الموقف السوداني الصحيح هو وقف الحرب
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
كتبت في الأسبوع الماضي عن الانقسام الحدي في المجتمع السوداني بين مؤيدي الحرب ومعارضيها، وعن الالتباس في الموقفين، حيث إن المؤيدين للجيش السوداني صاروا بالضرورة مؤيدي استمرار الحرب، وإن معارضي الحرب يتم تصنيفهم على أنهم داعمون لـ«قوات الدعم السريع»، وهذا خلط لا يصمد أمام أي تحليل موضوعي للمواقف ومقدماتها ومآلاتها.
المؤيدون للقوات المسلحة في حربها مع «الدعم السريع» ينطلقون من أن وجود «الدعم السريع» خطر حقيقي على الوطن وأمنه القومي، وأنه ما دامت «قوات الدعم السريع» بدأت الحرب، فإنها أعطت القوات المسلحة الفرصة لتصفيتها بشكل سريع ومباشر، وتتحقق واحدة من شعارات ثورة ديسمبر؛ بأن تكون هناك قوات مسلحة موحدة، وأن يتم حل «قوات الدعم السريع» («الجنجويد» في التسمية الشعبية). وبناء على هذا الموقف، فقد تم عَدّ أي موقف مجافٍ لهذا الموقف بالضرورة خيانة وطنية وتخذيلاً للجيش الوطني ودعماً لـ«قوات الدعم السريع». حسنٌ... هل يسير الأمر كما يتمناه هؤلاء...؟
الواقع الآن يقول إن موقف القوات المسلحة متدهور جداً، وإنها تفقد كل يوم بعض مواقعها؛ فبعد نحو 8 أشهر من الحرب، تحتل «قوات الدعم السريع» ثلاثة أرباع ولاية الخرطوم، وبعض مساحات في ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض، وبعض مدن ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان، وأربع من 5 ولايات في دارفور. وتنحصر الوحدات العسكرية للقوات المسلحة في ولاية الخرطوم داخل ثكناتها فيما تبقى من سلاح المدرعات وسلاح الذخيرة في الشجرة وجزء من القيادة العامة في مدينة الخرطوم، وفي سلاح الإشارة في الخرطوم بحري، وسلاح المهندسين والسلاح الطبي في أمدرمان ومنطقة كرري العسكرية ووادي سيدنا.
ورغم أن القوات المسلحة لا تعلن عن شهدائها من الجنود والضباط، فإن صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تحمل كل يوم صور عشرات من شباب غضّ من صفوف الجيش أو المتطوعين المنضمين حديثاً الذين ماتوا في الحرب، وخلَّفوا وراءهم حسرة وأسى.
شهادات ضباط وجنود القوات المسلحة في الحاميات التي استسلمت لـ«قوات الدعم السريع» في زالنجي والضعين وبابنوسة والمجلد وغيرها تتحدث بحسرة عن الإهمال الذي تعرضوا له، ونقص المعدات والسلاح والذخيرة والغذاء، وعن عدم صرف المرتبات لأشهر طويلة.
انتهاكات «قوات الدعم السريع» لا تتوقف؛ كلما دخلوا منطقة عاثوا فيها فساداً، فسرقوا ونهبوا وقتلوا، والقوات المسلحة غير قادرة على إيقافهم أو حماية المدنيين؛ فهي تكتفي بمحاولة حماية ثكناتها. وإن فعلت شيئاً، فهي ترسل طائراتها لتقصف بلا هدى، فيعاني المواطنون الأمرَّين، وما لم تدمره قاذفات «الدعم السريع» تتكفل به طائرات الجيش.
قيادة الجيش الحالية أهملت القوات المسلحة، وانشغلت بالعمل السياسي وعالم الأعمال، وتركت الساحة لـ«قوات الدعم السريع» لتنمو وتتزايد وتتسلح، حتى أصبحت القوات المسلحة عاجزة عن ردعها. والقيادة الحالية للقوات المسلحة تآمرت على الفترة الانتقالية والحكم المدني، ونفَّذت انقلاباً عسكرياً في أكتوبر (تشرين الأول) 2021م بالتآمر مع الجنرال حميدتي و«قوات الدعم السريع»، واتجهت للاحتماء بإسرائيل وعقد الصفقات معها، ومنحت روسيا قاعدة بحرية، وقتلت 200 من المتظاهرين السلميين ضد الانقلاب. بعد هذا كله يحاول البعض أن يقول إن الوقوف مع القيادة الحالية للجيش هو الموقف الوطني الصحيح، بينما الوطن ينهار طوبة طوبة، وليس لهذه القيادة أي فكرة أو قدرة على وقف الانهيار، وهي ببساطة لا يمكن أن تؤتمن على الوطن ولا جيشه ولا مواطنيه.
