مع بدء البنوك المركزية حول العالم قبل عامين دورة تشديد نقدي (رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة من السوق) لمكافحة الارتفاع الهائل في معدلات التضخم، ووقف الحكومات برامج الدعم التي طرحتها خلال أزمة كورونا وكلفت تريليونات الدولارات، عانت تلك الشركات تراكم الديون والتخلف عن السداد وأشهرت إفلاسها.

وبحسب بيانات من المحاكم الأميركية جمعتها الصحيفة في تقرير لها الإثنين الماضي ارتفع عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها في الولايات المتحدة بنسبة 30 في المئة في سبتمبر (أيلول) الماضي، ذلك بعد نحو 10 سنوات من الخفض المستمر في أعداد الشركات التي تعلن الإفلاس في أكبر اقتصاد في العالم.

لا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، بل تشهد أوروبا معدلات لإفلاس الشركات بنسب عالية في الأشهر الأخيرة.

ففي الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر من هذا العام 2023 ارتفع عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها في ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بنسبة 25 في المئة.

شركات "الزومبي" وأعلن مكتب الإحصاء الوطني الألماني "ديستاتيس" الأسبوع الماضي أنه منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي "نلاحظ معدلات زيادة (في إفلاس الشركات) شهرية بنسب مضاعفة وبصورة مطردة مقارنة مع العام الماضي".

وبحسب مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات" زادت نسبة الشركات التي أشهرت إفلاسها في الاتحاد الأوروبي كله في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بنسبة 13 في المئة في المتوسط. حسب مكاتب الإحصاء الوطني الرسمية ارتفعت معدلات إفلاس الشركات في فرنسا وهولندا واليابان في العام المنتهي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بنسبة 30 في المئة. وذكرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي تضم في عضويتها الدول الصناعية المتقدمة، أن معدلات إفلاس الشركات أخيراً في بعض الدول، مثل الدنمارك والسويد وفنلندا، تجاوزت معدلات الإفلاس خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009.

 وبحسب البيانات الرسمية البريطانية فإن معدلات إفلاس الشركات في إنجلترا وويلز في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام تجاوزت معدلات الإفلاس في الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاماً.

إذا كان ارتفاع أسعار الفائدة من ثم زيادة كلفة الاقتراض والديون سبباً أساسياً في العدد الكبير من إفلاس الشركات، فإن انهيار الشركات "الزومبي" التي ترعرعت في ظل تريليونات برامج الدعم وتحفيز النشاط الاقتصادي خلال أزمة وباء كورونا ضاعف من موجة الإفلاس، كما يقول كبير الاقتصاديين في "كابيتال إيكونوميكس" نيل شيرنغ.

ويقول محللون إن القطاعات التي شهدت أعلى معدلات إفلاس الشركات هي قطاعات النقل والسفر والضيافة، ويشير شيرنغ إلى أن من بين أسباب الارتفاع الكبير في معدلات إفلاس الشركات "زيادة كلفة خدمة الديون وتوقف برامج الدعم في فترة أزمة وباء كورونا إضافة إلى ارتفاع قيمة فواتير الطاقة بخاصة في القطاعات الكثيفة الاعتماد على الطاقة".

توقعات متشائمة في غضون ذلك يقدر صندوق النقد الدولي أن الحكومات قدمت مساعدات مباشرة ودعماً تحفيزياً للشركات والأعمال في أزمة وباء كورونا، خلال عام 2020 والأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، بأكثر من 10 تريليونات دولار. ونتيجة تلك الوفرة الهائلة في السيولة تكونت شركات من دون أصول حقيقية معتمدة بالأساس على الاقتراض السهل والحصول على أموال الدعم الحكومي من تلك البرامج، وهي التي سميت "زومبي"، ومع توقف برامج الدعم انكشفت تلك الشركات وبدأت في الانهيار.

حتى مع الاتجاه نحو خفض أسعار الفائدة مستقبلاً من قبل البنوك المركزية، فإن مسلسل إفلاس الشركات يمكن أن يستمر لفترة مقبلة بخاصة أن كثيراً من الشركات ستكون مضطرة إلى إعادة تمويل ديونها بكلفة إقراض أعلى.

ويتوقع محللون أن تضر الزيادة في إفلاس الشركات في الأشهر المقبلة بالنشاط الاقتصادي العالمي، وأن تضغط أكثر على نمو الوظائف وفرص العمل لسنوات مقبلة.

