إبراهيم شقلاوي يكتب: كامل إدريس .. رهانات اللحظة ومتغيرات السياسة
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
في ظل التحولات التي يشهدها السودان بعد سنوات من الحرب، جاء تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء ليشكّل لحظة محورية في مسار الانتقال السياسي. فهذه الخطوة، إلى جانب كونها خطوة نحو الاستقرار الإداري، تمثل رهانًا حقيقيًا على شخصية قادرة على مخاطبة الداخل والخارج، وعلى قيادة مرحلة حساسة تتطلب التوازن بين التطلعات الشعبية والمتغيرات السياسية والأمنية إقليميًا ودوليًا.
إذ يعاني السودان اليوم من تحديات متعددة، أبرزها استعادة الاستقرار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتجاوز حالة التشرذم السياسي . وفي هذا السياق، يُنظر إلى إدريس بوصفه خيارًا يحمل رمزية توافقية، وخطوة نحو إعادة ضبط إيقاع المرحلة الانتقالية. بالأمس أصدر الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة مرسومًا دستوريًا بتعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء، في قرار يُعد أول تعيين رسمي للمنصب منذ تعثر المسار الانتقالي، ويعكس تحولًا مهمًا في إدارة المرحلة.
توقيت هذا التعيين لا يخلو من دلالات مهمة، إذ يتزامن مع حالة من الفراغ المؤسسي وتصاعد الحرب باعتماد نمط المسيرات الاستراتيجية، ما يجعله محط أنظار الداخل والخارج. ويبدو أن ما يتمتع به إدريس من سجل أكاديمي ومهني، وعلاقات دولية واسعة، يُكسبه قدرة نسبية على التحرك وسط تعقيدات المشهد. غير أن الدعم الخارجي وحده لا يكفي لتجاوز الأزمات، فنجاح هذه المهمة يتطلب توافقًا وطنيًا صادقًا شكلا ومضمونا ؛ فبلادنا أحوج ما تكون إلى الاستقرار واستعادة الأمن والسلام.
إعادة بناء السودان لا تتوقف عند تعيين كفاءة فردية مهما بلغت مكانتها، بل تتطلب توافقًا سياسيًا شاملًا، وتحديدًا واضحًا لهياكل السلطة الانتقالية، وإرادة مشتركة لتجاوز المحاصصة والتجاذبات السياسية. إن السؤال الجوهري هنا لا يتعلق بشخص إدريس فقط، بل بمدى الصلاحيات التي سيُمنح إياها، وبقدرته على قيادة مرحلة تتسم بالهشاشة والتقاطعات والتداخلات المحلية والدولية.
وكما قال مهاتير محمد: “إن أعظم معركة تخوضها الدولة بعد الحرب ليست مع العدو، بل مع الذات: أن تنقذ مؤسساتها، وتعيد ثقة شعبها، وتصنع سلمها بالعدل”. وهذا تمامًا ما يحتاجه السودان في هذه اللحظة؛ معركة مع الذات السياسية، التي أثقلت كاهل الدولة وأضعفت مشروعها الوطني.
لا يمكن عزل هذا التعيين عن التحركات الجارية في الإقليم، سواء على مستوى الاتصالات الأمريكية والمصرية التي تجري هذه الايام ، أو مداولات مجلس الأمن ومنبر جدة. وجود شخصية مقبولة دوليًا مثل إدريس قد يسهم في تخفيف الضغوط الدولية على السودان، وفتح نوافذ للحوار. غير أن النجاح هنا لا يتأتى إلا إذا ارتبط بحاضنة داخلية حقيقية، وبرنامج حكومي يستند إلى رؤية اقتصادية وأمنية قابلة للتنفيذ، بجانب إعادة الإعمار ثم معاش الناس ، لا مجرد تسويات مؤقتة أو وعود نظرية.. ما عاد يثق فيها السودانيون.
تجربة الانتقال السياسي في السودان منذ 2019 أثبتت أن التوافقات الشكلية لا تصنع استقرارًا. المطلوب اليوم هو مشروع تأسيسي يعيد تعريف طبيعة المرحلة، ويرسم بوضوح وظائف السلطة الانتقالية، ويؤسس لمسار ديمقراطي قائم على العدالة وسيادة حكم القانون، لا على الترضيات. وهذا يستدعي إرادة سياسية صادقة، واعترافًا جماعيًا بأن الوقت لم يعد يسمح بالمراوحة، وأن عمر الانتقال (1180 يومًا) يجب أن يؤخذ بجدية، بحسب الوثيقة الدستورية المعدلة لعام 2025، التي مفترض أن تؤسس لمرحلة جديدة من الحكم الرشيد والتنمية المستدامة.
