NYT: بين معاداة فيتنام ومعارضة الحرب في غزة هل يكرر التاريخ نفسه؟
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" ما إذا كانت الحرب في غزة ستعلم جيلا كما علمت حرب فيتنام جيلا بأكمله.
وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن حركة الإحتجاج في الجامعات التي أدت لإنهاء حرب فيتنام في السبعينات من القرن الماضي قد تقود إلى نفس الأمر في حرب غزة؟.
وأعد التقرير مايكل واينز حيث نقل عن ريتشارد فلاكس تذكره التحديات لبناء حركة احتجاج أثناء حرب فيتنام والتي كانت عمودا لجماعة"طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي" ذات الميول اليسارية والمعادية للحرب.
وقال إن فكرة "طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي" بدأت بفكرة: نريد طريقا جديدا لأن نكون مع اليسار ومفردات جديدة واستراتيجية جديدة".
وساعد فلاكس في كتابة مانفستو الحركة أو بيان ميناء هورتون في 1962 و "عرفنا أننا على الطريق الصحيح ولا أعتقد أننا كنا متغطرسين". وبعد 60 عاما، فلدى إيمان عابد نفس التحديات في حرب غزة و "لوقت طويل، لم نكن قادرين على جعل فلسطين موضعا للناس لكي يهتموا به".
وعابد هي المنسقة والمديرة للحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين والتي تعمل مع الجماعات المؤيدة لفلسطين و "لكن الناس يهتمون بها لأنهم يرونها، وهم يشاهدونها على حسابات التواصل الإجتماعي ويراقبون الأخبار".
وتعلق الصحيفة أن من الباكر الحديث فيما إن كان النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني سيعلم الجيل هذا كما حدث أثناء المعارضة لحرب فيتنام مع شباب مرحلتها قبل نصف قرن.
ولكن الذين درسوا وعاشوا حرب فيتنام فإن المقارنة قوية: القصف الجوي والدمار على منطقة صغيرة غير متطورة، وانقسام جيلي بشأن أخلاقية النزاع وحس بأن الحرب تقدم تيارات سياسية وثقافية وثقة لا تتزعزع، بين الطلاب الذين يتعاملون مع قضيتهم بإيمان مطلق.
ويرى مايلز رابورت وزير خارجية ولاية كونكيتكت الذي انضم لحركة المعارضة لفيتنام وهو طالب بجامعة هارفارد في الستينات أن هناك تشابها لكن الحركتين مختلفتين بشكل أساسي من ناحية اللحظة.
فالولايات المتحدة خاضت في فيتنام من أجل إظهار أنها القوى العظمى، أما "إسرائيل" فتقول إنها تخوض حربا وجودية، لكن هناك الكثير من التشابه عندما يتم النظر إلى الحربين من الناحية الأخلاقية.
وقد عبر عن هذا المشاركون في المسيرات المؤيدة لإسرائيل كما فعل مؤيدو الحرب في الجامعات الأمريكية أثناء فيتنام.
ولكن رابورت يرى ان الحركتين تعبران وبشكل غريزي عن التضامن المبدئي مع الطرف الضعيف و "هذا متعلق بحس التضامن مع الناس الذي يقاتلون من أجل بلدهك الحر من أي وجود استعماري".
ومنذ فيتنام تظاهر طلاب الجامعات عدة مرات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وضد مقتل الرجال والنساء السود في 2014 و 2020، ولكن حملة معاداة للحرب في غزة ومستمرة لم تر من قبل.
ويقول لون تران، 28 عاما أمريكي- فيتنامي والمدير الوطني لجماعة يسارية اسمها "الغالبية الصاعدة" إن هناك مقارنة بين فيتنام وغزة.
ولم يقابل جده أي جندي أمريكي في الحرب أما جدته فقد قاتلت ضد القوات الامريكية مع قوات الشمال و"عندما أسمع الفلسطينيين يعملون مقارنة مع فيتنام ودور الولايات المتحدة والإستعمار، فهذا يثير دهشتي وهي رابطة واضحة" و "أشعر بها في جسدي والكثير من أبناء مجتمعي الفيتنامي يشعرون بها في جسدهم، أي مقاومة الحرب ومقاومة الإحتلال".