تقدر مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" أن تستمر معدلات الإفلاس في قطاع الشركات المنخفضة التصنيف الائتماني في الزيادة خلال العام المقبل 2024.

وبحسب المؤسسة، وصل معدل الإفلاس في العام المنتهي أكتوبر الماضي إلى نسبة 4.5 في المئة متجاوزاً المتوسط السنوي التاريخي عند نسبة 4.1 في المئة.

ومما يزيد من تشاؤم التوقعات أيضاً استمرار التباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة والاقتصاد العالمي كله في المتوسط. وعلى رغم تفادي الركود الاقتصادي هذا العام، فإن العام المقبل بحسب المؤشرات الحالية لن يكون أفضل كثيراً، من ثم ستستمر معاناة الشركات والأعمال بخاصة تلك التي ليست لديها احتياطات نقدية كافية

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: الشرکات التی برامج الدعم الإفلاس فی فی الأشهر هذا العام فی المئة

إقرأ أيضاً:

قصر النظر الاقتصادي يهدد طموحات إيطاليا في مجموعة السبع

ماريانا مازوكاتو -

جيوفاني تاجلياني -

خلال الفترة من الثالث عشر إلى الخامس عشر من يونيو، ستستضيف إيطاليا قمة مجموعة السبع الخمسين في فاسانو. قبيل الاجتماع، أعلنت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني عن خطة تنمية طموحة تركز على إفريقيا ووجهت الدعوة إلى قادة عِـدّة دول أفريقية والاتحاد الأفريقي للحضور ــ وهذا أكبر عدد من الممثلين من القارة في قمة مجموعة السبع منذ عام 2017.

كشفت ميلوني عن مبادرة أفريقيا، المعروفة باسم خطة ماتي، في قمة إيطاليا-أفريقيا في وقت سابق من هذا العام. تهدف المبادرة إلى إنشاء شراكات تنمية دولية تركز على الطاقة والنمو والهجرة. تحمل الخطة اسم إنريكو ماتي، مؤسس شركة النفط الإيطالية العملاقة Eni. في خمسينيات القرن الماضي، كسر ماتي احتكار شركات النفط الكبرى ــ المعروفة باسم «seven sisters» ــ من خلال تقديم اتفاقيات شراكة أكثر ملاءمة للبلدان النامية. سمحت هذه الاتفاقيات للاقتصادات النامية في كثير من الأحيان بالاحتفاظ بنسبة 75% من الأرباح، على عكس الشروط الأقل إنصافا التي تفرضها شركات النفط العملاقة المهيمنة. نظر ماتي أيضا إلى المؤسسات المملوكة للدولة باعتبارها مكونا أساسيا لاستراتيجيات التنمية الوطنية واعتبر ريادة الأعمال الشخصية واجبا عاما. اضطلعت شركة Eni وغيرها من الشركات المملوكة للدولة بدور محوري في السياسة الصناعية والمعجزة الاقتصادية التي اجترحتها إيطاليا بعد الحرب، فعززت الروابط مع مراحل الإنتاج السابقة الكثيفة الاستخدام لرأس المال وأرست الأسس لعدد كبير من الصناعات في إيطاليا في الوقت الحاضر.

من عجيب المفارقات أن شركة Eni أصبحت الآن جزءا من خطة الخصخصة بقيمة 20 مليار يورو (21 مليار دولار أمريكي) التي أقرتها ميلوني، والتي تتضمن بيع أسهم شركات مملوكة للدولة لخفض الديون العامة. وبحسب التقارير الواردة، تشمل الخطة مؤسسات مالية مثل Poste وMPS، وقد تمتد إلى خدمات عامة أساسية، مثل الشركة المشغلة للسكك الحديدية الوطنية Ferrovie dello Stato وشركة مراقبة الحركة الجوية ENAV. الواقع أن برنامج الخصخصة الذي أقرته ميلوني عبارة عن مزيج مضلل من النظريات العتيقة والسياسات الفاشلة. إذ يستند الأساس المنطقي الاقتصادي لخفض الديون العامة من خلال فرض قواعد مالية صارمة إلى نظرة مضللة قصيرة الأمد للموارد المالية الحكومية تتغافل عن الأثر الطويل الأمد الذي يخلفه الاستثمار العام الموجه نحو المهمة على الاقتصاد الكلي، وخاصة قدرته على حشد رأس المال الخاص وتحفيز النمو الاقتصادي.

