قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن القرآن الكريم قد نزل بلغة العرب، وما دام هو نص يتعلق فهمه بإدراك اللغة، فدائما يكون له معنى أصلي، ويكون له معنى تابع.

القرآن الكريم نزل بلغة العرب

وأوضح علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: أما المعنى الأصلي فهو ذلك المعنى الذي يمكن أن يترجم من لغة إلى لغة أخرى، والذي يستفاد من دلالة الألفاظ في صورتها المعجمية، ومن تراكيب السياق، وما يتبادر منها إلى ذهن أهل تلك اللغة، مع مراعاة التطور الدلالي للألفاظ، والذي نراه مختلفًا في اللغات المقدسة، ونعني بها تلك التي بها نصوص مقدسة تتعلق بالأديان (كالعبرية، والآرمية، والسنسكريتية، والعربية) وهو أمر يختلف عن قداسة اللغة، كما فصلنا ذلك في مقال (اللغة المقدسة وقدسية اللغة، نشر بالأهرام 11-9-2004).

وأضاف: المعنى الأصلي تعدده محصور، أما المعنى التابع فهو أكثر تعددًا وأكثر احتياجًا إلى الضوابط التي لا تجعله يميل إلى الرمزية، أو يوغل في الإغراب، ومن شروطه المهمة أن لا يكر على المعنى الأصلي بالبطلان، بل يضيف إليه معنى جديدًا ينضم إليه ولا يلغيه، وقد يكون هذا هو الفارق المهم بين التصوف السني، الذي فهم معاني كثيرة من النصوص الشرعية خاصة القرآن الكريم ضمها إلى المعنى الأصلي الذي تمسك به، وبين الباطنية التي جعلت ذلك المعنى التابع قاضيا على المعنى الأصلي؛ بحيث صار هو الأصل، والمعنى الأصلي هو الحجاب للفهم، ولقد ألف الإمام الغزالي كتابه (فضائح الباطنية) من أجل الكشف عن هذا المعنى، والرد عليهم، وبيان فساد مذهبهم؛ لأن مزية القرآن أنه جاء خطابا للعالمين، فلا يمكن قبول نظرية التفسير الرمزي أو الباطني الذي يجعله مفهومًا عند بعض الناس، وغير مفهوم عند أكثرهم.

وشدد: إلا أن اللغة قد اشتملت على ما أسماه علماؤها فيما بعد بالحقيقة والمجاز. 

الأزهر يهنئ كلية القرآن الكريم بعد تتويجها بجائزة أفضل جهة في العالم نتيجة المجموعة السادسة من مسابقة مراكز إعداد محفظي القرآن الكريم

وأكمل : القرآن الكريم فيه من الإجمال ما جعله الله صالحا لكل زمان ومكان، وبذلك نراه حمال أوجه، كما وصفه سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وأرضاه) عندما قال  لعبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يفاوض الخوارج : (لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون) [نهج البلاغة].


وكما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه علي بن أبي طالب أن عنه قال: (إنها ستكون فتنة، قال : قلت فما المخرج ؟ قال : كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم،  وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، من ابتغى الهدى (أو قال العلم) من غيره أضله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي تناهى الجن إذ سمعته حتى قالوا : (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعى إليه هدي إلى صرط مستقيم) [رواه البيهقي في الشعب]
ونحن نرى في القرآن دساتير كثيرة تنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بوضع المبادئ والأسس لهذه المناحي من مناحي الحياة، ولكنها لا تدخل في التفاصيل الجزئية، لمرونتها وهي التي في هذا المقام يمكن أن نسميها (بنسبية جزئية) أي أنها ليست نسبية مطلقة تصل إلى حد اختلاف التضاد، بل هي نسبية جزئية، تشتمل على اختلاف التنوع الذي نقدر معه على تحصيل تلك المرونة.
كل هذا كان مقدمة لابد منها لمناقشة هذه القضية، التي نرجو أن نتوصل فيها إلى أسس تميز بين الغث والثمين، في قضية تفسير القرآن في العصر الحديث. 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القرآن القران الكريم الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء الذكر الحكيم القرآن الکریم

إقرأ أيضاً:

عبادة سهلة تدل على حسن إسلام العبد.. تعرف عليها

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هناك الكثير من الناس يتصدّرون في غير موضعهم، ويتكلمون في غير فنّهم، فيهرف أحدهم بما لا يعرف، ويتحدث فيما لا يُحسن، وكل ذلك محسوب عليه لا له.