ورغم أن الدكتور إدريس لا ينتمي إلى أي حزب سياسي ، فإن حياده السياسي قد يكون عامل قبول مهمًا وراجحًا، إن حظي بدعم حقيقي من القوى السياسية والمجتمعية والإعلام. لكن غياب هذا الدعم، أو استمرار التنازع حول فكرة التأسيس للمرحلة الراهنة، قد يجعل من مهمته مستحيلة. فالتوازن مع المؤسسة العسكرية سيكون حاسمًا، وكذلك القدرة على إدارة العلاقات مع القوى السياسية.
ومن منظور وجه الحقيقة، يجب أن ندرك أن إدريس لن يقدّم حلًا سحريًا، بل ننتظر منه أن يُحسن إدارة هذه اللحظة التاريخية. نجاحه مرهون بمدى قدرته على تحويل هذا التعيين إلى فرصة وطنية شاملة، لا استجابة لضغوط ظرفية . وإذا أدركت النخب السياسية أن المعركة الحقيقية ليست مع الخصوم، بل مع الذات التي عطّلت المشروع الوطني، فقد يشهد السودان بداية جديدة. أما إذا تكررت أخطاء الماضي، فستكون هذه الخطوة مجرد صدى في فراغ سياسي متجدد، وحينها سيصعب استعادة الأمن و سيعزّ السلام .
إبراهيم شقلاوي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
تعديلات دستورية.. كامل إدريس رئيس الوزراء الجديد في السودان
أصدر رئيس "مجلس السيادة" السوداني، عبد الفتاح البرهان، الاثنين، قراراً بتعيين كامل الطيب إدريس، رئيساً جديداً للحكومة. كما أصدر مرسوماً بتعيين كل من سلمى عبد الجبار المبارك، ونوارة محمد طاهر، عضوين في "مجلس السيادة"، تمثلان وسط وشرق السودان.
اقرأ ايضاًوجاء قرار تعيين إدريس للمنصب بعد نحو 3 أسابيع من تعيين السفير دفع الله الحاج علي، رئيساً للوزراء لكنه لم يباشر مهامه، عقب قلق مجلس الأمن الدولي "البالغ" إزاء ميثاق وقعته "قوات الدعم السريع" وحلفاؤها حول تشكيل حكومة، محذراً من أنه قد يؤدي إلى تفاقم الحرب والأزمة الإنسانية في السودان.
وقالت وسائل إعلام إن تعديلات أجريت على الوثيقة الدستورية، تمثلت في تمديد المدى الزمني لسريان الوثيقة لفترة لا تتجاوز 39 شهراً وتبدأ من تاريخ إجازتها ونشرها ما لم يتم توافق وطني أو قيام الانتخابات العامة.
كما نصت التعديلات على تكوين مجلس السيادة من 11 عضوا، ستة منهم من القوات المسلحة، وثلاثة من أطراف اتفاق جوبا للسلام وتمثيل المرأة والأقاليم.
ونصت التعديلات أيضاً على تشكيل مجلس وزراء من كفاءات مستقلة لا يتجاوز عددهم 26 وزيرا، ويتولى مجلس السيادة تعيين رئيس الوزراء.
كما منحت الوثيقة البرهان حق تعيين رئيس الوزراء وإعفائه بعد توصية من السلطة التشريعية الانتقالية.
اقرأ ايضاًويشهد السودان منذ أكثر من عامين حرباً مدمرة بين الجيش و"قوات الدعم السريع" أدت إلى مقتل نحو 150 ألف شخص، ونزوح أكثر من 12 مليوناً، وخلق ما تسميه لجنة الإنقاذ الدولية "أكبر أزمة إنسانية تم تسجيلها على الإطلاق".
المصدر: وكالات
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محرر أخبار، كاتب وصانع محتوى عربي ومنتج فيديوهات ومواد إعلامية، انضممت للعمل في موقع أخبار "بوابة الشرق الأوسط" بعد خبرة 7 أعوام في فنونالكتابة الصحفية نشرت مقالاتي في العديد من المواقع الأردنية والعربية والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اقرأ ايضاًاشترك الآن