وتاريخ إيطاليا الاقتصادي ذاته مثال على ذلك. فقد انخفض كل من الاستثمار الخاص والعام بين عامي 2009 و2016، ولم يبدأ في الارتفاع إلا بعد زيادة الاستثمار العام في عام 2019. تدعم دراسة حديثة شملت 21 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الرأي، فتجد أن زيادة الاستثمار العام تجذب رأس المال الخاص.

بررت الحكومة الإيطالية عمليات البيع المقترحة بادعائها أن الدولة ستحتفظ بالسيطرة على معظم الشركات المخصصة جزئيا ــ باستثناء MPS ــ وأن حصص الدولة المخفضة في Eni و Poste ستخضع لعمليات إعادة شراء الأسهم الأخيرة. لكن هذه السياسة القصيرة النظر تتسبب في تفاقم الاتجاه إلى إضفاء الطابع المالي على الاقتصاد وتبدد الأرباح المباشرة وغير المباشرة التي قد تنشأ من زيادة ملكية الدولة للشركات الرابحة. برغم أن نسبة رسملة سوق الأسهم إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا أقل من نظيرتيها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإنها الآن تضاعفت من نحو 20% خلال الفترة من 1960 إلى 1990 لتقترب من 40% خلال الفترة من 1990 إلى 2020. تدلل خطة ميلوني للخصخصة على تركيز إيطاليا على الأجل القصير، وانعدام الهدف، وغياب أي استراتيجية صناعية جادة. إن الشركات المملوكة للدولة الجيدة الإدارة قادرة على تعزيز التنمية الاقتصادية وخلق الامتدادات التكنولوجية، والتكامل القطاعي، واقتصادات الحجم والنطاق الكبيرين. علاوة على ذلك، تستطيع الشركات المملوكة للدولة توفير رأس المال الصبور وتعزيز القدرات التكنولوجية في البلاد، سواء بشكل مستقل أو من خلال سلاسل توريد هذه القدرات.

على سبيل المثال، بوسع الحكومة الإيطالية الاستفادة من خبرات شركة Industria Italiana Autobus في إنتاج الحافلات الكهربائية لمعالجة الحاجة الملحة للنقل العام البلدي المستدام. قد ينطوي ذلك على مشتريات عامة كبيرة ويمكن دمجه في استراتيجية صناعية خضراء تدفع النمو الاقتصادي في حين تتصدى للتحديات الوطنية، مثل تلوث الهواء الشديد في وادي بو. من المؤكد أن الشركات المملوكة للدولة الإيطالية لم تكن دائما تُـفضي إلى التغيير التحويلي. الواقع أن مسارها التاريخي يعكس المشاق الاقتصادية التي واجهتها إيطاليا. على سبيل المثال، أثرت أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي على شركات إنتاج الصلب المملوكة للدولة، حيث أدت الكفاءات التكنولوجية وتحولات الطلب إلى جعل عدد كبير من الوظائف زائدة عن الحاجة. وفي حين أثبت تسريح العمال كونه ممارسة سامة سياسيا، أسفرت المنافسة الشديدة على الأسعار عن خسائر فادحة ونقص في الميزانية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الدعم من جانب الدولة. وهذا بدوره أفضى إلى النفوذ المفرط من جانب الحكومة وأشعل شرارة الدعوات المنادية بالخصخصة. في تسعينيات القرن الماضي، بدأت إيطاليا أكبر برنامج للخصخصة في أوروبا القارية، فعملت على تفكيك قسم كبير من عمودها الفقري الصناعي بدلا من تعزيز الإبداع والابتكار. على سبيل المثال، بينما خصصت مجموعة الاتصالات السلكية واللاسلكية STET 2% من إيراداتها لمشاريع البحث والتطوير بين عامي 1994 و1996، فإن حساباتنا تبين أن خليفتها، بعد تخصيصها تحت مسمى Telecom Italia، أنفقت نحو 0.4% على البحث والتطوير بين عامي 2000 و2002. أما الشركات شبه العامة التي نجت، مثل Eni، فإنها كانت تفتقر غالبا إلى الاستراتيجية الصناعية الموجه نحو المهمة التي تشمل قطاعات الحكومة كافة.