وبالنسبة للنقاد، فمسيرات اليوم تعكس إفراط وليس قيم حركة المعاداة لحركة فيتنام، حيث يهتف بعض المشاركين هتافات يعتبرها البعض دعوة لإبادة اليهود، تماما كما دعم متظاهرون جيش فيتنام الشمالي أثناء الحرب.
ويتهم نقاد حركة المناصرة لفلسطين بالنفاق لأنها قد تهمش قضايا مثل حركة المثليين والمرأة.
وينظر اليهود لتظاهرات المناصرين لفلسطين بنوع من الخوف، كما يقول مدير مركز برانديس لحقوق الإنسان بموجب القانون، كينيث برانديس، إن التظاهرات المناصرة لفلسطينن كانت موجودة قبل غزة.
واعتبر أن الحركة التي يدعمها الطلاب معادية للسامية،رغم وجود طلاب يعتقدون أنهم يدعمون بالمشاركة فلسطين. واتهم الجامعات بالرد الضعيف والجبان.
ولكن حركة الإحتجاج المعارضة لحرب غزة تستفيد من تراث حركة المعاداة لفيتنام مثل شعارات "كم عدد الأطفال قتلتم اليوم؟".
وقال فلاكس إن طلاب الستينات لم يكن أمامهم مثال لتقليده. وأضاف فلاكس وهو استاذ علم اجتماع في جامعة كاليفورنيا، سانتا بربارة إن "الكثير من الأساليب التي اخترعت أصبحت جزءا من حقيبة الأدوات في نشاط الجامعات".
وقال دانيال مايلستون، المحامي المتقاعد من نيويورك "ليس من الواضح الرهان لك ولي في النزاع" وكان من الداعين لوقف حرب فيتنام ويعرف طلابا من المنطقة و "في التحليل النهائي، حتى لو كانت لي عائلة في إسرائيل، ولدي، فهذا ليس عرضي ولكن عرضهم".
وبالتأكيد فأساليب التجميع وتحضير المواد اللوجيستية اليوم هي أسهل من الماضي، وسهلتها منصات التواصل الإجتماعي والتعليمات التي ترسل مباشرة لحسابات الناشطين.
كما وتغيرت شكل التظاهرات عن معاداة فيتنام، التي كانت غالبيتها من البيض، وهو ما يعكس حرم الجامعات في الستينات، اما في 2023، فهي حضرية وتضم طلابا من الملونين الذين يتعاطفون مع فلسطين المحاصرين وتحت سيطرة طرف قوي، كما ويشكل غير الطلاب غالبية المتظاهرين اليوم.
وقال مايكل كازين، الأستاذ بجامعة جورج تاون "الحركات لا تظهر من لا مكان"، فحركة معاداة فيتنام نشأت نتيجة مذبحة شاربفيل في جنوب أفريقيا، أما احتجاجات غزة، فتعود لمعاداة المسلمين بعد 9/11 والظلم المستمر لهم.
وعندما نزل السود احتجاجا على مقتل شاب أسود في فيرغسون، مونتانا في 2014 قدم الفلسطينيون النصيحة حول كيفية التعامل مع الغاز المسيل للدموع، وأصبح اليوم طلاب جامعة كاليفورنيا، سانتا بربارة من السود واللاتينو عصب حركة التأييد لفلسطين كما يقول البرفسور فلاكس.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الحرب غزة فيتنام فلسطين فلسطين غزة فيتنام الحرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب فیتنام من أجل
إقرأ أيضاً:
«عين غزال».. شاهد على التاريخ البشري
أبوظبي (الاتحاد)
في عصور سابقة، قبل اختراع الكتابة، كان الفن هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن مشاعر البشر وأفكارهم. وفي متحف اللوفر أبوظبي، يقف تمثال «عين غزال» الأردني كدليل حي على النهضة الفنية والروحية التي عاشها أسلافنا قبل حوالي 9000 عام. ومنذ لحظة دخولهم معرض «القرى الأولى»، تبدأ رحلة الزوار في متحف اللوفر أبوظبي، ليأسر أنظارهم تمثال عين الغزال، وهو من أقدم التماثيل البشرية الضخمة، تم اكتشافه في موقع عين غزال الأثري قرب عمّان في الأردن. تم نحت هذا العمل الفني الفريد بين الألفية الثامنة والسابعة قبل الميلاد، في فترة شهدت نشوء المجتمعات الأولى وابتكار رموز تعبر عن هويتها.
