أوروبا تعزز دفاعاتها ضد أي هجوم روسي محتمل وسط القيود الأمريكية
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
يؤكد تقرير صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) على ضرورة قيام الدول الأوروبية بتعزيز قدراتها العسكرية، وخاصة في إنتاج الذخيرة، استعدادًا لتهديد عسكري روسي محتمل عندما قد تكون الولايات المتحدة غير قادرة على تقديم تعزيزات فعالة.
يؤكد البروفيسور جاستن برونك، زميل أبحاث أول في القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في التقرير أن أعضاء الناتو بحاجة إلى إعادة هيكلة قواتهم لردع روسيا عن استغلال أي صراع بين الولايات المتحدة والصين، من المتوقع أن يحدث في أواخر عشرينيات القرن الحالي، كفرصة.
ورغم اعترافه بتركيز حلف شمال الأطلسي على دعم أوكرانيا، يحذر برونك من أن التحديات القصيرة الأجل قد صرفت الانتباه عن الخطر المتزايد المتمثل في نشوب صراع أكثر أهمية في السنوات المقبلة. ويشير إلى أن روسيا حولت اقتصادها إلى حالة الحرب، وتواجه الولايات المتحدة تحديات في تجديد مخزوناتها ودعم أوكرانيا بالقدر الكافي، وتدير الدول الأوروبية وضعاً محفوفاً بالمخاطر في ظل عدم كفاية القدرات الدفاعية والصناعية.
يحذر برونك من أن الجيش الأمريكي يواجه تهديدا هائلا من القوات الصينية في منطقة المحيط الهادئ الهندية، مما يترك أوروبا عرضة لعدوان عسكري متزامن من قبل روسيا في حالة نشوب صراع بين الولايات المتحدة والصين. ويؤكد أن أوروبا، باستثناء بولندا، فشلت في الاستثمار بالقدر الكافي في القدرة الإنتاجية الصناعية والإنفاق الدفاعي، وهو ما يتزامن مع اهتمام الصين بدعم روسيا.
لمواجهة هذا التهديد، يحث برونك الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، على الاستثمار بشكل عاجل في زيادة الطاقة الإنتاجية لذخائر المدفعية وقطع الغيار وصواريخ الدفاع الجوي. وتهدف هذه الخطوة الاستراتيجية إلى ضمان الاستعداد ضد أي هجوم روسي محتمل وتجديد المخزونات المستنفدة في مواجهة الديناميكيات الجيوسياسية المتطورة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدول الأوروبية إنتاج الذخيرة الولايات المتحدة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
ما أهداف الحملة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية ضد فنزويلا؟
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا عن غلق المجال الجوي فوق فنزويلا. جاء ذلك في رسالة تحذير نشرها على موقعه للتواصل الاجتماعي. وقد أثار هذا الفعل الكثير من التكهنات حول ما الذي سوف يحصل لاحقا، خاصة أن هناك حشودا عسكرية أمريكية بدأت في الكاريبي منذ أغسطس/ آب الماضي، حيث نشرت الولايات المتحدة قوات بحرية وجوية، بما في ذلك غواصة تعمل بالطاقة النووية، وحاملات طائرات، وسفن هجومية برمائية، وإنزال 15 ألف جندي قبالة السواحل الفنزولية. كما شهدت قواعدها في المنطقة نشر طائرات أف 35، وتغطية المجال الجوي بطائرات تجسس.
يُذكر أن واشنطن كانت قد نفذت ضربات جوية، على أكثر من 20 سفينة تابعة لفنزويلا في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، قالت إنها تشتبه في تهريبها للمخدرات إلى أمريكا، لكن من دون تقديم أي دليل يؤكد هذه التهمة، وقد أسفر ذلك عن مقتل أكثر من 80 شخصا. لقد بينت الولايات المتحدة الأمريكية، أن الهدف من هذا الانتشار العسكري واسع النطاق، هو الحد من تهريب المخدرات والبشر إلى أراضيها.
في حين ذهبت بعض الأقوال إلى أن الهدف من الانتشار العسكري، هو الإطاحة بالرئيس الفنزولي نيكولاس مادورو والاستيلاء على بلاده، من خلال سيناريو يقوم على دفع بعض المعارضة الفنزولية للنزول الى الشارع، والمطالبة بتغيير السياسة المعادية للولايات المتحدة، والتعاون معها في وقف عمليات تهريب المخدرات، ثم إثارة الاضطرابات في داخل فنزويلا بشكل كبير، وصولا إلى إسقاط النظام السياسي بمساعدة واشنطن، ومن دون الدخول في حالة حرب. وتستند هذه الأقوال إلى بعض التصريحات الأمريكية، التي تعتبر أن فنزويلا تقوم بكل ما يزعج الولايات المتحدة، وأنها تموضعت بوضع معادٍ لواشنطن، ودخلت في أحلاف واتفاقات مع دول معادية للولايات المتحدة، ولا يظهر أي تغيير ملموس لهذا التوجه، وعليه فقد حان الوقت لمزيد من الضغط لدفع الشعب الفنزولي لإسقاط النظام.
