بعد سقوطهم المُدوي، الكيزان يحاولون جر البلاد إلى الهاوية!
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
تسليح المواطنين آخر ما تفتقت عنه عبقرية النظام القديم، الذي لا يوفر جهدا من أجل إحداث الفوضى الشاملة، بل والدفع بتقسيم البلاد إلى عدة دويلات، فالنظام الكيزاني هو صاحب فكرة مثلت حمدي وصاحب دولة النهر والبحر، وهو من قام بتقسيم الولايات على أساس القبيلة. رغم أنّ دور الدولة هو تذويب أية فوارق مجتمعية، لكن الإنقاذ التي لا تعترف أصلا بفكرة الدولة، مضت في الاتجاه المعاكس، لإيقاظ النعرات القبلية والعصبيات بدلا من محاربتها، بل وتقنينها، فأصبح كتابة اسم القبيلة اجباريا في استمارات المعاملات الرسمية!
كانت الانقاذ تزرع طوال الثلاثة عقود بذور تفتيت الدولة السودانية، وكان تقديرهم أن ذلك هو العاصم الوحيد لهم من السقوط، كونهم يمسكون بالخيط الرفيع الذي يبقي نسيج الدولة محتفظا ببعض تماسكه، وأنهم يملكون بالتالي مفاتيح بقاء الدولة أو انهيارها.
التنظيم اللصوصي لم يخف ابدا ميوله العنصرية، وحين ظهرت حركات التمرد بعد المفاصلة لم يعمل على احتواء المشاكل التي قادت لظهور التمرد، بل سعى عن طريق الحلول الأمنية لتعقيد المشكلة، وحتى الحركات نفسها سعى لإفسادها وشق صفوفها بالمنازعات والانقسامات، حتى تضيع القضية ويصبح هم نشطائها هو المكاسب الشخصية.
يبرع البرهان ومن خلفه النظام القديم فقط في التخبط وصناعة الازمات، فبعد كل العراقيل والمعاكسات التي وضعتها اللجنة الأمنية الكيزانية في طريق حكومة حمدوك، اتجهوا للانقلاب، وحين فشل الانقلاب، كان البديل هو حرب الساعات المعدودة بحسب خطتهم لإفشال الاتفاق الإطاري، وحين استطالت الحرب، وبدا واضحا أن الجيش لم يعد قادرا بعد سنوات التهميش والتدمير لصالح مليشيات النظام. لم يعد قادرا على حسم المعركة، اتجهوا للتجييش والاستنفار لإغراق الوطن في الفتن والفوضى، كبديلهم الأخير في مواجهة احتمال عودة واستقامة المسار المدني للدولة.
عادت الإنقاذ بكل مساوئها، لتشعل الحرب بل ولتدير شئون حكومة بورتسودان، ولتعيد إلى الاذهان نفس التخبط في التعامل مع المجتمع الدولي طوال عقود حكمهم الثلاثة، من استعداء لدول الجوار، ووضع مصالح التنظيم والجماعة قبل مصلحة الوطن ومواطنيه، وشخصنة القضايا: فولكر يجب أن يغادر، لا نريد التعامل مع الرئيس الكيني، والايقاد في نظرهم تشجع على الارهاب، وعلى قوتيريز الا يتحادث تليفونيا مع قائد المليشيا التي يصفونها بالمتمردة، رغم انها صنيعتهم وامتدت شراكتهم معها إلى التمرد الحقيقي: تمردهم الجماعي على الثورة، فض الاعتصام، وحربهم على محاولات الحكومة الانتقالية استعادة بعض الروح للحياة في بلادنا بعد موات الثلاثة عقود، ثم انقلابهم على الحكومة الانتقالية واعادتهم لفلول النظام القديم، بل وإعادة كل الأموال المنهوبة التي صادرتها منهم لجنة تفكيك التمكين، ثم دق طبول الحرب والخراب.
كل الجهود التي تبذلها تقدم لوقف الحرب، ستجد التأييد والمباركة من شعب أفقرته وأفقدته الحرب كل شيء. ولا مصلحة في استمرارها الا للنظام القديم، الذي يحاول استعادة زخم مطلع التسعينات حين حاول تجييش المواطنين ليحاربوا نيابة عنه في الجنوب، ولم يكن هناك من غرض لتلك الحرب العبثية، سوى تثبيت النظام الفاسد الفاقد للجذور في تربة هذه البلاد الطيبة، ودفع الجنوب للانفصال.