وتسلط آمنة الزعابي، مساعدة أمين المتحف في اللوفر أبوظبي، الضوء على دور التمثال في السرد العالمي للمتحف، خاصة وأنه تم اكتشافه في منطقة تُعتبر مهد الحضارات. وتوضح قائلة: «يُعتبر تمثال عين غزال استثنائياً، ليس فقط بسبب عمره، بل لما يمثله من تحول. إنه شاهد على ظهور مجتمعات مستقرة، وهياكل اجتماعية متطورة، وقدرة أصحابها على التعبير الفني وابتكار تقنيات جديدة».
ويُشارك المتحف في سرد الرواية الأوسع للمنطقة الثقافية في السعديات، التي تضم سبع مؤسسات ثقافية، وتأخذ الزوار في رحلة عبر تاريخ عالمنا والثقافات المشتركة التي تجمعنا، كل ذلك يُعرض لأول مرة من منظور أبوظبي. وفي هذا السياق، يروي متحف اللوفر أبوظبي قصصاً من الإبداع البشري، من خلال تنسيق مقتنياته بعناية حول لحظات محورية تتجاوز الحضارات والجغرافيا والأزمنة.
إن تمثال عين غزال يقف على أعتاب هذه الرحلة، مُجسّداً الانتقال من الحياة البدوية إلى الاستقرار في المجتمعات الزراعية. وتقول الزعابي: «شهدت هذه الفترة ظهور رموز اجتماعية جديدة. ويُقدّم لنا التمثال لمحة عن الطريقة التي ربما نظر بها البشر الأوائل إلى القيادة، أو النسب». مع ذلك، تُقرّ الزعابي بأن لا يوجد أحد يعرف الغرض الدقيق للتمثال، إذ كان ذلك في فترة سبقت الكتابة بكثير، لذا يضطر علماء الآثار إلى الاعتماد على استخدام الأدلة التي خلقها الزمن في الرمال لتكوين وصياغة نظرياتهم.
وتمثال عين غزال هو واحد من أكثر من 30 تمثالاً من الجص، عُثر عليها مدفونة بعناية وتبجيل في حفرتين منفصلتين تحت مساكن مهجورة في قرية عين غزال التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، وهو موقع سُمي نسبةً إلى نبع ماء قريب. وتُشير هذه الطريقة الدقيقة في الدفن إلى دلالة طقسية أو شعائرية مهمة. وفي هذا الشأن توضح الزعابي: «لم تُرم هذه التماثيل ببساطة أو تُدفن مع رفات بشرية فحسب، بل وُضعت بعناية تحت أرضيات منازل مهجورة، مما يُشير إلى أنها كانت تحمل معنى عميقاً لدى صانعيها. ولا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كانت تُمثل أسلافاً، أم قادة أوائل».
أهمية فنية ورمزية
كشفت الزعابي أيضاً عن أن آثار الطلاء الموجودة على بعض التماثيل، إلى جانب وجود تجويف فوق الجبهة يُرجَّح أنه كان مخصصاً لوضع شعر مستعار أو غطاء للرأس، كما وتُشير إلى أن هذه التماثيل ربما كانت مزينة ومغطاة بألوان زاهية. ومع ذلك، لا يستطيع علماء الآثار والمتخصصون تفسير هذه التفاصيل إلا بالاعتماد على الأدلة المتوفرة، مما يُضفي على وجود التمثال في متحف اللوفر أبوظبي طابعاً غامضاً يثير الفضول.