إن تحليل السياسات الأمريكية في عهد الرئيس ترامب يُشير بوضوح، إلى أن جزءا كبيرا من تحركات البيت الأبيض، مرتبط بشخصية الرئيس نفسه، حيث إن قناعاته الشخصية تغلب على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، كما إن حاشيته يجارونه في ذلك، خاصة ماركو روبيو وزير خارجيته، فروبيو لديه فكر صقوري تجاه كل دول أمريكا اللاتينية، خاصة كوبا وفنزويلا، ويعتقد أنه لا بد من الضغط بشكل كبير جدا على هذه الدول، وعليه، حتى لو تم التعامل مع الإدعاءات الأمريكية بمنطقية، فسنجد أنها ليست مُقنعة بما فيه الكفاية. فتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة يأتي بالدرجة الأولى من المكسيك وكولومبيا، اللتين هما من أكبر الموردين لهذه المادة، إذن لماذا يتم التركيز على فنزويلا؟
يبدو أن هناك عوامل جيوسياسية هي المُحرك للتوجه الترامبي ضد فنزويلا. فالولايات المتحدة الأمريكية اليوم منخرطة في حرب باردة مع الصين، وهذه الأخيرة لديها علاقات قوية مع فنزويلا، كما هناك ما يشبه التحالف الصيني الروسي في التعامل مع دول أمريكا اللاتينية، كذلك تأتي علاقة فنزويلا وإيران عاملا آخر، ولكن يبدو أن العامل الأهم في هذا التحرك الأمريكي ضد فنزويلا هو المعادن الثمينة. فترامب يرى أنه يجب الحصول على هذه المعادن أينما وُجدت، كي يتخلص من المساومة الصينية في هذا الجانب.
كذلك هناك نقطة مهمة تُفسر الضغوط الأمريكية على الكثير من الدول، وهي أن ترامب ومنذ ولايته الأولى تشكلت لديه قناعة، بأن الضغط إلى أقصى الحدود سوف يؤدي إلى تغيير سياسات الدول بما يتلاءم ومصالحه، وهذا يُجنبه اتخاذ قرار المواجهة العسكرية الذي لا يريده، وحتى لو اضطر للدخول في المواجهة العسكرية، فهو يحسب كيف ستكون ومتى ينتهي منها، كما حدث مع إيران مؤخرا. أما بالنسبة لفنزويلا فهو يعرف جيدا أن اللعبة العسكرية معها لن تكون سهلة على الإطلاق، فالحرب في هذه الساحة لن تكون حربا كلاسيكية، بل حرب عصابات ومادورو لديه أنصار داخل البلاد وفي محيطها، كما أن الجيش الفنزولي يؤيده بشكل كبير.
أفعال عنجهية تبين بوضوح كيف أن القوة قد تسيّدت على القانون الدولي
يقينا أن التحرك بهذا الشكل الضاغط على فنزويلا سيؤدي إلى حالة اضطراب داخل دول أمريكا اللاتينية، والكل سيفكر بأنه ربما سيكون الثاني أو الثالث بعد فنزويلا على أجندة ترامب الابتزازية، فالولايات المتحدة لا تخفي عداءها ضد هذه الدول، بل تعلن ذلك صراحة وبوضوح. وهي وأحزاب اليسار التي وصلت إلى سدة الحكم في دول أمريكا اللاتينية في حالة تنافر سياسي كبير، خاصة أن الولايات المتحدة تساند بعض اليمينيين الذين وصلوا للسلطة، مثل الرئيس الأرجنتيني السابق، الذي ضغطت الولايات المتحدة من أجل عدم محاكمته. بالتالي لا شك في أن هناك مخاوف من الأحزاب اليسارية أن تدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة، فمنذ بداية التسعينيات وبعد نهاية الحرب الباردة، تغيرت السياسة الأمريكية من التدخل العسكري المباشر في هذه الدول، إلى المعارضة السياسية وسياسة أقصى الضغوط. وهذه السياسة سمحت للكثير من الأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتينية بالوصول إلى السلطة، مثل البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وغيرها.
كما أنها جعلت منها أحزابا فاعلة في الحياة السياسية، وصوتها عاليا في معاداة واشنطن، لكن من دون أن تدفع تلك الضريبة التي كانت تدفعها في السبعينيات، حيث كانت الولايات المتحدة تتدخل في هذه الدول وتغير أنظمتها السياسية كما تشاء وكيفما تشاء.
إن إعطاء رئيس أكبر دولة في العالم وأعظم قوة عسكرية، الحق لنفسه بإغلاق المجال الجوي لدولة أخرى، ومحاصرتها من كل الجوانب بالقوة العسكرية، ليس له أي أساس قانوني يمكن الاستناد إليه، بل هي أفعال عنجهية تبين بوضوح كيف أن القوة قد تسيّدت على القانون الدولي في الوقت الحاضر.
فمنظمة مكافحة المُخدرات سبق وقالت في تقارير أمريكية، إن فنزويلا خالية من زراعة المخدرات. وعليه يتضح بأن السيطرة على الثروات باتت هي الشغل الشاغل لساكن البيت الأبيض، خاصة أن النفط والمعادن الثمينة والذهب، الذي مخزونه في فنزويلا، يحتل أهمية أكبر من النفط، كلها موجودة في هذه الدولة. وإذا كان هنالك من يؤيد ترامب من حاشيته، فإنه أيضا يواجه معارضة أمريكية لهذه السياسة تجاه فنزويلا. فقد قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر، إن تصرفات الرئيس المتهورة تدفع أمريكا نحو حرب خارجية مُكلفة مرة أخرى. كما تعرّض لانتقادات بسبب التدخل السياسي في هندوراس. لكن يبدو أن عقلية التاجر تسيطر عليه تماما.
القدس العربي