بوابة الوفد:
2025-05-10@04:48:22 GMT

وصية محمد الماغوط

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

لدى خبر قديم أود إذاعته، هو أننا ميتون نوشك أن نصل مبتغانا. نتنفس شهيقا ليس لدينا النبأ اليقين بخروجه زفيرا، وكل أحوالنا على الأرض مؤقتة.

أنا كاتب مؤقت، وهذا شاعر مؤقت، وهذه فنانة مؤقتة، وهذا ناقد مؤقت، وذاك مسئول مؤقت، وجميع مَن نشاهدهم منتفخين، متضخمين، مترفعين على البشر، وناظرين من علٍ يعيشون أحوالا مؤقتة.

كل جالس سيقوم، وكل واقف سيمر، وكل سلطة ستزول، ولن تبقى سوى القيمة، فكن خيرا، نفعا، بناء، دعما، سندا.

أذكركم بعد نفسى أن نفكر دوما فى كل فعل وحركة وقول. ما يصح وما لا يصح. ما ينفع وما يضُر. ما يُمثل قيمة، وما يُعد عبثا. ما يدفع أذى، وما يجلبه. ما يُنصف مقهورا، وما يشارك فى ظلم. ما ينير عتمات، وما يهدم قصور مجد.

كلما عبرت السنوات، واقتربت النهايات، أزداد اندهاشا من رؤية أى مشهد تملق، أنفر من متابعة بروتوكول رسمى يسمح بمذلة إنسان لآخر. أحزن كثيرا إن شهدت كبيرا، مبدعا أو صاحب علم وقيمة يُداهن. أنزعج من وصلة نفاق زاعقة، وأغضب جدا من سماع كلمة ليست لوجه الله تعالى.

فكما قال الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور معرفا الكلمة «أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة فى كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة». ونصيحتى لنفسى ولك، إن سمح لك القدر أن تبُوح بكلمة أمام كبير، فلا توظفها إلا لنفع الناس وإسعادهم.

قُل خيرا أو لتصمت، والأفضل ألا تصمت. فليس هناك ما يمنعك أن تُنصف مَن يستحق الإنصاف؟ وتحفظ لذاتك عزتها وكرامتها فى الوقت نفسه.

لقد كان الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت يقول لشعبه «إن أخوف ما أخاف عليكم هو الخوف نفسه»، ونحن تربينا على الخوف من كل شيء، وأى شيء. نخاف من المعلوم والمجهول. نخاف من الخوف نفسه. نخاف ونحن ندرك أن الخوف مقبرة الحياة، ومقصلة التطور، فالذين يخافون لا يصنعون مجدا ولا انتصارا.

نخاف نخاف.. فلِمَ نستغرب سوء الحال، وضعف الأمل، وتردى القيم؟ كيف نُصلح الغد ونحن نخاف؟ وكيف نحل مشكلات تلو مشكلات ونحن نخاف؟ كيف نتقدم للأمام؟ وكيف ننتصر ونحن نخاف؟

يقول الشاعر محمد الماغوط، كرم الله ذكره، موصيا الإنسان العربى فى كل زمان ومكان:

« لا تحنِ رأسك لأحد أبدا، لا تحنِ رأسك مهما ظننت أن الأمر ضروري، لا تحنِ رأسك، فقد لا تواتيك الفرصة لتنهض مرة أخرى».

وقد فعلها يوما الموسيقار العالمى لودفيج فان بيتهوفن، عندما أخبروه بأن الحاكم سيحضر احتفالا يخصه، ثُم طلبوا منه قبيل الاحتفال أن ينحنى للحاكم وهو يصافحه، لكنه رفض وأصر أن يقف مرفوع الجبين، ونقلوا عنه قوله « سيأتى مئات الملوك، وبعد مئتى عام لن يذكر أحد هؤلاء ولا كيف كانوا، لكنهم سيتذكروننا: نحن المبدعين».

والله أعلم.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

غزة.. الحصول على وسائل المعيشة

بعد نزوج المواطن الغزاوي من بيته رغما عنه، يحصل على لقب" نازح" ويسكن الخيمة، هنا تبدأ المأساة التي لا أحد يعلم متى تنتهي، فالحياة في مخيمات النزوح تشبه وضع أعداد كبيرة من السمك في حوض صغير مع قليل من الطعام والشراب، والكثير من الخوف والقلق والبحث المستمر عن مقومات الحياة التي تختلف عن البيت، فلا شيء في الخيمة، لا تلفاز، لا غسالة، لا ثلاجة، لا كهرباء، لا صالة ضيافة، لا راحة نفسية.

تبدأ رحلة الأسرة في البحث عن مقومات الحياة منذ الصباح، ونظرا لتفرع الحاجات من غذاء وماء ودواء وكساء، فيتم تقسيم الأبناء لفرق، لتوفير المياه الحلوة ومياه الغسيل، وجمع الحطب، وإحضار الطعام من التكية التي أغلب طعامها من البقوليات (الفاصولياء والبازيلاء والعدس والمعكرونة الأرز) التي أتعبت أمعاء الغزيين؛ لأن الحصول على غير تلك الأصناف يُعد ترفا، ومسألة عصية على رب الأسرة الذي فقد عمله بسبب العدوان، ولم يجد عملا ليعيش منه، خاصة إن كانت أسرته كثيرة العدد.

