقد كان من الشائع في فترة من الفترات الإشارة إلى «الدول الأقل نموًا»، ولكن هذا المصطلح كان ينطوي على الازدراء، لذا سرعان ما بدأ الناس يشيرون إلى «الدول النامية».
وعلى الرغم أن هذا المصطلح لا يخلو من المشاكل المتعلقة بالتسمية -فليس كل البلدان ذات الدخل المنخفض في طور النمو على أي حال-، إلا أنه أثبت فائدته في سياق دبلوماسية الأمم المتحدة، تضم مجموعة الـ77 الآن 135 دولة، وهي موجودة لتعزيز مصالحها الاقتصادية الجماعية، ولكن خارج سياق الأمم المتحدة، هناك اختلافات كثيرة بين الأعضاء، بحيث يتعذر على المنظمة القيام بدور ذي معنى.
إن من المصطلحات التي تم استحداثها وأصبحت رائجة مصطلح «الأسواق الناشئة»، والذي يشير إلى دول مثل الهند والمكسيك وروسيا والباكستان والسعودية والصين والبرازيل ودول قليلة أخرى، وفي عام 2001، صاغ جيم أونيل والذي كان آنذاك مديرا تنفيذيا في بنك جولدمان ساكس الاسم المختصر البريك في ورقة بحثية حددت البرازيل وروسيا والهند والصين باعتبارها اقتصادات ناشئة تتمتع بإمكانات نمو عالية، وعلى الرغم من أنه كان يقدم تحليلات استثمارية، إلا أن بعض القادة السياسيين، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استغلوا التجمع كمنصة دبلوماسية محتملة لمواجهة النفوذ العالمي الأمريكي.
وبعد سلسلة من الاجتماعات، انعقدت قمة البريك الأولى في يكاترينبرج، روسيا، في عام 2009، ومع إضافة جنوب إفريقيا في العام التالي، أصبحت المجموعة تسمى «البريكس» وبعد ذلك وفي قمة البريكس الخامسة عشرة التي انعقدت في أغسطس الماضي، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا أن ست دول من الأسواق الناشئة (الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة) ستنضم إلى الكتلة في الأول من يناير 2024.
منذ أن أصبحت البريكس هيئة لعقد المؤتمرات، كان يُنظر إليها في كثير من الأحيان على أنها تمثل الجنوب العالمي، ولكن مرة أخرى، تعد البرازيل وجنوب إفريقيا (والآن الأرجنتين) الأعضاء الوحيدين من نصف الكرة الجنوبي، وحتى كبديل سياسي للعالم الثالث، فإن مجموعة البريكس محدودة كمفهوم ومن الناحية التنظيمية، وفي حين أن عددا قليلا من أعضائها تعتبر دولا ديمقراطية، إلا أن معظمها هي دول استبدادية والعديد منها لديها صراعات مستمرة مع بعضها البعض.
على سبيل المثال، تحاربت الهند والصين حول حدود متنازع عليها في جبال الهيمالايا كما يوجد خلافات بين إثيوبيا ومصر حول مياه نهر النيل؛ والسعودية وإيران تتنافسان على النفوذ الاستراتيجي في الخليج الفارسي، علاوة على ذلك، فإن المشاركة الروسية تجعل أي ادعاء بتمثيل الجنوب العالمي مثار للسخرية.
إن القيمة الرئيسية لهذا المصطلح هي قيمة دبلوماسية، وعلى الرغم من أن الصين دولة متوسطة الدخل في نصف الكرة الشمالي وتتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ العالمي، فإنها تحب أن تصف نفسها بأنها دولة نامية تلعب دورا قياديا مهما في الجنوب العالمي، ومع ذلك، وفي محادثاتي مع الأكاديميين الصينيين خلال رحلتي الأخيرة إلى بكين، وجدت اختلافات بينهم. لقد اعتقد البعض أن هذا المصطلح أداة سياسية مفيدة بينما اقترح آخرون أن المصطلحات الأكثر دقة من شأنها أن تقسم العالم إلى بلدان مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة الدخل، ولكن حتى في مثل تلك الحالة، ليس لدى جميع البلدان المنخفضة الدخل نفس المصالح أو الأولويات، فالصومال وهندوراس، على سبيل المثال، يواجهان مشاكل مختلفة تماما. بالنسبة للصحفيين والسياسيين، فإن مصطلحات أصحاب الدخل المرتفع والمتوسط والمنخفض ثقيلة على اللسان ولا تتلاءم مع عناوين الأخبار الرئيسية، وفي غياب اختصار بديل، فسوف يستمرون في الاعتماد على «الجنوب العالمي»، لكن أي شخص مهتم بوصف أكثر دقة للعالم يجب أن يكون حذرًا من مثل هذا المصطلح المضلل.