تعكس هذه الاتجاهات التحديات الأوسع التي تواجه الاقتصاد الإيطالي: قصر النظر السياسي والإداري، والافتقار إلى الاتجاه، وعدم كفاية الاستثمار العام والخاص في البحث والتطوير، وقصور تكوين رأس المال البشري. أفضت إصلاحات سوق العمل في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي إلى ظروف عمل محفوفة بالمخاطر، الأمر الذي أدى إلى تثبيط الاستثمار الطويل الأجل في المهارات والتدريب وتقليص الإنتاجية. كانت إدارة الشركات الإيطالية الكبرى، الخاصة والعامة، قصيرة النظر بشكل خاص، حيث عمل الساسة والمسؤولون التنفيذيون على تفكيك قدرات قَـيّـمة وبيع قسم كبير من الصناعة المتقدمة في إيطاليا لشركات أجنبية. تمثل خطة ميلوني المعيبة للخصخصة اتجاها عالميا أعرض. ورغم أن صندوق النقد الدولي أدرك أن التقشف لا يقلل من نسب الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي ويلحق الضرر بالنمو، فإن صناع السياسات الأوروبيين لا يزالون يتشبثون بالقواعد المالية القديمة التي تدفع الحكومات إلى بيع الأصول الصناعية لخفض الديون العامة. الواقع أن هذا النهج، بدلا من تعزيز الاستراتيجيات الصناعية المستدامة، لا يوفر سوى الإغاثة في الأمد القصير.

مع انخراط الشركات المملوكة للدولة بشكل متزايد في عمليات إعادة شراء الأسهم، بلغ الطابع التمويلي مستويات غير مسبوقة، وغالبا على حساب الاستثمار الإنتاجي. وبينما يستمر القطاع المالي في الاستثمار في ذاته في المقام الأول، فإن الشركات غير المالية تنفق مبالغ أكبر على عمليات إعادة شراء الأسهم ودفعات الأرباح مقارنة بإنفاقها على رأس المال البشري، والمعدات، ومشاريع البحث والتطوير. وعلى الرغم من محاولة ميلوني تقديم رؤية مبتكرة للتنمية، فإن احتضان حكومتها لنظريات عتيقة ينتج سياسات فاشلة تعرض للخطر أجندة مجموعة السبع الاقتصادية والشراكة مع أفريقيا. بدلا من تعزيز اقتصاد أكثر اخضرارا وشمولا يدفعه الاستثمار والإبداع، تبنت ميلوني ذات النهج القصير النظر المسؤول عن كثير من مشكلات إيطاليا. على الرغم من الاستعانة بعلامة مميزة، فشلت حكومة ميلوني في الارتقاء إلى إرث ماتي من الملكية العامة والتعاون الدولي. لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه إيطاليا، يتعين على صناع السياسات أن يفوا بوعودهم وأن يتبنوا استراتيجية صناعية متطلعة إلى المستقبل حقا.

ماريانا مازوكاتو أستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في جامعة كوليدج لندن.

جيوفاني تاجلياني باحث في معهد UCL للابتكار والغرض العام.

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • تقرير أممي: أرقام صادمة للانتهاكات ضد الأطفال في العالم.. أعلاها في غزة
  • بلومبرغ: تأثير الحرب على غزة يضع “إسرائيل” أمام معدلات تضخم قياسية
  • قصر النظر الاقتصادي يهدد طموحات إيطاليا في مجموعة السبع
  • رئيس مدينة دمنهور يُتابع مستجدات ملفات التصالح ويُوجه بتيسير الإجراءات للمواطنين
  • بعد إفلاس أكبر شركة سياحية شهيرة.. 11 ألف سائح أوروبي في ورطة كبيرة بفنادق العرب
  • بعد إفلاس شركة سياحية شهيرة.. 11 ألف سائح أوروبي في ورطة كبيرة بفنادق مصر
  • هآرتس: زيادة هائلة بإمدادات السلاح الصربي لإسرائيل
  • مصر تعلن زيادة أسعار الأدوية على غرار البنزين
  • محمد كركوتي يكتب: عالم غارق بديونه
  • مسؤولة بالاتحاد الأوروبي: اعتداء قوات الدعم السريع على الطاقم الطبي بمستشفى الفاشر مفزعة