لو أردنا تفصيل الاحتياجات، فالخضار تقلصت حصة المواطن منها بسبب قلة وجودها في الأسواق نتيجة تدمير الاحتلال للأراضي الزراعية وسيطرته على مساحة كبيرة من أراضي القطاع، أما الفاكهة التي بها عناصر غذائية يحتاجها الجسم، فإن 90 في المئة من الناس لم يزد نصيبهم عن نصف كيلوجرام من أصناف كثيرة، منذ عام تقريبا.

أما الحصول على اللحوم بكل مشتقاتها، وكذلك البيض، فمسألة صعبة، ولك أن تتصور عزيزي القارئ أنه منذ بداية رمضان (آذار/ مارس) 2025 حتى كتابة هذا المقال  (أيار/ مايو 2025) لم نتناول اللحوم نظرا لإغلاق العدو لمعابر غزة.

ونظرا لغياب نصف الأطعمة وغلاء النصف الآخر، نلجأ لتقليص عدد الوجبات، ونأكل الزعتر والدقة (نطحن الحمص والعدس والمعكرونة ليصبح دقة مع إضافة الملح)، وهذا على المدى البعيد يسبب أمراضا في الكلى، كما يلجأ الآباء لإيهام أطفالهم بأنهم شبعوا ليتيحوا لهم فرصة الأكل.

في الحرب لم يعد لدينا خيار أن نقول عن طعامٍ ما "لا أحبه"، وبعد الحرب سنشتكي جميعا من أمراض الصدر؛ لأن دخان النار قد تغلغل إلى صدرونا.

أما المياه بنوعيها الصالحة للشرب والتي تُستخدم للغسيل، فالحصول عليها يحتاج لبذل الجهد الكبير وإنفاق وقت طويل للوقوف في طابور.

وكي نعد ما يمكن تسميته بالطعام، نلجأ للحطب والخشب نتيجة انقطاع غاز الطهي، فهو ممنوع بأمر من العدو، وإن حدث وسمح العدو بدخول الغاز، فإنه يكون نصيب كل رب أسرة 6 كيلوجرامات لمدة شهر وبسعر مرتفع.

أما الحصول على كأس شاي فهذا يدخل في إطار الكماليات؛ لأنها تحتاج لسكر، والسكر ممنوع، ولو وُجد فهو مرتفع الثمن (10 دولارات للكيلو).

أما الحلويات فتناولها يحتاج لتخطيط عميق قبل أسبوع من يوم الشراء، فهي مرتفعة السعر بحكم دخول عدة عناصر فيها مثل السكر والزيت والسميد والطحين ويلزمها غاز، وكل هذه الأشياء مفقودة.

أما الدقيق فهو المشكلة الكبرى عند رب الأسرة، فلا طعام يصلح بدون خبز، وكيس الدقيق 25 كيلوجرام يتم استهلاكه خلال أسبوع، ونظرا لعدم توفره بالقدر الكافي فهو مرتفع الثمن، وقد وصل سعره إلى ما يزيد عن 500 دولار.

في غياب هذه المأكولات يلجأ الناس للتكية التي تطبخ الأطعمة وتوزعها على النازحين وهذه مفيدة إلى حدٍ ما، من حيث أنها توفر ثمن الطعام والحطب، لكنها لا تكفي للأسرة.

إجمالا مهما كتبنا وصفا لواقع حياتنا بغزة خلال العدوان، فلن نستطيع التعبير بشكل دقيق، لأن الظروف أقوى من كل الحروف، لكن الخيط الذين يبقينا على قيد الأمل قول الله عزوجل "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" (البقرة: 155).

فنحن في عزة نُبتلى الآن في "الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات" ولسان حالنا يقول نصبر ونحتسب، وحسبنا الله ونعم الوكيل، بانتظار تحقيق "وبشر الصابرين".

(كاتب ومدون من غزة/ فلسطين)



مقالات مشابهة

  • كارول سماحة تتحدى الأحزان: "وصية وليد أن تستمر الحياة".. والمسرحية تُعرض في موعدها
  • الفرق بيننا وبينهم
  • كارول سماحة تكشف وصية زوجها الراحل: لازم العمل يكمل
  • غزة.. الحصول على وسائل المعيشة
  • في زكري ميلاده.. من هو "تايسون" الذي هزم المصاعب بصوته وموهبته وتحوّل لعلامة مميزة في السينما والدراما
  • هاني خليفة يكشف أسرار رحلة 404: كل من يشاهده يجد نفسه متورطا في قصته
  • الأهلي يقسو على المصري برباعية ويتصدر الدوري مؤقتًا «فيديو»
  • محمد الجبالي: ديننا دين يُسر لا عُسر... وهذه وصية نبوية يجب أن نحيا بها
  • هل تذكرون مالذي دفع الجميع للوقوف مع جيشهم صباح يوم 15 من أبريل يوم بدأت الحرب؟
  • بنويافوبيا