وإلى جانب أهميته الفنية والرمزية، يُعدّ تمثال عين غزال دليلاً على التقدم التكنولوجي المبكر الذي صمد عبر آلاف السنين. وتوضح الزعابي: «كانت تقنية الجص الكلسي ابتكاراً رئيسياً في ذلك الوقت. فقد استُخدمت في كل شيء، من الأرضيات وأغطية الجدران إلى الحلي والأعمال النحتية مثل هذا التمثال». ومع ذلك، فقد ترك عامل الزمن بصمته الحتمية على القطع الأثرية، وتوضح الزعابي: «في الأصل، صُنعت التماثيل باستخدام هيكل داخلي من حزم القصب والكُحل المستخلص من مادة القار لعمل حدقة العين، ولكن عندما اكتشفها علماء الآثار عامي 1983 و1985، كانت هشة، وقد تضررت بنيتها الهيكلية بشكل كبير». وقد تولى خبراء من مؤسسة سميثسونيان في واشنطن العاصمة والمتحف البريطاني في لندن مهمة الترميم الدقيقة والشاقة، حيث قاموا بتثبيت التماثيل وترميمها بعناية فائقة، وهي عملية استغرقت قرابة عقد من الزمن.
ووفقاً للزعابي، فعلى الرغم من إنجازاتها الفنية والتكنولوجية، واجهت مجتمعات العصر الحجري الحديث التي صنعت تماثيل عين غزال تحديات بيئية. «مع نهاية الألفية السابعة قبل الميلاد، نشهد أدلة على انتشار إزالة الغابات واستنزاف الموارد. وربما أجبر هذا الأمر المجتمعات على هجر مستوطناتها والبحث عن مناطق جديدة لإعادة التشكُل والبناء». إنها حقيقة تكشف أن حتى أقدم الحضارات كانت مضطرة للتعامل مع تغيّر المناخ وتبعات التأثير البيئي الناتج عن الإفراط في استغلال الموارد. وتُشكل معاناتهم انعكاساً واقعياً يُثير التأمل في قضايا الاستدامة التي نواجهها اليوم.
جسور ثقافية
منذ عرضه في عام 2017، يُعد تمثال عين غزال من أبرز القطع في مجموعة متحف اللوفر أبوظبي. وقد أُعير التمثال من متحف الأردن في عمّان، ليُجسّد التزام المتحف بتعزيز الشراكات الدولية. وفي عام 2022، سافرت الزعابي إلى الأردن للمشاركة في المؤتمر الدولي «تاريخ وآثار الأردن» في جامعة اليرموك، حيث تحدثت عن أهمية التمثال ومكانته ضمن السرد العالمي الذي يقدّمه المتحف. قائلة: «كانت أيضاً فرصة لتعريف الجمهور الأردني بأهمية التمثال ضمن قصة اللوفر أبوظبي، وكيف يُسهم في ترسيخ العلاقات القوية القائمة بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الإمارات العربية المتحدة».
إن القطع الأثرية، مثل تمثال عين غزال، تُشكّل جسوراً ثقافية تربط بين الحضارات القديمة والجمهور المعاصر. فعندما يقف الزوار أمام عينيه الأخّاذتين، المُكحلتين، يُذكّرهم ذلك بأن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث البعيدة، بل هو قصة مستمرة لا تزال تُشكّل فهمنا لهويتنا. وتختتم الزعابي بقولها: «إنه لشرفٌ لنا أن نُشارك هذه القصص. هذا التمثال ليس مجرد أثرٍ، بل هو رابط حي مع التجربة الإنسانية المشتركة»، وهو يُجسد التزام متحف اللوفر أبوظبي بعرض مثل هذه القطع الفنية، حرصه على أن يبقى إرث تمثال عين غزال وصانعوه حاضراً، من خلال حوار خالد بين الماضي والحاضر.