«هم على وشك أن يجعلونا نخسر الحرب العالمية الثالثة. لن نكون حتى طرفًا فيها، وسنخسرها بأسلحة لم نرها حتى الآن.» –ترامب.
في عام 1954، كان الطيار الحربي كيرتس ليماي يحلّق بطائرة قاذفة استراتيجية فوق أجواء الاتحاد السوفييتي، عندما اعترضته مقاتلات سوفييتية وألحقت ضررًا بجناح طائرته. وعند عودته إلى قاعدة نبراسكا، أطلق تصريحًا لافتًا حين قال: «إذا لم نبدأ الحرب العالمية الثالثة، فسنجد أنفسنا نخوضها.
تحوّلت تلك العبارة إلى قاعدة استراتيجية رسّخت في العقيدة العسكرية الأمريكية، جوهرها توجيه الضربة قبل أن يقوى العدو وتتفاقم الأزمة إلى صراع خارج السيطرة. وعلى هذا الأساس، شرعت الولايات المتحدة في تعزيز ترسانتها النووية بشكل غير مسبوق، لتكرّس هذه الفلسفة كمنهج دائم في سياساتها الخارجية.
وقد تجلّى تطبيق هذه العقيدة بوضوح في محطات متعددة، من بينها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بكذبة امتلاكه أسلحة دمار شامل ، وقصف مصنع أدوية في السودان عام 1998 بزعم إنتاجه مواد كيميائية، إلى جانب الضربات المتكررة على سوريا، وسلسلة طويلة من التدخلات المشابهة حول العالم.
اعتنق المحافظون الجدد هذه الفلسفة بقوة، حتى أصبحت ركيزة أساسية في تصورهم السياسي والعسكري. وتحت رايتها، يبررون سياساتهم الإمبريالية التوسعية، ويدفعون نحو حرب استباقية مع الصين قبل أن تفرض سيادتها على تايوان، ويبررون دعمهم الواسع لأوكرانيا في صراعها مع روسيا، واليوم استندوا إليها لتسويغ تدخلهم في الحرب الدائرة بين إيران والكيان الصهيوني، رغم المعارضة الشعبية الداخلية والانقسام الحاد في الكونغرس.
جاء الرد الإيراني مدوّيًا، محملًا بضربات قاسية ومصحوبًا بإدخال صواريخ متطورة إلى ساحة المواجهة. وفي ظل هذا التصعيد الخطير، تبدو المنطقة على أعتاب أحد سيناريوهين محتملين:
السيناريو الأول، أن تمتنع إيران عن الرد المباشر على الولايات المتحدة، وتكتفي واشنطن بما نفّذته من ضربات، خاصة بعد إعلان ترامب بأنه أنهى البرنامج النووي الإيراني، وتصريح نتن ياهو بأنه أوفى بوعده للصهاينة بإنهائه. وقد يُمهّد ذلك لهدنة مؤقتة تمهيدًا لعودة المفاوضات، لكن إيران، على الأرجح، لن تقبل بأي صيغة توقف بها برنامجها النووي، في حين تواصل الولايات المتحدة سياسة «الضغط الأقصى»، بما قد يفضي إلى حرب استنزاف طويلة تُستخدم فيها العقوبات كسلاح رئيس.
أما السيناريو الثاني، فهو أن تبادر إيران إلى استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، ما سيدفع واشنطن إلى الرد بموجات جديدة من الضربات، قد تتسع لتشمل قواعد الحرس الثوري ومنظومات الدفاع الجوي، مع احتمال فرض منطقة حظر جوي وإعادة تموضع استراتيجي لقواتها في الإقليم.
وفي حال انزلقت الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة، فإن خطر اتساع رقعة الصراع إلى مستوى إقليمي أو حتى دولي. عندها قد تنخرط أطراف إقليمية مثل حزب الله، والفصائل الموالية لإيران في العراق، والحوثيين، في مواجهات مباشرة مع الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية. وستتبع إيران نهج التصعيد التدريجي، على قاعدة الفعل وردّ الفعل، وصولًا إلى استهداف آبار النفط، والمفاعل النووي الصهيوني، وإغلاق مضيق هرمز، وهو ما قد يشعل أزمة اقتصادية عالمية كبرى.
في المقابل، ستواجه الولايات المتحدة ضغوطًا شعبية متصاعدة لوقف الحرب، بينما ستمتنع الدول العربية عن الانخراط في الصراع. وقد تتسبب الفوضى المتوقعة في سوريا بفتح الباب أمام تدخل تركي مباشر. أما روسيا والصين، فلن تشاركا عسكريًا في المراحل الأولى، لكنهما ستوفران د عمًا دبلوماسيًا واستخباراتيًا لإيران، وقد تزودانها بالسلاح، ومع تطوّر مجريات الحرب، قد تتبدل مواقفهما.
لكن من المؤكد أن أي حرب بين الولايات المتحدة وإيران لن تكون كغزو العراق عام 2003، بل ستأخذ طابع حرب استنزاف طويلة الأمد، ما يدفع واشنطن إلى الاكتفاء بضربات دقيقة ومحددة دون السعي لإسقاط النظام الإيراني، مركّزة بدلًا من ذلك على إعادة تشكيل قواعد الاشتباك، وترسيخ تموضعها العسكري في الشرق الأوسط، وإرضاء اللوبيات الصهيونية.
ومع ذلك، يبقى المستقبل مفتوحًا على المجهول، فلا أحد يستطيع التنبؤ إلى أين ستسير الأمور.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب إيران إيران الاحتلال ترامب الهجوم الأمريكي مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة رياضة سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
غوتيريش يدعو لخفض التصعيد بعد استخدام الولايات المتحدة القوة ضد إيران
يمن مونيتور/قسم الأخبار
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه البالغ إزاء تصعيد الولايات المتحدة ضد إيران، واصفًا الخطوة بأنها تهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين في منطقة تعاني من توترات متصاعدة.
وقال غوتيريش في بيان إن استخدام القوة يمثل تصعيدًا خطيرًا قد يؤدي إلى خروج الصراع عن السيطرة بسرعة، مع تداعيات كارثية على المدنيين والمنطقة والعالم بأسره.
ودعا الأمين العام جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بتعهداتها وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مؤكّدًا أن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لتجنب دوامة الفوضى في هذه اللحظة الحرجة.
وشدد غوتيريش على ضرورة خفض التصعيد فورًا لتفادي تفاقم الأوضاع التي قد تؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، محذرًا من أن الحلول العسكرية لن تحقق السلام.