جوزيف ناي أستاذ في جامعة هارفر ومساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وهو مؤلف كتاب «القوة الناعمة»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على سبیل المثال الجنوب العالمی هذا المصطلح وعلى الرغم نصف الکرة
إقرأ أيضاً:
فنلندا تتصدر القائمة.. كيف تبدو الحياة في أسعد دولة في العالم ؟
للعام الثامن على التوالي، تتربع فنلندا على قمة مؤشر السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، مستندة إلى مزيج من التوازن، والانسجام مع الطبيعة، والشعور بالرضا البسيط.
كيف تبدو الحياة فى أسعد دول بالعالمورغم هذا التصنيف، يواجه الزائرون واقعاً مغايراً بعض الشيء عند الوصول إلى هلسنكي.
في حين قد يتوقع البعض استقبالاً مليئاً بالضحكات والابتسامات، فإن فنلندا تميل إلى الواقعية والبساطة.
فالفنلنديون يتعاملون مع لقب "الأسعد في العالم" بفتور مشوب بالدهشة.
وتعكس تصريحات الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب على وسائل التواصل الاجتماعي هذا التوجه، حيث كتب: "لا يشعر أحد بالسعادة طوال الوقت. الأمان والحرية والمساواة هي البداية، لكن تحقيق السعادة ليس أمراً دائماً".
مفهوم السعادة الفنلندية توازن ورضاتتجاوز السعادة في فنلندا المعنى التقليدي المتمثل في البهجة والانشراح، لتتحول إلى حالة من الرضا والقناعة.
يرى تييمو أهولا، مدير العمليات الدولية في مؤسسة "زوروا فنلندا"، أن السعادة هنا تقاس عبر خمسة عناصر و التفاعل مع الطبيعة، ثقافة الساونا، الاستمتاع بالطعام المحلي، التصميم المستدام، والبساطة، “لكننا لا نقوم بقياسها كعنصر جذب مستقل”.
التفاعل مع الطبيعةويعد التفاعل مع الطبيعة جزءا محوريا من التجربة الفنلندية، وهو ما تعززه مؤسسة "سايما لايف" التي تديرها ماري أهونين.
تقدم أهونين تجارب غامرة للزوار مثل "شينرين-يوكو" أو "الاستمتاع بالغابة"، والساونا التقليدية على ضفاف البحيرات، فضل عن رحلات الطهي في الهواء الطلق.
الثقافة والطعام مذاق السعادة الفنلنديةلا يقتصر الأمر على الطبيعة فحسب، بل يمتد إلى مشهد الطهي الذي يشهد نمواً لافتاً، حيث يبرز مطعم "تابيو" الحائز على نجمة ميشلان في منطقة روكا-كوسامو.
كما تُعد منطقة "سايما لايكلاند" مركزا مزدهرا لفنون الطهي، إذ حصلت على لقب "منطقة فن الطهي الأوروبي" لعام 2024.
وتزخر مطاعم هلسنكي بمكونات طبيعية مثل الفطر والتوت والأسماك البرية، التي تتوفر بفضل قانون "حق كل إنسان"، الذي يسمح للجميع بالتجول في الغابات وجمع ثمارها.
التوازن النفسي مفتاح السعادةفي فنلندا، ترتبط السعادة بالقدرة على العيش بتوازن مع الذات والطبيعة، فقد تبدو الحياة بسيطة، لكنها محكومة بنمط معيشة يضمن الأساسيات، دون الإغراق في الطموحات المادية.
وهكذا، تبقى فنلندا نموذجاً لدولة تعيد تعريف السعادة من منظور أعمق وأكثر ثباتاً لا يعتمد على لحظات مؤقتة من البهجة، بل على شعور دائم بالرضا والتوازن.