يُحكى أن فلاحًا زار أحد فلاسفة الرومان فى بيته، وصادف وقت مجيئه وقت غذاء الفيلسوف، فأصرَّ الفيلسوف أن يجلس الفلاح لتناول الغداء معه.
لبَّى الفلاحُ دعوة الفيلسوف، وعندما تناول طبق الحساء بين يديه رأى فيه أفعى صغيرة، ولكنه رغم هذا أكل ما فى الطبق لأنه كَرِه أن يُحرج الفيلسوف!
عاد الفلاح إلى بيته، ولم ينم ليلته تلك من وجع بطنه، وقال لنفسه: «من المؤكد أن هذا أثر السُّم».
أحضر الفيلسوف طبقًا فارغًا، وقدمه للفلاح، وأطلعه على محتوى أوانى الحساء، ثم سكب الحساء فى الطبق، وقال للفلاح: انظر جيدًا.. أتوجد أفعى؟ قال الفلاح: لا!!
أمسك الفيلسوف بيد الفلاح واصطحبه إلى غرفة الطعام، وأجلسه عند الموضع الذى كان يجلس فيه المرة السابقة؛ بحيث يكون الطبق تحت الرسمة التى فى السقف مباشرةً، ورأى الفلاح صورة الأفعى منعكسة فى الطبق!!
ابتسم الفيلسوف قائلًا للفلاح: الأفعى توجد فى عقلك فقط!.. الغريب أن الألم فى بطن الفلاح زال فور معرفته بالحقيقة!
كم من الأوهام المفزعة تملأ رأسك عزيزى القارئ!.. أوهام لا وجود لها إلا فى رأسك.. أوهام تؤرِّق حياتك وتصيبك بالرعب والفزع.
قلقك مما قد تحمله لك الأيام المقبلة من أهوال ونكسات، رعبك من أن تصاب بضائقة مالية تُحْوِجَك لمد يدك إلى من ليس فى قلبه رحمة أو شفقة.. خشيتك المرض الذى يُعْجِزك عن الحركة، أو يُفْقِدك الذاكرة، أو يصيبك بالخرف.. فزعك من الموت وما ستلقاه من عذاب وأهوال بعد أن تفارق الروح جسدك. كلها مخاوف وأوهام موجودة داخل رأسك ليس لها ما يبررها. مخاوف وأوهام تعكر صفو حياتك، وتصيبك برجفة وقشعريرة. وتمنعك من الاستمتاع بمباهج الحياة.
ولنأخذ مثالًا للمخاوف التي تؤرِّق كثيرًا منَّا:
صورة الثعبان الأقرع الذى سوف يهاجمك فى قبرك؛ ويهنش عظمك ولحمك. هذه الصورة تحتل حيزًا كبيرًا فى رأسك.. ترعبك هذه الصورة؛ وكأن أهلك سوف يُلقون بك فى القبر حيًا، ولأنك الميت الحى سوف ترى المنظر البشع للثعبان الأقرع، وتشعر بالآلام المبرحة التى تلقاها على يد ذلك الثعبان!
لم يحدث أن أحدًا قد مات؛ ثم عاد إلى الحياة واصفًا لنا تفاصيل هذه الرحلة. كل ما يرعبنا من الموت ويفزعنا منه إننا نقيسه بمعيارنا نحن الأحياء، فأنت تظن وهمًا إنه بمجرد إغلاق باب القبر عليك؛ ستدب فيك الحياة مرة أخري، وسترى الأهوال!
ليتك يا عزيزى القارئ تشرع فى فحص تلك الأوهام التى تملأ رأسك؛ وستجد عقل يموج بكثير من الأوهام التى لا مبرر لها!!
تخلص من أوهامك حتى تكون أكثر قوة وتماسكًا.. وتعيش حياة متوازنة مطمئنة.
د. حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فيلسوف الأوهام الفلاح
إقرأ أيضاً:
عقوبات واشنطن
معلوم أن التاريخ يعيد نفسه ولكن تاريخ الأكاذيب الدولية للولايات المتحدة يعيد نفسه بوتيرة أسرع، فقد كنت حضوراُ بمجلس الأمن الدولي ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول يخدع العالم من على ذلك المنبر بشأن أسلحة العراق دون أن يطرف له جفن، وتقوم إدارة كلينتون بدراما مماثلة فتقصف مصنع الشفاء للأدوية عام 1998 بحجة تصنيعه أسلحة كيمائية قبل أن تعترف لاحقاً بأن المعلومات التى قامت بالتنفيذ على ضوئها لاتتوفر لها صدقية.
ويأبى ماركو روبيو وزير خارجية ترامب إلا أن يعيد إنتاج وتدوير ذلك الإرث فتأتي وزارته بفرية استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيمائية ضد قوات الدعم السريع، التي لم تزعم بذلك أصلاً، ولم تقدم الولايات المتحدة دليلاً واحداً لإثبات ذلك ، ولم تحدد موقع استخدام تلك الأسلحة أو تاريخه وضحايا ذلك الاستخدام، علماً بأن إثبات استخدام الأسلحة الكيمائية يتم إما بوجود أجهزة ومعدات تم استخدامها أو بإخضاع الضحايا لفحوصات طبية أو أخذ عينات من التربة لفحصها أو بالتحقيق من قبل منظمة حظر الاسلحة الكيمائية التى نال السودان ثقتها فانتخب فى نوفمبر 2024 لعضوية مجلسها التنفيذى حتى عام 2027..
إن اتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيمائية بالتوقيت الذى تم فيه والسياق الذى أعلنت فيه العقوبات لايعدو أن يكون فعلاً من صنوف الابتزاز السياسي وتزييف الحقائق يعيد إلى الأذهان العقوبات السابقة التى أعلنت عام 1997 وتم رفعها بعد اكثر من 20 عاما على طريقة رواية “تاجر البندقية” لوليام شكسبير.
وعلى الرغم من أن العقوبات التى أعلنت وبدأ سريان مفعولها أمس تستهدف الصادرات الأمريكية والتمويلات المالية والسلاح والتكنولوجيا وهي أساسا لاتوجد أو ضعيفة في المبادلات الثنائية، إلا أنه لاينبغي الاستهانة بها لترابط اقتصاديات الدول الأخرى مع الاقتصاد الأمريكي، علما بأن الاقتصاد السودانى تعود على ولوج اختراقات فى الأزمنة الصعبة و تبقى العقوبات عبئاً أخلاقيا وإنسانيا فى وقت ترنو فيه البلاد لتحديات إعادة البناء والاعمار بعد أن تضع الحرب أوزارها…
السفير عبد المحمود عبد الحليم
إنضم لقناة النيلين على واتساب