آداب دخول المسجد يوم الجمعة وأهم السنن فيه

واستشهد علي جمعة، بقول سيدنا رسول الله: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، وهو أدب رفيع، قلّ أن نراه في حياتنا، حيث ترى كثيرًا وقال: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ، إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرَ اللَّهِ».

حسن إسلام المرء

وتابع: فقد تعجب قومٌ من ذلك عند سفيان الثوري رحمه الله، فقال لهم: لِمَ التعجُّب؟! إن الله تعالى يقول: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: 114]، وقال سبحانه: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾  [النبأ: 38]. فاستدل سفيان بالقرآن على صحة الحديث، وردَّ العجب الذي قد يفضي إلى إنكاره، فإن كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا في هذه الثلاثة.

وعندما يقول: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، فهي كلمة جامعة تربي الإنسان على الأدب مع الله. وقد ورد عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي عن صحف إبراهيم، فقال: «عَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ» [ابن حبان].

وأوضح أن هذا هو العاقل: يشتغل بما يعنيه من أمر دينه لا بما يعنيه من أمر دنياه، ويستحي من الله. ويقول: «الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ».

الحياء من الله

وذكر علي جمعة، أن هذه هي حقيقة الحياء من الرب سبحانه وتعالى: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتأمّل في بلاغته، إذ لم يقل: احفظ عينك من النظر الحرام، ولسانك من القول الحرام، وأذنك من السمع الحرام، وأنفك من الشم الحرام، بل قال: *الرأس وما وعى*، ليشمل الفكر والتخطيط الحرام.

وأكد أنه ينبغي عليك أيها المسلم أن تنزه باطنك، وتطهّره لله حياءً منه، وأن تأكل الحلال فتحفظ البطن وما حوى؛ فقد قال: «أطِبْ مَطْعَمَك، تكن مُستجابَ الدعوة».

وأضاف أن أن تذكر الموت، فإن من ذكر الموت لا يتفسق، بل يكون على ذكر من ربه. وأن تتفكر في البلى، فما من شيء باقٍ في هذه الدنيا: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ \* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26–27]، فارجعوا إلى أدب الإسلام، فإن الإسلام كله حلاوة؛ يأمر بالمعروف، ويدعو إلى الجمال، ويحضّ على النظافة، وينهى عن القبح، وقلة الحياء، وسوء الأدب.

طباعة شارك الدكتور علي جمعة إسلام المرء حسن إسلام المرء الحياء من الله تتبع عورات الناس فضح الناس نشر الفواحش

مقالات مشابهة

  • الأزهر الشريف يتوسع في أروقة القرآن الكريم ليتجاوز 1400رواقا
  • الفرق بين علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى .. علي جمعة يوضح
  • علي جمعة يوضح علامات يوم القيامة الكبرى.. بدأت تقترب
  • بدء ورشتي تدريب موجهين وتأهيل معلمي القرآن الكريم بصنعاء
  • كيف وسع النبي مفهوم العبادة وجعل الخير في كل عمل.. علي جمعة يوضح
  • تردد قناة المجد لقرآن الكريم 2025.. استمتع بتلاوات عذبة
  • علي جمعة يوضح مفهوم الصدقة وكيف يتصدق الله على عباده
  • علي جمعة: حقيقة الحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى
  • علي جمعة يكشف علامات رضا الله على الإنسان | 4 دلائل واضحة
  • عبادة سهلة تدل على حسن إسلام العبد.. تعرف عليها