هل الموقف الصحيح هو الوقوف مع «قوات الدعم السريع»...؟ بالتأكيد: لا، فهي تثبت كل يوم أنها ميليشيا قبلية متفلتة، ترتكب الجرائم والانتهاكات حيثما وُجدت، وهي قوة هدم وليست قوة بناء، ولم تستطع ولن تستطيع إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها؛ فهي تكتفي بنهبها وسلبها وتدمير كل أوجه الحياة فيها.
الموقف الوطني الصحيح هو المطالبة بوقف الحرب بدءاً بوقف إطلاق النار وإزاحة المظاهر العسكرية في المدن بما فيها خروج «الدعم السريع» من منازل المواطنين، ثم دعوة «القوى المدنية الديمقراطية» للتحاور فيما بينها لوضع تصور عملي للانتقال وتصفية الميليشيات وبناء جيش قومي موحَّد، وتكوين لجنة تحقيق دولية بإمكانيات عالية في جرائم الحرب، وإحالة المنتهكين لمحاكمات دولية.
لا يزال عظم الوطن قوياً وقادراً على تحمل أعباء إعادة البناء، مع صعوبتها، إذا توفرت الرغبة والإرادة الشعبية، وإن استمرت الحرب فقد ينهار عظم الوطن ويتهاوى... ويتلاشى وطن عظيم اسمه السودان.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لـ قوات الدعم السریع القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
مدبولي: القوات المسلحة تقف شامخة لحماية حدود وأمن مصر القومي
أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن القوات المسلحة كانت تقف شامخة لحماية حدودها وأمنها القومي، ولم نفرط ولن نفرط في أي حقوق لهذا الوطن الحبيب.
وأوضح رئيس الوزراء ، أنه وسط كل مشاهد الحرب التي كنا نعاني منها ونراها عبر الشاشات، وقفت مصر بقيادتها وشعبها وقواتها المسلحة والدبلوماسية المصرية، بتأدية دورها بكل شفافية، وشرف تجاه هذه القضية، منذ أول يوم، ولم نتخلى عنهم يوم واحد.
وأوضاف أن مصر مدت يد العون للأشقاء في فلسطين على الرغم من حملات التشويه والإنكار.
وشدد أن مؤتمر شرم الشيخ للسلام، يعتبر هو الحدث الأبرز في عام 2025، وأن هذا المؤتمر حدث برئاسة مشتركة بين مصر، والولايات المتحدة الأمريكية، وبتواجد عدد كبير من زعماء العالم أكثر من 20 زعيم.
وأضاف رئيس مجلس الوزراء، أن اتفاق شرم الشيخ للسلام أسهم في وقف الحرب الشرسة على قطاع غزة، والتي استمرت لمدة عامين، أن ما حدث كان بمشاركة الولايات المتحدة، وقطر وتركيا.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، أن الجهود المصرية مستمرة بالتنسيق مع الأطراف المعنية لضمان تنفيذ آليات دخول المساعدات الإنسانية إلى أهالي غزة، مشددًا على أن مصر لم ولن تتوانى عن أداء دورها الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل الكارثة الإنسانية التي تعيشها غزة منذ اندلاع الحرب.
ملف إعادة الإعمار يحظى بأولوية مصرية
ولفت مدبولي، إلى أن ملف إعادة إعمار قطاع غزة يحظى باهتمام بالغ من الدولة المصرية، التي بدأت فعليًا في التخطيط والتنسيق لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار بالتعاون مع شركاء دوليين ومنظمات إقليمية، بهدف إعادة الحياة للقطاع الذي أنهكته الحرب والحصار.
إشادة دولية بجهود مصر الاقتصادية والسياسية
في سياق آخر، أشاد رئيس الوزراء بتقرير مؤسسة "ستاندرد آند بورز"، الذي رفع التصنيف الائتماني لمصر إلى أعلى مستوى منذ 7 سنوات (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، معتبراً أن هذا التقييم الإيجابي يعكس ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري، وجهود الدولة في الموازنة بين الدور السياسي والدبلوماسي من جهة، والإصلاح الاقتصادي من جهة أخر.