قال الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "إن قضية بناء الوعي ومواجهة الشائعات تُعَدُّ من أهم وأخطر القضايا التي تفرضها علينا مستجدات الواقع، ومجريات الأحداث، وما يدور حولنا من أحداث جسام متتالية، موضحًا أنها قضية تتعلق بالوعي وبمحاولة اختراق وتغييب هذا الوعي وبالعمل الدؤوب من قِبل جهات وجماعات مُغرضة متطرفة تعمل ليلَ نهار من أجل تغييب وعي المواطن وجعله آلة تستقبل بلا تفكير ولا تأمُّل ولا رَوِيَّة ما يُلقى لها من شائعات وأفكار.

وأضاف مفتي الجمهورية في كلمته التي ألقاها بندوة "جيل ضد الشائعات" التي عقدتها كلية الدراسات الإسلامية بدمنهور أن علماء الشريعة عامة وعلماء الإفتاء بصفة خاصة، وكذلك علماء القانون كلهم معنيون بمتابعة المستجدات التي تدور في الواقع، ومسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى عن وضع الحلول الناجعة لكافة مشكلات وقضايا العصر المتأزمة، وهم جميعًا بفضل الله تعالى على قَدْر تلك المسؤولية، ولديهم الاستعداد الكامل والتكوين الدقيق والعقلية الواعية التي تسهم بشكل فعَّال في مواجهة كافة التحديات والصعوبات التي تواجه الوطن من قِبل مروجي الشائعات وصانعي الأكاذيب.

وأكَّد المفتي أنَّ صانعي حروب الجيل الرابع يستغلون ثورة الاتصالات والمعلومات والتقدم التقني الهائل من أجل تزييف الوعي وزعزعة الأمن العام بترويج الشائعات ونشر الأكاذيب بطريقة احترافية قد يغفل عنها كثير من الناس إن لم نقم بواجبنا نحوهم بتوعيتهم وتعليمهم المنهجية الصحيحة التي وضعها الإسلام في هذا الشأن.

وأكد مفتي الجمهورية أن ديننا الحنيف قد وضع -ممثلًا في كتاب الله وفي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- منهجًا واضحًا دقيقًا لتكوين العقلية الصحيحة الواعية التي لا تتقبَّل كل ما يُلقى إليها ويشاع على ألسنة المغرضين، فقد قال الله تعالى موضحًا لنا أهم مبدأ في هذا الصدد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].

وأشار المفتي إلى أنه بناء على هذا المبدأ استخلص علماء السنة الكرام معايير قبول الأخبار والتثبت منها إذا استوفت شروط الصحة، أو ردها وعدم البناء عليها إن كانت بضد ذلك، ويعد ما أنتجوه في هذا الصدد طفرة علمية كبيرة شهد بفضلها على البشرية كبار علماء الغرب من المستشرقين وغيرهم.

وأوضح مفتي الجمهورية أن مبدأ التثبت في الآية الكريمة الذي بني عليه هذا المنهج الشريف هو التبين من مصدر الخبر أولًا، يعني مدى صدق راويه أو مروِّجه، وثانيًا التبين من غايته ومقصده إصلاحًا كان أو إفسادًا، فالخبر الكاذب مرفوض وإن كانت غايته ومقصده في زعم من يروجه غاية صحيحة ومقصدًا نبيلًا، فإن نُبل الغاية لا يبرِّر فساد الوسيلة، فما بالنا وقد اجتمعت لدى هذه الجماعات المتطرفة الإرهابية خستان، فساد الغاية وفساد الوسيلة؟

وأشار المفتي إلى أن الأخبار كذلك قد تكون صادقة لكنها مغرضة أو مشوشة أو مجتزأة أو منتزعة من سياقها وموضوعة في سياق آخر وموظفة في عكس ما قيلت فيه ومن أجله، وكل هذا يؤدي إلى الإفساد في الأرض كما هو مشاهد ومعلوم لدى لجميع.

وأكَّد مفتي الجمهورية أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد حذرنا من قبول وترويج كل ما يلقى إلينا ويقال لنا، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"، مشددًا على أن هذا الحديث الشريف يدل دلالة واضحة على أن المتساهل في تلقِّي الأخبار والشائعات أيًّا كانت، وأن المجازف بترويجها ونشرها دون تثبت، لا يقل إثمًا وجرمًا عن الذي يختلق الشائعات ويروج الأكاذيب، وذلك لخطورة التساهل والتهاون في هذا الشأن، وهذا يدل على منهجية الإسلام الفائقة التي سبقت بها جميع الأمم في مجال تكوين العقول الواعية التي تبني فكرها ومعارفها وعملها على هذا المنهج الإسلامي السديد.