الآن تتكرر نفس الأسطوانة، وما لم يتم تدارك الأمر ووقف الحرب وافشال مؤامرات النظام الكيزاني الجديد، فإن الكارثة قادمة لا محالة.
لا_للحرب
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان ينزلق إلى الهاوية
عادت المواجهات في السودان إلى ذروتها اليوم بعد ساعات من بدء الجيش عملية عسكرية «واسعة النطاق» تهدف إلى طرد قوات الدعم السريع من آخر معاقلها في جنوب وغرب أم درمان و«تطهير» كامل منطقة العاصمة.
وبعد عامين من الحرب التي بدأت كصراع داخلي وانتهت إلى ما يشبه التقسيم الواقعي، يعاود السودان الانزلاق بسرعة نحو التفكك الكامل أمام أعين الجميع، فيما يراقب المجتمع الدولي، مرة أخرى، مأساة أفريقية تتكرر بلا رد فعل حاسم.
في البداية، بدت الحرب وكأنها نزاع داخلي محدود، لكن سرعان ما تحولت المعركة إلى صراع شامل على السلطة والموارد، وخرجت عن سيطرة الطرفين الرئيسيين.
واليوم، تسيطر قوات الجيش على الشمال والشرق، بينما تفرض قوات الدعم السريع هيمنتها على مناطق واسعة في الغرب، في مشهد يشي بتقسيم فعلي لا تعترف به الخرائط، لكن ترسمه الوقائع على الأرض.
ومع هذا التمزق، تكبر معاناة السودانيين. أكثر من 120 ألف قتيل، و13 مليون نازح، و25 مليون إنسان يواجهون خطر المجاعة، في بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي أراض زراعية في أفريقيا. إنها مأساة من صنع الإنسان، تغذيها المصالح، لا الحتميات.
ما يعمّق الأزمة ليس فقط تعنّت الأطراف المتحاربة، بل هشاشة تحالفاتها وتعدد ولاءاتها، فضلا عن التدخلات الخارجية. دول عربية ودول إقليمية وأخرى عالمية لكل منها مصالح وأطراف تدعمها، ما حوّل السودان إلى ميدان لتصفية الحسابات الإقليمية.
وبينما يتآكل مركز الدولة، تزداد شهية القوى الإقليمية للنفاذ إلى الثروات: الذهب، والأراضي، والموقع الجغرافي المهم عند البحر الأحمر.
التاريخ لا يُبشّر بالخير. تجربة جنوب السودان، التي بدأت بانفصال «سلمي» وانتهت بحروب أهلية داخلية، تذكير مؤلم بأن التقسيم ليس علاجا، حتى فكرة الهدنة تبدو، في الحالة السودانية، مجرّد وقف مؤقت لإعادة ترتيب التموضع قبل جولة قتال جديدة.
ورغم دخول أطراف دولية على خط الوساطة، فإن فشل كل جولات التفاوض يكشف حقيقة مرّة: لا أحد يملك مشروعا سياسيا موحدا لمستقبل السودان. لا الجيش ولا الدعم السريع، ولا حتى الجماعات التي تقف في الظل، تطرح رؤية تتجاوز اقتسام الغنائم.
كل طرف يحارب من أجل موقع، أو منفذ، أو مصلحة، لا من أجل وطن موحد أو دولة قابلة للحياة.
الأسوأ أن السودان يُدفع نحو سيناريوهات دول عربية أخرى مثل ليبيا واليمن: سلطات متنازعة، وحكومات موازية، وميليشيات تتكاثر بلا نهاية. أما المواطن السوداني، فليس له في هذا الانقسام سوى المزيد من النزوح، والجوع، وفقدان الأمل.
العالم اليوم يقف أمام خيار أخلاقي واستراتيجي: إما أن يتعامل مع السودان كأزمة إنسانية وسياسية تتطلب تدخلا دبلوماسيا حاسما، أو أن يتركه يتفسخ حتى تتلاشى الدولة كما نعرفها.
وعلى الدول الإقليمية التي تغذي الصراع من وراء الستار أن تدرك أن الانهيار الكامل لن يخدم أحدا، بل سيطلق فوضى عابرة للحدود.
يحتاج السودان إلى مشروع إنقاذ سياسي شامل، تشارك فيه القوى الإقليمية والدولية، وينطلق من الداخل السوداني لا من عواصم بعيدة حتى لو كانت عربية، وإلا، فإن ما نراه اليوم لن يكون سوى بداية لعقد أفريقي جديد من الدم.