وبيَّن المفتي أن من أخطر الآثار المترتبة على تلك الحروب الحديثة هي زعزعة الثقة بين المواطن وبين مؤسسات الدولة التي يتعامل معها المواطن في كافة شؤونه، وإن فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية من شأنه أن يحدث خللًا لدى المواطن في قضية تكوين المرجعيات الدينية والثقافية والعلمية والتعليمية والإعلامية بحيث يكون الأصل عنده أن يستقي المعلومة من غير مصدرها الصحيح، وهنا يقع المواطن دون أن يدري في براثن وشِباك هذه الجماعات الخبيثة التي لا ترتجي له خيرًا ولا نفعًا.

وتابع مفتي الجمهورية: "لقد منَّ الله علينا في دار الإفتاء المصرية من سنوات فوضعنا أيدينا على المشكلة ومكمن الخطر، ووضعنا لها الحلول النظرية العلمية، وطبقناها عمليًّا على أرض الواقع، فأسسنا المراصد التي تتابع هذا الأفكار المتطرفة، ووضعنا البرامج العملية في صور ونماذج مختلفة بلغة وطريقة عصرية تصل بسهولة إلى كل مواطن، بل إلى كل إنسان في المعمورة، عن طريق إنشاء المنصات التعليمية والإعلامية والتوسع في ساعات البث المباشر والتواصل والتفاعل مع الجماهير على أرض الواقع، وتقبل كافة الاستفسارات والأسئلة والرد عليها، وهذا كله فضلًا عن عقد المؤتمرات العالمية التي تُعنى بهذه الشؤون على مستوى العلماء والباحثين والمفكرين وأهل الرأي والنظر".

وأكد المفتي أن من أشد ما اعتنى به فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو يدعو إلى تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع الواقع المعاصر، هو قضية بناء الوعي والعقل الحر المستنير الذي لا يرضى أن يبقى أسيرًا لدى أفكار مغلوطة أو متطرفة، موضحًا أن بناء الوعي بالمنهجية التي دعا إليها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الذي سوف يعيد الثقة بين المواطن والدولة والمؤسسات.

وقال مفتي الجمهورية: "لقد رأينا في كافة المعارك والتحديات أن وعي المواطن المصري كان على قدر التحديات التي تواجه الوطن، فلم ننتصر إلا بالتعاون والتكاتف ولن نبني وطننا ونتقدم به نحو آفاق التنمية والتحديث إلا بذلك"، مؤكدًا أن غاية هذا كله أن نقدم لأجيالنا القادمة دولة حضارية قوية جذورها تمتد في أعماق الحضارة وفروعها بازغة في سماء التقدم والرخاء.

وأختتم المفتي كلمته بقوله: "هذه هي مصر الجديدة التي يعمل الرئيس ونعمل جميعًا معه من أجل تشييدها حرة قوية لا تزلزلها الأحداث ولا تؤثر فيها الشائعات، فهي مصر الأزهر والعروبة والحضارة، داعيًا الله تعالى أن يحفظ مصر وشعبها ورئيسها وأزهرها وجيشها.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الرئيس السيسي مفتي الجمهورية دار الإفتاء المصرية مواجهة الشائعات تزييف الوعي أهم القضايا علماء الشريعة المؤسسات الرسمية مفتی الجمهوریة بناء الوعی الله تعالى فی هذا

إقرأ أيضاً:

مفتي المملكة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح موسم الحج

رفع سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، التهنئة المقرونة بصادق الدعاء والثناء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- بمناسبة نجاح موسم حج هذا العام 1446هـ، سائلًا المولى تعالى أن يجزي القيادة الرشيدة خير الجزاء وأوفاه على ما تبذله من جهود كبيرة أسهمت في التيسير على الحجاج والمعتمرين والزوار في موسم حج استثنائي يضاف للنجاحات التي حققتها المملكة خلال السنوات الماضية.
وقال سماحته في كلمة بهذه المناسبة: “إن من نعم الله تعالى على هذه البلاد المباركة نعمة الإيمان والتوحيد وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزوار حيث شرف الله سبحانه قادة هذه البلاد منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- بالقيام على شؤون المسلمين ورعاية وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما فقد سجلت هذه البلاد نجاحات باهرة ومتواصلة في إدارة الحج وصولاً إلى هذا العهد الزاهر الميمون الذي أصبح الحج ميسر والخدمات على أكمل وجه وأبهى صورة”.
وبين أن ما تحقق في موسم حج هذا العام 1446هـ هو امتداد لمسيرة النجاح والتميز لجميع الجهات الحكومية والأهلية التي تعمل لخدمة الحجاج بمتابعة دؤوبة من سمو ولي العهد الأمين -حفظه الله- الذي يتابع أداء كل الجهات المعنية بخدمة الحجاج ويقف على تحقيق النجاح وتميز مخرجات العمل وإتقانه.
وأشار سماحة المفتي إلى أن هذا النجاح يأتي تأكيدًا على ما تمتلكه هذه البلاد المباركة من قدرات راسخة على إدارة أعظم تجمع بشري على وجه الأرض في بقعة جغرافية ذات تضاريس باحترافية عالية، ويجسّد الرسالة السامية والإنسانية تجاه خدمة ضيوف الرحمن الذي قدموا من كل فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم.
ولفت الانتباه إلى أن هذا النجاح ـ تحقق بعد توفيق الله ـ بفضل التوجيهات السديدة والرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والمتابعة الحثيثة من سمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- اللذين جعلا خدمة الحجاج أولوية قصوى ومسؤولية شرف، ضمن منظومة متكاملة من الاستعداد والتخطيط والتنفيذ المحكم.
ونوه سماحته بالالتزام الصارم الذي تحقق في هذا الموسم بتطبيق جميع الأنظمة والتعليمات المنظمة لشعيرة الحج، وفي مقدّمتها منع الحج دون تصريح، والتعامل الحازم مع المخالفين، مما أسهم في تحقيق الانضباط وتقليل المخاطر، وتعزيز راحة الحجاج، وسلاسة تنقلاتهم في المشاعر المقدسة، وقد ساند هذا النهج الأمني الصارم، دور توعوي وإرشادي فاعل قامت به كل الجهات الحكومية المعنية بمجالات التوعية والإرشاد ومنها الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء التي تشرفت بالعمل على تقديم الفتاوى الشرعية للحجاج والمعتمرين ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد التي كلفت 1700 من العلماء وطلبة العلم والدعاة للقيام بمهمة الدعوة وتوعية حجاج بيت الله الحرام اتساقًا مع رسالتها السامية.
وأشاد سماحته بالتكامل النموذجي الذي تحقق بالموسم بين مختلف القطاعات الأمنية والعسكرية، والخدمية والصحية والتنظيمية، مما عكس الجاهزية الشاملة التي تتمتع بها المملكة.
وعد سماحة مفتي عام المملكة نجاح موسم الحج لهذا العام امتدادًا لنجاحات متتالية تؤكد ما تملكه المملكة من قدرات متقدمة، وخبرات عريقة، وبنية تحتية رائدة، وإستراتيجيات دقيقة في إدارة الحشود وخدمة ضيوف بيت الله الحرام على اختلاف لغاتهم، مما يعزز مكانتها الدولية ويؤكد وفاءها برسالتها العظمى، سائلًا المولى تعالى أن يحفظ هذه الدولة المباركة بقيادتها الرشيدة وأن يتقبل من الحجاج حجهم وصالح أعمالهم.

مقالات مشابهة

  • صوفان: من ضمن الصلاحيات التي طلبناها من رئيس الجمهورية إمكانية القيام بإجراءات، منها إطلاق سراح الموقوفين الذين لم تثبت إدانتهم إضافة إلى أمور تفاعلية مع مؤسسات الدولة
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • المفتي حجازي حيا قوى الأمن لجهودها وإنجازاتها لصالح الوطن واستقراره
  • حكم أداء العمرة بعد الفراغ من مناسك الحج.. المفتي السابق يرد
  • هل يجوز البقاء في مكة بعد طواف الوداع؟.. المفتي السابق يجيب
  • مفتي الجمهورية ينعي شهيد حادث العاشر من رمضان: موقفه بطولي يعبّر عن أرقى معاني الفداء
  • أرقى معاني الفداء.. مفتي الجمهورية ينعى الشهيد خالد محمد شوقي
  • مفتي المملكة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح موسم الحج
  • بنغازي.. حبس 4 متهمين في قضية “مراد الورفلي” الذي قُتل دفاعا عن أرضه
  • المفتي قبلان: مطالبون بتدشين ارادة وطنية تعيد بناء هوية البلد